“على كل حال، تمكّنت من رؤية جانبٍ جديد من صغيرنا، ورغم أنكِ لا تعرفين الكثير، إلا أنك استخدمتي السحر بشكل مناسب، ويبدو أن لديكِ موهبةً واعدة. كما أنني بالغتُ قليلًا في المزاح، لذا سأعطيكِ هذا.”
قال ليو ذلك مشيرًا إلى الجهاز الموجود داخل المخزن. ففتحت عينيّ على وسعهما وسألته مرارًا وتكرارًا.
“حقًا؟ ستعطيني إياه فعلًا؟ لن تتراجع فجأة، أليس كذلك؟”
“أجل. قلت لكِ سأعطيكِ اياه.”
ثم أضاف كلمةً أخرى.
“ولتعلمي فقط أني لم أتأثر لأنكِ قلتِ بأنني رائع، مفهوم؟”
يبدو أن عبارة “رائع” أعجبته كثيرًا.
ثم بدأ ليو بشكلٍ غير متوقع يشرح طريقة استخدامه بلطف.
“أنتِ تعرفين كيف يعمل، صحيح؟”
ترددت قليلًا ثم أومأت برأسي.
طالما أنه يشبه أدوات التجارب التي رأيتها في غرفة دانتي، فأنا أعرف مبدئه على الأقل.
ضيّق ليو عينيه وكأنه غير واثق، ثم التفت إلى دانتي.
“أيمكنكَ إعطائي الأداة التي وجدناها في غرفتي قبل قليل؟”
وكان صوته ناعمًا ولطيفًا، على عكس طريقته حين يتحدث إليّ.
حقًا، من لم يكن “صغيره” لا بد أنه سيشعر بالغربة بينهما.
أخرج دانتي من جيبه خرزةً كانت أصغر حجمًا مما رأيته سابقًا. وعندما نفخ فيها طاقته السحرية، عادت إلى حجمها الأصلي.
أخذ ليو الخرزة من دانتي ووضعها في المكان المخصص داخل الجهاز. فما إن لامست طاقة دانتي المتبقية، حتى بدأ الجهاز يتحرك من تلقاء نفسه.
كان يعبئ شيئًا، ثم ينقله، ثم يعبئه من جديد في وعاءٍ أصغر، وكرر العملية مرارًا.
كان ذلك المشهد أشبه بآلات المصانع التي رأيتها في حياتي السابقة.
“بشكل عام، هكذا تشغّلينه.”
سرعان ما استهلك الجهاز كل الطاقة السحرية وتوقف ببطء. فأخرج ليو الخرزة التي وضعها في المكان المخصص وسلّمني إياها.
“ابدئي من الآن بوضع قدرٍ قليل من السحر فيها كل يوم. بطاقتكِ السحرية، سيعمل الجهاز بسهولة لأسبوعٍ كامل.”
أومأت برأسي وأنا أتسلّم الخرزة منه.
كانت المهام التي بانتظاري ستزداد، وسأصبح أكثر انشغالًا. لكن لم أستطع إخفاء سعادتي.
***
“ألن ترحل؟”
قال دانتي ذلك بينما كان ليو يمازحه، ثم فجأة أعلن ليو أنه يجب أن يذهب وغادر المتجر.
وجدت نفسي أخرج معه دون قصد، وكأنني أودّعه دون أن يكون وداعًا حقيقيًا.
عندما خرجنا، ظهرت أمامي عدة متاجر، وكان هناك بعض الأشخاص يمرّون بالجوار. يبدو أنهم استغربوا وجود حركةٍ في مكان لم يكن يدخله أحد، فتوقفوا يراقبوننا قليلًا، ثم بدأوا يتهامسون فيما بينهم وابتعدوا.
وأثناء مراقبتي للأجواء من حولي، سمعت صوت ليو، فالتفت إليه من جديد.
