مجرد رؤية الرسالتين كان كافيًا لأطلق تنهيدةً طويلة.
كلاهما مُرسلتان عبر العائلة، لكن من دون أن ينظر إلى المرسل، كان من الواضح أنهما من كاين وإيدن.
“كلاهما لديهما موهبةٌ عجيبة في إرهاق الناس فعلًا.”
ترددت في اختيار أيهما أقرأ أولًا، لكنه في النهاية التقطت رسالة إيدن.
[إلى إيرفين صديقتي العزيزة،
مرحبًا، إيرفين. يبدو أنه قد مضى وقتٌ منذ آخر رسالةٍ بيننا.
كيف تسير استعدادات مشروعكِ الجديد؟
و هل شعرت بحكّةٍ في أذنيكِ؟ لأن والدي لا يتوقفان عن الحديث عنكِ كل يوم من شدة قلقهم.
لذل، كنتُ أفكر في إقامة مأدبةٍ على شرفكِ بعد يومين، هل يمكنكِ الحضور إلى قصر هايفن؟ إذا لم تكوني مشغولةً، طبعًا.
سأنتظر ردكِ.]
قصر هايفن، إذاً.
ربما حان وقت الزيارة بالفعل. خصوصًا أن إيدن كان يلمّح لهذا الأمر في كل مرةٍ أراه، وبما أن الدوق وزوجته قلقان بشأن إيرفين، فقد أصبح من الواجب الذهاب.
أخرجت ورقةَ مراسلة جديدة من الدرج، وغمست قلمه في الحبر.
“حسنًا، انتهيت.”
كتبت موافقةً قصيرة لإيدن، ثم وضعت الرسالة جانبًا. و من ثم فتحت رسالة كاين التي كنتُ قد تركتها لآخر لحظة.
[إلى السيدة الجديدة لأرديل]
كانت بدايةً تعكس أسلوب كاين تمامًا. فابتسمت ابتسامةً خفيفة من غير قصد، وواصلت القراءة.
[هل وصلتِ إلى القصر بسلام؟
هل ارتحت بعد أن بعثتِ بي إلى فرقة الفرسان دون تردد؟
لقد أُعدت إلى القصر مُكبّلاً بأيدي الفرسان. و لم يتركوني ولو للحظة واحدة، بكل قسوة.
لكن بفضل ذلك، أدركت من جديد مدى إخلاص فرقتنا.]
خرجت ضكةٌ فصيرة رغماً عني. و استطعت بسهولة أن أتخيل تعابير كاين وهو يكتب هذه الرسالة.
كتمت الضحكة التي انتشرت في الغرفة بأكملها، ثم واصلت القراءة.
[رغم أنكِ خنتني وسلمتني إلى القصر، إلا أنني شخصٌ يفي بوعوده. و كأمير لدولة، وباسم وينستاليريا، قد قطعت وعدًا، وعليّ الالتزام به.
سيأتيكِ أحدهم للمساعدة غدًا. هو شاب، لكنه شارك في بناء القصر الجانبي ويملك مهارةً عالية.
آمل أن يكون عونًا لكِ.]
“هذا جنون.”
خرجت الكلمة من فمي وكأنها تنهيدةٌ لا إرادية عند سماع هذا الخبر المغري من كاين.
فكاين كان على درايةٍ بالأوضاع، وخصوصًا ما يتعلق بالأمور المالية، لذا من المؤكد أن هذه المساعدة ستكون ثمينة.
“لم أتوقع أبدًا أن أتلقى مساعدة بهذا الشكل.”
ثم قلبت الرسالة، عاجزةً عن إخفاء الابتسامة التي كانت تتسع أكثر فأكثر على وجهي.
و لو كان كاين، فبالتأكيد……
“كما توقعت. كنت أعلم أنه سيحدث.”
كانت هناك ملاحظةٌ مكتوبة في الخلف.
[ملاحظة: رجاءً استمعي إلى ما يقوله من أذن، ودعيه يخرج من الأخرى.]
ما معنى هذا الكلام؟ هل المقصود بـ”هو” هو الشخص الذي سيقوم كاين بتقديمه لي؟
***
في اليوم التالي. الرجل الذي قال كاين أنه سيزورني في الغد، جاء إلى القصر قبل حتى أن أتناول فطور الصباح.
وبفضله، أقيم إفطارٌ لم يكن مخططاً له.
و ما كتبه كاين في الملاحظة، فهمته بمجرد أن بدأت الحديث معه.
“سيدتي الكونتيسة، لقد أحضرت الضيف.”
“دعه يدخل.”
ثم وقفت من مكاني لتحيته.
الرجل الذي دخل برفقة الخادم كان شاباً، تماماً كما وصفه كاين. شابٌ أنيق يبدو أصغر حتى من كاين نفسه.
اجتاحتني لحظةٌ من الارتباك بسبب مظهره غير المتوقع، لكني بادرت بالكلام قبل أن يسود الصمت.
