راقبت الأجواء وبلعت ريقي بتوتر، ثم ألقيت التحية بأدب.
“يشرفني أن ألتقي بجلالتكَ، يا جلالة الملك.”
“هذه أول مرة نلتقي فيها هكذا، آنسة كوينيارديل.”
كما قال، لم يسبق لي أن رأيت الملك عن قربٍ بهذا الشكل، فتوتر جسدي بأكمله.
“هل تشعرين بالتوتر؟”
“لا، على الإطلاق…..”
وكأن التوتر أمر يمكن تجنّبه! هل هذا سؤالٌ أصلاً؟
لا عجب أن يكون والد كاين، لا بد أنه ورث مهارة التلاعب بالناس بالفطرة.
رغم امتعاضي في داخلي، أبقيت ابتسامةً مصطنعة على شفتي.
“سمعت أنك لعبتِ دوراً كبيراً في القبض على من كانوا يخططون للتمرد. لا بد أنكِ ترددتِ كثيراً قبل التبليغ عن عمّكِ، لكنني ممتنٌ لكِ حقاً.”
“لم أفعل سوى ما كان يجب علي فعله.”
“هاها، حتى أنكِ متواضعةٌ أيضاً. كم أنتِ شبيهة بالكونت كوينيارديل.”
رفع الملك جسده الذي كان ممدداً على الكرسي وتقدم نحوي.
وحين رأيته عن قرب، بدا أكثر مهابةً ووقاراً. فشعرت وكأنني سأُبتلع من هيبته في أي لحظة.
“ألستِ نادمة؟ لا شك أن البعض سيتحدث بسوءٍ قائلين أنكِ حتى التهمتِ عمّكِ.”
هكذا إذاً…..من الممكن أن يحدث ذلك حقاً.
لكن كان عليّ أن أطرد جوزيف من المكان الذي استولى عليه لأتمكن من العودة إلى القصر، وكانت قضية التمرد أداةً مناسبة لطرده لا أكثر.
أما ما يتعلق بوالديّ، فلم أشعر بشيء سوى الشفقة على إيرفين، دون أي مشاعر خاصة.
“لم أفكر في الأمر قط، ولو كنت سأهتز أمام شائعة تافهة لما بدأت من الأساس.”
“أنتِ شخصٌ حازم على عكس ما يوحي به مظهركِ.”
ضحك الملك ضحكةً عالية من القلب. وكان يشبه كاين كثيرًا في تلك اللحظة، حتى أنني وجدت نفسي أحدّق في وجهه دون وعي.
ولم أدرك ما فعلت إلا عندما بدأت ضحكته تخفت، فأسرعت بخفض رأسي بخجل.
“كما قال الأمير، أنتِ شخصٌ مبهج.”
“عفواً؟”
“الأمير كاين تحدث عنك، كان وجهه مشرقاً جداً وهو يروي عنكِ. لذا رغبت في لقائكِ، ولهذا دعوتكِ اليوم.”
“سموّه تحدث عني…..”
ترى كيف تحدث عني حتى جعل الملك يهتم بي بهذا الشكل؟
لو كنتُ شخصًا آخر لفرح بنيل عطف الملك، لكنني شعرت بقلقٍ يتصاعد داخلي. فكلما استرجعت ما جرى بيني وبين كاين، لم أستطع تذكر سوى المواقف السيئة.
كنت على وشك أن أعض شفتي قلقًا لكنه نطق بما ارفب بسماعه،
“لقب النبالة قد أُنجز بالفعل من الناحية الإدارية.”
“أشكركَ، لا أعلم كيف أعبر عن امتناني.”
“لا يزال هناك وقت حتى يقام الحفل لتكريم إنجازاتكِ، فماذا لو تبادلنا الحديث قليلاً؟”
“الحديث؟! نعم، إنه عرضٌ كريم للغاية، أشكركَ عليه.”
يا إلهي، حديث؟ مع الملك؟ ونحن وحدنا؟ عن ماذا يفترض أن أتحدث مع الملك؟
لكن، هل يمكنني الرفض في مثل هذا الموقف؟
!أرجوكم، أي أحد، أنقذني!’
عندها فقط، تدخل كاين الذي كان يراقب بصمت من بعيد، وتحدث بصوتٍ مفعم بالابتسامة.
“يا جلالة الملك، لدي أمر عاجل أود مناقشته بخصوص بعثة السفراء إلى الإمبراطورية. آنسة كوينياردل، هل لكِ أن تتركي المكان قليلاً؟”
“نعم، نعم! إذاً، سأذهب الآن…..”
كان منقذي قريباً جداً. كنت ممتنةً له لدرجة أنني شعرت كأن هالة من النور تشرق خلفه.
