“هاها، حسنًا…….”
أجبت بإجابةٍ مبهمة، وسرعان ما وصلت العربة إلى منطقة المتاجر. فنزلنا من العربة ومشينا باتجاه المتجر دون أن نتبادل أي حديث.
ولحسن الحظ، لم نبتعد كثيرًا حتى ظهرت لنا في نهاية السوق ورشةٌ قيد الإنشاء.
“واو، هل بدأوا فعلاً؟ إنه أسرع مما توقعت بكثير.”
كانت المواد الخام مبعثرةً في الجوار، وآثار البناء واضحة.
لكن لم ألبث أن أُعجبت حتى بدأت أبحث عن رون لأريه دانتي. لكني لم أجده في الخارج، ففتحت الباب بحذر ودخلت إلى الداخل.
“رون؟ هل أنتَ هنا؟”
لم أره في الداخل أيضًا، فناديت باسمه. و عندها سُمِع صوتٌ قادم من ناحية المخزن.
“سيدتي الكونتيسة؟!”
ثم رأيت ظل شخصٍ يخرج على عجل. و كان رون.
‘لماذا يخرج من المخزن؟ لا يزال جهاز السحر في الداخل.’
لأنني كنت أرتاب في احتمال أن يكون رون ساحرًا أسود، شعرت بقلقٍ متصاعد، فنظرت إلى دانتي بطرف عيني وأشرت برأسي نحو رون الذي ظهر.
دانتي، الذي حدق برون ذو الابتسامة الهادئة لبرهة، هز رأسه نافيًا. فتنفست الصعداء دون أن أشعر، وكأن التوتر انزاح عني فجأة.
رون، الذي بدا مستغربًا من رد فعلنا، بادر بالكلام.
“سيدتي الكونتيسة؟ هل حدث شيء؟ لا تبدين بحالةٍ جيدة. من هذا الشخص؟ هل تعرفينه؟”
راقبت رون بصمتٍ وهو يقول ذلك، و حاجباه معقودان بقلق كما لو كان قد انشغل عليّ.
هل يمكن أن يكون رون حقًا ساحرًا أسود؟ حتى الآن لا يزال يتوتر من أجلي قلقًا، وتقولون أنه سرق قواي السحرية؟
شخصٌ يبادلني ابتسامةً بريئة دون أن يعرف السبب حتى، فقط لأني ابتسمت له كي لا يساء فهمي؟
‘أستطيع أن أشك في كلبٍ عابر ولا هو.’
طردت تلك الفكرة السخيفة التي راودتني بلا سبب، ثم أجبت رون.
“هو حارسي الساحر، وسيصبح شخصًا مهمًا جدًا في هذا المتجر.”
خشيت أن يُفهم من كلامي أنه مهمٌ لسبب آخر، فحرصت على توضيح أنه حارس. ولحسن الحظ، لم يبدو عليه الشك.
و رون، بشخصيته الاجتماعية، مد يده مبتسمًا نحو دانتي ليحييه.
“مرحبًا! اسمي رون! أُوكل إليّ من قِبل سمو الأمير كاين مهمة ترميم متجر الكونت كوينيارديل. أرجو أن نعمل معًا بشكلٍ جيد!”
يا له من شابٍ ثرثارٍ حقًا……
لكن دانتي لم يكن من ذلك النوع أبدًا. و اكتفى بالنظر إلى يد رون الممدودة، ثم أومأ برأسه دون أن يصافحه.
رغم تجاهل يده، لم يُبدِ رون أي انزعاج، بل ضحك بود قائلًا أن دانتي يبدو شخصًا خجولًا.
‘ربما لا يوجد الكثير ممن يمكنهم التعامل مع دانتي هكذا، على الأرجح……’
لكن إن لم يكن رون، فهل يعني ذلك أن الساحر الأسود حقًا من عائلة هايفن؟
كيف يمكنني التحقيق في الأمر؟ عندما لا يكون إيدن و الدوق و الدوقة في القصر، أليس كذلك؟
‘لا، مستحيل.…’
رغم أنني حاولت طرد ذلك الشك، لكنه تسلل إليّ بخفة: “ماذا لو……؟”
لأنني لم أرَ الأمر بأم عيني كما فعلتُ مع رون، فلم أستطع الجزم بعد.
‘سيتوجب عليّ زيارة قصر الدوق مع دانتي قريبًا. من الأفضل التأكد بنفسي.’
على أي حال، بما أنني تأكدت من أن رون ليس ساحرًا أسود، فقد حان وقت العودة. فالبقاء هنا أكثر لن يجدي نفعًا.
