اقترب دانتي فجأةً ووقف دون أن ينطق بكلمة، ممسكًا بمعصم كاين.
“همم…..دانتي. ألن تتركني الآن..…؟”
قال كاين ذلك بتنهيدة متألمة. و نظر إلى معصمه الممسوك فرأى أنه قد أصبح شاحبًا تمامًا من شدة ضفط دانتي، حتى أن الدم لم يكن يجري فيه.
عندها فقط نظر دانتي إلى كاين بنظرةٍ خاطفة وأرخى قبضته. فتدفق الدم بسرعة و عاد لون يد كاين إلى طبيعته.
لكن مع ذلك، لم يظهر أي نيةٍ لترك المعصم.
“إن لم يكن لديكَ مانع، ألن تحررني الآن؟”
تجاهل دانتي السؤال، ثم عبس قليلًا وأطلق تعويذةً سحرية. فصعد السحر من راحة يده عبر معصم كاين حتى بلغ راحة كفه، ليشفي الجرح هناك تمامًا.
وما إن اختفى الجرح حتى رمى دانتي يد كاين كأنما كان يمسك بشيءٍ قذر.
‘إن كان كل ما في الأمر هو علاج الجرح، فلماذا كان يحدّق بي بتلك النظرة المخيفة..…؟’
خطرت لكاين نفس الفكرة فأطلق ضحكةً باهتة. لكن سرعان ما ابتسم و تحدث لدانتي،
“شكرًا لكَ. لو كنت ألطف قليلًا لكان أفضل، لكن على كل حال، لم يعد يؤلمني.”
ثم أومأ دانتي ببرود.
في تلك اللحظة، تحدث كايدن الذي لم يشعر أحدٌ بوجوده حتى الآن.
“أعذراني على المقاطعة أثناء حديثكما، لكن أظن أن فرقة الفرسان الملكيين في طريقها إلى هنا..…”
عند تلك الكلمات، شحب وجه كاين تمامًا. كما توقعت، لقد هرب من هناك دون تفكير.
و لكونه قد فعلها أكثر من مرة، بدأ كاين يستعد للهرب وكأنه معتادٌ على الأمر.
‘ها هو يحاول الهرب مجددًا.’
مرت في ذهني عدة أفكارٍ في لحظة قصيرة. إما أن أترك كاين يهرب وأكسبه في صفي تمامًا، أو أسلمه لفرقة الفرسان وأظهر بصورة حسنة أمام الملك الذي يعاني بسبب هروبه المتكرر.
ولدهشتي، اتخذت قراري بسهولة. و تمامًا قبل أن يخطو كاين أول خطوة، أمسكت بثوبه.
“لِـ…..لماذا تفعلين هذا..…؟”
نظر إليّ كاين بعينين قلقتين، فبادلته بابتسامة. وبعد لحظاتٍ قليلة، طرق أحدهم الباب.
و أشرت برأسي لكايدن الذي كان يراقب الوضع، أن يفتح الباب. فقد قررت في النهاية تسليم كاين إلى الفرسان.
نعم، أنا مجرد شخص عادي يضعف أمام السلطة الأكبر.
“لا….لا! لَـ….لحظة فقط….لا يمكن.…!”
همس كاين بصوتٍ منكسر ثم أطلق صرخةً مكبوتة. و اهتزت عزيمة كايدن للحظة من رؤية ذلك المشهد، لكنه عض شفتيه كأنه يستجمع قراره، وتوجه نحو الباب.
لم أتوقع أن يحاول كايدن مساعدته ولو لبرهة. هل نشأت بينهما صداقةٌ من خلال تجوالهم معًا في المتجر دون أن أشعر..…؟
كايدن تجاهل كاين بصعوبة، الذي كان لا يزال يتمتم “لا، لا، أرجوكَ..…” وفتح الباب. فإذا بخمسة رجال ضخامي البنية بلباس الفرسان يقفون أمامه.
تقدم الفارس الواقف في المقدمة وتحدث أولاً،
“هل الكونتيسة كوينيارديل هنا؟”
كنت أعلم أنه إن خففت قبضتي ولو للحظة، فسيهرب، لذلك لم أستطع الابتعاد عن مكاني.
مددت رأسي من خلف الباب وأنا لا أزال ممسكةً بكاين، ثم صرخت بأقصى قوتي باتجاه الفرسان خلف الباب،
“هنا! تفضلوا بالدخول!”
عند سماع صوتي، خطا الفارس خطوةً داخل المتجر. وما إن دخل حتى ألقى نظرةً سريعة على المكان، ليلمح كاين الواقف متجمدًا في مكانه.