ولئلا يغير أحدهم رأيه ويمسكني من جديد، أسرعت بمغادرة المكان.
و كان ميخائيل واقفاً عند الباب وفتحه لي.
“شكراً جزيلاً.”
شكرتُه بسرعة، ثم أسرعت بخطاي لأبتعد قدر الإمكان.
وبعد أن مشيت مسافةً طويلة، وجدت نفسي في مكان ناءٍ خالٍ من الناس. كان القصر شاسعاً لدرجة أنني لم أعد أعلم حتى أين أنا.
نظرت حولي في الممر، ثم أغمضت عيني قليلاً بسبب ضوء الشمس المتسلل من النافذة.
“آه، أنا مرهقة.”
فقد استيقظت منذ الفجر واستعددت للرحلة، ثم قضيت ساعات طويلة في العربة، وأخيراً تحدثت مع الملك…..كل ذلك الإرهاق بدأ يتسلل إلي الآن.
‘أتمنى ألا ألتقي بأحد حتى موعد الحفل.’
لكن، وكما هو الحال دائماً، لا تسير الأمور في الحياة كما أريد.
“إيرفين.”
لم أتوقع أن ألتقي بإيدن وسط هذا القصر الواسع……ولماذا إيدن بالذات؟ لا أستطيع حتى الهروب.
سرعان ما غيرتُ ملامحي، ورفعت زاويتي شفتيّ بابتسامةٍ مصطنعة ثم استدرت نحوه.
كان، كما عهدته دائماً، هادئاً ولطيفاً.
حسناً، أحياناً، كنت أتساءل في لحظات عابرة عن حال عائلة هايفن، رغم أن هذا لم يكن أحد تلك اللحظات.
“مر وقتٌ طويل، كيف حالكِ؟ هل كنتِ تأكلين جيداً؟ هل واجهتِ أي صعوبات؟”
تدفق الأسئلة غير المعتاد من إيدن جعلني أضحك بسخرية من بين شفتي.
“اسألني سؤالاً واحداً في كل مرة، لماذا أنت مستعجلٌ هكذا؟”
“آه…..فقط لأنني لم أركِ منذ وقتٍ طويل.”
قال ذلك وهو يحك أنفه بخجل.
“إذاً، هل كنتِ بخير؟”
“نعم، طبعاً. كنت بخير. أكلت جيداً، ولم أواجه أي صعوبات. هل هناك شيء آخر تود معرفته؟”
نظرت إليه وأنا أبتسم بزاوية شفتي، فضحك إيدن. و وجهه المضيء بنور الشمس لم يكن يحمل أي أثر للهمّ.
حين غادرت قصر هايفن، كان قلقاً للغاية حتى أنني شعرت بالقلق بسببه، لكن يبدو أنه كان بخير وهذا ما أراحني.
“يبدو أنكِ تغيّرت قليلاً منذ آخر مرة رأيتكِ فيها. متى أصبحتِ ماكرةً هكذا؟”
“أنا؟ هكذا كنت دائماً، أليس كذلك؟ بالمناسبة، هل الدوق و الدوقة بخير؟”
شعرت بوخز بسيط عندما قال إنني تغيّرت، فغيرت الموضوع سريعاً. فتفاجأ إيدن قليلاً من التحول المفاجئ في مجرى الحديث، لكنه سرعان ما أجاب بلطف.
“إنهما بخير. بعد رحيلكِ، تحدثا عنكِ كل يوم لعدة أيام. والآن، لم يعودا يذكراك إلا أحياناً، لكن يبدو أنهما لا يزالان يفتقدانكِ.”
“وأنا أيضاً أود رؤيتهما. سأزوركم قريباً.”
“حسناً. سيكونان سعيدين جداً بذلك. إذا علموا أنكِ قادمة، فسيفرغان وقتهم بالتأكيد.”
كان الحديث مع إيدن بعد غيابٍ طويل يسير بشكل جيد نسبياً.
و على عكس دانتي وكاين، اللذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهما، كان إيدن لطيفاً وطيب القلب، مما جعل الحوار معه مريحاً.
ورغم أنني ما زلت أشعر بالتعب، إلا أن الوضع لم يكن سيئاً كما توقعت. بل شعرت بالراحة لأنني عرفت أخبار أشخاصٍ كنت أفتقدهم.
وفجأة، تغيرت ملامح إيدن وسألني بجدية،
“بالمناسبة، إيرفين، سمعت أنكِ ستكونين شريكة ولي العهد الأمير كاين. هل هذا صحيح؟”
“آه، نعم. صحيح. هكذا جرت الأمور.”
