لقد مرّ أسبوعٌ منذ أن أوكلتُ العمل إلى رون.
عندما مررتُ في المرة السابقة بدا أن الأشغال ستنتهي قريبًا. و بحسب قوله، هناك بعض الناس الذين يتطلعون لافتتاح المتجر من جديد.
‘حسنًا، بما أنه يبالغ دائمًا، فلا يمكنني أن أصدقه كليًا.’
عبثتُ بجوهرة التفعيل كعادتي. وبينما أنا على غير انتباه، تراكم قدر لا بأس به من الطاقة السحرية فيها.
كانت الكرة شفافةً تمامًا في البداية، لكنها امتلأت تدريجيًا باللون الأبيض كلما نفختُ فيها السحر، حتى امتلأ أكثر من نصفها.
قررتُ أن أُشغّل جهاز صناعة الجرعات ابتداءً من اليوم، لأبدأ بتخزين كميات من الدواء. و كنتُ في انتظار دانتي، فقد قال إنه سيساعدني في تحضير الجرعات.
وكانت تلك المرة الأولى التي يزور فيها دانتي قصر الكونت رسميًا بذريعة مساعدتي في عملي.
“ما زال هناك وقتٌ طويل حتى يحين موعد قدوم دانتي..…”
وضعتُ جوهرة التفعيل على الطاولة الجانبية وهممتُ بالجلوس على السرير، حين طرق أحدهم الباب.
“ادخل.”
فُتح الباب وظهرت خصلة شعر كهرماني تتسلل بخفة.
“ليج، هل عدتِ من المنزل بسلام؟”
لقد كانت ليج، التي عادت من مسقط رأسها بعد إجازة استمرت ثلاثة أيام.
“نعم سيدتي..…”
كانت ليج تعبث بأصابعها وهي تهمهم في نهاية حديثها، تتفحص تعابير وجهي بعينيها المتجولتين قبل أن تسأل.
كان تصرفها مريبًا للغاية، إذ بدت وكأنها تخفي شيئًا خلف ظهرها وتتملكها حالة من القلق.
“أمم…..سيدتي الكونتيسة، أليس من الأفضل أن تبدّلي ملابسكِ الآن؟”
“ملابسي؟ لماذا؟”
نظرت إلى فستاني الأزرق الفاتح عندما سمعت كلام ليج.
إنه الفستان الذي ألبستني إياه الخادمة صباحًا لأقابل الضيوف فور استيقاظي.
“لقد ارتديت هذا في الصباح.”
عضّت ليج شفتها السفلى بانزعاج، ثم نظرت إلي بعينين لامعتين وأخرجت فجأةً شيئًا كانت تخفيه خلف ظهرها منذ دخولها.
وتحت ضغط إصرارها، تناولته منها من غير وعي.
“ما هذا بالضبط؟”
عندما فتحته لأتفقده، كان فستانًا بيجي اللون، بسيطًا تمامًا بلا أي زينة، باهتًا وبلا ذوق.
“ما هذا؟”
“غيّري ملابسكِ بهذا من فضلكِ.”
“قلتُ لكِ، لماذا عليّ أن أغيّر ملابسي أصلاً؟”
تجنبت ليج نظراتي وترددت في الكلام.
وحين حدقتُ فيها بإصرار، تنهدت أخيرًا وتحدثت بصوت خافت،
“أليس من المفترض أن يأتي ذلك الشخص اليوم؟”
“ذلك الشخص؟”
“أقصد ذلك الشخص الذي كنتِ تنتظرين رده في المرة السابقة! صاحب الشائعات المرعبة!”
رمشت بعيني وأنا أحدق فيها دون أن أفهم تمامًا ما الذي تقصده.
ثم فجأة، تذكرت الأيام الأولى التي تلبّست فيها جسد إيرفين. عندما كنت أبحث عن وسيلةٍ للبقاء على قيد الحياة، فكتبت رسالةً على عجل إلى دانتي، وتعرضت للتوبيخ من ليج بسبب ذلك.
في تلك الفترة، سمعت لأول مرة عن الشائعات التي تحيط بدانتي.
“قالوا أنه لم يغادر برج السحر ولو مرة لأنه شخصٌ كئيب. و أن وجهه قبيح بدرجة لا تُطاق…..وجسده ضعيف كخرقةٍ مهترئة، أو هكذا قالوا، على ما أظن.”
لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أعرف دانتي شخصيًا. فكيف يمكن أن تكون الحقيقة مناقضةً تمامًا لكل ما يُقال؟
لو عرف دانتي بهذه الشائعات، فبالتأكيد سيشعر بالذهول واللاجدوى.
“لماذا تضحكين؟”
“عندما ترينه لاحقًا، ستفهمين لماذا أضحك.”
“لا أفهم ما تعنينه.”
