حتى مع بزوغ النهار، كانت الأيام تتكرر على نفس الوتيرة.
كم كان جوزيف كسولاً ولم يفعل شيئًا حتى يتبقى هذا الكمّ الهائل من الأعمال لأعالجها؟
كتمت تنهيدةً كادت تخرج رغماً عني، ونظرت إلى كومة الأوراق التي جلبها كبير الخدم.
“اليوم ليس هناك الكثير، أليس كذلك؟”
فوجئت بكمية الأوراق التي لم تصل حتى إلى نصف المعتاد.
هل بدأ العمل ينخفض أخيرًا؟
ابتسم كبير الخدم ابتسامةً هادئة،
“لقد أرهقتِ نفسكِ بالعمل في الأيام الماضية. عالجي فقط الأمور العاجلة اليوم، وخذي قسطًا من الراحة.”
كما توقعت، لا يمكن التخلص من كل ما تركه جوزيف من فوضى ببضعة أيام من العمل المكثّف.
لكنني كنت موافقة تمامًا على أخذ يوم راحة. فلو واصلت على هذا المنوال، قد أنهار مجددًا.
“شكرًا على اهتمامكَ.”
ابتسمت ابتسامةً مشرقة وأنا أقول ذلك، ثم غادر كبير الخدم الغرفة بعدما رتّب الأوراق فوق الطاولة.
تنفست بعمق ثم بدأت بمعالجة الأوراق واحدةً تلو الأخرى. ولأن الكمية لم تكن كبيرة منذ البداية، فقد شارفت على الانتهاء بسرعة.
‘هل بلغ الوقت هذا الحد بالفعل؟’
كانت الشمس قد أصبحت في كبد السماء دون أن أشعر.
ثم وضعت القلم جانبًا، ونهضت من مكاني وفتحت نافذة الشرفة الواقعة خلفي مباشرة.
أصبحت الأجواء في النهار مؤخرًا أكثر دفئًا، وكانت رائحة الأعشاب تمتزج بنسيم الهواء. وقد بدأت البراعم تنبت على الأغصان العارية.
وبينما كنت أتأمل المنظر الخارجي بهدوء، صدرت من بطني قرقرةٌ قوية مع اهتزاز خفيف.
“الآن فقط أدركت أنني انشغلت بالعمل وتجاوزت وجبة الإفطار.”
لا يجوز هذا، أبدًا. حتى إن تركت العمل، كان يجب أن أتناول الطعام.
فأمسكت بطني الجائع وتوجهت نحو غرفة الطعام.
***
مجرد تناول اللحم في أول وجبة جعلني أشعر بالنشاط. وبابتسامة رضا ممتلئة بالشبع، عدت إلى المكتب.
كنت أنوي، كما نصحني كبير الخدم، أن أرتاح اليوم دون أن أفعل شيئًا، لكن فجأة شعرت بأن أخذ قسط من الراحة أمرٌ غريب.
‘ما دام لا توجد أوراقٌ لأعالجها، فهذه تُعدّ راحةً أيضًا، أليس كذلك؟’
لكن في الحقيقة، ما شغل بالي هو فكرةٌ كانت قد خطرت لي بالأمس قبل أن أغفو على كرسي المكتب.
فالقلعة تحتاج إلى إصلاحات في أماكن عدة، والإقطاعية أيضًا تتطلب اهتمامًا، وهناك الكثير من النفقات المنتظرة. و المشكلة أن وضع عائلة الكونت المالي سيءٌ للغاية، وقد تضطر لإعلان الإفلاس قريبًا.
يقال أنه من النادر أن تنهار عائلة من طبقة الكونت وما فوق، لكني أدركت أن هذا لا ينطبق إلا على من يملك قدرًا من المال في الأصل.
لا بد من وجود طريقةٍ لكسب المال، لكن لم يخطر ببالي أي شيء على الإطلاق.
‘لم يُذكر شيء عن أراضي الكونت في الرواية…..’
في القصة الأصلية، عاشت إيرفين في قصر هايفن حتى وفاتها، وبعد موتها لم يُذكر اسم عائلة كوينيارديل قط، وكأنها اختفت تمامًا.
لذلك لم أكن أملك أي معلوماتٍ تُذكر.
‘لو أنني فقط أكتشف منجمًا ضخمًا للأحجار السحرية، أو أجد كنوزًا هائلة مدفونة تحت بحيرةٍ ما، كم سيكون ذلك رائعًا.’
نقرت لساني بضيقٍ بينما كنت أتجول في المكتب حتى وقفت أمام رف الكتب.
تنهدت بخفة وسحبت كتابًا قديمًا بدا عليه أثر الزمن. و بما أنه لا يحمل عنوانًا على الغلاف، فربما يكون من تأليف الكونت السابق.
ولأنني كنت أشعر بالملل، رأيت أنه من الجيد تمضية الوقت بقراءته، فجلست على الأريكة وبدأت أتصفحه.
لكن ما إن قلّبت بعض الصفحات حتى صُدمت من المحتوى.
“هذا…..”
لم يكن كتابًا، بل كان مذكرات الكونت السابق.
مذكراتٍ قديمة كُتبت منذ ما قبل ولادة إيرفين.
في الصفحات الأولى، كُتبت أمورٌ تتعلق بإقطاعية الكونت على مر السنين. متى وأين اندلعت الحرائق، وفي أي عام فشلت المحاصيل، وهكذا.
كانت ممتعةً إلى حد ما، لكنني تجاوزت الصفحات سريعًا إلى الفترة التي وُلدت فيها إيرفين.
