“حقًا، لقد أرهقني كثيرًا لأجل أن أصنع هذا الشيء. لم أرَ في حياتي شخصًا مثله من قبل.”
راح ليو يتمتم وهو يتجول خارج المستودع. حتى تذمره بدا لطيفًا في تلك اللحظة بسبب مزاجي الجيد.
“أيتها الصغيرة، يبدو أنكِ مستعدةٌ لمسح الغبار كله بيديكِ، أليس كذلك؟”
“لكن، ماذا عساي أن أفعل؟ بوجود هذا الشيء، يمكن إنقاذ الأرواح وكسب المال أيضًا!”
البحث عن وسيلة للعيش بنفسك هو بلا شك أمرٌ ممتع.
“هاهاها.”
لم يستطع ليو كتم ضحكته التي أخذت تتسلل منه، فضحك بخبث.
ثم سمع صوت شخص خلفي ينقر لسانه بدهشة، لكنني لم أعره اهتمامًا.
وفجأة، خاطبني صوتُ ساخر،
“لكن، ألا تعتقدين أنكِ سعيدةٌ أكثر من اللازم؟ أنا لم أقل إنني سأعطيكِ إياه.”
تحطمت في لحظة كل تلك الأحلام المشرقة التي ملأت عقلي. ثم استدرتُ مبتسمةً بصعوبة محاولةً إخفاء ارتباكي.
و شعرت بأن ابتسامتي المرتجفة تكشف اضطرابي.
غادرت المستودع بسرعة. وعندما تجاوزت طاولة الحساب واقتربت منه قليلًا، سألت على عجل،
“مـ-ما الذي تقصده بكلامكَ؟ إذًا، لماذا أخبرتني بذلك؟”
“فقط، عندما سمعت اسم كوينياردل تذكرت الأمر.”
“هذا لا يُعقل……!”
“ولمَ لا؟ ها هو أمامكِ.”
أطلقت زفيرًا من شدة الدهشة. فضحك ليو وكأنه يستمتع بالأمر ثم بدأ بالكلام.
“أنا من الأشخاص الذين يحبون المعاملة بالمثل، لذلك لا يمكنني أن أعطيكِ إياه مجانًا.”
بدأ ليو يتقدم بخطواتٍ بطيئة. ومع كل خطوة يقترب بها، كان الشعور بالبرودة التي تنبعث منه يزداد وضوحًا.
اقترب حتى أصبحت أحذيتنا تكاد تتلامس. ثم رفعت رأسي لأقصى حد وسألته،
“ما الذي تريده؟”
“وأنتِ، ما الذي يمكنكِ أن تقدميه؟”
“أمم……”
فجأة، لمس ليو مؤخرة عنقي المكشوفة بيده. فشعرت بقشعريرة غريبة وخوف من حرارة يده الفاترة على تلك المنطقة الحساسة.
“أمم؟ تابعي.”
“أمم……”
ثم بدأت أصابعه تتحرك ببطء.
“هل تعلمين؟”
رنّ صوته البارد في أذني.
“كلما كانت طاقتكِ السحرية أقوى، كان دمكِ أحلى وألذ.”
“……ماذا؟”
“أنا فضولي……كيف سيكون طعمكِ؟”
توقفت أصابعه التي كانت تمر ببطء على عنقي، ولامس شيئٌ حاد جلدي. و ابتسم ليو ابتسامةً عريضة وهو يضغط بقوة.
“آه……!”
شعرت بوخز في عنقي، وكأن أظافره قد شقت جلدي.
كان هناك شيءٌ يسيل على عنقي. ربما بدأ دمي بالظهور، فقد تلونت عينا ليو باللون الأحمر.
“آه، ماذا أفعل الآن؟ يبدو أنه سيكون لذيذًا جدًا. هل يمكنني أن أتذوقه؟ همم؟”
تصلّب جسدي بالكامل من نبرة صوته المتهورة، ولم أعد قادرةً على الحركة.
الألم الخفيف الذي بدأ ينبض في رقبتي جعل من الصعب عليّ أن أتماسك.
“إنه مؤلم……”
ضغط ليو بأصابعه على الجرح أكثر، وراح يغور فيه بعمق. فشعرت بألمٍ جعل عينيّ تدمع.
“لن يستغرق الأمر وقتاً طويلًا. ولن يؤلم.”
لحس شفتيه بلسانه وهو يتذوق الطعم في خياله. و رأيت عينيه الحمراوين المتوهجتين وكأنهما على وشك التهام فريسة، فقبضت على يدي المرتجفة بقوة.
“لو كان دانتي هنا، لكان حماكِ. لكن يا للأسف.”