“يجب أن أذهب. في الأصل، مروري كان فقط لأن صغيري دخل غرفتي، وهذا أمرٌ يُحمد عليه.”
“تستطيع معرفة ذلك؟”
“لقد وضعت حاجزًا سحريًا. ولهذا لا يستخدم دانتي السحر هناك.”
تذكرت دانتي الذي كان يستخدم السحر بسهولة حتى داخل الحواجز التي أنشأها سحرة القصر.
ومع ذلك، لم يستطع استخدام أي قوةٍ داخل حاجز ليو.
بمعنى آخر، ليو يتفوّق على دانتي. و لأول مرة أدركت فعليًا مدى قوة سيد برج السحر.
“آه، صحيح.”
وبينما كان يستعد للمغادرة، التفت ليو فجأةً إلى الوراء. و نظر إليّ من أعلى لأسفل بنظرةٍ غير راضية، ثم تحدث.
“ربما ستتساءلين بشأنه.”
“مَن؟ من تقصد؟”
“ذاك العنيد، كوينيارديل.”
لم أكن أفهم ما الذي يحاول ليو قوله، فأملت رأسي بتساؤل.
“كان يريد صنع جرعاتٍ سحرية مثلك. وكان، كما قلتِ أنت، يبالغ في حرصه على شعبه.”
ربما ليو لم يكن معجبًا بذلك، فقد عقد حاجبيه قليلًا وتابع كلامه.
“ذلك الرجل كان يملك طاقةً سحرية أيضًا. ضعيفة جدًا، لدرجة أنها لم تكن لتظهر أصلًا.”
كان من المثير أكثر مما توقعت أن أسمع عن شخصيةٍ لم تظهر في القصة الأصلية. وكأنني أقرأ فصلاً إضافيًا بعد نهاية الرواية.
“عندما جاء إليّ في البداية، كان بسبب حالتكِ الصحية السيئة. لم يكن يعلم إن كان الأمر بسبب المانا، لكن أي دواء استخدمه لم ينفع.”
كان ذلك الكونت يعتني بأفراد إقليمه كثيرًا، فكيف كان سيكون حاله مع ابنته؟
لا بد أن طفلته التي كانت تعاني منذ صغرها دون سبب واضح ظلت تشغل باله دومًا.
“وقتها، لم أكن أعلم أنكِ تملكين طاقةً سحرية من هذا النوع، لذلك لم أكلف نفسي حتى بالنظر إليكما. لكن عندما عاد إليّ لاحقًا، قال إن طفلًا في عمر ابنته توفي بسبب حمى بسيطة. كان يبكي دون توقف، ويقول أنه يريد حماية من يحبهم.”
نظر ليو بعيدًا عني، ثم رمق دانتي بنظرةٍ جانبية وابتسم بخفة قبل أن يتابع.
“أعتقد أنني وقتها فقط بدأت أفهم شعوره. لذا قررت أن أقبل طلبه. لكن للأسف، كنت قد تأخرت.”
وأشار بيده نحو المخزن وهو يتحدث.
“لهذا السبب، منحي إياكِ هذا الجهاز هو نوعٌ من التكفير، لأني لم أتمكن من صنعه له في الوقت المناسب.”
نظر ليو إلى المتجر الصغير بابتسامةٍ خفيفة، ثم صفق بيديه بقوة.
“على كل حال، عِيشي حياتكِ بجد.”
ثم ابتسم ابتسامةً ماكرة وكأن شيئًا لم يحدث.
“حتى تتمكنين من الوقوف بفخر أمام ذلك الرجل الذي أحب ابنته بصدق.”
أومأت برأسي ببطء. فلوى ليو شفتيه وكأنه راضٍ تمامًا.
“حسنًا، سأرحل حقًا الآن. دانتي، اعتنِ بنفسكَ! سأعود لزيارتكَ!”
لوّح بيديه بحماس نحو دانتي الذي كان يقف على مسافةٍ بعيدة.
