لقد عرفت فورًا من يكون صاحب ذلك الصوت.
“سيدي الساحر…..؟”
ناديت بهدوء، لكن لم تأتِ أي إجابة. و بدلًا من ذلك، شدّت اليد الممسكة بمعصمي قبضتها قليلًا، ثم سرعان ما أفلتتني.
وبعد لحظاتٍ قليلة، أضاءت قاعة الحفل فجأة.
بسبب النور المفاجئ، أصبحت رؤيتي ضبابية، فأغمضت عيني قليلًا وبدأت أتفحص المكان ببطء لأتكيف مع الضوء.
‘أين ذهب…..؟’
كنت متأكدةً من أن دانتي كان هنا، لكنه لم يكن ظاهرًا في أي مكان.
ثم سُمعت أصوات ارتطامٍ متتالية، واندفع خمسةٌ من الحراس باتجاه كاين.
“يا صاحب السمو! هل أنتَ بخير؟”
“هل أصبتَ بأي أذى؟!”
و لحسن الحظ، كان الملك قد غادر القاعة قبل الفوضى بلحظاتٍ برفقة أحد مساعديه الذي أبلغه بأمر طارئ، وإلا لكانت الضجة أكبر بكثير.
كان كاين يبدو سالمًا تمامًا، دون أي إصابة، وهذا متوقع بما أن مسبب الفوضى هو دانتي.
لكن إلى أين اختفى دانتي؟ هل تمكن من الخروج في تلك اللحظات القصيرة؟
تملكني الفضول، وكنت على وشك التوجه نحو الشرفة عندها ناداني كاين وأوقفني.
“كونتيسة كوينيارديل.”
“صاحب السمو.”
اقترب كاين مني مسرعًا، ووجهه يعكس القلق.
“هل أصبتَ بأي أذى؟”
“هذا ما أريد أن أسألكِ عنه، هل أنتِ بخير؟”
“كما ترى، أنا بخير تمامًا. من الجيد أن الأنوار عادت بسرعة.”
رددت عليه بصوتٍ أعلى قليلًا لأطمئنه، ويبدو أن ذلك نجح، حيث تنفس الصعداء بارتياح.
“على أي حال، من الذي فعل مثل هذا؟”
مرر كاين يده عبر شعره المبلل وهو يصر على أسنانه بغضب. وعندما رأيت وجهه الغاضب للمرة الأولى، صمت تمامًا.
حسنًا، يبدو أن هوية الفاعل هو دانتي سيظل سراً إلى الأبد.
في تلك اللحظة، اقترب أحد الحراس الذين أنهوا جولتهم من كاين وشرح له الوضع.
“فحصنا جميع المداخل ولم نعثر على أي أثرٍ لفتحها. كما أن نوافذ الشرفة كانت كلها مغلقةً من الداخل.”
“هل يعني هذا أن الفاعل من الداخل؟ هذا يعني أن الحماية لم تكن جيدة، و إذاً لم يكن سحرًا، فمن يكون إذًا؟”
“لم نتمكن بعد من تحديد ذلك، سنبذل المزيد من الجهد في التحقيق.”
“حسنًا، فهمت.”
أنهى الحارس حديثه، ثم أدّى تحيةً لكاين وغادر بسرعة.
بينما كنت أستمع إلى حديثهما، انتابتني فجأةً بعض الفضول.
كما يُقال، هناك حاجزٌ حماية، فكيف تمكن دانتي من اختراق النافذة المغلقة والدخول ليُطفئ أنوار قاعة الحفل؟
كلما فكرت بالأمر، لم أستطع التوصل إلى أي طريقة.
كاين، الذي كان يفكر بجدية بوجه متجهم، صرخ عاليًا نحو الحاضرين الذين ما زالوا في حالة من الضوضاء.
“حدثت جلبةٌ بسيطة فحسب. ليست هناك أي خطورة أو مشكلة كبيرة، لذا أرجو أن تتابعوا الاستمتاع بالحفل.”
على ما يبدو، لمجرد أن ولي العهد قال ذلك مبتسمًا، بدأ الناس واحدًا تلو الآخر يهدؤون ويعودون إلى أحاديثهم المعتادة.
و عندما بدأت القاعة تستعيد حيويتها من جديد، شعرت مجددًا كم أن مكانته مختلفةٌ عني تمامًا.
“هل فزعتَ أيضًا، سموّك؟”
من بين هذا العدد الكبير من الناس، لا شك أن كاين هو من فزع أكثر من غيره. فقد كان لا يزال متوترًا ويجول بنظره في الأرجاء.
“لا، فقط……”
أرخى تعبير وجهه المتجمد، ونظر إليّ من أعلى ثم توقف عن الكلام وابتسم بخفة.