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ساخرة. و كانت أنيابه الظاهرة أسفل شفتيه حادةً بشكلٍ غريب، كأنها أنياب وحش.
وبينما كان ليو يمسك بعنقي، تمكنت بصعوبة من فتح فمي للكلام.
“أعتقد……أن هناك سوء فهم……”
“سوء فهم؟ أي سوء فهم؟”
ارتجف حاجباه الكثيفان. و في تلك اللحظة بالذات—
دوّى صوت انفجار قوي دوووم!، واقتحم شخصٌ مألوف متجر الكوخ.
“ليو!”
كان دانتي، ووجهه مشوهٌ بالغضب.
عند ظهوره، نقر ليو بلسانه بضيق. و رغم أنه لا يزال ممسكًا بعنقي، بدا وكأنه نسي تمامًا وجودي، فضربتُ ذراعه بخفة.
“ما الأمر؟ لماذا؟”
استدار ليو بسرعة وهو ينفجر انزعاجًا. فوضعت يدي على صدره وأنا أحدّثه،
“جسدي……سأحميه بنفسي. لذا……”
ركزت طاقتي السحرية في راحة يدي. و تذكرت لحظة محاكمتي حين فقدت أعصابي تمامًا وأطلقت قوتي على جوزيف.
ثم، وجهت كلماتي إلى ليو وأطلقت سحري دفعةً واحدة.
“من فضلكَ، ابتعد.”
بوووم-!
انطلقت طاقتي من يدي لتقذف ليو بعيدًا بقوة.
حدث كل شيءٍ في لحظة، فلم يستطع ليو حتى أن يفكر في الدفاع عن نفسه، وتدحرج على الأرض مغطى بالغبار.
سقط بطريقةٍ مضحكة بجانب خزانة محطمة، وأطلق ضحكةً فارغة دون توقف.
“ها! ما هذا بحق……؟”
وبسبب ضيق المكان، علِق الغبار بثوبي أيضًا، فبدأت أنفض تنورتي.
أخذت أسعل وأنا ألوّح بيدي لطرد الغبار المتناثر من كل اتجاه، وفجأة شعرت بنظراتٍ موجهة نحوي، فاستدرت.
كان دانتي يستند إلى إطار الباب، ينظر إليّ وكأنه رأى شيئًا مثيرًا للاهتمام. فنظرت إليه وابتسمت بلطف.
“أنتَ هنا.”
عندها أطلق دانتي ضحكةً قصيرة، ثم انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ.
‘لماذا يضحك فجأة؟’
لم أفهم السبب، فحدّقت به في صمت. بينما ظل دانتي يضحك ممسكًا بالحائط ليتوازن، ثم التفت إلى ليو الذي ما زال جالسًا على الأرض وخاطبه،
“تستحق ما جرى.”
عندها قفز ليو واقفًا، وتقدّم نحونا بخطى ثقيلة وهو مغطى بالغبار من رأسه حتى قدميه.
“أنتِ. ألن تندمين؟ هل أنتِ بخير من دونه؟”
أشار ليو إلى داخل المستودع ورفع صوته. وتتبعت إصبعه بنظري، فكان هناك الجهاز الذي ما زالت عليه آثار يدي.
كان الأمر مؤسفًا. ومن الطبيعي أن يكون مؤسفًا. فالبحث عن طريقةٍ بديلة سيتطلب المزيد من الوقت، وإن نفذت أموالي في تلك الأثناء، فلن يكون بوسعي فعل أي شيء.
لكن الجرح الذي لا يزال ينبض بالألم كان يخبرني ألا أسامحه.
“ربما……لن أكون بخير. لكن، لا أريد أن أذلّ نفسي من أجل ذلك الشيء.”
رغم أن كلماتي بدت واثقة، كان رأسي ممتلئًا بالتفكير في كيفية الاستمرار في العيش.
‘هل أشتري أعمالًا فنية سترتفع قيمتها لاحقًا؟ أظن أنه قيل أن هناك منجمًا مليئًا بأحجار المانا قرب مقاطعة دوق هايفن……أو ربما يجب أن أبدأ ببيع المعلومات لكسب بعض المال تحت الطاولة……’
قطع تيار أفكاري المتواصل صوت دانتي.
كان قد اقترب مني دون أن أشعر، ثم دفع رأس ليو بعيدًا حين اقترب مني. و بعدها، بدأ يمسح بلطف الجرح المتيبس في عنقي بكم قميصه.
“آه، شكرًا لكَ.”
لم يبتعد إلا بعد أن أزال الغبار عن شعري بالكامل.