قطّبت ليج حاجبيها ونفخت شفتيها بتذمر.
“لكن على أي حال، لماذا قلتِ أن عليّ أن أبدل ملابسي؟ سأستقبل شخصًا ذا شأن من برج السحر، وهذا الفستان لا يليق بالمناسبة.”
قلبتُ الفستان البيج بين يديّ ثم وضعته بلا مبالاة على السرير.
لكن ليج التقطته مجددًا بسرعة، وقرّبته من جسدي، وقالت بجديّة واضحة،
“لأنني قلقةٌ عليكِ يا سيدتي، هذا كل ما في الأمر.”
“قلقة؟ قلقة من ماذا؟”
ما الذي يدعو للقلق أصلًا؟
ضيّقت ليج عينيها واقتربت من وجهي وقالت،
“ذلك الساحر، أليس صحيحًا أنه لم يغادر برج السحر أبدًا وبقي هناك طوال الوقت؟”
“صحيح، لكن؟”
وما المشكلة في ذلك؟
“بما أنه لم يختلط بالناس، فلا بد أنه شخص غريب وليس لديه أي مهارات اجتماعية، فماذا لو وقع في حبكِ يا سيدتي؟ بل أنا متأكدةٌ أنه وقع في حبكِ من النظرة الأولى.”
“ماذااا؟!”
كنت جالسةً بلا مبالاة، ثم صرخت فجأةً مندهشة من كلامها المفاجئ.
“رجلٌ قضى حياته كلها في برج السحر يخرج فجأةً إلى العالم الخارجي، ثم يلتقي بسيدتي الكونتيسة ويتحدث معها ويقضي وقتًا برفقتها؟ طبيعيْ أن تنشأ في قلبه مشاعر! وخاصةً أنكِ جميلةٌ جدًا. لا يوجد رجل يمكنه مقاومة ذلك!”
“أنتِ…..أنتِ! ما الذي تهذين به؟!”
“سيدتي الكونتيسة، أنا أتحدث بمنتهى الجدية.”
يبدو ذلك فعلًا…..لكن هذا ليس جيدًا.
لوّحتُ بيدي تجاه ليج التي كانت تنظر إلي بعينيها البنيتين اللامعتين.
“ليج، ما تفكرين فيه مستحيلٌ أن يحدث، فلا داعي لهذا القلق.”
“بل سيحدث، لا محالة. الساحر الغامض والمخيف الذي تتحدث عنه الشائعات، من المؤكد أنه مغرمٌ بكِ يا سيدتي.”
قالت ليج ذلك بلهجة قاطعة، ثم رفعت قبضتها الصغيرة بحماس وأردفت،
“هل تراهنينني؟”
لم أتمالك نفسي من الابتسام وأنا أنظر إلى ليج الجريئة.
“حسنًا، موافقة، فلنراهن. لكن هناك شيءٌ واحد فهمتِه خطأ.”
“ما هو؟”
“الساحر ليس قبيحًا. بل على العكس تمامًا.”
ابتسمتُ بخفة وأنا أنظر إلى ليج التي أمالت رأسها باستغراب.
***
دانتي جاء إلى قصر الكونتيسة. و على متن عربة مزينة بشعار عائلة الكونت نفسها.
فُتح باب العربة وظهرت خصلة من شعره الأسود أولًا.
“أهلًا بك، سيدي الساحر.”
بسبب صوتي الذي خرج فجأة، توقف دانتي وقد همّ بالنزول من العربة، ثم تجمد في مكانه. ثم رفع رأسه وهو لا يزال ممسكًا بباب العربة.
“أوه..…”
“يا إلهي، مذهل.”
الخدم الذين رأوا وجه دانتي لم يتمالكوا أنفسهم، رجالًا ونساءً على حد سواء، وأطلقوا تعبيرات إعجاب مندهشة.
وحين نزل دانتي تمامًا من العربة، تصاعدت الهمهمات من حوله.
ومع ازدياد الضجة، تردد دانتي في الاقتراب مني، وتراجع إلى الخلف خطوة.
“هـ….هل كانت رحلتكَ مرهقة؟”
سارعت بالكلام حتى أوقفه، فهز رأسه مجيبًا بالإيجاب وتوقف عن التراجع.
خشيت أن يفرّ فجأة، فسارعت بخطاي نحوه وتحدثت مرة أخرى،
“هل أتيت وحدكَ؟ لم يكن ليُمانع أحد لو جئت مع السيد كايدن!”
قطّب دانتي حاجبيه وهو ينظر إلى الخدم من خلف كتفي، ثم فتح فمه،
“لأني أُفضّل أن نكون وحدنا.”
“ماذا؟”
هل سمعتُه بشكلٍ صحيح؟
نقل دانتي نظره إليّ مجددًا وأعاد قوله،
“الوجود معكِ فقط مريحٌ بالنسبة لي.”