أغمض دانتي إحدى عينيه قليلًا ثم أدار رأسه متجنبًا النظر نحوه. ثم فُتحت شفتاه المغلقتان بصعوبة.
“حسنـ……”
كتمت ضحكتي بشدّ شفتَي السفلى بأسناني. فقد كان منظره لطيفًا قليلًا. ربما لهذا كان ليو يصفه دائمًا بـ”صغيري”.
ويبدو أن ليو شعر بالأمر نفسه، فضحك بصوت عالٍ ثم اختفى عن الأنظار. وحالما اختفى، خيّم الصمت على المكان من حولنا.
“هاه……”
“هاه……”
تنهدنا معًا في اللحظة نفسها، ونحن لا نزال واقفَين في أماكننا. وفجأة، شعرت بالجو يصبح محرجًا، فقررت أن أفتح الحديث معه.
“إنه شخصٌ ممتع. لا بد أنكَ لا تشعر بالملل معه.”
‘و ليس الأمر أنني أرغب في البقاء معه على أي حال.’
اكتفيت بتلك الجملة وأبقيت ما بعدها في داخلي بينما نظرت إلى دانتي.
كان يوجّه نظره إلى مكانٍ آخر، دون أن يجيب، ثم التفت إليّ فجأة.
“لقد أحسنتِ.”
“عفوًا؟ ماذا تقصد؟”
“أقصد عندما أطحتِ بذلك الشخص بعيدًا.”
توجهت نظرات دانتي إلى الجرح في عنقي. ثم ارتعش إحدى حاجبيه قليلًا، و تحدث بصوت خافت بعض الشيء.
“لو لم تفعلي ذلك، لكنت قد فجّرت المكان كله.”
“ماذا؟!”
سألته بذهول، لكنه نظر إليّ ببرود دون أن يبدي اهتمامًا.
يا للراحة……من الجيد أنني أطحت بليو أولًا.
كنت أشعر ببعض الذنب لأن العلاقة بينهما بدت وثيقة، لكن……
رفعت طرفي شفتي بابتسامةٍ مصطنعة وقلت له.
“مم، شكرًا حقًا على كل ما فعلته اليوم. لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد.”
“يسرّني سماع ذلك. إن كنتِ استفدتِ من الأمر.”
“أعتقد أنني سأصبح مشغولةً من الغد.”
مرّت بخاطري قائمة المهام التي تنتظرني لاحقًا. لكن فجأة، لاحظت أن دانتي أصبح صامتًا بشكل غريب، فنظرت إليه بطرف عيني.
كان يعبس بشفتيه وكأنه غارق في التفكير، ثم نطق فجأة.
“هذا لا يسرّني.”
وقفت في مكاني دون أن أنطق، مشوشةً من طريقته الجافة في الحديث، ثم خطا دانتي خطوةً إلى الأمام وتحدث إليّ.
“ألن تعودي؟ الشمس بدأت تغرب.”
عندها فقط عدت إلى وعيي وأجبت بسرعة.
“بالطبع! نعم!”
وخرجنا من منطقة المتاجر دون أن نتبادل أي كلمة أخرى. و عاد كلٌّ منا إلى حيث يجب أن يكون، ومرّ اليوم على هذا النحو.
في اليوم التالي، ذهبت مجددًا إلى المتجر.
لم يكن من الممكن فتحه وهو على هذا الحال البالي، فكانت هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى تصليح. و كان من الأفضل أن أستعين بعمّال، لكن تكاليف الأيدي العاملة لم تكن بسيطة، لذا قررت أن أتفقد بنفسي ما يمكن إصلاحه.
“سيدة إيرفين! هناك ثقب صغير هنا!”
“هوه، حقًا؟ سيدتي، يبدو أن هناك شقًّا في هذا المكان.”
