ولأنه لم يكن لدي وجهةٌ محددة، بدأت أمشي ببطء حتى تذكرت الحديقة التي أخبرني عنها كاين، فغيرت اتجاهي نحوها.
جلست عند الطاولة الموضوعة في زاوية الحديقة، و خلعت حذائي بعناية ووضعت قدميّ بتأنٍ، ثم بدأت أدلكهما بحذر، قلقة من أن يكون هناك من يراقبني.
‘حتى هنا، عليّ أن أراقب أعين الناس التي قد تكون موجودةً أو لا…..’
قال أنه لا أحد يأتي إلى هذه الحديقة خارج الأوقات المخصصة، فهل لا يُسمح لي بالدخول؟
كاين مشغولٌ الآن مع الملك، لذا لو استرحت قليلاً وخرجت قبل أن يراني أحد…..لا، لن يكون الأمر بهذه البساطة. إن اكتشف أحدهم وجودي هنا، قد تحدث ضجةٌ كبيرة.
لكن جسدي كان يتجه نحو الحديقة رغمًا عني.
“سأرتاح قليلاً وأخرج قبل أن يُمسكني أحد، لا بأس، أليس كذلك؟”
بمجرد أن وصلت إلى الحديقة، شعرت وكأنني أستطيع التنفّس مجددًا.
وعندما فتحت الباب ودخلت، غمرني نفس الإحساس بالطمأنينة الذي شعرت به عندما أتيت مع كاين.
جلست عند طاولة الشاي الموضوعة على الجانب، و رميت حذائي، واتكأت بعمقٍ على الكرسي.
“يا إلهي، لماذا أنا متعبةٌ هكذا؟”
تمتمت لنفسي بينما كنت أحرّك قدميّ المتعبتين.
‘هل السبب هو تراكم الطاقة السحرية؟ كنت أظن أنني تخلّصت من بعضٍ منها عندما جاء دانتي في ذلك الوقت…..’
ربما إن أفرغت بعض الطاقة السحرية سأشعر بتحسن، لذا فتحت كفيّ للأعلى. و أغمضت عينيّ بهدوء وبدأت أركّز ببطءٍ على طاقتي.
عندها، شعرت بلمسةٍ غريبة على راحة يدي، وسمعت صوتًا خافتًا يهمس بالقرب من أذني.
“لا يجوز.”
“يا للـ….الفزع….! سموّك؟ كيف…..كيف وصلت إلى هنا؟”
كان كاين قد ظهر فجأة، وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة بينما كان يمسك بيدي.
“رأيت البستاني يتجه إلى هنا.”
“أنا آسفة…..كنت أبحث عن مكانٍ أرتاح فيه، ولم أجد غير هذا المكان يخطر ببالي.”
“لا بأس. لا داعي لأن تشعري بالقلق. بل من الجيد أنك وجدتِ راحةً في هذا المكان.”
رغم أنني كنت أتحدث معه، إلا أن كل تركيزي كان على راحة يدي دون أن أدري.
بعكس دانتي الذي كانت يداه دافئة لدرجة تلفت الانتباه، كانت يد كاين تميل إلى البرودة قليلًا.
“لكن، يُفضَّل تجنّب استخدام السحر داخل القصر قدر الإمكان.”
نظرت إليه باستفهام بسبب نبرة التحذير التي بدت كأنها تهديدٌ خفيف، فأطلق ضحكةً مكتومة.
في كل مرة أراه فيها، لا أفهم حقًا لماذا يضحك هكذا. هل وجهي مضحكٌ إلى هذا الحد؟ لا أستطيع أن أفهمه إطلاقًا.
“في القصر، هناك حاجزٌ لحمايته من الهجمات الداخلية والخارجية. أي سحر غير مصرّح به يُكتشف على الفور، وسيسرع الحرس إلى موقعه.”
“واو، لم أكن أعلم بهذا…..لقد كنت على وشك التسبب في مشكلة كبيرة فعلاً…..”
ضحك كاين ضحكةً خفيفة ونهض من مكانه. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى سحب يده عن يدي.
يدي التي كانت متشابكةً مع يده بدت وكأنها قد أخذت العدوى من كاين، إذ كانت باردة.
