فقدتُ كلماتي أمام الباب الخشبي الضخم الملقى على الأرض.
مسحت وجهي مرارًا وضغطت على جبهتي، ثم أغمضت عيني بشدة و فتحتهما، فرأيت كاين وكايدن لا يزالان يراقبانني بحذر.
كان في يد كلٍّ منهما قطعة، أحدهما يمسك بالمقبض، والآخر بالمفصلات.
“هاه؟”
أخيرًا سُمِع صوت دانتي وهو يصل متأخرًا. بدا وكأنه لا يفهم ما يجري.
و لم أتمكن من سؤالهم إلا بعد أن تنهدت عدّة مرات من بين أسناني.
“……سموك. هلّا تفضلت وشرحت لي ما الذي حدث هنا؟”
ارتجف كاين بشدة ثم رسم على وجهه ابتسامةً باهتة. و كانت ابتسامةً محرجة، على غير عادته.
“في الواقع، الأمر ليس كبيرًا…….شعرت أن مقبض الباب لا يتناسب معه جيدًا، فدفعت الباب قليلًا لأعدّله. لكن، فجأة…….”
هل هذا كلامٌ يعقل؟ كم من القوة يلزمكَ لتقتلع ذلك الباب الضخم؟
لم أصدق ما أسمعه. لكن لم يكن يليق أن أوبخ ولي العهد، ملك المستقبل، أمام الناس في الطريق.
وبينما كنت أبحث عن كلماتٍ لائقة، تدخل كايدن الذي كان واقفًا بجانبي بالكلام.
“أمم…….أي، سيدة إيرفين. لدي أيضًا ما أقوله…….”
“……ما هو؟”
في الحقيقة، كان الأمر يزعجني منذ البداية.
إن كان سبب حمل كاين لمقبض الباب هو ما قاله، فلماذا إذًا يحمل كايدن المفصلات؟
نظرتُ إلى كايدن بقلق، فإذا به يشيح بنظره عني متعمدًا ويحرك شفاهه بصعوبة.
“في الحقيقة، كان هناك بروز في هذا الجزء من الوصلات…..ففكرت: إن تُرك على حاله فقد يؤذي أحدًا، لذا حاولت دفعه قليلًا للداخل، ولكن فجأة…..نعم، حدث ما حدث..…”
أخذ كايدن يُنهي عباراته بتردد عدة مرات وهو يواصل الكلام.
وحين أنهي كلامه، أغمضت عيني مرة أخرى بقوة.
‘كنت أعلم أن الأمور تسير بسلاسة أكثر من اللازم..…’
التقطت أنفاسي محاولةً تهدئة الغضب المتصاعد داخلي. و وضعت يدي على صدري فشعرت بوضوح بصعود وهبوط أنفاسي كلما أخذت شهيقًا وزفيرًا عميقًا.
وكان عبق الخشب العتيق المتصاعد إلى رئتي يساعدني قليلًا في استعادة هدوئي.
وبينما كنت أستعيد توازني، بدأ كايدن وكاين اللذان كانا يراقبان ملامحي يتحدثان الواحد تلو الآخر.
“سأحاول إصلاح الأمر بالسحر! إعادة تركيب شيءٍ كهذا ليس بالأمر الصعب!”
قال كايدن ذلك وهو يقبض قبضتيه بحماس.
“لا تقلقي، سأتحمل المسؤولية الكاملة. أعدكِ باسم وينستاليا.”
ثم قال كاين ذلك وهو يقبض على سيفه.
لكن كلمات كاين الأخيرة فجّرت الغضب الذي كنت أحاول تهدئته، واشتعل في داخلي بلا قدرة على كبحه.
“ولِمَ تستخدم هذا الاسم؟!”
صرخت دون وعي، فارتجف كاين واختبأ خلف كايدن، لكن بنيته الضخمة لم تكن لتختفي خلف كايدن الأصغر حجمًا.
رمقتُ الاثنين بنظراتٍ غاضبة وأنا أتنفس بغضب.
هذان الاثنان لم يأتيا إلى هنا ليمزحا، فلماذا يتصرفان وكأنهما يلعبان لعبة أطفال؟
شعرت وكأنهما لا يعيران مشروعي أي أهمية، وكأنه أمرٌ تافه، مما أشعل غضبي أكثر.
‘بالنسبة لي، هذا المشروع أهم من أي شيء. حقًا، هذا يثير أعصابي.’
