“هل تعني أنني متّسخة……؟”
تمتمت بضيقٍ وأنا أنظر إلى ليو بنظرةٍ ممتعضة. حينها أطلق ليو ضحكةً ساخرة وتقدّم نحوي.
“أيتها الصغيرة، من أين أتيتِ الآن؟”
سألني بنظراتٍ ساخرة وكأنه يلاعب طفلةً صغيرة.
“من قصر الدوق هايفن.”
“الدوق هايفن؟ ما هذا المكان؟”
“إنه مجرد قصرٍ دوقي……”
“هل هو من العائلات المتخصصة بالسحر؟”
“لا، إنهم فقط سلالةٌ من سادة السيف عبر الأجيال.”
عقد ليو حاجبيه أكثر، وأمال رأسه وكأنه لم يفهم.
“إذًا، من أين علقت بكِ تلك الهالة القذرة؟”
قال الجملة نفسها من جديد. فشعرت بالضيق ورفعت صوتي قليلًا موجّهةً كلامي إلى ليو.
“ماذا تعني بكلامكَ هذا؟ ما القذارة التي تتحدث عنها؟”
يبدو أن انزعاجي لم يعجبه، فبردت نظراته فجأة. وكانت عيناه قد تحوّلتا بالفعل إلى اللون الأحمر.
شعرت بالخطر، لكن كان الأوان قد فات. فقد رفع يده للأعلى، وشعرت بوخزٍ في موضع الجرح القديم، ولم أتمكن من الحراك.
قبل أن يقترب مني أكثر، ظهر شيءٌ ما فجأةً أمامي.
“قلتُ لكَ إن لمستها سأقتلكَ.”
كان ظهر دانتي هو من سدّ عني الرؤية. و كان يزمجر بصوتٍ منخفض موجّهًا حديثه نحو ليو.
عند رؤية دانتي بهذه الهيئة، تراجع ليو بخفةٍ وبدّد الهالة الباردة التي كانت تحيط به.
لم يبتعد سوى خمس خطواتٍ حتى استدار دانتي ناحيتي.
“أشعر بآثار السحر الأسود عليكِ.”
“……سحرٍ أسود؟”
من غير الممكن أن يُشعر بشيءٍ كهذا مني. فلا أحد من حولي يستخدم السحر الأسود، وهذه هي أول مرة أسمع عن وجود سحر أسود في هذا العالم أصلًا.
صحيحٌ أنه عالم فيه سحر، لكن لم يكن بين الشخصيات من يستخدم السحر الأسود.
‘لماذا يُشعر بشيءٍ كهذا مني؟’
لا بد أن أحد الأماكن التي زرتها مؤخرًا فيه من يستخدم السحر الأسود.
لكني كنت متأكدة أن هذا غير ممكن. فالأماكن التي زرتها مؤخرًا لم تتعدَ قصر كوينيارديل، وبعض المتاجر، وقصر الدوق هايفن. ولم يعلّق أيٌّ منهم على شيء كهذا عندما التقيت بهم مؤخرًا.
بل إن دانتي وكايدن زارا قصر كوينيارديل بأنفسهما.
‘هذا يعني أن المشكلة ليست في القصر……’
في اليومين الأخيرين، الشيء الوحيد المختلف أو الجديد كان أمرين فقط،
الأول هو رون الذي قدّمه لي كاين، والثاني هو ذهابي لقصر الدوق هايفن.
هل من الممكن أن أحد هذين المكانين فيه ساحر أسود؟
“ألا تظنان أنكما مخطئان؟”
“وهل تظنين ذلك؟”
ردّ ليو بنبرةٍ تهكّمية حين طرحت سؤالي عليهما بعدم تصديق.
فمن هما؟ أحدهما سيّد برج السحر، والآخر ساحرٌ عظيم لا يقل عنه مكانة……هل يُعقل أن يُخطئا؟
زمّ دانتي وجهه بغضب وحدّق في ليو، ثم التفت إليّ وسأل،
“هل شعرتِ بتعبٍ مفاجئ مؤخرًا؟”
في الحقيقة……نعم، و لازلت أشعر بالتعب حتى الآن.
لا، إذا فكّرت جيدًا، فقد بدأتُ أشعر بإرهاق غريب منذ يومين تقريبًا.
أومأت برأسي ببطء، فتمتم ليو متذمّرًا وكأنه كان يتوقّع هذه الإجابة.
“هل لديكِِ شكٌ بشخص ما؟”
“لا……لا يوجد أحدٌ أظنه كذلك فعلًا……”
هل من الممكن أن يكون رون الذي قدّمه لي ولي العهد ساحرًا أسود؟ و هل تعمّد قبول طلبي لسبب ما؟
وإن لم يكن هو، فهل هو أحد أفراد قصر الدوق هايفن؟
عدد أفراد القصد كبير، ولا يمكنني تخمين من قد يكون……
“من الأفضل أن تكوني حذرةً في الفترة المقبلة. يبدو أن جزءًا من طاقتكِ السحرية قد سُرق.”