ثم أطلق تنهيدةً خفيفة بعد أن تأكد من سلامته، و نظر إلى يدي التي كانت لا تزال تمسك بكاين، ورفع بصره نحوي.
“تحياتي. أنا باريون، قائد الكتيبة الثالثة من الفرسان الملكيين. سمعنا أن سمو ولي العهد كاين يتواجد هنا، فجئنا بحثًا عنه..…”
كان يتنقل ببصره بين كاين ويدي الممسكة بثوبه وهو يتابع حديثه،
“بما أننا تأكدنا من سلامته، فسنقوم باصطحابه الآن.”
كان باريون شخصًا مؤدبًا، لكن بدا في تصرفه شيء من البرود. و تحت وقع هيبته، حدّقت فيه لوهلة دون أن أتمكن من الرد، ثم أجبته بسرعة،
“آه، نعم!”
وما إن أرخيت قبضتي حتى اندفع فرسان الكتيبة إلى الداخل دفعةً واحدة وقاموا بتقييد كاين.
رغم أن المنظر بدا وكأنهم يسحبونه إلى مكانٍ ما عنوة، إلا أنه تصرفٌ بدا مألوفًا لديه، كأن الأمر قد حدث كثيرًا من قبل.
لم يتوقف كاين عن التذمر. بينما ألقى باريون نظرةً جانبية عليه، ثم انحنى قليلًا نحوي وألقى التحية.
“بفضل مساعدتكِ، يا كونتيسة كوينيارديل، استطعنا اصطحاب سموه دون أي عناء. نشكركِ بصدق.”
“آه، لا داعي للشكر. لم أفعل شيئًا يُذكر..…”
“بل فعلتِ الكثير. كل هذا بفضل حرصكِ واهتمامكِ. لولا أنكِ وفرتِ الحماية لسموه، لما تمكّنا من العثور عليه حتى بعد قضاء نصف يوم في البحث.”
يبدو أن الإمساك بكاين الهارب كان أمرًا في غاية الصعوبة بالنسبة للقصر. فقد بدا باريون صادقًا في امتنانه.
كاين، الذي بدا غير مصدقٍ أنه أُلقي القبض عليه، كان ممدود الجسد دون مقاومة، لكنه قاطع حديثي مع باريون فجأة.
“أيها الإثنان، هل يسعدكما حقًا دفعي إلى الهاوية هكذا؟”
قال ذلك وهو يرمقنا بنظراتٍ غاضبة. فتجاهل باريون كلماته بلطف، وأخفى كاين بجسده ثم أومأ لي بتحية أخيرة، قبل أن يستدير فجأةً ويشير بعينيه إلى الفرسان.
فهم الفرسان الإشارة فورًا، فقاموا بفك قيده وأحاطوا به من كل جانب. و تحركوا جميعًا بخطى موحدة دون أن يتركوا له أي فرصة للهرب.
ومن بين أجسادهم الضخمة، أطل كاين برأسه وصاح بصوتٍ مرتفع،
“كونتيسة! أحقًا ستفعلين هذا بي؟ ألم نكن بخير معًا طوال هذا الوقت؟!”
قال كلامًا قد يُساء فهمه لو سمعه أحد، ثم سُحب بعيدًا رغمًا عنه.
ابتسمت وأنا ألوّح له بيدي، بينما كان يبتعد تدريجيًا عن ناظري. وأخيرًا، وبعد أن خرج باريون، ألقى تحيةً أخيرة على من بقي داخل المتجر، ثم اختفى تمامًا.
بمجرد مغادرتهم، خيّم الصمت على المكان. و شعرت بغرابة تلك السكينة المفاجئة، فحاولت كسرها بأي حديثٍ عابر.
“كان الوضع فوضويًا قليلًا، أليس كذلك..…؟”
رغم أني حاولت جاهدةً بدء حديث، لم أتلقَ أي رد لا من دانتي ولا من كايدن.
كان دانتي يحدّق بي من الأعلا بزاويةٍ مائلة، ويداه في جيبيه. أما كايدن، الذي كان يراقب دانتي بتوتر، فقد انسحب بهدوءٍ إلى خارج المتجر.
و لم أشعر بارتياح في هذا الصمت الذي جمعني أنا ودانتي وحدنا.
‘ليقل شيئًا، أو على الأقل ليرد على ما قلته…..’
ومع ذلك، لم أستطع فهم سبب انزعاجه الواضح منذ قليل.
وفي النهاية، وبينما كنت أبحث عن أي موضوعٍ أفتحه، وجدت نفسي أسأله عن حالته.