شعرت أن ذلك غريب، فأخذت أفرك راحتي وأعبث بيدي مرارًا. و ربما لأن الدفيئة كانت دافئة، استعادت يدي حرارتها بسرعة.
“سيبدأ الحفل قريبًا، هل نذهب معًا؟”
مدّ ذراعه وكأنه يريد أن يرافقني. فأعدت ارتداء الحذاء الذي كنت قد نزعته، وأسرعت بالإمساك به.
***
“صاحب السمو ولي العهد كاين ومعه الكونتيسة كوينياردل يدخلان الآن.”
دوى صوت الخادم الذي أعلن الدخول، وفتحت الأبواب. ولسوء الحظ، كان دورنا هو الأخير، فراح الجميع ينظر إليّ كما لو كانوا يتفرجون عليّ.
رأيت وجوهًا مألوفةً في كل مكان، لكن النظرات التي كانت تتجه نحوي لم تكن كلها لطيفة.
ربما لأنهم يشعرون بالغيظ من كوني شريكة ولي العهد المتعجرف.
“هل أنتِ ترتجفين الآن؟”
همس كاين بصوتٍ منخفض.
“لا.”
فأجبت بصعوبة. و شعرت أن عليّ أن أقول لا حتى أرتجف بشكلٍ أقل.
“لكن رجفتكِ واضحةٌ جدًا، لدرجة أنني أشعر بها أنا أيضًا.”
“…..حقًا؟”
“لا.”
رمقت كاين بنظرةٍ حادة وهو يضحك بسخرية بتلك الطريقة المستفزة.
أحقًا يريد المزاح حتى في مثل هذا الموقف؟
كانت لدي رغبةٌ عارمه في ضربه على مؤخرة رأسه.
“ما رأيكِ؟ ألا تشعرين براحةٍ أكبر الآن؟”
راحة ماذا؟ ما هذا الهراء…..لم يكن من المفترض أن أرتاح بسبب هذا…..لكنني ارتحت.
رغم أن جسدي ما زال متوتّرًا، إلا أن الأمر كان أفضل بكثير مما كان عليه قبل قليل.
شعرت بالامتنان له في داخلي، فشددتُ يدي قليلاً على ذراعه التي كنت متشبثةً به.
شعرت أنه ابتسم بهدوء، لكنني شعرت بالإحراج فلم أستطع النظر إلى وجهه.
“يا صاحب السمو، لقد مر وقتٌ طويل. كيف كانت أحوالك في هذه الأثناء؟”
عندما وصلنا إلى وسط قاعة الحفل، بدأ الناس يتوافدون واحدًا تلو الآخر. و اجتمع حول كاين أشخاصٌ من الأوساط السياسية، بينما اقترب مني أربع من زميلاتي في الأكاديمية.
تكوّنت مجموعتان بشكلٍ طبيعي، وانفصلتُ أنا وكاين كلٌ إلى مجموعته.
كانت الزميلات، اللاتي لم ألتقِ بهن منذ زمن، يتحدثن بحيوية واحدة تلو الأخرى.
“إيرفين، لقد مر وقتٌ طويل حقًا، كيف حالك؟”
“صحيح، ليس من السهل جدًّا أن نراكِ يا إيرفين، لدرجة أنني ظننتكِ سافرتِ إلى بلد آخر للزواج!”
“وجهكِ يبدو أكثر إشراقًا من قبل، لا بد أن أموركِ كانت تسير على ما يرام، أليس كذلك؟”
انفجرن ضاحكاتٍ بسعادة وكأنهن يجدن كل شيء مضحكًا.
ثم فجأة، تحدثت يوليا، ابنة البارون سيغرين،
“آه، انتظري لحظة. أليس من المفترض أن نناديكِ الآن بالكونتيسة، إيرفين؟”
أنظروا إليهن…..
نعم، بما أنني تجسدت في شخصيةٍ في عالم توجد فيه طبقات اجتماعية، كان من الطبيعي أن يحدث هذا النوع من التوتر بين العلاقات.
