كان الحاجبان الداكنان المرتفعان قليلًا لدانتي وكأنهما يعبّران عن مشاعره في تلك اللحظة.
“هاها…..كان المكان ضيقًا، أليس كذلك؟”
سحبتُ ذراعه لتحريره من الفراغ الضيق، فبدأ دانتي يدير عنقه ببطءٍ ويحرّك جسده المتصلب.
و مع كل حركة يُصدر فيها صوت طقطقة، شعرتُ بالذنب والحرج يتسللان إليّ.
“هل أنتَ بخير؟”
تشجعت وسألته، فتوقف عن الحركة عند سماع صوتي، وقطّب حاجبيه قليلًا ثم أجاب.
“نعم.”
لكن مظهره لم يكن يوحي بالراحة أبدًا…..
“لم يكن أمامي خيارٌ آخر. لو رأى أحد أنكَ في غرفتي، سيحدث ضجيجٌ كبير. وشعرت أنك لن تحب ذلك أيضًا..…”
كلما واصلت الكلام، شعرت وكأنها أعذارٌ واهية.
مسحت عرقًا باردًا لم يكن موجودًا أساسًا ونظرت إليه بطرف عيني.
لكن دانتي لم يُعر كلامي أي اهتمام، وظل يحدّق في نقطة معينة بتركيز.
“ما هذا؟”
“نعم؟ ماذا تقصد؟”
اتّبعتُ نظره فرأيت الصينية التي سلّمتها لي ليج.
“آه، صحيح! لقد نسيت تمامًا!”
عندها فقط تذكرت الرسائل، فهرعت بخطواتٍ سريعة نحو الطاولة.
كانت هناك رسالةٌ بيضاء ناصعة وأخرى بلون أزرق داكن فوق الصينية. و كانت الرسالة البيضاء الناصعة التي التقطتها أولًا مختومة بختمٍ ملكي أنيق.
عندما فتحتها بحذر، وجدتُ بداخلها تفاصيل عن مراسم منح اللقب والحفل الذي سيُقام بعد يومين، وفي نهايتها دعوةٌ رسمية لحضوري.
اهتزت كتفاي من التوتر الذي اجتاحني، ثم فتحت الرسالة الأخرى.
[إلى الآنسة كوينيارديل.
معكِ كاين.
كيف كنتِ في الفترة الماضية؟
سمعت أنكِ تعيشين مشغولة ليلًا ونهارًا في سبيل استعادة مجد عائلة كوينيارديل واستحقاق اللقب.
فكرت أكثر من مرة أن آتي لرؤيتكِ ولو للحظة، لكنني ترددت مرارًا خوفًا من أن أكون عبئًا عليكِ.
أثق أنكِ ما زلتِ تتذكرين وعدكِ بأن تصبحي شريكتي في الحفل.
ولأنني أعلم أنكِ على الأرجح لن تجدي وقتًا لتفصيل فستان، أرسلت واحدًا لك. سيصلكِ قبل موعد الحفل.]
لم أصدق أن هذه الرسالة أُرسلت من كاين، فقد كانت طبيعيةً جدًا.
ليس لأنني كنت أظنه شخصًا غير طبيعي، ولكن…..
بقية الرسالة كانت تحتوي على معلوماتٍ مختصرة عن مراسم منح اللقب وترتيبات الحفل.
ولا أصدق أنه أرسل رسالةً مفيدة بهذا الشكل.’
بينما كنت أنهي قراءتها وأهمّ بترتيب الأوراق، وقعت عيناي على كلماتٍ في الصفحة الأخيرة.
وكأنها جاءت لتوقظني من تأثري المفاجئ وتمنعني من الانغماس في المشاعر.
[ملاحظة: على الأرجح ستتلقين هذه الرسالة مع تلك التي أُرسلت من القصر الملكي.
وبالطبع، هذا لأنني سأرسلها معًا.]
‘أتمزح معي؟’
حين فكرت في كاين الذي كتب ذلك على الأرجح بجدية، شعرت بعدم التصديق.
رميت الرسالة مجددًا على الصينية وهززت رأسي ببطء، ثم سمعت صوت دانتي وقد اقترب مني من الخلف دون أن أشعر.
“ما الذي يضحككِ إلى هذا الحد؟”
“نعم؟ أنا؟”
حين أفقت على صوته، اكتشفت أنني كنت أضحك حقًا.
العيب الوحيد أن الضحك لم يكن نابعًا من فرح أو سعادة.
‘منذ المرة الماضية وهو يصرّ على كتابة أمورٍ سخيفة في الرسائل. لكنه بالتأكيد كان جادًا أثناء كتابتها. لذا أشعر بعدم التصديق.’
حين فكرت بذلك، بدا الأمر مضحكًا جدًا.
الضحكة التي كانت تخرج كنسيم خفيف تحولت سريعًا إلى ضحك عالٍ.
وفي النهاية، بعد أن ارتجفت كتفاي من الضحك ومسحت دموعي، رفعت بصري إلى دانتي فوجدته يقرأ الرسالة.
