انطلق المصعد إلى الأعلى بصوت هدير عالٍ. و كانت سرعته كبيرةً لدرجة أنني شعرت بالغثيان.
حتى كايدن، الذي يبدو أنها المرة الأولى له في الوصول إلى القمة، بدا مرتبكًا، وكان يتمسك بالحاجز ويرتجف مثلما أفعل أنا. و وسط كل هذه الفوضى، كان دانتي هو الوحيد الذي بقي هادئًا.
بعد وقتٍ قصير، اهتز المصعد بقوة مرة أخرى ثم توقف. فنزلت بسرعة وقدماي ترتجفان.
“كان….كان الأمر….أوه….”
تمسكت بالحائط بصعوبة وأخذت أتنفس بعمق. ثم سمعت صوت لهاث بجانبي، وعندما نظرت بطرف عيني، كان كايدن أيضًا يلهث ويقف بنفس الوضعية التي أنا عليها.
كل ذلك التفاخر والمعرفة التي ادّعاها ذهبت هباءً و اصبح يبدو مثلي تمامًا.
تنهدت بهدوء وهززت رأسي. ثم حاولت تهدئة شعوري بالغثيان فنظرت الى المكان حولنا.
لم يكن في المكان سوى ممر خالٍ تمامًا، بلا أي زينة، سوى باب يقع على بُعد حوالي عشر خطوات.
“هل هذا هو الطابق الأعلى؟”
لكن لم يصلني أي جوابٍ من دانتي.
‘ما خطبه؟ بدا غير مرتاح منذ أن قررنا الصعود إلى هذا الطابق.’
كان يمرر يده في شعره مرارًا ويتنهّد بعمق. لكن بما أنه لم يقل أي شيء، كل ما استطعت فعله هو اللحاق به بصمت.
ثم تذكرت فجأةً السؤال الذي راودني في الطابق السفلي وسألت دانتي عنه.
“الساحر دانتي، على ذِكر ما قيل سابقًا، إن الطوابق تُحدد حسب القوة، فلماذا تقيم في القبو؟”
رغم أنك أقوى بكثيرٍ من كايدن الموجود هنا.
عندما وصل دانتي إلى الباب في نهاية الممر، أجاب وهو يزفر بخفة،
“لأني أردت أن أبتعد قدر الإمكان.”
“هاه؟ تبتعد عن ماذا؟”
لم يجب، بل أمسك مقبض الباب وفتحه فجأةً بنوع من الانزعاج. فمددت رأسي من خلف ظهره لألقي نظرةً خفية إلى الداخل، وما رأيته جعل فمي يُفتح بدهشة.
“واو، هذا المكان…..”
كنت أظن أن قبو دانتي في السابق كان غير مرتب، لكن بالمقارنة مع هذا، فذلك المكان كان نظيفًا جدًا.
الأدوات والكتب مكدسة فوق بعضها البعض، بشكلٍ أقرب للفوضى الفنية، وكأن كل شيء على وشك الانهيار.
خطوة واحدة فقط كفيلة بجعل كل شيء ينهار كالسيل.
تساءلت في نفسي إن كان من الآمن حتى الدخول. لكن دانتي دخل وكأن الأمر طبيعي تمامًا.
“سـ…..سأذهب معكَ!”
تبعته بسرعة، ثم دخل كايدن وهو لا يزال يلهث وأغلق الباب خلفه.
‘رؤية المكان من الداخل أسوأ بكثير.’
لم أكن أعلم حتى أين أضع قدمي وسط هذه الفوضى.
كان كايدن يبدو كمن يشعر بالشيء نفسه، إذ وقف مكانه دون حراك. لكن سرعان ما استعاد لونه الطبيعي وبدأ يلفت بعينيه هنا وهناك. فغرفة سيد برج السحر، التي قد لا يزورها مرةً في حياته كلها، تستحق كل هذا الانبهار.
أما بالنسبة لي، التي لا تعرف شيئًا عن الأدوات السحرية، فلم يكن هذا المكان إلا كمستودعٍ قديم مهجور.
‘ليته يخبرني على الأقل عما يبحث عنه.’
لكن الغريب أن دانتي كان يتجول وسط هذه الفوضى وكأن الأمر طبيعي تمامًا. و رغم أن لمسةً بسيطة كانت كافية لتسقط كل هذه الأكوام، إلا أنه كان يتفاداها بسهولة وبراعة.
“ما الذي تبحث عنه بكل هذا الجهد؟”
سألت دانتي الذي كان يتحرك في كل اتجاه دون توقف. فرمقني بنظرةٍ سريعة ثم أجاب،
“أبحث عن أداةٍ ستساعد في تنفيذ خطتكِ.”
ثم تابع بحثه دون أن يتوقف.