“سعيدةٌ بلقائكَ، اسمي إيرفين كوينيارديل.”
وعندما ألقيت عليه التحية، تردد قليلاً ثم أجاب.
“……أنا رون.”
فكرت بأن اسمه جميل ويليق بوجهه. لكنني كدت أندم على رأيي ذلك بمجرد أن سمعت كلماته التالية.
“كنت أتساءل من هي السيدة الجديدة لأرديل، التي توصف بأنها الأجمل في المملكة، ولم أكن أتوقع أن تكون شخصاً بهذه الروعة! إنه لشرفٌ عظيم أن أعمل معكِ، يا سيدتي الكونتيسة.”
يا إلهي. كيف يمكن لشخص أن يكون بهذا القدر من المبالغة؟
كان بوجهٍ ملائكي، لكن أفعاله لا تمت له بصلة.
“أرجوكِ امنحيني شرفاً آخر……هل يمكنني تقبيل ظهر يدكِ؟”
سأل وهو يرفع شفتيه بابتسامةٍ ناعمة. فترددت للحظة قبل أن أجيب.
“أوه……لا، لا أعتقد ذلك……”
عندها أنزل رون حاجبيه وكأنه شعر بخيبة أمل، لكنه سرعان ما ابتسم ابتسامةً مشرقة.
“لا بأس. فقط الحديث معكِ هكذا يجعلني إنساناً سعيداً.”
“لا داعي لكل هذا……”
“أريد أن أخلّد هذا اليوم الذي التقيت فيه بالكونتيسة. هل يمكنني نصب نصبٍ تذكاري أمام مكتبي؟”
هل هذا معقول؟
تنهدت وأنا أراقب رون الذي لا يزال يتفوه بكلامٍ لا يُصدق. ثم ألقيت نظرةً جانبية نحو الخادم، الذي فهم إشارتي فوراً وأمر بإحضار الطعام.
رون صمت أيضاً عندما بدأ الطعام يُقدَّم الواحد تلو الآخر.
“شكراً لقدومكَ في هذا الوقت المبكر من الصباح. لم أجهز الكثير، لكن آمل أن يروق لك الطعام.”
“تقولين أنه ليس بالكثير! لم أتذوق وليمةً بهذه الفخامة إلا في القصر الملكي! والكونتيسة متواضعة أيضاً……حقاً، أشعر أنني أقف أمام جدار كمالٍ مطلق.”
‘آااه! أرجوكَ، توقف!’
رفعت زاوية فمي بابتسامةٍ مصطنعة، بينما كنت أصرخ داخلياً. فلم أستطع قول ذلك بصوت عالٍ.
لو لم يكن يملك مهارة، أو لو لم يكن من قِبل كاين، لطردته في الحال.
أخذت نفساً عميقاً، ثم التقطت أدوات الطعام.
“هل تربطكَ علاقةٌ وثيقة بصاحب السمو ولي العهد؟”
“لا أعلم كيف يَراني سموّه، لكن بالنسبة لي نعم، أعتبر علاقتنا وثيقة. هو بمثابة منقذٍ لي.”
“منقذ؟”
ردّ رون بعد أن ابتلع حبة طماطم كرزية من السلطة.
“نعم! حين شاركت في بناء القصر الفرعي، تعرّضت للتجاهل من قِبل الكثير من الأسماء الشهيرة هناك، لكن صاحب السمو كاين أشفق عليّ وساعدني كثيراً. بفضله تمكنت من الصمود حتى نهاية المشروع.”
من الغريب أن شخصاً مثل رون، بشخصيته، يتعرض للتنمر……لكن يبدو أن هذا العالم لا يخلو من القسوة.
بعد هذه النقطة، بدأنا حديثاً طبيعياً طوال الإفطار. باستثناء المبالغة المتكررة في مدحي من حينٍ لآخر.
بعد الانتهاء من تناول الطعام مع رون، توجّهنا إلى السوق. وخلال الرحلة الطويلة في العربة، استمر رون في إدارة الحديث بشكلٍ جيد، فتبادلنا العديد من الأحاديث.
“هذا هو الفرع الرئيسي الشهير لمتجر نوكس، أليس كذلك؟”
ما إن نزل رون من العربة ورأى المتجر حتى تحدث بانبهار،
“هذا هو نوكس!”
كان “نوكس” هو اسم متجر الأدوية الذي ورثته من الكونت السابق.
“أتعرف نوكس؟”
“بالطبع! من في المملكة لا يعرف نوكس؟ عندما كان الكونت الراحل على قيد الحياة، كم كنا نحن عامة الشعب ننبهر به. كان هناك فرعٌ في المنطقة التي عشت فيها، وزرته عدة مرات.”
من جديد، شعرت بعظمة إنجازات الكونت السابق.
صمت رون للحظة، وألقى نظرةً سريعة على الواجهة الخارجية، ثم تابع حديثه.