قرأها حتى النهاية بوجه خالٍ من أي تعبير، ثم سألني بجديّة تامة.
“هل ستحضرين الحفل؟”
“نعم. إنه احتفالٌ بمنحي اللقب، لذا لا أستطيع الغياب. إنها المرة الأولى لي في مناسبةٍ كهذه، وأشعر بتوتر شديد.”
إيرفين ربما حضرت مئات المرات، لكنني كنت أذهب لأول مرة. لذا كنت أتدرب سرًا كل ليلة دون أن يدري أحد.
ولحسن الحظ، وعلى عكس ما خشيت، تحرك جسدي بسلاسة وحده.
“هل سبق لكَ الذهاب إلى مثل هذه الحفلات؟”
“أبدًا.”
أجاب فورًا تقريبًا دون أي تردد.
لكن، وكأن شيئًا لم يعجبه، قطّب دانتي حاجبيه وتحدث بصوتٍ فظ.
“هل سترقصين أيضًا؟”
تفاجأت من كلامه غير المتوقع فبدأت أتلعثم دون أن أشعر.
“هاه؟ نـ-نعم.”
“مع ذلك الشخص؟”
“إذا كنتَ تقصد ذلك الشخص..…”
“أعني ذلك الذي يشبه الأرنب.”
“آه، نعم. كنا قد اتفقنا على ذلك..…”
تلاشى صوتي في نهايته بينما كنت أرمق وجه دانتي الذي أصبح بارداً.
وفي لحظة، سحق الورقة الزرقاء الداكنة التي كانت بيده ورماها بلا قوةٍ على الأرض.
فانحنيت لالتقاط الرسالة التي تحولت إلى كرة من الورق.
‘آه، لماذا قام بتجعيدها..…؟’
فوق رأسي، سمعت صوت دانتي. و نبرة صوته التي لم تكن تظهر مشاعره عادةً، كانت ممتلئةً هذه المرة بالضيق.
“هذا ممل.”
رفعت رأسي بسرعة مندهشة، لكن دانتي كان قد اختفى تمامًا.
“سيد…..ساحر؟”
أن يختفي فجأةً دون أي كلمة؟ هل حدث شيءٌ في البرج؟
لا، لا يمكن أن يكون الأمر كذلك.
هززت رأسي مقتنعةً وحدي بأن هناك سببًا وجيهًا لذلك. و في تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب.
“آنستي، أحضرتُ الأوراق التي طلبتِها.”
يبدو أن كبير الخدم قد أنهى ترتيب المستندات التي طلبتُ منه تلخيص الوضع المالي الحالي لقصر الكونت في جدولٍ مبسط.
تنهدت حين فكرت أن عليّ استخدام عقلي مجددًا.
و تلك اللحظات القصيرة التي كنت أتبادل فيها الحديث مع دانتي بدت لي الآن عذبةً ومليئة بالحنين.
***
“آنستي! هل يعقل أن تكوني جميلةً إلى هذا الحد؟”
“حقًا! آنستنا تبدو جميلةً بكل ما ترتديه، لكن هذا الفستان يضفي عليها بريقًا خاصًا!”
منذ الصباح الباكر، كانت الخادمات يملأن المكان بالثناء والمديح.
“عندما سمعنا أن سمو ولي العهد سيكون شريك آنستنا، انتابنا بعض القلق، لكنه أرسل هذا الفستان الجميل ومعه الزهور أيضًا…..يبدو أنه يهتم بآنستنا، وهذا أمرٌ يبعث على الارتياح.”
منذ الفجر، كان اليوم مزدحمًا بلا توقفٍ استعدادًا لمراسم منحي اللقب.
وصل الفستان الذي قال كاين أنه أرسله في الصباح الباكر من نفس اليوم، فبدأت الخادمات بالتحرك بسرعة لتجربته عليّ واختيار الإكسسوارات المناسبة،
مما جعل القصر يعج بالحركة.
“ما رأي آنستنا؟”
ردًا على سؤال ليج، نظرت إلى صورتي في المرآة.
رفعت شعري المموج لأعلى، فكشف عن عظام الترقوة بوضوح. وكان فستان الشيفون، الذي يبرز الجزء العلوي النحيف من جسدي، يتسع تدريجيًا من عند الخصر ليتماوج بنعومة.
أما الأحجار الكريمة المثبتة على الحافة السفلية، فقد تألقت بلمعانٍ خفيف كلما تحركت، منسجمةً مع اللون الأخضر الفاتح وكأنها تقول لي ألا أنسى وجودها.
كام مظهرها أشبه بحقل مضيء تحت أشعة الشمس، دافئ ومبهج.
كان واضحًا لأي شخص أنه فستان اعتُنيَ بتفاصيله كثيرًا. وربما لهذا السبب، شعرت بقليلٍ من العبء.