“سأذهب لأبلغ جلالة الملك بما حصل. هل يمكنكِ البقاء بمفردكِ؟”
“بالطبع، تفضل.”
كان هذا جيدًا في الواقع. فقد كنت أريد أن أبحث عن دانتي أيضًا.
أومأ كاين مبتسمًا بشفتيه الممدودتين، وحتى اللحظة التي غادر فيها القاعة، ظل يلتفت ورائه مرارًا ليتأكد من أنني بخير. وكان عليّ أن ألوّح بيدي في كل مرة كي أطمئنه، حتى بدأت أشعر بالألم في ذراعي.
وما إن خرج كاين بالكامل، حتى بدأت أمشي بسرعة.
‘إلى أين ذهب دانتي؟’
رغم أنني دُرت نصف القاعة، لم أرَ حتى شعرةً واحدة من شعر دانتي. فخرجت تنهيدةٌ خفيفة من شفتيّ بانكسار.
ثم توجهت إلى الشرفة لأستجمع أفكاري قليلًا وأستريح.
نظر إليّ الحارس الواقف أمامها سريعًا بعد ذلك فتح لي الباب.
‘آه، إنه منعش.’
بينما كنت أستمتع بهواء الليل الممزوج بالنعومة، تحسن مزاجي. فرائحة الزهور التي لامست أنفي كانت مرضية لدرجة أن شفتيّ ارتسمت عليهما ابتسامةٌ تلقائية.
تقدمت بضع خطواتٍ إضافية، و أمسكت بالسور، وتأملت مشهد الليل في القصر الملكي.
وبما أن الطريق أمام قاعة الحفل يؤدي مباشرةً إلى الحديقة، كان المنظر أكثر جمالًا.
‘على ما يبدو، اليوم هو ليلة البدر؟’
كنت أحدّق في الحديقة المضيئة رغم غياب المصابيح، فتذكرت فجأة. و رفعت رأسي لأتأمل القمر.
لكن شيئًا ما فوق سطح المبنى المقابل لقاعة الحفل خطف بصري على الفور.
‘ما هذا……؟’
مددت رأسي قليلًا لأرى بوضوح، وضيّقت عينيّ. وكلما ركزت النظر، بدا كأنه هيئة إنسان.
لا، لقد كان إنسانًا بلا شك.
‘هل يمكن أن يكون……’
رغم أنه مستبعد، فتحت فمي متسائلةً بخيطٍ من الأمل.
“أيها الساحر؟”
هيه، لا يمكن أن يكون هو. لماذا قد يكون دانتي في مكانٍ كهذا؟
ضحكت بسخرية من فكرة غبية كهذه، وهززت رأسي ببطء وعدت لأنظر إلى ذلك الموضع، لكن لم يكن هناك أحد.
ثم شعرت بحركةٍ قريبة مني.
“هل ناديتِني؟”
“وااه! آه…..”
فزعت كثيرًا فصرخت، ثم خشيت أن يسمعني الحارس الواقف أمام الباب، فأسرعت بإغلاق فمي وعضضت لساني.
كان الألم شديدًا حتى كادت عيناي تدمعان، لكن لم يكن بوسعي حتى التعبير عن الألم كما أشاء.
غطيت فمي بيدي ونظرت إلى دانتي، الذي كان واقفًا أمامي بهدوء، بنظرات ممتلئة باللوم.
ولم أستطع الكلام حتى هدأ الألم قليلًا.
“هل كنتَ أنت من أطفأ أنوار قاعة الحفل قبل قليل؟”
نظر إليّ دانتي بصمت، ثم فتح شفتيه ببطء.
“لا.”
كان صوته هادئاً وعميقاً، لا، فوق كل شيء، إن لم يكن هو، فلا سبب لوجوده الآن في القصر الملكي…..ومع ذلك، يقول ببجاحة أنه لم يكن هو!
لكن بما أنني أعرف طباع دانتي، فلا يبدو من النوع الذي يعترف بسهولة، فهل أتظاهر بالتصديق إذًا؟ فأنا بالفعل عرفت من هو الفاعل.
“أه، فهمت.”
“هل حدث شيء؟”
“الم تعلم؟ هناك من تسلل إلى القصر وأطفأ أنوار قاعة الحفل فجأة! الناس الموجودون هناك أصيبوا بالذعر وبدأوا يصرخون ويحدثون فوضى. من تراه ارتكب هذا العمل السيئ؟”
أضفت قليلًا من المبالغة على ما حدث قبل قليل وأنا أشرحه لدانتي. فقد كنت أحاول فقط أن اسحبه وأجعله يشارك الحديث، خاصةً بعد أن بدا مكتئبًا مؤخرًا.
