“أن أكون شريكةً لك؟”
“هل يزعجكِ ذلك؟”
“ليس إزعاجًا بقدر ما هو..…”
إنه عبءٌ ثقيل فحسب.
ابنة الكونت كوينياردل، التي كانت حتى الآن تختبئ خلف دوقية هايفن دون أن تُظهر نفسها علنًا، لا تكتفي بتلقي لقب الكونت فجأة، بل تحضر أيضًا كشريكة لولي العهد، الذي لم يسبق له أن رقص مع أحدٍ من قبل.
أليس هذا موضوعًا مناسبًا لتداول ألسنة أولئك الذين يحبون الثرثرة؟
لكنني لم أتسلّم اللقب بعد، ولا يمكنني رفض عرض ولي العهد. وحتى لو تسلمته، فلن يتغير شيء!
‘سأفقد عقلي، حقًا!’
ربما شعر كاين بحالتي، فبادر بالكلام أولًا.
“من المؤكد أن هناك بين النبلاء من لا يزال يعارض العائلة الملكية. لا بد أن من بينهم من دعموا جوزيف ميليانو أيضًا، أليس كذلك؟”
“على الأرجح، نعم..…”
“وفوق ذلك، لن يرحب جميع النبلاء بالكونت الصغيرة. من المؤلم الاعتراف بذلك، لكن سيكون هناك من يستخفون بكِ ويحتقرونكِ.”
“صحيح..…”
لا أعلم لماذا، لكنني أشعر وكأنني أنجرف في الحديث مع كاين دون أن أدري.
ففي كل مرة أحاول أن أفتح فمي لأقول شيئًا، يسبقني بالكلام، فلا أجد أمامي سوى أن أومئ برأسي مجيبةً بكلمات مناسبةٍ لما قاله.
“سيكون ذلك مثالًا جيدًا يمنع الآخرين من التهاون مع عائلة كوينياردل. سيتضح للجميع أن العائلة تحت أنظار العائلة الملكية.”
انحنى كاين قليلًا حتى تلاقت أعيننا.
كانت المسافة بيننا قريبةً أصلًا، لكنها الآن تقلصت فجأة حتى امتلأت رؤيتي بوجهه وحده.
“لذا…..هل يمكنكِ ألا ترفضي؟ صدقًا، هذه أول مرة أطلب فيها من أحد أن يكون شريكي، وأنا متوترٌ جدًا.”
ثم أرخى شفتيه ومدّ يده إليّ.
نظرت إلى يده الممدودة مرة، ثم إلى وجهه مرة أخرى.
و كررت ذلك مرارًا، ومع مرور الوقت بدأ وجهه يكتسي بحمرةٍ خفيفة.
ضحك كاين بحرج ثم أغلق عينيه بإحكام.
“يا للمصيبة، يدي تعرّقت.”
مسح يده بثيابه بخفة دون أن يُظهر حرجًا، ثم مدّها مرة أخرى، مما جعلني أضحك دون أن أتمالك نفسي.
رغم أنني شعرت بنظرته تراقبني بعينٍ واحدة وهو يرمقني بخفة، إلا أن الضحكة التي خرجت مني لم تتوقف بسهولة.
مرت عشرات الثواني قبل أن تهدأ ضحكتي أخيرًا.
وبينما كنت أفرك خديّ اللذين خَدِرا من كثرة الضحك، نظرت إلى كاين.
في غفلةٍ مني، كان كاين قد اعتدل واقفًا، ينظر إليّ من الأعلا بعينين صافيتين كالبحيرة تشعان بريقًا.
“هل انتهيتِ من الضحك؟”
“آه…..آسفة، لقد ضحكت كثيرًا، أليس كذلك؟”
“لا بأس، فالضحك يليق بكِ يا آنسة كوينياردل.”
أربكني مديحه المفاجئ، فرفعت يدي لأحك جسر أنفي بخجل.
كاين، الذي كان يرمقني بنظره، أطلق ضحكةً خفيفة ناعمة كنسيم رقيق تسللت من بين شفتيه. ثم مدّ يده إليّ مرة أخرى.
“آنسة كوينياردل، هل تقبلين أن تكوني شريكتي؟”
كانت نظرته تخبرني أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيسألني فيها.
وحتى لو لم يكن كذلك، فقد كنت أنوي القبول بالفعل، لذا ابتسمت له ووضعت يدي فوق كفه كما لو أنني أجيبه بابتسامة.
“نعم، أوافق.”
“حقًا؟ هل ستصبحين شريكتي حقًا؟”
كان يبتسم بعينين شبه مغمضتين، كجروٍ صغير حصل على مكافأة، يفيض بالفرح.