كنت أرغب في مساعدته، لكنني لا أعرف ما الذي أبحث عنه أصلًا.
“لو تخبرني فقط كيف تبدو، يمكنني أن أساعدكَ-“
“لا وقت لذلك. لا بأس، يمكنكِ البقاء واقفةً فقط.”
كان رده حازمًا، فالتزمت الصمت وأطبقت شفتي.
ثم تساءلت ما الذي يفعله كايدن الآن، وعندما نظرت نحوه، وجدته قد تقدم وجلس القرفصاء على الأرض يتفحص عدة أدوات.
كان يبدو مستمتعًا جدًا.
‘ربما عليّ أن أبحث في محيطي أنا أيضًا.’
بما أنه قال أن الأداة يجب أن تحتوي على طاقة سحرية، فلا بد أن شكلها يشبه كرةً كريستالية أو شيئًا من هذا القبيل.
وقفت وحدي مترددة، أشعر بالحرج والملل، فالتقطت شيئًا من الأدوات المبعثرة من حولي.
كان خيطًا أسود متشابكًا ليس له أي فائدة.
“ما هذا بحق؟ هل هو قمامة؟”
وفجأة، سمعت صوتًا غريبًا من خلفي.
“قمامة؟ هذا قاسٍ نوعًا ما. إنها أداةٌ تُستخدم في اللعن، يا صغيرة.”
فزعت بشدة من الصوت المفاجئ حتى ارتخت يدي، وسقط الخيط من يدي على الأرض.
“آه! لقد أفزعتني!”
ثم استدرت بسرعةٍ نحو مصدر الصوت.
رغم أن الغرفة لم يكن فيها إلا دانتي، وكايدن، وأنا…..كان هناك شخصٌ جديد، لم أره من قبل.
كان يقف عند الباب، يحدّق بي وهو يرفع طرف شفتيه بابتسامةٍ خفيفة بينما وضعت يدي على صدري في محاولة لتهدئة قلبي المفزوع.
“مـ، من أنتَ؟”
كان طويل القامة، نحيف البنية، بشعرٍ أسود داكن كلون الأبنوس ينسدل على كتفيه.
عينيه المائلتين إلى أعلى كشكل عيون القطط، وابتسامته الدقيقة، منحته هالةً باردة مخيفة.
رغم أنه كان يبتسم، إلا أن سواد عينيه المتوهج بث رهبةً جعلتني ألتقط أنفاسي بصعوبة.
“ليو…..”
نطق دانتي باسمه بصوتٍ منخفض من خلفي.
كان من الغريب سماع دانتي ينادي أحدًا بذلك القرب والدفء.
‘ليو؟ من يكون هذا؟’
كان اسمًا أسمعه لأول مرة. لا بد أنه شخصية لم تظهر في الرواية الأصلية.
نظرت إلى دانتي الذي كان يعبس وجهه بضيق، ثم إلى الرجل الذي يُدعى ليو، والذي وقف هناك يبتسم بخفة واسترخاء.
راقبت الاثنين بالتناوب، لكن شيئًا غريبًا شدني.
رغم أن أعينهما مختلفة في البرودة، وأجسادهما مختلفة تمامًا، ولا يشتركان في شيء واضح، إلا أنني شعرت وكأن بينهما شبهًا ما.
“مرحبًا، دانتي. كيف حالكَ؟”
لوّح ليو بيده بتحيةٍ ودودة لدانتي.
هل كانت علاقتهما جيدة؟ لكن دانتي كان يحدّق فيه بنظرات حادة، ثم تمتم بلعنةٍ منخفضة.
إذًا…..هل العلاقة سيئة؟ لكن ليو بدا سعيدًا جدًا، على أي حال.
“لم نلتقِ منذ زمن، ألا يستحق الأمر على الأقل تحية؟ هل هذا ما علّمكَ إياه والدكَ؟”
لحظة، ماذا قال الآن؟
“والد…..؟”
تفوهتُ بالكلمة بلا شعور من شدة المفاجأة. فابتسم ليو برقة وكأن الكلمة راقت له، بينما أطلق دانتي صوت نقر بلسانه بضيق.
“هل أنت…..حقًا والد الساحر دانتي؟”
“نعم، لم تكوني تعرفين؟ ألسنا متشابهين؟”
نظرت إلى عيني ليو المنحنيتين بشكلٍ خبيث، وأومأت برأسي دون وعي، وكأنني مسحورة.
هل هذا ما جعلني أشعر بذلك الشبه الغريب بينهما؟
وكأن دانتي أراد أن يقطع حبل أفكاري، تحدث بعصبية-
“لا تصدقي هذا الهراء. كل ما يقوله هذا الشخص كذب.”
لكنني رددت عليه بتردد،
“أليس هو والدك؟ شعرت أن بينكما شبهًا…..”