لكنني لم أرغب في خذلان ليج أو باقي الخادمات المتحمسات، فابتسمت بلطفٍ وأجبت.
“أعجبني. يجب أن أقدّم شكري لسموه.”
عندها، انفجرت الخادمات بالضحك والثرثرة بسعادة.
“كنا نعلم أن الفستان سيعجب آنستنا! أظن أن طقم العقد هذا سيتناسب معه تمامًا، ما رأيكِ؟”
“لا، ذلك الطقم فخمٌ جدًا وسيتغلب على أناقة الفستان. هذا الطقم أنسب بالتأكيد. جربي هذا!”
جربن بأنفسهن عشرين قطعة من المجوهرات، من عقود وأقراط وخواتم، إما بتركيبها عليّ أو تقريبها مني، حتى استطعن في النهاية اختيار واحدة.
ارتديت طقمًا مكونًا من عقد وأقراط تتوسطهما زخرفةٌ صغيرة من الألماس، ولم أرتدِ أي خاتم.
نظرت مجددًا إلى نفسي أمام المرآة. بعدما امتلأ عنقي الذي كان يبدو فارغًا، أصبح المشهد أكثر توازنًا.
ارتسمت الابتسامة على وجهي من تلقاء نفسها حين شعرت أن المظهر اكتمل أخيرًا.
“آنسة، تبدين رائعةً بحق.”
“من كان يصدق أن آنستنا الصغيرة ستكبر وتصبح بهذا الجمال..…”
قالت إحدى الخادمات القديمات في قصر كوينياردل ذلك وهي تدمع.
لو لم يقع ذلك الحادث المفاجئ الذي أودى بحياة الكونت وزوجته، لكانت إيرفين تعيش حتى الآن بسعادة مع كل هؤلاء.
حين خطرت لي تلك الفكرة، شعرت بطعمٍ مرّ في فمي.
‘لماذا ذهبا والدي إيرفين فجأةً إلى وادي لايتن بحجة أنهما أرادا تفقده؟’
مع أن الأمر مجرد قصة في رواية، إلا أنني لم أستطع أن أفهمه.
على أي حال، وادي لايتن لم يكن حتى ضمن أراضي الكونت، فما الداعي لأن يذهبا معًا إلى هناك؟
قبل أن أغرق في الشكوك التي راودتني فجأة، شعرت بليج تمرر يدها على ظهري.
“آنستي، يبدو أنهم يطعمون الخيول. يمكنكِ أن تستريحي قليلاً في هذه الأثناء. لا بد أنكِ مرهقةٌ من الاستعداد منذ الصباح، أليس كذلك؟”
“حقًا؟ هذا جيد. في الواقع، بدأت ساقاي تؤلماني من الوقوف الطويل.”
“سآتي لأخذكِ في الوقت المناسب.”
“شكرًا لكِ، ليج. سأرتاح قليلًا إذاً.”
ابتسمت ليج بلطفٍ وقادت الخادمات إلى الخارج.
ومع اختفاء الضوضاء من الغرفة والقصر، بدأ جسدي يشعر بالاسترخاء التام.
جلست على الكرسي واستسلمت لهبوب نسيم الربيع المتسلل من النافذة المفتوحة، و دون أن أشعر، أغمضت عيناي.
‘ليج هذه…..ألم تكن تمنعني حتى من فتح النوافذ بسبب برودة الجو؟ هل تركت هذه مفتوحةً خصيصًا من أجلي؟’
ضحكت بخفة دون أن أتمكن من كبحها. لكن بينما كنت أعدل وضعي على المقعد، انتابني شعورٌ مفاجئ باليقظة.
لو لم تكن ليج، فهي ليست من النوع الذي قد يفعل شيئًا كهذا. فقد كانت دائمًا تغلق كل النوافذ في طريقي حتى في عز الصيف، بحجة أنني قد أُصاب بالزكام.
بمجرد أن فكرت بذلك، شعرت بوجود شخصٍ آخر غيري في الغرفة. ففتحت عيني بسرعة ونهضت ببطء وتوجهت بحذر نحو الشرفة.
وسرعان ما عرفت من هو صاحب ذلك الحضور.
“سيد ساحر؟ ما الذي تفعله هنا؟”
على عكسي، أنا التي فزعت بشدة، نظر إلي دانتي بلا اكتراث،
“أليس عليكِ التدرب على السحر؟”
“عفوا؟ الآن؟ لا أظن أنني أستطيع اليوم. هل يمكننا تأجيله؟”
“لماذا؟”
“عفوًا؟”
“لماذا لا تستطيعين؟”
“كما قرأتَ في الرسالة الأخيرة..…”
“لأنكِ ستذهبين للرقص مع ذلك الرجل؟”
“صحيح، لكن..…”
لماذا أشعر وكأنني أنا المخطئة؟
________________
غيراان تم الفضح✨
بس لحظه خل غيرتك على جنب امدح لبسها انصدم من الجمال اي شي
غيرته قويه لدرجة ما لاحظ ولا وش؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 27"