كاين، الذي لم يكن معتادًا على إظهار هذا الضعف، بدا حزينًا وهو يحرك شفتيه مراتٍ عدّة، لكنه لم يستطع إخراج أي كلمةٍ بسهولة.
عندها، تحرك دانتي، الذي كان يراقب الموقف بصمت، وتقدم بخطى ثابتة.
“……سيدي الساحر؟”
مرّ بجانبي بهدوء، ثم انحنى ببطء ووضع يده على الباب الخشبي. وسرعان ما انبعث من راحة يده نورٌ ساطع أحاط بالباب.
وبعد لحظات، عاد الباب إلى حالته الأصلية كأن شيئًا لم يكن.
لكن، حتى بعد رؤية ذلك، لم أشعر بالراحة أو الرضا.
‘السحر مفيدٌ فعلًا، أن تصلحه بتلك السهولة..…’
لم يهدأ غضبي بعد، فكل ما فعلته هو السخرية في داخلي.
منذ أن قررت إعادة إطلاق مشروعي، كنت قد عزمت على أن أتعامل مع كل شيء بنفسي قدر الإمكان.
فبعد أن حصلت على حياة جديدة، أردت أن أرتبط بشيء من كل قلبي. و شعرت أنني لن أتمكن من الشعور بأنني أعيش حقًا ما لم أفعل ذلك.
لذلك قررت أن أشارك في كل تفصيلة، من التصميم الخارجي إلى التنظيف الداخلي. حتى أنني فكرت في المشاركة في أعمال البناء بنفسي.
اجتاحني شعورٌ بالحزن كما لو أن مشاعري قد قُدّرت بالرفض.
‘لكن هؤلاء الناس لم يفعلوا ذلك عن قصد…..’
لم يكن بإمكانهم معرفة ما بداخلي من دون أن أخبرهم، فلم يكن خطؤهم.
و على الأقل، رغم ذلك، لا يمكن إنكار أنهم تسببوا في تلك الحالة السيئة للباب.
أطلقت زفيرًا خفيفًا وحاولت أن أرسم ابتسامة.
“شكرًا لك، سيدي الساحر.”
لم يجب دانتي سوى بالإيماء بخفة رأسه.
حسنًا، الباب قد أُصلح بالفعل، فلننظر للأمر بإيجابية. فهناك الكثير مما يجب القيام به.
تخليت عن كاين وكايدن الذين تنفسا الصعداء عند رؤيتي أبتسم، وتوجهت نحو الخزانة المدمرة.
“حسنًا، هلا يعود كلٌ منا إلى عمله؟”
رد دانتي على كلامي بإيماءه كأنه ينتظر هذا بفارغ الصبر ودخل إلى المخزن. بينما خدش كايدن رأسه بخجل ثم تبعه إلى المخزن.
انحنيت لأجمع الحطام الملقى على الأرض. و فجأة، برزت يدٌ كبيرة وقوية بجانب يدي الممدودة.
تفاجأت ونظرت جانبًا، فإذا بكاين يبتسم بابتسامةٍ صافية.
“سأساعدكِ.”
لكني رفضت عرضه بحذر.
“لا، أنا أستطيع فعل ذلك وحدي. لديكَ أمورٌ أخرى لتقوم بها.”
نظر إليّ كاين بتركيز شديد، وكأن شيئًا على وجهي قد لُطّخ. و عندما لمست خدي بخفة، انفجر كاين ضاحكًا.
بينما كان يميل برأسه ضاحكًا بحرارة، شعرت بخجلٍ لا إرادي.
ثم توقف عن الضحك فجأة، والتقى بنظري وهو يرفع طرف شفتيه بابتسامة.
“هل تعتقدين حقًا أنني هنا فقط لأنني تلقيت طلباً من الكونتيسة بسبب تصريح المتجر؟”
ألم يكن هذا هو السبب..…؟
تدحرجت عيناي بحثًا عن جواب، ولم أجد شيئًا، فأجبت بنظرة مقابلة.
“ألم يكن الأمر كذلك..…؟”
ضحك ضحكةً متكسرة ووضع يده على خصره، ثم رفع حاجبه والتقى بنظري مرة أخرى.
“لا، ليس كذلك.”
“إذاً لماذا..…؟”
سألت مائلةً رأسي، غير معتادة على التغير الدقيق في الجو الذي كان مرحًا قبل قليل.
حدق بي كاين بإصرار ثم فتح شفتيه للكلام.
“كنت أريد فقط التحدث معكِ.”
و قبل أن أتمكن من الرد، واصل كلامه.