“ماذا؟ دعني أرى. سيدة إيرفين! هنا……كلام ولي العهد صحيح! هذا خطيرٌ جدًا!”
لكن، لماذا وجدت نفسي محاطةً بكل هذا الضجيج؟
لا عجب أنني شعرت أن حظي جيّدٌ منذ الصباح.
***
“سيدتي، تبدين في مزاجٍ جيّد.”
“حقًا؟”
طبعًا، من الطبيعي أن أكون كذلك. فقد كنت متحمسةً لدرجة أنني لم أستطع النوم وأنا أفكر في كيفية ترميم المتجر وترتيبه قبل افتتاحه.
وفوق ذلك، كان الطقس اليوم مشرقًا للغاية، وكأنه يشجّعني في طريقي.
تناولت وجبةً مشبعة، وشربت كوبًا من الشاي تمامًا كما أحب. كل شيء كان مثاليًا.
“لكن، ألا ترين أن هذا خطرٌ عليكِ؟ يمكنكِ ترك الأمر لنا……”
رغم قلقها علي، قامت ليج بربط شعري بطريقةٍ مريحة وساعدتني على ارتداء ملابس الخروج.
“همم، لا بأس. أريد أن أفعله بنفسي. هذا عمل والدي في النهاية.”
ظلت ليج قلقةً عليّ حتى اللحظة التي رتبت فيها الملابس التي أحضرتها وهممتُ بالخروج من الغرفة.
ورغم أنني طمأنتها مرارًا وتكرارًا، إلا أنها ترددت قليلًا قبل أن تغادر أخيرًا.
“حقًا، إنها تقلق كثيرًا.”
تمتمت وأنا أحدّق نحو الباب الذي خرجت منه، وفجأة، سمعت صوتًا مألوفًا من خلفي.
“هل هكذا حقاً؟”
“واااه!”
صرخت والتفتّ بسرعة، لأجد دانتي واقفًا وذراعاه مشبوكتان، وبجانبه كايدن يلوّح لي بيده.
“لـ، لماذا أنتما هنا؟”
“لقد أصررت على السيد دانتي أن آتي معه لرؤية جهاز صناعة الجرعات السحرية الذي صنعه السيد ليو!”
هاه، يبدو أنكما أصبحتما مقرّبَين جدًا في غيابي، أليس كذلك؟
لم أتمالك نفسي من إطلاق ضحكةٍ مشوشة من شدة الذهول.
و في تلك اللحظة، سُمع صوت طرق على الباب، تلاه صوت ليج.
“سيدتي، أنا ليج.”
“آه، نـ، نعم! لحظة!”
أجبتها بسرعة ودفعت كايدن ودانتي نحو ركنٍ لا تصل إليه الأنظار قدر الإمكان. ثم وضعت سبابتي على شفتيّ وأطلقت تهديدًا ناعمًا.
“شش! لا تتحركا من هنا. مفهوم؟”
رفع كايدن ودانتي سبابتَيهما فورًا مقلدينني، ثم أومآ برأسيهما.
رؤيتهما هكذا زاد من قلقي، لكن لم يكن لدي خيارٌ سوى أن أتركهما وأفتح الباب قليلًا.
“ما الأمر؟ كنتُ سأخرج بعد قليل.”
“آه، ليس هناك أمرٌ مهم، لكن من القصر جاء……”
“رسالة؟ أعطني إياها الآن، سأدخل لأتفقدها.”
“ليست رسالة……بل شخصٌ……جاء.”
“……ماذا؟ من؟”
ابتسمت ليج بابتسامةً محيرة وهي تضغط على شفتيها.
“صاحب السمو ولي العهد كاين قد وصل……”
‘يا للعجب!’
______________________
تعريف النشبات😭😭😭
ضحكت دانتي يبيها بس كاين وش جابه فجأه؟
وليو المجنون ذاه طلع كل ذاه مزح؟؟ بس اثاريه ابو حنون😔🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 39"