“آه..…”
هكذا إذاً…..هذا ما يقصده.
ظننته يقصد شيئًا آخر للحظة، ربما بسبب ثقة ليج الزائدة بكلامها.
“إذاً، هل ندخل الآن؟”
عندما رأيته يومئ برأسه، استدرت وأخذت أُكمل طريقي، وكان دانتي يسير خلفي مباشرة.
خاصةً عندما مررنا بجانب الخدم، أمسك طرف كمّ ردائي برفق.
كان الخدم يراقبوننا ونحن نبتعد، ثم ما لبثوا أن بدأوا يتحدثون بصوت عالٍ.
“واو! هذا جنون! لم أرَ شخصًا بهذا الجمال في حياتي!”
“كان طويل القامة أيضًا. أليس أطول من فرسان عائلة الكونت؟”
“هل رأيتِ لون عينيه؟ كان جميلًا جدًا!”
وعندما شارفنا على الوصول إلى مدخل القصر، التفتُّ قليلًا إلى الخلف.
في البداية فوجئت لأن دانتي كان أول من التقت به عيناي، لكن ما لبثت أن لاحظت رأسًا صغيرًا يطل بجانبه…..وكانت ليج تنظر إلي مباشرة.
ثم حرّكتُ شفتي بصمت وأنا أنقل الكلام إلى ليج دون صوت،
‘ما رأيكِ؟ وسيم، أليس كذلك؟’
ابتسمتُ لها ابتسامةً واسعة، و عندما رأيتها تهز رأسها بعنف، أرسلت لها غمزةً مازحة، ثم دخلتُ القصر برفقة دانتي.
***
في غرفة الاستقبال، أبقينا الحد الأدنى من الأشخاص وطلبنا من البقية الانصراف. و كان جهاز تحضير الجرعات السحرية قد نُقل إلى الغرفة مسبقًا.
ليج كانت تصبّ الشاي وهي تلمح وجه دانتي بنظرات خاطفة. وحين جلستُ أمامه، حاولت كتم ضحكتي بكل ما أوتيت من قوة، ثم وجهت إليه الكلام،
“هل هذه أول مرة تركب فيها عربةً بمفردكَ؟ ألم يكن الأمر متعبًا؟”
“لا بأس. فأنا لم أكن بداخلها في الأصل.”
“عذرًا؟ لكنكَ نزلت منها للتو، فكيف ذلك..…؟”
أملت برأسي متعجبة، فأجاب دانتي وهو يرمش ببطء،
“انتقلت إلى داخل العربة عند اقترابنا من الوصول. فظننت أن عدم نزولي منها قد يُحرج إيرفين.”
خرجت مني ضحكةٌ دون أن أشعر. و رغم أنني لم أعرفه منذ وقت طويل، إلا أنني شعرت بشيء واضح خلال الوقت القصير الذي قضيته معه.
هذه كانت طريقته الخاصة في اللطف.
“حسنًا، فلنبدأ إذًا؟”
قلت ذلك بابتسامة، فنهض دانتي من مكانه، وأخذ كرة التشغيل من على الطاولة، ثم وضعها على الجهاز. فأضاء الجهاز وبدأ بالعمل.
فاتسعت أعين ليج والخدم الآخرين الذين كانوا يرمقوننا بنظرات خاطفة.
‘أليس مذهلًا؟ حتى أنا أراه مذهلًا…..لكن لا يمكنني إظهار ذلك الآن.’
كنت أرغب في أن أبدو مهيبة أمام الخدم، فاقتربت من الجهاز متظاهرةً بالهدوء. و وضعت الأعشاب والماء المحضّر مسبقًا، فبدأ الجهاز يتحرك ببطء مدفوعًا بالقوة السحرية.
راحت الأجزاء تتحرك بعنف، تطحن الأعشاب وتستخرج عصارتها وتمزجها، ثم تسكب السائل في قوارير صغيرة واحدة تلو الأخرى.
المشهد كان مدهشًا حقًا، فلم أتمالك نفسي من التحديق طويلًا. حتى أنني لم ألاحظ اقتراب دانتي إلى جانبي.
“هل هو مدهشٌ لهذه الدرجة؟”
“آه! لقد أفزعتني! متى وصلت إلى جانبي؟”
“…..ألم تلاحظي وجودي؟”
نظر إلي دانتي من الأعلا وابتسم بخفة.
“أنا واقفٌ هنا منذ وقتٍ ليس بالقصير. بجانبكِ، إيرفين.”
__________________
متى الاعتراف ياشيخ دامك صريح كذا😭😭
ليج عساها سمعته عشان تعلم ايرفين انه يحبها واضح ايرفين تنتظر الاعتراف معنا✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 47"