وحين أومأت برأسي، ازدادت ابتسامته إشراقًا.
“هل ستنتقلين للإقامة في قصر كوينياردل قبل منح اللقب؟”
“على الأرجح نعم، سيتم الأمر كما هو مخططٌ له.”
“إن كان كذلك، فسأرسل عربةً إلى قصر كوينياردل. كنت أتمنى أن آتي بنفسي لأصطحبكِ، لكن نظرًا لطبيعة هذا اليوم، يبدو أن ذلك سيكون صعبًا.”
“شكرًا لاهتمامكَ، سمو الأمير.”
“إذاً سأرحل الآن. آمل أن نلتقي مجددًا بعد أسبوع.”
ثم، كما فعل في المرة السابقة، جلس على حافة النافذة قبل أن يختفي عبرها. و أسرعت لأتفقده، لكن كالمعتاد، لم يكن هناك أحد.
كان شخصًا غريبًا حقًا. يظهر بطريقةٍ غريبة، يختفي بطريقة أغرب، ويحيّي بنفس الطريقة كل مرة.
“آمل أن نلتقي مجددًا~”
فجأة، تذكرت كايدن وهو يقلد حديثه بسخرية، فانفجرت ضاحكةً دون قصد.
ترى، هل كايدن بخير؟
في زيارتي الأخيرة إلى برج السحر لم أتمكن حتى من توديعه.
هل ابتعد مجددًا عن دانتي بسببي؟
‘يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام لدرجة أنني بدأت أرتخي دون أن أشعر…..حتى أنني أصبحت أتساءل عن حال كايدن.”
لكن ما زال هناك الكثير لأفعله، فمددت جسدي بتكاسل لأطرد الأفكار العشوائية من رأسي.
***
“إيرفين، لا أصدق أنكِ ستغادرين قصر هايفن.”
“ولا أنا، يا سيدي…..لقد أصبح كمنزلي الحقيقي.”
“سأشتاق إليكِ، إيرفين. احرصي على أن تبقي بصحةٍ جيدة دائمًا. وإن نفذت أدويتكِ، أخبريني فورًا. سأرسل إليكِ أمهر الأطباء وأفضل الأدوية.”
“شكرًا لكِ يا سيدتي، شكرًا جزيلًا.”
احتضنني دوق هايفن والدوقة واحدًا تلو الآخر. وكان دفء أحضانهم شديدًا لدرجة أنني كدت أنفجر باكيةً دون أن أشعر.
تراجعت بسرعةٍ من بين ذراعيهما.
“بفضل مساعدتكما ومساعدة السيد هايفن، تمكنت من النمو بسلام. لن أنسى هذه النعمة ما حييت. سأحرص على رد الجميل، مهما كلّف الأمر. شكرًا لكم على كل شيء.”
وبالنيابة عن إيرفين، انحنيت لهم انحناءةً عميقة.
لم أكن أراهم، لكني سمعت صوت الدوقة وهي تمسح دموعها، وأنفاس الدوق غير المنتظمة والمنخفضة، وخطوات إيدن وهو يدير جسده ليبتعد.
“سأدعوكم إلى القصر حالما يتم ترتيبه. أرجو أن تحافظوا على صحتكم حتى ذلك الحين!”
صعدت مباشرةً إلى العربة وتوجهت إلى قصر كوينياردل.
ثم استندت إلى الجدار المتأرجح داخل العربة وأنظاري معلقةٌ على النافذة، وأنا أغرق في التفكير في ما يجب أن أفعله لاحقًا.
أولًا، يجب أن أفرغ الأمتعة، ثم عليّ قلب كل الغرف التي كان جوزيف يستخدمها رأسًا على عقب.
كانت قائمة المهام التي تنتظرني بلا نهاية. وبينما كنت أغوص في تذكّرها، لم أشعر بمرور الوقت، ووصلت إلى قصر كوينياردل بسرعة.
“لقد عدتِ، من جديد.”
فتح السائق باب العربة. ومن خلال فتحة الباب، دخل ضوء الشمس مصحوبًا بصوت عالٍ مليء بالحيوية.
“آنستي!”
“آنستي!!”
“يا إلهي، لا أصدق! إنها آنستنا حقًا!”
عندما نزلت من العربة بمرافقة السائق، استقبلني عددٌ كبير من الخدم. كانت وجوههم مفعمةً بالتأثر، و بعضهم كان يبكي بالفعل.
هؤلاء جميعًا خدموا في قصر كوينياردل منذ عهد الكونت السابق. و من أجلهم، ومن أجل إيرفين التي صمدت طوال هذه المدة، ومن أجل نفسي التي ستعيش من الآن فصاعدًا، حييتهم،
“لقد عدتُ!”