لو كنتُ إيرفين بشخصيتها الأصلية، لقلتُ ما بيننا من ودّ يجعلنا نستغني عن هذه الرسميات، و سأطلب منهن مناداتي بشكلٍ طبيعي.
وبالطبع، هذا هو الجواب الذي تنتظره كل آنسةٍ هنا. لكنني لم أرغب في إعطائهن ذلك الجواب.
و حين حاولت واحدة منهن أن تؤيد كلام يوريا، سارعت أنا بقطع الحديث.
“بالطبع. سنلتقي كثيرًا من الآن فصاعدًا في المجتمع الراقي وفي كل مكان، ألن يكون من الغريب مناداتي بطريقةٍ غير رسمية كل مرة؟”
لم تكن يوريا تتوقع هذا الرد على الإطلاق، فارتجف طرف شفتيها قليلًا. ومع تغير الأجواء، بدأت الآنسات اللواتي كنّ يحيطن بي يتبادلن النظرات ويفهمن الوضع.
عضّت يوريا شفتها وأجابت بصعوبةٍ محاولة الحفاظ على كبريائها.
“مـ-مع ذلك، نحن زميلات منذ زمن، أليس من الأفضل أن نتصرف بشكل مريح ولو لهذا اليوم؟”
كما توقعت…..لم تتغير منذ أيام الأكاديمية.
هل كانت إيرفين تسقط دائمًا في فخ مثل هذه الكلمات؟ لا أدري إن كان ذلك يُعد سذاجة.
“آنسة سيغرين، أنت تعلمين جيدًا ما هو سبب الاحتفال اليوم، أليس كذلك؟”
“هذا…..”
ارتبكت يوريا من كلامي ونغزت زميلتها في الجانب بمرفقها طلبًا للمساعدة، لكن تلك الزميلة تجاهلتها وتظاهرت بالانشغال.
احمرّ وجه يوريا بشكلٍ واضح وبدأت ترتجف وهي تقبض على يدها.
يبدو أن هذا القدر كافٍ كتحذير بسيط، فلنكتفِ بهذا اليوم.
“بما أن اليوم يومٌ سعيد بالنسبة لي، سأتجاوز الأمر، لكن أرجو أن تكوني أكثر حذرًا في المرات القادمة.”
فتغيرت ألوان وجوههن من حرجٍ إلى غضب، و احمرت ثم ازرقت ثم شحبت، كأنها لوحاتٌ بألوان متعددة.
سرعان ما انحنين بخفة وابتعدن بسرعة. أما يوريا سيغرين، فغادرت وهي تنفث الغيظ بخطواتها.
‘هَه، ولماذا تزعجن الناس أصلاً؟’
ضيقت عينيّ وراقبت ظهورهن وهي تبتعد، ثم مررت يدي على ذراعي التي كانت ترتجف قليلًا.
يبدو أنني توترت بالفعل بسبب الموقف، لكونه أول مرة أواجه شيئًا كهذا.
ثم تنهدت تنهدًا خفيفًا، وبدأت أمشي ببطء نحو الجدار.
‘أريد العودة إلى المنزل…..أريد أن أتخلص من هذه الأحذية، وأن أغمر نفسي في ماء دافئ يذيب عني التعب، ثم أندفع مباشرةً إلى السرير.’
أسندت ظهري إلى الحائط وأغمضت عيني ببطء، ولم يمض وقتٌ طويل حتى بدأت أسمع لحنًا هادئًا.
فتحت عينيّ على مهل وأنا أستمع إلى الموسيقى الرقيقة التي راحت تهمس في أذني. و من دون أن أشعر، بدأ الناس يتجمعون واحدًا تلو الآخر، يمسكون بأيدي شركائهم ويشكلون دائرةً ويرقصون.
حتى أثناء اندماجهم مع الألحان وتحركهم بانسجام، لم يقترب أحد من وسط القاعة.
وكأنهم تعمّدوا ترك مكان فارغ لشخصٍ ما.
“ماذا أفعل الآن؟ أين ذهب كاين في مثل هذا الوقت؟”
أخذت أبحث عنه بنظري دون أن أثير الانتباه، لكنه لم يكن ظاهرًا في أي مكان.
حسنًا، طالما لم يظهر، فربما لا ينوي الرقص من الأساس.