“……طاقتي السحرية؟”
“نعم، تدفّق المانا لديكِ تغيّر كثيرًا.”
كانت كلمات دانتي صادمةً للغاية، لدرجة أنني لم أستطع التفكير في رد مناسب.
“تعنيان أن أحد الأشخاص الذين التقيتُ بهم خلال اليومين الماضيين ساحرٌ أسود، وأنه سرق مني طاقتي السحرية……هذا ما تقصدانه؟”
حين سألتُهما وأنا أحاول استيعاب الموقف، أجاب دانتي وليو الواحد تلو الآخر،
“نعم، هذا صحيح.”
“أخيرًا فهمتِ؟ أيتها الصغيرة. هل تعانين من مشكلةٍ في الذكاء؟”
المصّاص الدماء اللعين هذا……أنا بالكاد أستوعب ما يحدث، وهو لا يكفّ عن إغاظتي!
رمقته بنظرةٍ حادّة، لكنه أخرج لسانه بمكر ليغيظني أكثر. فتنهدت ببطء من أنفي وهززت رأسي.
“هل تعتقدان أنه من الأفضل أن أكتشف من هو الفاعل؟”
إذا كان من عائلة الدوق هايفن، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت……أما إن كان “رون”، فسأقابله غدًا على أي حال.
“هل تشكّين في شخصٍ بعينه؟”
“ليس بالضبط، لكن سموّ الأمير كاين هو من عرّفني على أحد صنّاع القصر-”
حين هممت بإكمال الحديث بجدية، قاطعني ليو فجأة،
“لحظة. كاين، ذاك الصغير، أصبح وليًّا للعهد؟ متى حدث هذا؟”
“أتعرفه، يا سيدي؟”
“أليس هو ذاك الجبان الذي كان لا ينام من شدة الخوف؟”
للوهلة شعرت أن كاين، رغم طباعه الهادئة والمحبوبة، كان سيثور لو سمع هذا الكلام.
“لقد مضى وقتٌ طويل على ذلك.”
“حقًا؟ ذلك الجبان أصبح وليًّا للعهد؟ كيف سيتولّى الحكم إذًا؟ يا لها من أمةٍ ميؤوس منها~.”
هزّ ليو رأسه ساخرًا وهو يطلق ضحكةً ساخرة.
و رغم أنني كنت أتوق لمعرفة تفاصيل العلاقة بينه وبين كاين، إلا أن الوقت لم يكن مناسبًا لذلك.
“على أي حال، صاحب السمو كاين قد قدم لي هذا الصانع، وتزامن ذلك مع لقائي الأول به قبل يومين فقط.”
“قد يكون هو ذلك الوغد.”
“أظن أنه من الممكن أن يكون كذلك. ماذا لو كان هو فعلاً؟ من المحتمل أن ألتقيه قريباً، ربما غداً……”
كان ليو يصغي بصمت ثم قال ببرود،
“اسأليه. إن كان ساحراً أسود.”
“……أتقول هذا بجديةٍ الآن؟”
“لم لا؟”
ليت ليو لم يكن هنا أصلاً.
تنهدت وأنا أنظر إلى ليو الذي لم يقدم أي مساعدة تُذكر.
“إذاً لما لا تمتنعين عن لقائه؟”
“أليس هذا ما لا أستطيع فعله؟”
تمتمت متذمرة، فانفجر ليو غضباً.
“آه، هذا ترفضينه وذاك ترفضينه. إذاً ماذا تريدين بالضبط؟ أأتخلص منه من أجلكِ؟”
“لا! لا، ليس هذا ما أقصده……”
قال ليو ذلك دون أي أثرٍ للابتسام، فأصابتني القشعريرة. و لو أنني طلبت منه ذلك حتى مازحاً، لفعلها حقاً.
هززت رأسي بيأس، فأدخل ليو يديه في جيب بنطاله وبدأ يمشي ببطء. ثم اقترب من دانتي، ووضع ذراعه على كتفه وتحدث وهو يبتسم بطرف فمه.
“دعي صغيري هو من يحكم إذاً. إن كان ذلك الوغد شريراً أم لا. ما رأيكَ، دانتي؟”
كانت نبرة ليو مليئةً بالسخرية، وكأنه يعرف تماماً كم يكره دانتي مقابلة الناس ويحاول استفزازه عمداً.
‘بما أنه سيقابل شخصاً جديداً، فالسيد الساحر ربما……”
بدأت الحديث مدافعةً عن دانتي. لكن دانتي أجاب برد غير متوقع تماماً بالنسبة لليو.