فنظرت إليه بخفة، فرأيت أن قميصه الأبيض قد تلطخ باللون الأحمر. وحين لاحظ أن نظري وقع على كمّه، طواه ليخفيه، ثم تحدث،
“هل تؤلمكِ كثيرًا؟”
قال ذلك بينما كان ينظر إلى جرحي بعينين خافضتين.
“همم، قليلًا فقط. كأنه وخزٌ بسيط.”
دون أن أشعر، حككت عنقي بخفة. فأوقف دانتي يدي التي كانت تعبث بجانب الجرح بسرعة.
“أعتذر بالنيابة عن ما فعله ذلك الأحمق. إنه شخصٌ لا يملك أي مفاهيم أخلاقية.”
وعند كلماته، تذكرت شيئًا ظل يؤرقني، فغطيت فمي بهمسةٍ صغيرة وسألته،
“لكن……ما هي هوية السيد ليو بالضبط؟ قبل قليل، كانت عيناه حمراء بوضوح. أما الآن فهي سوداء……”
عندها نظر دانتي إلى ليو بطرف عينه ثم أجاب بهدوء،
“مصاص دماء.”
“مصاص دماء؟!”
رغم أني كنت أتكلم همسًا، خرج صوتي وكأنه صرخة، فسارعت بتغطية فمي بخجل.
كان ليو، الذي كان يركل الأرض غاضبًا بوجه عابس، قد استدار فجأة. و عيناه، التي تجهم بين حاجبيه، تحولت من جديد إلى اللون الأحمر.
“لمَ؟ هل بدأتِ تخافين مني الآن؟”
كان الجو المحيط بليو باردًا ومخيفًا.
رأيت أسنانه الحادة كأنها على وشك أن تغرس في عنقي لتنهش دمي، فهززت رأسي بسرعة.
“لا……ليس هذا ما أقصده……”
“ليس كذلك؟ إذاً ما هو؟”
هل يجب أن أقولها؟ لكن……لكن……!
“هل يمكنني……مصافحتكَ؟ إنها المرة الأولى التي أقابل فيها مصاص دماء، وأنا مندهشة جدًا……إنه رائع!”
كنت أرتجف من الحماسة، إذ إنها المرة الأولى التي ألتقي فيها بكائن من جنس مختلف.
مسحت راحة يدي جيدًا على أنظف جزء في ملابسي، ثم مددت يدي نحو ليو. فنظر إلى يدي الممدودة بصمت، ثم أطلق ضحكة خافتة يائسة.
وسرعان ما اتسعت تلك الضحكة، حتى بدأ كتفاه يهتزان من شدة الضحك العالي.
مسح دمعةً خرجت من عينه بطرف كمّه، ثم أمسك بيدي أخيرًا.
“أنتِ حقًا مضحكة. لم أضحك هكذا منذ زمن.”
أنا أصافح مصاص دماء الآن!
“تعجبني جرأتكِ.”
لقد نلت إعجاب مصاص دماء!
وبينما ما زلت مذهولة، كانت عينا ليو قد عادتا إلى السواد، واختفت أنيابه الحادة.
حدّقت في تحوّله الطبيعي والمذهل دون أن أستطيع صرف بصري عنه. و في تلك اللحظة، تدخل دانتي فجأةً بيني وبين ليو.
“إلى متى ستظلان ممسكين بالأيدي؟”
ثم ضرب دانتي معصم ليو بخفة، فانفصلت أيدينا دون مقاومة.
نظر ليو إلى دانتي بنظرةٍ غامضة لا يمكن تفسيرها، ثم سألني،
“كيف درّبتِ صغيرنا؟”
“……صفيركم؟”
“صغيرنا عادةً لا يسمح لأحدٍ بالاقتراب منه أو كسب وده، لكنك فعلتِ ذلك.”
هل يُعقل أن من يقصده بـ”صغيرنا” هو دانتي؟ كيف يمكن أن يُطلق على دانتي، القوي الضخم الذي سيُطيح بي لو دفعني، لقب “صغير”؟
لكن إن كان ليو، فربما هذا طبيعيٌ بالنسبة له.
“هاها……من يدري……”
ضحكتُ بخجل وأنا أنظر إلى دانتي، الذي مال برأسه مستفسرًا عن سبب نظراتي، فأخذت أحرك عيني هنا وهناك لأتجنبها.
لم أشعر قط أن “صغيركم” هذا قد سمح لي بالاقتراب منه أصلًا……
_______________________
مصاص دماء😃 يعني دانتي نص مصاص دماء؟ يالصدمه واو
المهم ياكل تبن ليو بس خل يعلمنا قصة دانتي واسامحه يضحك 😂
شسمه وشكل ايرفين بتبدا تحب دانتي اخيرا دامها لاحظت✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 38"