لكن رون، الذي لم يكن يعلم بنيّتي، مال برأسه وسألني باستغراب،
“بالمناسبة، ما الذي جاء بكم، أنتِ وسيد الساحر الحارس، إلى هنا؟”
من الطبيعي أن يتساءل، فوجودنا معًا وسؤالنا عنه لم يكن أمرًا اعتياديًا. و لحسن الحظ، كنت قد حضرت عذرًا مسبقًا لهذا.
“في الواقع، جئنا لأخذ شيءٍ من المخزن.”
“أتعنين جهاز تحضير الجرعات ذاك؟”
أومأت برأسي بينما كان يشير إلى داخل المخزن. فردّ متعجبًا،
“وكيف ستأخذون شيئًا بهذا الحجم؟ إنه كبير، والمتجر يقع في نهاية السوق، فالعربة بعيدةٌ نوعًا ما.”
لكن دانتي لم يجبه بكلام، بل رد عليه بالفعل. فقد دخل المخزن بخطواتٍ واثقة، وفتح الباب على مصراعيه ليريه كيف سيتم الأمر.
ثم مد يده نحو الجهاز وتمتم ببعض الكلمات. وفجأة، اختفى الجهاز الضخم الذي كان يحتل منتصف المخزن.
“واو! تمتلك قدراتٍ مذهلة حقًا! لا عجب أن الكونتيسة اختارتكَ كساحرٍ حارس! لم أرَ شيئًا كهذا في حياتي!”
صفّق رون بفرح ولم يتمالك نفسه من الإعجاب. أما أنا، فمع أنني لم أُظهر دهشتي بنفس طريقته، فقد شعرت بالذهول في داخلي.
ورغم أن دانتي أوضح بنفسه سبب قدومه، شعرت أن عليّ إضافة بعض التوضيح، ففتحت فمي،
“ذلك الجهاز ثمينٌ جدًا، وخشيت أن يتعرض للتلف أثناء البناء أو أن يعوق العمل، لذا جئت مع الساحر لأخذه. أعتذر إن كان وجودنا مفاجئًا.”
ابتسم رون ببشاشة ولوّح بيديه نافيًا.
“لا داعي للاعتذار يا سيدتي الكونتيسة. على العكس تمامًا، يجب أن أشكركِ لأنكِ أتحتِ لي رؤية مشهدٍ رائع كهذا.”
ثم بدأ يشرح لنا حال سير أعمال البناء.
رغم أن اليوم كان اليوم الأول، إلا أن التقدم كان مبشرًا، وأخبرنا بأن الانتهاء سيتم أسرع مما كان متوقعًا. و كما وعد بإرسال تحديثاتٍ عن سير العمل برسائل لاحقة.
و كنت مرتاحةً لأنه شابٌ لبق وكفء في عمله.
“إذاً، رون، سأُوكل إليكَ أمر المتجر في هذه الفترة.”
“لا تقلقِ، سأعيده كما لو كان جديدًا تمامًا!”
غادرنا المتجر بعد أن ودعنا رون، المليء بالحيوية والثقة. وبينما كنا في طريقنا نحو العربة، تحدثتُ إلى دانتي.
“على الأقل لم يكن هو، وهذا يبعث على الارتياح. شكرًا لمجيئكَ معي، سيدي الساحر.”
فأجاب دانتي، الذي كان واقفًا طوال الوقت بوجهٍ متجهم،
“من المبكر الجزم بشيء. قد يكون الأمر مخفيًا عمدًا.”
“……وماذا علينا أن نفعل إذًا؟”
“قلتِ أن الشخص الآخر في قصر الدوق هايفن، أليس كذلك؟”
“نعم……”
تمتم دانتي لنفسه بكلمات “قصر الدوق هايفن” مرتين، ثم تحدث،
“سأتولى التحقيق بنفسي. وبما أنكِ تبدون مقربةً منهك، سأتوخى الحذر حتى لا يُكشف أمري.”
“أنا ممتنةٌ جدًا لكَ……لكن، ألن يكون الأمر مرهقًا عليكَ؟”
كنت مندهشةً من هذه المبادرة غير المعتادة من دانتي، وفي نفس الوقت قلقةٌ عليه.
فرد دانتي بهدوء وهو يهز كتفيه،
“لا بأس. إنها مهمةٌ يجب القيام بها.”
“مهمة يجب القيام بها؟”
“في هذا البلد، السحر الأسود محظور. وبرج السحر مسؤولٌ عن القضاء على السحرة السود.”
كنت أظن أن برج السحر يقتصر على صنع أدوات السحر والجرعات وقيام السحرة بالأبحاث، لكن يبدو أن لهم مهاماً أخرى أيضًا.
شعرت وكأنني اكتشفت أمرًا جديدًا تمامًا. فأومأت برأسي لدانتي.
“إذاً، سأترك لك مهمة القبض على الجاني. وإذا كان بإمكاني مساعدتكَ بشيء، فلا تتردد في إخباري! فدخول قصر هايفن بالنسبة لي ليس بالأمر الصعب أبدًا.”