بعد انتشار خبر الحفل، تلقيت رسالةً من إيدن. و كعادته، اقترح أن أكون شريكته. لكنني كنت قد وعدت كاين بالفعل، فاضطررت إلى رفض دعوته.
وقد أرسل إيدن عدة رسائل بعد ذلك، يسألني مراراً إن كان ما سمعه عني وعن كاين صحيحاً، وكأنه لم يصدق الأمر.
ألا بزال لا يصدق؟ يبدو ذلك، بما أنه يسأل مجددًا.
“هل كنتما تعرفان بعضكما من قبل؟ على حد علمي، لم تكونا كذلك.”
“لم نكن غرباء تمامًا. تقاطعنا في بعض الحفلات، تتذكر؟”
“هذا كل شيء. ومع ذلك، هو من طلب أن تكوني شريكته في الرقص؟ الأمير كاين بنفسه؟”
ربما تفاجأ أكثر لأنه معروفٌ بأنه لا يرقص مع أي أحد.
وهذا طبيعي. حتى أنا صُدمت في البداية.
“في الحقيقة، كنت أنوي إخفاء الأمر عنكَ، لكن في محاكمة عمي السابقة، قدم لي الأمير بعض المساعدة.”
“ماذا؟ كان عليكِ أن تخبريني بذلك أولاً! لماذا تُخفين شيئًا كهذا؟”
“لأني كنتُ أخشى أن تقلق بهذا الشكل. انظر إلى وجهكَ الآن، كله مليءٌ بالقلق. كيف كنت سأجرؤ على إخباركَ؟”
‘لو كنت قد أخبرته، ما كان ليتركني وشأني.’
كانت كلمات لم أستطع قولها فظلت عالقة في فمي قبل أن تتلاشى.
ظل إيدن واقفًا في مكانه بوجهٍ مصدوم، ثم قال وكأنه استعاد وعيه،
“إذاً، لأنه ساعدك، استخدم ذلك كذريعة ليدعوكِ للرقص؟”
خفت أن يسمع أحد كلماته الوقحة، فقاطعته بسرعة.
“هيه، ما هذا الكلام؟ وكأنك تقول أن سموّه كانت لديه نوايا سيئة.”
حقًا، إيدن يبالغ كثيرًا في حمايته لي. حتى مع معرفته الجيدة بكاين، لا يزال يتحدث هكذا.
ربّتُ على كتفه مرتين وأنا أبتسم، ثم أضفت محاولةً لطمأنته،
“لا بأس، لا بأس. يبدو أن سموّه أشفق عليّ فقط. ربما يراني فتاةً صغيرة مرت بمصاعب في صغرها، ثم استعادت مكانتها من عمّها.”
حاولت ممازحته بلا سبب، وحاولت تهدئته بلطف، لكنه بدا وكأنه لا ينوي الاستماع إلى كلامي. فقد ظلّ متجمّد الملامح يهمهم بشيء ما.
“لا يمكن أن يفعل ذلك دون سبب…..أنتِ لا تعرفين جيدًا…..كم هو…..”
“ها؟ ماذا قلت؟ لم أسمعكَ جيدًا، هل يمكنك أن تعيد ما قلت؟”
لم أسمع كلماته الأخيرة، فسألته مجددًا، لكنه عض شفتيه بصمت ولم يرد.
ما بال هذا الإيدن؟ إنه يثير أعصابي حقًا.
ظل واقفًا بصمت لفترة طويلة و بعد ذلك حاولت التحدث إليه مرارًا، لكنه لم يرد بكلمة واحدة.
والانشغال بحالته الغريبة هذه زاد من إحساسي بالإرهاق.
كنت على وشك أن ألجأ إلى مكانٍ لا يوجد فيه أحد، أخلع حذائي وأرتمي على الأرض. و فجأة، تكلم إيدن مجدداً.
“إيرفين، تركت شيئًا خلفي، لذا عليّ الذهاب الآن. أراكِ لاحقًا في الحفل.”
“آه، حسناً، فهمت. أراكَ لاحقًا.”
ثم ابتسم بلطف، كعادته، وكأن شيئًا لم يحدث. وبعدها سرّح خصلات شعري المنسدلة، ثم ابتعد عني.
راقبت ظهره وهو يبتعد، ولم أشعر إلا وزفرة تنهيدة تخرج من صدري.
كنت بحاجة ماسة إلى أن أستريح قليلاً قبل الحفل، لأنني إن لم أفعل، فسأنهار في أي لحظة.
____________________
يبنت الحلال اصفقيه اكفخيه ذا الايدن يقهررر
المهم لايكون الملك يبيها زوجة كاين؟ لا يولد ذي محجوزه😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 29"