“شبه؟! أي شبه-!”
وقبل أن يتمكّن دانتي من رفع صوته أكثر، كان ليو قد اقترب مني وأمسك بيدي فجأة.
“حقًا رأيتِ ذلك؟ لماذا؟ ما أوجه الشبه التي لاحظتها؟”
كان وجه ليو قريبًا جدًا من وجهي، لكنه كان خاليًا من التعبير. لا يمكنني أن أعرف إن كان سعيدًا أم غاضبًا.
شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي. فحاولت سحب يدي من قبضته، لكنها لم تتحرك.
لم يكن يبدو عليه أنه يشدّ بقوة، ومع ذلك لم أستطع الابتعاد. و في النهاية، اضطررت للحديث على مضض،
“فقط…..شعرت أن الأجواء بينكما متشابهة قليلًا…..”
عندها ارتسمت ابتسامةٌ واسعة على وجه ليو، وارتفعت وجنتاه بابتسامة شفتيه.
ضحك بصوت عالٍ وهو لا يزال ممسكًا بيدي. لكنه توقف فجأة عن الضحك، وعاد ليبتسم بهدوء وهو يتحدث،
“أنتِ تعجبينني. ما اسمكِ؟”
كان تغيّر ملامحه السريع والمفاجئ يُرعبني.
وقبل أن أجيبه كي لا أثير غضبه، جاء صوت دانتي وهو يقترب بسرعة،
“ولماذا تود أن تعرف؟”
ضرب دانتي يد ليو بشدة، وأزاحني خلفه ليحميني. فتحقّقت أولاً من معصمي الذي تحرر أخيرًا.
لم تكن فترةً طويلة، ولم أظن أن ليو كان يضغط بشدة، لكن آثار يده الكبيرة كانت واضحةً تمامًا.
رمقني دانتي من خلفه بطرف عينه، وعبس حين رآني أفرك معصمي.
“متّ فحسب.”
تمتم دانتي بصوتٍ منخفض، ثم فتح كفه وأشعل نارًا فيها. فلوّح ليو بيديه ضاحكًا.
“مهلًا، مهلًا. لنتحدث بالكلام، نحن أصدقاء، أليس كذلك؟ كن طيبًا، يا بني.”
عند كلماته، ازدادت النار في كف دانتي اشتعالًا.
“قلت لكَ. لا تناديني هكذا.”
“آه، لمَ لا؟ كنت تحب ذلك وأنتَ صغير.”
ضحك ليو بمكر.
لم أرَ ملامح دانتي، لكن كتفيه كانتا ترتجفان بشكل خافت، وكأنه يقمع غضبًا متصاعدًا. و في هذه المرحلة، بدأت أتساءل حقًا ما طبيعة العلاقة بين هذين الاثنين.
هل يمكن أن يكونا أبًا وابنًا فعلًا؟
قالوا أن من يستطيع الصعود إلى قمة البرج هو دانتي وصاحب الطابق فقط، لذا فليو لا بد أن يكون سيد برج السحر.
‘حتى وإن كانا يُلقّبان بسيد البرج وخليفته، هل يمكن أن يكونا مقربين إلى هذا الحد؟’
حرّكت عيني بتوتر. وفجأة، بعد غيابٍ طويل، دخل كايدن في مجال رؤيتي.
كان منكمشًا في ركن، يرتجف بهدوء وهو يحبس أنفاسه.
‘كايدن مجرد ساحر من الرتبة الدنيا، لا اعلم ان كان يعرف إن كانت العلاقة بينهما تبدو عميقةً بهذا الشكل.’
كوووم-!
وكأن هذا التفكير التافه يجب أن يُمحى، دوى صوت انفجار هائل. انفجرت كومةٌ الكتب المكدسة عند النافذة، وتساقط الغبار وقطع الأوراق كأنها ثلوج.
“إن فعلتَ ذلك مرة أخرى، فسوف تموت فعلًا.”
زمجر دانتي موجّهًا كلامه إلى ليو.
رفعتُ يدي ببطء، ثم حطّت ورقةٌ تساقطت من السقف برفقٍ على كفّي.
نظرت إلى الورقة التي بالكاد يمكن تمييز شكلها، وانفلتت مني ضحكةٌ يائسة.
‘إن كنتم ستتشاجرون، فاذهبوا خارجًا أيها الأوغاد…..’
__________________
حسبتها بتهتم ليه دانتي كذا مع ابوه طلعت بس خايفه وتبيهم يطلعون😭
بس وناسه مافكرت لو واحد بالميه ان ليو هو سيد البرج وابو دانتي✨ وكاين يعرفه بعد يوم جاه ذاك الفصل وجاب طاري ليو
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 36"