‘من البداية، لم يطلب مني الرقص لأنه كان منزعجًا من تدخل الملك الدائم في اختيار شريك له، صحيح؟’
لكن أفكاري تلك سرعان ما تبخرت عندما سمعت صوته.
“هلا نرقص نحن أيضًا؟”
ظهر كاين فجأة من حيث لا أدري، ومدّ يده إليّ.
‘أين كان يختبئ طيلة هذا الوقت؟’
نظرت إليه بصمت، لكنه رفع حاجبيه وكأنه يحثني على الإسراع. فترددت قليلاً، ثم مددتُ يدي وأمسكت بيده، فعمّت القاعة همهمةً خفيفة.
عندما وقفنا في وسط القاعة الفارغة بخطى متناسقة، بدأت الدائرة التي كانت ترقص من حولنا تتراجع تدريجيًا.
وكانت أعين الحضور الكثيرة التي ملأت القاعة الواسعة كلها موجهة نحونا، أنا وكاين.
“هل تشعرين بالتوتر؟”
سألني كاين بابتسامةٍ كسولة وبنبرة ماكرة.
“لا؟ لست متوترة.”
في الحقيقة، كنت أرتجف من شدة التوتر.
ضحك كاين وكأنه يقول “لا يمكنكِ البقاء ساكنة”، ثم اقترب مني وهمس في أذني،
“أنا أشعر بتوتر شديد. هذه أول مرة أرقص فيها أمام الناس، وأخشى أن يسخروا مني. وأقلق من أن يكون هناك من يشتمني أيضًا.”
ابتعد خطوة، ثم التقت أعيننا من جديد.
“لكنني سأحاول التغلب على ذلك…..معكِ.”
قال ذلك وهو يبتسم بخجل، ثم عدّل طريقة إمساكه بيدي. و أمام صدقه العفوي الذي وصل إليّ بلا تكلّف، اقتربت منه قليلًا وابتسمت له بلطف.
“في الحقيقة، أنا أيضًا كذلك. لذا سأحاول التغلب على خوفي…..معكَ، يا صاحب السمو.”
وما إن انتهيت من كلامي، حتى تغيّرت الموسيقى. و أصبحت أكثر حيوية، لكنها احتفظت بأناقتها.
بدأت أتحرك كما يتذكّر جسدي، منسجمةً مع خطوات كاين التي كانت تقودني برشاقة.
تناغمنا مع الإيقاع، اقتربنا وتباعدنا بخفة، و وضعت يدي برفق على خصره المتين، ثم عدت لأمسك بيده الباردة من جديد.
بدأت الموسيقى تبلغ ذروتها، وتماشينا نحن مع الخطوات المتفق عليها، فدرنا بأجسادنا وأفلتنا أيدي بعضنا البعض.
ثم حدث ذلك.
“آآاه!”
“ما الذي حدث؟!”
“الحرس! الحرس!”
انطفأت جميع الأضواء التي كانت تُضيء قاعة الحفل، وغمرت الظلمة المكان بالكامل.
ثم مددت يدي الى الأمام لا إراديًّا، لكن لم ألمس شيئًا.
“إيرفين!”
“يا…..يا صاحب السمو؟”
سمعت صوت كاين يناديني في الظلام، لكن لم يكن بإمكاني أن أتحرك بتهور. ففقدان الرؤية جعل سمعي حساسًا، ولم أسمع سوى ضوضاء الناس من حولي، مما جعل جسدي كله يتشنج من التوتر.
وفي تلك اللحظة، لفَّت حرارةٌ دافئة معصمي. و كدت أصرخ من المفاجأة، لكن صوتًا منخفضًا تلا ذلك مباشرة، فحبس الصوت في حلقي.
“هذا مملٌ للغاية.”
كان صوتًا منخفضًا جدًّا وخافتًا، بالكاد أستطيع سماعه، وكأنه وُجِّه لي وحدي.
____________________
دانتي؟😭 الصراحه توقعت تشوفه في الحفل وهو كاسخ ويطلع نبيل يحب يختفي
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
دانتي موثير للاهتمام مو تقليدي ابدا
دخول خطير يخلي سروالك يطير