“سأفعل.”
“هاه؟ حقاً؟”
إجابته السريعة والموافِقة كانت مفاجئة. فحتى ليو بدا عليه الذهول، و تراجع قليلاً ورفع ذراعه عن كتف دانتي.
ثم اتسعت عيناه و تحدث بتلعثم،
“أنتَ، أنتَ، أنتَ……هل أنتَ جادٌ فعلاً؟”
تجهم وجه دانتي وهو يحدق في ليو الذي أشار بإصبعه إلى وجهه عن قرب.
“ابعد إصبعكَ وأنا أتكلم بلطف، قبل أن أكسره.”
“أنتَ أصلاً لا تتكلم بلطف!”
ترك ليو المنفعل خلفه، واقترب دانتي مني. و كنت لا أزال واقفةً مذهولة، غير مصدقة أنه سيذهب معي لمقابلة رَون.
“هل أنتِ بخير؟”
لوّح بيده أمام وجهي، فأجبتُ بذهول،
“سيد ساحر……حقاً ستذهب معي؟”
“إن كنتِ تريدين ذلك، فلا مانع لدي.”
“لكن عليكَ أن تقابل ذلك الشخص.”
“أعلم ذلك.”
“ذلك الشخص مزعجٌ جداً، كثير الكلام، متصنع، واجتماعيٌ للغاية. هل ستكون بخير؟”
كان دانتي يرد بسرعةٍ وباقتضاب، لكنه تردد فجأة. ثم تحدث بوجهٍ مليء بالقلق،
“……سأحاول أن أتحمّل.”
كان رده الجاد مضحكاً. وفي الوقت نفسه، شعرت بالامتنان له، وشفقةٍ خفيفة أيضاً.
“لا داعي لأن تتحمّل كل هذا من أجلي-”
كنت على وشك إخباره أنني سأحاول التعامل مع الأمر وحدي، لكنه قاطعني،
“إذاً، سأزوركِ في القصر غداً.”
هززت رأسي بالموافقة دون وعي.
وكان ليو، الذي تابع حديثنا بوجه متجهم، قد علّق بتهكم،
“أيتها الصغيرة، ما الذي فعلته لصغيري حتى جعلته يقوم بشيءٍ ما كان ليفعله أبداً؟”
رمشت بعيني فقط، فلا أعرف ما الذي يقصده.
‘ما الذي فعلته؟’
“بالمناسبة، لماذا جئتما اليوم إلى هنا؟”
“دانتي قال أن تدفّق طاقتكِ السحرية أصبح غريباً، وأصرّ على أن يراكِ. بينما كنا نقضي وقتاً نادراً معاً أنا وهو، لكنني فقط رافقته لا أكثر.”
كنت ممتنةً لدانتي الذي يهتم لأمري حتى من بعيد.
ابتسمت له ابتسامةً خفيفة، فابتسم دانتي بدوره و ودعني،
“إذاً، أراكِ غداً. استريحي جيداً.”
“نعم!”
أرسل دانتي ليو الذي كان يتذمر باستمرارٍ أولاً ثم اختفى هو أيضاً.
وهكذا مرت ليلةٌ مظلمة ثقيلة.
***
في فترة ما بعد الظهر، كنت أتنقل مع دانتي في عربةٍ متجهين إلى السوق.
ركوب العربة المتتالية كان يسبب لي دواراً مزعجاً يصعب تحمله. فغيرت وضعي فجأة، ورأيت دانتي في مجال رؤيتي.
“لكن سيدي الساحر، لدي فضولٌ بشأن شيءٍ ما……”
“نعم، تفضلي بالحديث.”
نظرت إليه ثم تحدثت بفكرةٍ خطرت لي فجأة،
“لو كان من الأسهل عليكَ أن تأتي مباشرةً إلى السوق اليوم، فلماذا جئت إلى القصر؟”
أجاب دانتي بتجاهل، كأنه لا يرى في السؤال أمراً مهماً،
“لأنني أردتُ أن أكون معكِ.”
تفاجأت بالكلام لدرجة أنني توقفت عن التنفس للحظة، ولم أستطع التنفس جيداً بعدها، فاضطررت لأن أسعل وأخرج الهواء.
إذا كان يريد التأكد من طاقتي السحرية، فلماذا يقول كلاماً يوقع الناس في سوء فهم……
__________________
انت الي تسيئين الفهم توه قايل ابي اكون معس من وين جبتي انه يبي يتأكد من طاقتس؟😭
بعدين ليو رئيس برج عالفاضي؟ كان تتبعتوا الطاقه وخلاص شدخل رون المسكين
بس على الاقل دانتي راح معها وكذا بيتأكد انه ايدن ويشخصن✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 45"