رغم أن الجاني لم يُكشف تمامًا بعد، إلا أن القضية انتهت مؤقتًا. و عدنا مباشرةً إلى قصر كوينيارديل.
قبل أن أنزل من العربة، سبقني دانتي باستخدام السحر ليصل إلى غرفتي، أما أنا فصعدت على قدمي. وعندما فتحت الباب ودخلت، وجدت جهاز تحضير الجرعات السحرية الذي أرسله دانتي بالسحر من المتجر، وقد استقر في مكانه.
“كان يبدو ضخمًا جدًا في المخزن، لكنه لا يبدو كذلك الآن.”
من الطبيعي أن يبدو أصغر في غرفةٍ تزيد في حجمها عشرات المرات عن المخزن.
أومأ دانتي برأسه كجواب، ثم أخرج شيئًا من بين طيات ملابسه. و كانت أداةً سحرية تُستخدم لتشغيل الجهاز عبر ضخ الطاقة السحرية فيه.
“تفضلي.”
أخذت الكرة السحرية التي مدّها لي.
كانت كبيرةً وثقيلة لدرجةٍ فاجأتني قليلًا حين أمسكت بها، رغم أنها بدت صغيرةً في يدَي ليو و دانتي.
يبدو أن أيديهما ضخمةٌ حقًا.
لاحظ دانتي شرودي، فضرب طرف جبهتي مرتين وأرسل إليّ نظرةً تخبرني بالتركيز.
“سأخبركِ بأهم ما يجب معرفته لتشغيل الجهاز.”
“نعم!”
لكنني لم أتمالك نفسي أمام جديّته، و شعرت برغبةٍ في الدعابة، فرفعت يدي عاليًا وهتفت بصوت عالٍ.
ارتبك دانتي قليلًا ورفرف بجفنيه سريعًا، ثم ابتسم خفيفًا وتابع حديثه.
“رغم أنه يبدو صغيرًا، إلا أن هذه الأداة تتطلب كميةً هائلة من الطاقة السحرية. بل يمكنها حتى احتواء طاقة سحرية قديمة.”
ربما لأن مديح الأداة السحرية يُعد مدحًا غير مباشرٍ لليو، بدا أن دانتي كان يضغط شفتيه مرارًا وهو يتحدث. ومع ذلك، لم يستطع إخفاء شعور خفيفٍ بالفخر، مما جعله يبدو متناقضًا.
“عندما تطلقين طاقتكِ السحرية، ستقوم الأداة بامتصاصها تلقائيًا. ولكن هناك أمرٌ واحد……”
ظننت أنه أنهى كلامه، فبدأت بإخراج طاقتي السحرية. وكما قال، بدأت الكرة تمتصها من تلقاء نفسها.
وبينما كنت أحدق في هذا المشهد المدهش مذهولة، وضع دانتي يده بلطف على يدي التي تمسك بالكرة. فشعرت وكأن هناك شيئًا يضغط من الأعلى ويمنع طاقتي من التدفق.
“إيرفين.”
رفعت رأسي بسرعةٍ عندما سمعت صوته المنخفض من فوقي. وفور أن تلاقت عيناي بعينيه الذهبيتين الساطعتين، شعرت أن جسدي قد تجمد.
واصل كلامه بنبرةٍ فيها قليلٌ من التأنيب و قليلٌ من اللطف،
“هناك أمرٌ واحد عليكِ الحذر منه.”
“آه……أنا آسفة.”
ابتسم دانتي برقة و أكمل.
“لأن الأداة تمتص الطاقة السحرية فور انبعاثها، عليكِ أن تضخي كميةً صغيرة فقط. فبالنسبة للساحر، الطاقة السحرية تُعادل طاقة الحياة، وبما أنكِ لا تزالين غير متمكنة في استخدامها، يجب أن تكوني حذرة.”
شعرت بالخوف قليلًا، إذ بدا و كأنه يحذرني من أن الأداة قد تمتص طاقتي حتى آخر قطرة. وخصوصًا بعدما رأيت كيف كانت تمتص الطاقة منذ لحظات، بدت الفكرة واقعيةً ومخيفة أكثر.
ألقى دانتي نظرةً إلى وجهي المتجمد قليلًا. ثم فجأة لمس وجنتي، مما جعل توتري يتلاشى.
“نعم! سأكون حذرة!”
ابتسمت ابتسامةً خجولة لأتجاوز الموقف، فرفع دانتي زاوية فمه بدوره بابتسامةٍ مشابهة.
____________________
كل ذاه ولا يدري انه يحبها؟ ياهوه تراك واضح😭😭
وهو يناديها ايرفين يجننننننننن🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 46"