“هذا هو السبب الأكبر لقبولي عرض صاحب السمو كاين. مجرد أنني سأتولى مشروعاً يخص نوكس، جعل قلبي يخفق من السعادة.”
بدت عيناه العسليتان تتلألأان وهو يحدق في مبنى المتجر، وكأن كلماته نابعةٌ من القلب حقاً.
كان في ملامحه مزيجٌ من الحماس، والفرح، والتطلّع. و رؤية رون على هذا النحو جعلتني أتيقن من أمر واحد.
أن هذا الشخص سيحب المتجر بقدر ما أحبه أنا، وربما أكثر، وسيحرص على تطويره وتغييره للأفضل.
“هل ترغب في إلقاء نظرةٍ في الداخل أيضاً؟”
استدار رون نحوي بسرعةٍ وهزّ رأسه بقوة.
“هل هذا ممكن؟”
“بالطبع.”
“كما توقعت، الكونتيسة كريمة وسخية!”
كنت قد عرضت عليه ذلك فقط لأن المتجر بحاجة إلى أعمالٍ داخلية أيضاً……لكن طالما أنه يراه من منظور إيجابي، فلا بأس بتركه على راحته.
ثم فتحتُ الباب ودخلت مع رون إلى الداخل.
“يمكنني أن أشعر بآثار الزمن في هذا المكان.”
قال رون ذلك بعينين لامعتين وهو يتفحّص المكان بنظراته. وفجأة، توقف وهو ينظر إلى أحد الجدران، ثم ارتبك قليلاً.
“ماذا حدث لهذا الجزء؟ يبدو أنه كان سيكون مفيداً لو بقي سليماً……”
كان يشير إلى خزانة الحائط التي رميتُ ليو عليها ذات مرة.
بالطبع هو لا يعلم، لكن شعورٌ بالحرج تسلل إليّ، فبدأت أفرك مؤخرة عنقي.
“أمم، كانت قديمةً جداً، فاستندتُ إليها مرة وانهارت دفعةً واحدة. هاها……”
ضحكتُ بتوتر لأمرّر الموقف. بينما مال رون برأسه قليلاً، وكأنه لا يصدق ما سمعه.
“لا أظن أن هذا النوع ينهار لمجرد الاستناد عليه……”
لكنه فجأة توقف عن الكلام وسحب نفساً مفاجئاً، ثم ابتسم بلطف وسألني،
“هذا ممكن. إذًا، هل لديكِ تصورٌ معين عن الشكل الذي تودون تحويل المتجر إليه؟”
هل كنت أفكر بذلك؟ بالطبع.
لا أعلم مدى إمكانية تحقيقه، لكن طالما لدينا خبير، فعليّ أن أطرح فكرتي.
“أودّ أن أحتفظ قدر الإمكان بالشعور الحالي للمكان. حتى لا يشعر الزوار القدامى بالغربة.”
“همم، كما توقعت من الكونت، لديكِ رأيٌ لطيف يليق بكِ. وماذا بعد؟”
أومأ رون برأسه وأخرج دفتراً صغيراً وقلمًا من جيبه. و بدأ يكتب شيئاً بملامح جدّية، و يضغط على شفتيه بينما يسجّل ملاحظاته، ثم رفع عينيه نحوي مجدداً بعينين متألقتين.
كان من الواضح أنه ينتظر أن أُكمل، لذا تابعت الحديث.
“أود أن تكون هناك مساحة تخزينٍ واسعة تكفي لكمية كبيرة من الأدوية، في مكان بارد وخالٍ من الرطوبة.”
“رائع جداً. كما أنكِ ذكيةٌ أيضاً.”
بعد ذلك، أخبرته عن التصور الذي لدي لشكل الداخل، وأماكن الصيانة التي يحتاجها الخارج. و رون كان يُظهر احترامه لآرائي، لكنه كان يضيف أفكاره الخاصة أيضاً. وكانت إضافاته مناسبةً جداً لدرجة أنني قررت الأخذ بها.
“إذاً، سنبدأ أعمال الترميم من الغد مباشرة. فقد قال صاحب السمو أنه كلما بدأنا أبكر، كان أفضل.”
“أشكركَ، رون. سأعتمد عليكَ.”
لا أدري إن كان ذلك بسبب سلاسة الحديث بيننا، أم لأن رون بالفعل شخصٌ كفء، لكن من حسن الحظ أننا انتهينا من تقدير تكاليف الترميم بسرعة.
ثم ناقشنا الجدول الزمني النهائي للأعمال، ثم ودعته أمام المتجر.
والآن، لم يتبقَ سوى التوجّه إلى قصر هايفن.
___________________
يعني اقترح تكنسلين ايدن وتروحين تسيرين على دانتي الفصل كله ماطلع
اهل ايدن يجننون بس هو مجنووون يع يقرف
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 43"