عقد دانتي حاجبيه وأدار رأسه ببطء. بينما كان كايدن مذهولًا لدرجة أنه لم يكتفِ بوضع يده على فمه، بل اتسعت عيناه وكأنه يكاد يُسقطهما من مكانهما.
ثم صدرت منه فجأةً شهقة تسببت في إزعاج دانتي، وبدا وكأن كايدن على وشك البكاء لشعوره بالظلم.
“اخرج.”
تمتم دانتي بصوتٍ منخفض، يكاد يكون زمجرة. وبدت الدموع تتلألأ في عيني كايدن فعلًا، كما لو أنه حزين لأن دانتي أصبح يكرهه.
شعرت أن الأمر سيتحول إلى موقفٍ مزعج كما حصل عندما أتيت إلى برج السحر لأول مرة، فسارعت إلى التدخّل لإيقاف الاثنين.
“ا-انتظر لحظة فقط.”
توجهت إليّ نظرات الاثنين في آنٍ معًا.
ولأنني شعرت فجأةً بالإحراج، بدأت أعبث بشعري بلا سبب وأنا أتابع الكلام،
“هذا…..أعتقد أنه من الأفضل أن يبقى السيد كايدن أيضًا. لديّ شيءٌ أود أن أقوله لكما.”
فكرت بأنه حتى وإن بدا عذري غير معقول، فكايدن ساحرٌ رسمي في برج السحر، وربما أستطيع الاستفادة من نصيحته.
نظر إليّ كايدن بعينين مليئتين بالتأثر. و رغم أنه لا يزال يرتجف من الشهقة، إلا أنه كان ممتنًا.
“ما الذي تودين قوله؟”
ارتفع حاجب دانتي قليلًا، كما لو أن طلب بقاء كايدن لم يعجبه.
“هل يمكن أن أجلس؟ أعتقد أن الحديث سيطول…..”
أجاب كايدن بسرعة، وكان يراقب من بعيد بعد أن تخلّص أخيرًا من شهقاته،
“نـ-نعم، بالطبع! لنجلس ونتحدث بهدوء، أليس كذلك؟”
ثم سارع كايدن إلى الجلوس أولًا، ولوّح لنا بيده عاليًا وهو لا يزال جالسًا.
“تفضّلا، اجلسا بسرعة!”
يا له من وقح، حقًا.
ضحكت ضحكةً خفيفة وجلست بجانبه.
كنت أنوي توجيه أسئلتي إلى دانتي، لذا اخترت مكانًا أكون فيه بمواجهته. لكن يبدو أن ذلك كان مجرد رأيي وحدي. فدانتي، الذي كان يراقبني أنا وكايدن بصمت، جاء وجلس بجانبي.
“لماذا جلستَ هنا…..؟”
رمشت بعيناي وأنا أنظر إلى دانتي وهو يجلس بجانبي مكتّفًا ذراعيه.
أصابني بعض الارتباك، لكنه نظر إليّ بهدوء وكأن الأمر لا يستحق الاستغراب.
“حسنًا…..”
بدأت الحديث بحذر، بينما كنت أشعر بنظرات كايدن من الجهة اليمنى، ونظرات دانتي من الجهة اليسرى.
“أليس من الصعب قليلًا أن نتحدث بينما نحن الثلاثة نجلس بهذه الطريقة؟”
أدرت رأسي يمينًا ويسارًا لأتفقّد ردّ فعل كلٍ منهما. و كايدن كان يبتسم كأن الأمر لا يهم، ودانتي كان ينظر أمامه دون أن يعلّق. و لم يُبدِ أيّ منهما نيّةً للتحرك من مكانه.
‘لو بقي الوضع على ما هو عليه، فلن نتمكن من الحديث كما يجب’
وفي النهاية، كنت أنا من نهض أولًا.
“إذاً، سأجلس أنا في الــ…..أوه!”
سحبتني قوةٌ خفيفة من اليسار وأعادت جسدي الذي كان قد نهض إلى الكرسي.
فزعت واستدرت برأسي، لكن دانتي كان لا يزال ينظر إلى الأمام. ثم خفضت بصري، و كان يمسك بمعصمي بحذر، كأنه يخشى أن يؤذيني. بالإضافة، كانت يده دافئةً جداً.
“سأذهب إلى الجهة المقابلة. سيكون الحديث أسهل بهذه الطريقة.”
حاولت النهوض مجددًا، لكن دانتي جذبني مرة أخرى. ثم أدار رأسه ببطء ونظر إلى كايدن من فوق كتفي.
عندما التقت عينا دانتي بكايدن، ارتجف جسده.
“سـ…..سيدي دانتي، لماذا…..تفعل هذا؟”
نظر دانتي إلى كايدن المتوتر بشدة، ثم أشار برأسه نحو الأريكة المقابلة.