“سيدي الساحر، هل تشعر بتوعكٍ أو شيء من هذا القبيل؟”
يا لي من غبية، لماذا سألت؟ فوجهه وحده يصرخ بأنه منزعج!
رد دانتي أخيرًا، وببطء،
“…..لا.”
بصراحة، لم أكن أتوقع منه أن يرد هذه المرة أيضًا، لذا فوجئت قليلًا.
“إذًا، لماذا يبدو وجهكَ متجهمًا هكذا؟ تبدو وكأنكَ غاضب.”
“هل أبدو كذلك؟”
قال دانتي ذلك وهو يميل برأسه قليلًا متسائلًا. و كان يبدو وكأنه لا يدرك حالته فعلًا.
“ألم تكن تعلم؟ بدأتَ منذ أن عالجت جرح يد سمو الأمير كاين…..لا، ربما حتى من قبل ذلك.”
من الطريقة التي عقد بها حاجبيه وأخذ يتلفت بعينيه هنا وهناك، بدا واضحًا أنه لم يكن يدرك الأمر.
ظل صامتًا يفكر بعمق، ثم تنهد تنهدًا خفيفًا.
“آه.”
حدّقت فيه أنتظر ما سيقوله بعد هذه التنهيدة. و سرعان ما تحركت شفتاه.
“هذا ممل.”
كانت جملةً شعرت أنني سمعتها من قبل…..لكن أين؟
كانت كلماته مربكةً ومبهمة للغاية. فلم أستطع فهم المعنى على الإطلاق، ولم يكن أمامي سوى التحديق فيه وسؤاله عما يقصد.
“ما الذي تقصده بأنه ممل؟”
ظل دانتي يقترب نحوي ويداه لا تزالان في جيبيه، حتى توقف أمامي على بُعد خطوةٍ واحدة فقط.
حدّق بي طويلًا دون أن يغير تعبير وجهه أو ينبس بكلمة، ثم قال أخيرًا،
“سواءً في المرة السابقة أو الآن، لا أرغب في رؤيتكِ معه.”
فرددت عليه دون وعي،
“لماذا؟”
لكنني لم أكن أعلم ما نوع الإجابة التي كنت أرجوها. و ما إن انتهت الكلمة من فمي، حتى اجتاحتني موجةُ ندم.
لكن بعد فوات الأوان، إذ لم يكن مجرد كوب ماء قد انسكب…..بل فيضاناً قد أغرق كل شيء.
عضضت دون قصد على الجزء الرقيق داخل فمي، وأنا أترقب جوابه. بينما ساد الصمت المكان، حتى أن أنفاس أحدنا—أنا أو دانتي—كانت تُسمع بوضوح.
مر وقتٌ طويل قبل أن يتكلم أخيرًا.
“لا أدري.”
اقترب دانتي أكثر، حتى صارت المسافة بيننا ضئيلة للغاية. وصوته الخافت لامس أذني كنسمةٍ خفيفة.
“لأني لا أريد أن يرى أحدٌ ابتسامتكِ.”
شعرت بارتباكٍ أكبر مما شعرت به قبل لحظات.
كلما قال دانتي شيئًا كهذا، لا أعرف كيف أتصرف أو ماذا أقول، فأحاول تخطي الأمر بتصرفٍ عشوائي.
“ماذا تقول؟! تريدني أن أقف أمام سموه بوجه عابس بلا ذوق؟ إن حدث ذلك، سينتشر الخبر ولن يزور أحد متجرنا بعد الآن!”
لوّحت بيدي وقدّمت ردًا مبالغًا فيه عمداً، مستخدمةً يديّ وقدميّ للمبالغة. فضحك دانتي بسخرية وكأن ما قلته يفتقر للمنطق.
“ربما معكِ حق. حسنًا، فهمت.”
شعرت براحة خفيفة، كأنني نجوت من موقف محرج.
‘لكن….لماذا قلبي..…’
ينبض بهذه السرعة؟
***
بعد تلك المحادثة المحرجة مع دانتي، بقي قلبي ينبض بسرعة دون أن أفهم السبب، لذا اكتفيت بترتيب المتجر على عجل، ثم ودّعت دانتي وعدت إلى القصر.
وما إن وصلت، حتى وجدت في انتظاري رسالتين.
كلا الرسالتين تحملان ختمًا واضحًا، أحدهما من القصر الملكي، والأخرى من دوقية هايفن.
_________________
دانتي وظيفته يصرح ايرفين😭😭😭😭
يجننننن بس خلاص غيره وقت الاعتراف والتغزل😘
رسالة القصر الامبراطوري اكيد مليانه شكاوي كاين✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 42"