[وُلدت الطفلة.
رغم صِغر حجمها، كان صوتها عاليًا لدرجة أن صراخها دوّى في أرجاء القصر.
كان ذلك رائعًا للغاية. وكأنها تثبت بنفسها أنها على قيد الحياة.]
قلبت الصفحة مباشرة. و كانت قد مرّت عدة أيام منذ ولادة إيرفين.
[أخيرًا اخترت اسمًا للطفلة.
إيرفين. اسمٌ يعني “المحبوبة”.
إيرفين، إيرفين. عندما ناديتها بالاسم، ابتسمت بخفة.]
وبينما كنت أقرأ، تحولت مذكرات الكونت شيئًا فشيئًا إلى سجلٍ لنمو إيرفين.
من لحظة نطقها بأول كلماتها، إلى أولى خطواتها، وحتى المرة الأولى التي نادتني فيها بـ “بابا” — كُتبت كلها بتفاصيل نابضة.
كانت نصوصًا قصيرة، لكنها نقلت مشاعر الكونت بصدق في كل لحظة.
‘لِمَ غادرت هذا العالم وتركت وراءكَ طفلةً محبوبة كهذه؟’
قلبت الصفحة التالية بقلبٍ حزين. و على عكس ما سبق، كانت الصفحة التالية حزينة وطويلة بعض الشيء.
[كانت هناك جنازة. لطفلة لم تتجاوز الخامسة.
الطفلة التي عانت من الحمى لثلاثة أيام وثلاث ليالٍ متواصلة أصبحت نجمةً في السماء. و رحلت دون أن تجد حتى دواءً بسيطًا.
خمس سنوات. كانت بنفس عمر إيرفين.
لا أعرف كيف يشعر والدان فقدا طفلتهما، لكنني علمت أن عالمه قد انهار. فقد كانت تلك أول مرة أسمع فيها نحيبًا حزينًا إلى هذا الحد.
هل كان ليختلف عالم أحدهم لو وُجد دواءٌ يستطيع أي أحدٍ شراؤه؟
وهل يمكن للعالم أن يتغير الآن؟]
من خلال توقيت ما كُتب، بدا أن الكونت بدأ أبحاثه لصناعة أدويةٍ رخيصة الثمن في ذلك الوقت تقريبًا.
ورغم انشغاله بأعمال العائلة، لم ينسَ بحثه أبدًا. يبدو أن تلك الحادثة كانت دافعه.
قلبت الصفحة التالية. وكما في السابق، كانت الصفحات مليئةً بكلماتٍ عن ابنته المحبوبة.
حتى بعد انتهائي من قراءة اليوميات وإغلاق الدفتر، لم يفارق رأسي سوى تفكير واحد،
‘هل كان ليختلف عالم أحدهم لو وُجد دواء يستطيع أي أحدٍ شراؤه…..؟’
بعد ثلاث سنوات من البحث، نجح الكونت أخيرًا وفتح متجرًا مخصصًا للعامة. وبالطبع، حقق المشروع نجاحًا كبيرًا.
لم يكن أولئك الذين اضطروا لتحمّل نزلة برد لأكثر من عشرة أيام لعدم قدرتهم على شراء دواء بسيط، يحتاجون الآن سوى ثلاثة أيام فقط للتعافي.
كان ذلك يُعد معجزةً حقيقية حلت على أراضي الكونت.
لكن المجد لم يدم طويلًا. فبعد وفاة الكونت وزوجته في حادث، تولّى جوزيف منصب الوصي على اللقب، وبدأت إدارة المتجر تتدهور تدريجيًا، حتى صار بالكاد يحتفظ بشكله فقط.
“تبًا، ألم يكن جوزيف الحقيقي ليستحق الموت باكرًا؟”
تلفّظت بشتمة وأنا أعيد دفتر اليوميات إلى مكانه، ثم جلست أمام المكتب.
الآن وقد تذكّرت متجر الأدوية الذي كنت قد نسيته مؤقتًا، شعرت وكأنني بدأت أرى اتجاهًا واضحًا للأعمال.
‘سيكون من الجيد إن أعدنا إحياء المتجر…..’
لكن المشكلة تكمن في ما إذا كان الزبائن الذين ابتعدوا عنه سيعودون من جديد.
كان من الأفضل تقديم شيءٍ مختلف عمّا سبق.
وبينما كنت أدوّن خربشات على ورقة بيضاء وأرتب أفكاري، لمعت فكرةٌ في رأسي فجأة.
‘هل يمكننا إنتاج أدويةٍ سحرية زهيدة الثمن؟’
هل من الممكن بيع الأدوية السحرية، التي أصبحت حكرًا على برج السحر، بأسعارٍ معقولة في متجر أدوية عادي؟
يقال أن السبب في ارتفاع سعر الأدوية السحرية هو استهلاكها الكبير للمانا (الطاقة السحرية) عند تصنيعها.
فالسحرة المبتدئون قد يحتاجون ليومين كاملين من الراحة بعد صنع جرعةٍ واحدة فقط. لكن، ماذا لو كان الشخص يملك قدرًا هائلًا من المانا منذ البداية؟
‘إذاً، ألا يمكننا إنتاج الأدوية السحرية بكمياتٍ كبيرة؟’
قفزت من مقعدي على الفور وخرجت مسرعة.
وبينما كنت أركض في الردهة بكل قوتي، التقيت بليك التي حدّقت بي بدهشة،
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 34"
ياحظ كايدن شاف ابتسامة دانتي