كانت إشارةً للانتقال إلى الجهة الأخرى. لكن كايدن لم يفهم الإشارة فورًا، وبقي جالسًا بتعبير مذهول على وجهه.
عندها عبس دانتي وأشار مجددًا بذقنه نحو الجهة الأخرى. و أدرك كايدن الأمر أخيرًا، ونهض فجأة.
“آه! نعم، نعم! بالطبع، سأذهب. يجب أن أذهب.”
ثم انتقل بسرعةٍ إلى المقعد المقابل.
وعندما جلس، فقط حينها، حرر دانتي يده من معصمي. ثم فتح شفتيه المغلقتين أخيرًا.
“هل تريدن الذهاب الآن؟”
“نعم؟”
“أقصد الى المقعد. هل يمكنكِ التحدث الآن؟”
“آه، نعم! نعم. ما كنت أريد قوله هو…..”
أدار دانتي جسده ناحيتي وأصغى بانتباه.
“أردت أن أطلب رأيكَ.”
“رأيي؟”
سأل كايدن بنبرةٍ فضولية.
أخرجت الورقة التي كنت قد وضعتها بعناية في حقيبتي، ووضعتها على الطاولة.
و كايدن، الذي انحنى للأمام ليتفحصها، صرخ بدهشة.
“خطة عمل؟!”
ما أخرجته لم يكن سوى خطة لإعادة فتح متجر الأدوية. كانت الكتابة فيها مبعثرةً بسبب استعجالي أثناء كتابتها في العربة، لكنها كانت مفهومة.
أخذ دانتي خطة العمل من على الطاولة. و كايدن، الذي كان منحنياً يقرأها، عض شفته بحسرة بعد أن فقد الورقة.
‘قلبي يرتجف بلا سبب.’
عينا دانتي تجولتا في الورقة بتأنٍ. وبعد لحظات، وضع الخطة مجددًا على الطاولة بعد أن أنهى قراءتها بالكامل.
‘لماذا لا يقول شيئًا؟ أتمنى لو قال أي شيء.’
نظرت إلى دانتي الصامت وبلعت ريقي بصعوبة. و في النهاية، كنت أنا من بادر بالكلام أولًا.
“ما، ما رأيكَ؟”
لكن الرد جاء من الجهة المقابلة.
“أليس هذا مستحيلًا؟”
كان كايدن هو من قال ذلك بعد أن قرأ الخطة بالكامل.
استدرت إليه بسرعة وسألته،
“…..حقًا؟”
“أنتِ أيضًا جربتِ من قبل يا آنسة إيرفين، أليس كذلك؟ لتحضير الأدوية السحرية، نحتاج إلى طاقةٍ سحرية هائلة، ناهيكِ عن أن معظم المكونات المطلوبة باهظة الثمن.”
“ماذا لو استخدمنا مكوناتٍ رخيصة لصنع الأساسيات؟”
“هذا سيؤدي فقط إلى استهلاك المزيد من الطاقة السحرية. السبب في استخدام مكونات غالية وجيدة هو أنها تُشكل أساسًا قويًا، مما يقلل الحاجة لاستهلاك طاقة سحرية عالية.”
كنت أعلم ذلك أيضًا. لكن…..ولكن…..
نظرت إلى دانتي الذي لا يزال صامتًا وتحدثت وأنا أراقبه بطرف عيني.
“ألن يكون الأمر ممكنًا باستخدام طاقتي السحرية؟”
“حتى وإن كانت طاقتكِ من السحر القديم، آنسة إيرفين-“
كان دانتي يستمع بصمت إلى الحديث، لكنه قطع كلام كايدن المحرج وتدخل فجأة.
“سيكون ممكنًا.”
رفعت رأسي المنخفض بسرعة واقتربت منه على الفور. و ربما فاجأه اقترابي المفاجئ، إذ بدا مترددًا للحظة.
“حقًا؟ هل يمكن حقًا، فعلًا؟”
“على الأرجح، نعم.”
أومأ برأسه مرة ثم تابع حديثه.
“إذا كان من الصعب تفريغ الطاقة السحرية دفعةً واحدة، يمكننا تجميعها تدريجيًا ثم استخدامها.”
لم أكن أنا من رد على كلماته الغامضة، بل كايدن.
“هل هذا ممكن؟! لا يوجد حجرٌ سحري أو أداةٌ سحرية يمكنها احتواء هذا الكم من الطاقة. هذا غير عادي، خصوصًا أننا لا نتحدث عن طاقة عادية بل عن طاقة سحرية قديمة…..”
عندما توقف كايدن عن الكلام فجأة، بدأ التوتر يتصاعد. و تجمّع العرق في راحتي دون أن أشعر، وأطبقت يدي بتوتر.