“عندما أكون معكِ أشعر بالراحة على العكس مع الآخرين. في أوقات الانشغال بالشؤون السياسية أو عند التحدث مع الناس أو عندما أشعر بالإحباط، كنت أفكر فيكِ فقط.”
أخذ كاين قطعة الخشب التي كنت أمسكها ووضعها في الصندوق الذي كنت أنوي رميها فيه، ثم واصل حديثه.
“لكن الآن، سواء كنت أشرب الشاي أو أتجول في الحديقة، أفكر فيكِ فجأة بين الحين والآخر. لذا أنا..…”
نفض كف يده واقترب مني.
“كنت أريد رؤيتكِ حقاً.”
فجأة، شعرت وكأنني نسيت كيف أتنفس، ولم أستطع أخذ نفسي.
و عندما رأيت عينيه اللتين تلتويان بابتسامة دائرية، استنشقت الهواء بسرعة.
و كاين، كأنه يعرف ما بي، ظل يبتسم بلطف وهو يُكمل،
“لذلك، عندما رأيت اسم كوينياردل في الأوراق، ركضت على الفور. هل تعرفين ما هو الغريب؟”
هززت رأسي ردًا على سؤاله. فابتسم ابتسامةً عميقة وأكمل كلامه،
“كان صداعي الشديد يهدأ بمجرد التفكير في الذهاب لرؤيتكِ. لذلك لم أستطع إلا أن آتي.”
ثم ابتسم وكأنه يقول: ‘ألم أكن جيدًا؟’
رؤية ذلك جعلني أظن أنه هرب مرةً أخرى من أتباعه الذين يحاولون الإمساك به.
عندما فكرت بذلك، شعرت بالراحة قليلاً. و تلاشى التوتر تدريجيًا وارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على وجهي.
“إذًا ساعدني، حسناً؟ أول شيءٍ سأطلبه هو التنظيف، هل أنتَ موافق؟”
هل جرب شخص سيصبح حاكم بلد أن يقوم بمثل هذه الأعمال؟
لكن كاين، بشكلٍ مدهش، بدأ يعمل بنفسه دون الحاجة لمساعدة.
جمع الحطام المبعثر على الأرض وأخرج الأشياء التي لا يمكن إعادة تدويرها إلى الخارج. و عندما كان يتوجب عليّ رفع أشياء ثقيلة، كان يظهر فجأةً من مكان ما ويضعها في الموضع الذي أريده بدلاً مني.
كان شخصًا سريع الفهم وماهرًا في التعامل حقاً.
‘هل هذا لأنه تلقى تعليمًا ليصبح ملكًا منذ طفولته؟’
حقًا، التعليم المبكر هو الحل.
بينما كنت أغوص في هذه الأفكار غير المفيدة، سمعت صوتًا فجأة جعلني أفيق.
“آه!”
أطلق ذلك الذي كان ينقل الصندوق الخشبي قبل قليل أنينًا ممزوجًا بالألم. و خشيت أن يكون قد حدث شيء ما، فسارعت نحوه لأتفقد حالته.
“سمو الأمير، ماذا حدث؟ هل تأذيتَ؟”
كان كاين يعبس ويمسك بيده، وكانت عروقٌ حمراء ظاهرة أسفلها.
“هل جُرحتَ؟ دعني أرى.”
بهدوء انتزعت يده لفحص الجرح. فرأيت غبار الخشب عالقًا بجانب الجرح الغائر، يبدو أنه خُدش بسبب شظية خشب.
“ماذا نفعل؟ ليس لدي دواءٌ لأعطيكَ إياه الآن..…”
نفضت الغبار عن الجرح برفق حتى لا تدخل شظايا الخشب فيه. و كان ذلك مؤلمًا، إذ تراجع كاين وهو يعبس من الألم ويجعد جبينه قليلاً.
“هل تؤلمكَ كثيراً؟ حاول التحمل قليلًا..…”
كنت على وشك أن أنفخ على الجرح لتخفيف الألم، لكن فجأة امتلأت رؤيتي بيد كبيرة أمسكت بمعصم كاين وسحبتها بقوة. ففقدتُ قبضة كاين الممسكة، ورفعت رأسي متسائلةً عما يحدث.
هناك وقف دانتي بنظرةٍ باردة ينظر إليّ وإلى كاين من الأعلى.
__________________
جا الغيور 🤏🏻
كاين ياعمري عليه وهو يعبر انه كان يبي يشوفها يوجع😭😭😭😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 41"