***
بعد ذلك، بدأتُ أياماً من الانشغال المتواصل.
فور تفريغ الأمتعة، بدأت بالتجول في القصر لأُميّز بين الغرف التي كان جوزيف يستخدمها بانتظام وتلك التي لم يكن يقترب منها، ثم قمت بإغلاقها.
أما الخدم الذين تم توظيفهم بعد أن تولّى جوزيف مهام الوصاية على اللقب، فقد كتبت لهم رسائل توصية وأرسلتهم إلى أماكن عمل أخرى.
مرت أيام القصر كلّها في محو آثار جوزيف. و في اليوم التالي بدأت التحقيق في الوضع الفعلي لقصر كوينياردل.
كنت أتوقع حالةً سيئة، لكنها كانت أسوأ مما تصورت.
كل الأموال التي كانت تدخل كانت تخرج مباشرة كمصاريف شخصية لجوزيف، وبين ذلك كله، كانت هناك ثغراتٌ تُسرّب الأموال بلا توقف.
انشغلت بإيقاف كل المشاريع الجارية والمخطط لها، وبإعداد قائمة بالأموال التي يجب استردادها من الاستثمارات.
ومع بدء الاستقرار، بدأت أتجوّل في القصر للعناية بمحيطه.
‘حقًا، جوزيف هذا الرجل حتى ذوقه كان غريبًا.’
ذوقه في اختيار اللوحات كان سيئًا للغاية، حتى أنه ملأ القصر بأعمال رسّامين اشتهروا فقط عبر الرشاوى والسمعة المصطنعة.
لحسن الحظ، تلك اللوحات ما زالت تساوي مالًا عند إعادة بيعها. بينما التماثيل التي عفا عليها الزمن لم تكن تُباع، لذا خزّنتها كلها في المستودع.
“حتى ذاك البستان الجميل، شوّهه بهذا الشكل الفظيع…..كيف كان يمتلك كل هذا الغرور؟”
جوزيف، بذوقه المتخلف، شوّه حديقة قصر كوينياردل التي كانت تُعرف بأنها الأجمل في المملكة، وجعلها بلا قيمةٍ تُذكر.
وفقًا لفلسفته السخيفة التي ترى أن الزهور لا تُعد جميلة إلا إذا كانت فاقعة الألوان، قام بزراعة نباتات تصدر أزهارًا بجميع الألوان بطريقةٍ فوضوية.
نظرتُ من الشرفة إلى المشهد وتنهدت من عمق قلبي.
“لحسن الحظ، على الأقل ترك غرفتي دون أن يمسّها.”
استدرت على الفور ودخلت الغرفة بخطواتٍ ثابتة.
طق، طق، طقق…
“هم؟ هذا غريب.”
طق، طق، طقق…
توقفت عن المشي. و شعرت بحركة غريبة خلفي، وكأن هناك من يقترب.
وبمجرد أن خطر لي ذلك، استدرت بسرعة.
“من هناك.…!”
و ما إن التفتُّ حتى رأيت ظلًا ضخمًا. فرفعت رأسي قليلًا، وفتحت فمي من شدة الصدمة.
“لماذا…..لا، كيف أتيتَ إلى هنا..…؟”
كنت متوترةً لدرجة أنني بدأت أتمتم بكلامي، بينما هو كان يحدّق بي بلا أي تعبيرٍ يُذكر.
شعره الكثيف غير المرتب بلونه الداكن كسواد الليل، وعيناه الذهبيتان اللامعتان بين ملامح حادة.
إنه دانتي.
وللمرة الأولى، أراه خارج برج السحر، لا داخله.
“لماذا أنتَ هنا أيها الساحر دانتي؟ كيف وصلت إلى هذا المكان..…؟”
“قوة سحركِ كانت غير مستقرة.”
همس دانتي بصوته المنخفض وهو يقترب مني في لحظة حتى لامس صوته أذني.
“وتساءلت إن كنتِ بخير.”
ثم مرّ بجانبي ببساطة، وكأن ظهوره في مكاني الخاص أمرٌ طبيعي تمامًا.
أفقت من دهشتي واستدرت لأتبعه.
كان قد دخل الغرفة وجلس على طرف المكتب يقرأ كتابًا، وكأن الأمر لا يعنيه. فحدّقت به بدهشة وابتسمت بذهول لا إرادي، حتى التقت أعيننا.
“ألن تدخلي؟”
يا له من وقحٍ حقًا.
_____________________
ضحكت يسألها منتب داخله لغرفتس؟😭
يجننننن اشوا جا حسبت بنقعد مع كاين الي واضح حبها ثم احبه بالغلط
المهم الروايه تجنن✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 25"