نظر دانتي إليّ وفتح فمه ببطء.
“أنا لا أحب صناعة الأدوات السحرية، لكني أعرف شخصًا يحب صنع أشياءٍ غريبة.”
عند سماع ذلك، فتح كايدن فمه بدهشة وتنهّد كأن شيئًا اتضح له.
“لا يمكن…..!”
كان يبدو وكأنه فهم شيئًا، بينما لم أستوعب أي شيء. و كل ما فعلته هو التحديق فيهما بعينين متسائلتين، أتبادل النظر بينهما.
***
“إذًا، ما هذا بالضبط؟”
فجأة، قادني دانتي إلى مكانٍ ما، وهناك وجدت آلةً غريبة.
“إنها مصعد يستخدم للتنقل داخل برج السحر.”
“مصعد؟”
“نعم. أول مرة ترينه؟ يمكنه الصعود والنزول لأي طابق من الطابق الأول حتى الأعلى!”
نظرت مرة أخرى إلى المصعد بعد شرح كايدن اللطيف.
على عكس المصاعد الآمنة التي استخدمتها في حياتي السابقة، كان هذا غريب الشكل، يتكون فقط من أرضية محاطة بحاجز منخفض.
حتى أنه لم يكن يحتوي على أزرار، بل كان هناك عصا طويلة قائمة في المنتصف.
كيف من المفترض أن يتحرك هذا الشيء؟
“تفضلي، آنسة إيرفين!”
كان دانتي وكايدن قد ركبا المصعد بالفعل. وعندما صعدا، بدأ المصعد يتأرجح بقوة، مما زاد من توتري.
‘ألن ينهار هذا الشيء؟ هل من الآمن حقًا الركوب فيه؟’
ضيّقت عينيّ ونظرت إليه بشك. لكن لم يكن بإمكاني جعل دانتي ينتظر أكثر، فعضضت شفتي وتقدّمت خطوة.
اهتزّ المصعد مجددًا حين صعدت، لكنه بدا متماسكًا بطريقةٍ ما.
“لكن…..كيف يتحرك؟”
سألت وأنا أتشبث بالحاجز الضعيف، وهو الشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه.
عندها، نظر إليّ كايدن بابتسامةٍ ساخرة وكأني سألت سؤالًا غبيًا،
“بالسحر، طبعًا.”
“بالسحر؟”
“نعم!”
ردّ كايدن بحماسٍ وبدأ يشرح عندما رأى أنني لا أفهم شيئًا.
“أمسكي بهذه العصا هنا، ثم تخيّلي الطابق الذي ترغبين بالصعود إليه، ومرري طاقتكِ السحرية. سيقوم المصعد بالتوقف تلقائيًا عند الطابق المطلوب.”
“هكذا…..من هذه العصا؟”
لم أصدق تمامًا، فلامست العصا بخفة، لكنني لم أستطع تخيل كيف سيعمل ذلك.
“نعم. لكن ليس كل السحرة يمكنهم الذهاب لأي طابق.”
“وماذا يعني ذلك؟”
“السحرة داخل البرج يقيمون في طوابق مختلفة حسب قدراتهم. كلما كان الطابق أعلى، دلّ ذلك على قوة الساحر. ولهذا هناك حدودٌ للطوابق التي يمكن لكل ساحر الصعود إليها.”
“لكن السيد كايدن يعيش في الطابق الأول، أليس كذلك؟”
كان من الواضح أن كايدن من أضعف السحرة.
عند سؤالي، سعل عدة مراتٍ محاولًا التهرب، ثم تابع الكلام بصعوبة.
“كح كح! هذا ليس المهم الآن. من بين كل السحرة في البرج، لا يوجد سوى شخصين يمكنهما الصعود حتى القمة، وأحد هذين الشخصين هو السيد دانتي الذي يقف أمامنا!”
‘كما هو متوقع، إنه ساحرٌ عظيم.’
“والمكان الذي سنتوجه إليه الآن هو….”
وقبل أن يكمل كايدن كلامه، أمسك دانتي بأعلى العصا البارزة في المنتصف. وانتقلت طاقته السحرية منها بسلاسة تامة.
وبعد لحظات، بدأ المصعد يهتز ويُصدر صوت طقطقة، ثم بدأ بالتحرك.
“إنه قمة هذا البرج، غرفة سيد البرج نفسه.”
___________________
اوه اخيرا سيد البرج بيشوف طاقة ايرفين هاهاهاهاعااهاهاها
المهم دانتي بدت غيرته قبل لايدري انه يحبها بدري 😭
مايبيها تقعد جنب كايدن ههههعهعه🤏🏻✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 35"