وأثناء استماعه لكلامي، بدأت تجاعيدٌ تظهر بين حاجبيه شيئًا فشيئًا، حتى أنه في النهاية عبس بشفتيه أيضًا.
“…..لا أظن أن الأمر كان بذلك السوء.”
“لا، حقًا! لقد كانت فوضى عارمة، حتى سمو ولي العهد ذهب بنفسه لتهدئة الوضع والقبض على الجاني!”
أعاد دانتي خصلات شعره المنسدلة إلى الخلف واتكأ على السور بإهمال.
كان يبدو منزعجًا، لكن لسبب ما، بدا ذلك مضحكًا جدًا، وكدت أنفجر ضاحكةً لولا أنني تمالكت نفسي بصعوبة.
“لكن، كيف انتقلت من هناك إلى هنا فجأة؟”
“استخدمتُ السحر.”
“حقًا؟ لكن سموّ ولي العهد قال أن هناك حاجزًا يغطي القصر الملكي كله، وأن أي استخدامٍ للسحر يمكن كشفه، فكيف لم يشعر أحد بسحركَ؟”
أجابني دانتي ببرود، وكأن سؤالي سخيف.
“لأن ذلك الساحر ضعيف.”
ما علاقة كون الساحر الآخر ضعيفًا بعدم كشف الحاجز لسحره؟
آه…..ربما لأن دانتي أقوى من ذلك الساحر، فاستخدم قواه بطريقةٍ لا تكتشفها الحواجز؟ هل هذا ممكنٌ حقًا؟!
فكرت بأنه لا بد أن دانتي قويٌ لدرجة تجعله قادرًا على تجاوز المستحيل، وأدهشني ذلك من جديد.
“إذًا، هل يمكنكَ استخدام أي نوعٍ من السحر داخل القصر؟”
سألته وأنا أشعر بالحماس، فما كان منه إلا أن فرد كفه أمامي وأشعل نارًا في راحة يده.
“واو! مذهل!”
ما أثار إعجابي لم يكن مجرد نجاح السحر، بل اللهب القوي والساطع الذي أطلقه دانتي، فانبهرَت أنفاسي تلقائيًّا.
كنت أرغب بشدة في تقليده على الفور، لكن إن فعلت ذلك الآن، فربما يُقبض عليّ فورًا كمشتبه بها في حادثة انطفاء الأنوار، لذا كتمت اندفاعي.
يوماً ما، أريد أن أصبح مثله.
“لكن، هل من الآمن بقاؤكَ داخل القصر؟ ماذا لو اكتشفكَ أحد؟…..”
رغم قلقي الصادق، اكتفى دانتي بهز كتفيه بلامبالاة وكأنه يتجاهل الأمر.
و في تلك اللحظة، سُمِع صوت فتح باب الشرفة، وشعرت بقليلٍ من الحركة خلفي.
و دون وعي، التفتُ بسرعة وتوترتُ.
“إيرفين، ماذا تفعلين هنا؟”
الشخص الذي خرج إلى الشرفة لم يكن سوى إيدن.
نظرتُ بسرعةٍ إلى جانبي، لأجد أن دانتي قد اختفى بالفعل. بينما أمال إيدن رأسه قليلًا وسألني،
“مع من كنتِ تتحدثين؟ سمعت صوتًا.”
ابتلعت ريقي وسألته،
“هل كنتَ هنا طوال الوقت؟ منذ متى؟”
ظل إيدن ينظر إليّ بصمتٍ لوهلة.
ذلك الصمت القصير كاد يحرق أعصابي، لكن إيدن، الذي لا يعلم شيئًا عن توتري، ابتسم بلطفٍ ثم أجابني.
“لقد وصلتُ للتو. سمعتكِ تقولين شيئًا مثل: ‘ماذا لو اكتُشف الأمر…..’، أو ربما كنتُ أتوهم؟”
لحسن الحظ، كانت تلك الجملة هي آخر ما سمعه، ويبدو أنه لم يلتقط اسم الشخص المقصود.
يمكنني بسهولة اختلاق أي شيءٍ لتغطية الأمر.
“آه، كنت أتمتم فقط. بدا أن سموّ ولي العهد قلقٌ كثيرًا بسبب انطفاء الأنوار قبل قليل، فكنت أفكر، ماذا لو أصبح الوضع أكثر خطورة…..”
أجبتُه بابتسامةٍ مصطنعة، محاوِلةً تلطيف الأجواء، لكن إيدن ظل يحدّق بي بنظراتٍ فاحصة.
“حقًا؟”
وكانت عيناه البنفسجيتان، تحت ضوء القمر، تتلألأان بشدة لافتة.
___________________
ياخي كل تبن
دانتي جا يخرب الرقصه صوح؟ يجنن حاط القصر قصره😭
بسرعه وش قصته خير
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 31"