نظر إيدن إلى دموعي التي سقطت بلا حول على الطاولة.
و شفاهه التي كانت مغلقة بإحكام فُتحت أخيرًا.
“لم أكن أعلم أبدًا أنكِ تفكرين بهذه الطريقة. لماذا لم تخبريني ولو لمرةٍ واحدة؟ أشعر بندم كبير، كبيرٍ جدًا تجاهكِ..…”
“كيف كنت سأخبركَ؟ أنت دائمًا تبذل جهدًا من أجلي. فكيف أستطيع أن أقول لك شيئًا كهذا؟”
رفعت زاوية شفتي بابتسامةٍ خفيفة. و حاولت أن أبتسم كما لو كنت بطلةً حزينة في رواية مأساة، رغم أنني لم أُجِيد ذلك تمامًا.
عندها خفض إيدن رأسه وشد قبضته بقوة. فتحدثت قبل أن يتمكن من قول شيءٍ آخر.
“إيدن. لا أريد أن أفقد الفرصة التي حصلت عليها بشق الأنفس.”
“لكن، إيرفين….”
“أعرف ما الذي يقلقكَ. الأمر لن يكون سهلًا بمفردي. سأواجه الكثير من المعاناة. ومع ذلك، أريد أن أحاول.”
ابتسمت على نحو أوسع وأنا أُضيق عينيّ. و بدا أن حاجبي إيدن ارتعشا قليلًا، لكنني تجاهلت ذلك عمدًا.
“إذا كنت تساندني، أشعر أنني سأتمكن من النجاح. فأنت أغلى أصدقائي.”
“حقًا، لن أستطع أبدًا الانتصار عليكِ حتى من قبل.”
ابتسم إيدن ابتسامةً خفيفة وهز رأسه ببطء، ثم تكلم بجدية.
“إذا شعرتِ أن الأمر لا يُحتمل، يمكنكِ العودة في أي وقت. سأكون عونًا لكِ عندما تشتد عليكِ الأمور.”
“شكرًا لكَ حقًا، إيدن! كنت أعلم أنكَ صديقي دائمًا!”
قفزت من الكرسي واحتضنت عنق إيدن الجالس أمامي. و أفلتُّه بسرعة، لكنه نظر إليّ بتعبيرٍ مذهول. و لكنني كنت في غاية السعادة لدرجة أنني لم أُعر لذلك أي اهتمام.
لم أكن أظن أن إيدن سيتخلى عني بهذه السهولة، فكان ذلك إنجازًا عظيمًا.
إيدن ليس شخصًا سيئًا تمامًا كما كنت أعتقد. لقد أراد فقط حمايتي كونه الصديق الوحيد لإيرفين.
“إذاً، سأذهب للنوم الآن! أعتقد أنني سأكون مشغولةً غدًا بتوضيب أمتعتي. شكرًا لأنكَ وثقت بي، إيدن. تصبح على خير.”
لوّحت لإيدن بيدي وخرجت مباشرةً من غرفة الاستقبال. وبعد أن أنهيت استحمامًا بسيطًا، عدت أخيرًا إلى غرفتي وألقيت بجسدي على السرير.
“آآآه! هذا هو الشعور! لقد افتقدته كثيرًا، حقًا~.”
دفنت وجهي في الأغطية وصرت أفركه بها بكل سعادة. و امتزج عبير الصابون المنبعث من شعري الطويل مع رائحة الفراش المألوفة والدافئة.
ما إن أغمضتُ عيني حتى اجتاحتني رغبةٌ ناعسة كأنني أغوص في أعماق الغطاء.
و استسلمت للنوم ببطء بينما أستمتع بالعطر الذي يلامس أطراف أنفي.
***
“آنستي. لقد عشتِ في قصر هايفن لسنوات، هل هذا كل ما تملكينه من أمتعة؟”
“همم، يبدو ذلك؟”
بدأت في توضيب أغراضي فور الانتهاء من الفطور استعدادًا لمغادرة قصر الدوق هايفن بأسرع وقتٍ ممكن. لكن قبل أن يحين وقت الغداء، كنت قد أنهيت كل شيء.
ربما لأن ليج كانت تساعدني، فأنجزناه أسرع من المتوقع، لكن الحقيقة أن الأمتعة كانت قليلةً أيضًا.
عشرة أعوام من العيش هناك، ومع ذلك لم يكن هناك ما آخذه سوى بعض الفساتين وثلاثة جواهر أحضرتها من منزل الكونت.
لا بد أن إيرفين لم تجد لنفسها أي مكانٍ تنتمي إليه حقًا.
مسحت شفتي الجافتين بطرف لساني، ووضعت تلك القِطع القليلة من الأمتعة بعناية داخل الحقيبة.
“آنستي، لا أصدق أنكِ ستعودين إلى قصر كوينياردل مجددًا.”
“أنا أيضًا. لا أصدق ذلك. من حسن الحظ أن هذا يحدث قبل بداية أحداث القصة الأصلية.”
“عفواً؟ آنسة، ماذا تقصدين؟”
خرجت الكلمات من فمي دون أن أشعر، رغم أنها كانت مجرد أفكار داخلية.
تجنبت نظرات ليج التي كانت تحدق بي بدهشة، وغمغمت بكلماتٍ مبهمة.
“ماذا؟ لا شيء! آه، ليج، خذي هذه.”
ناولتها سوارًا قديمًا كنت قد أحضرته معي من قصر الكونت كوييناردل.
كان سوارًا مزينًا بحجر البيريدوت، أهدته الكونتيسة كوييناردل إلى إيرفين كهدية ميلاد عندما كانت لا تزال على قيد الحياة.
رغم قدمه، إلا أنه كان مشعًا بجمالٍ عتيق يلمع ببريق ساحر.
ما إن رأت ليج السوار في يدي حتى أومأت برفض شديد،
“لا، آنستي! لا يمكنني قبوله. إنه إرثٌ ثمين من السيدة!”
“أوه، ليح. أرجوكِ خذيه. أردت أن أقدمه لكِ بكل صدق.”
ابتسمت لليج التي بدت متوترةً ومرتبكة، ثم تابعت الحديث.
“حين كنت صغيرة، شكراً لأنكِ أتيت معي لحمايتي. الآن لا أملك سوى هذا لأقدمه لكِ، لكن عندما نعود إلى قصر كوييناردل، سأهديكِ شيئًا أجمل.”
“آنستي…..شكرًا لكِ حقًا. حتى لو منحتني شيئًا أغلى، فلن أكون أكثر سعادةً مما أنا عليه الآن. في هذه اللحظة بالذات، أنا سعيدةٌ جدًا.”
تبادلنا عناقًا قصيرًا، بينما كانت عينا ليج تدمع.
لم يعد حضنها، الذي كان يحتضن إيرفين الصغيرة بكل دفء، يبدو واسعًا كما في السابق.
فراودتني فكرة لا طائل منها،
‘ليت من يحتضن ليج الآن كانت إيرفين الحقيقية.’
ربتُّ على كتفها وأنا أغرق في تلك الفكرة العابرة.
“سأذهب الآن لأُحضّر طعام الغداء. شكرًا جزيلًا لكِ، آنستي.”
احتضنت ليج السوار وكأنه كنزٌ ثمين، وخرجت من الغرفة بخطواتٍ سريعة.
ابتسمت ابتسامةً مريرة عندما اختفى أثرها تمامًا ولم يعد يُسمع صوت خطاها.
‘لا أعلم إن كنت أستحق كل هذا الشكر حقًا.’
وفجأة، سمعت صوتًا خلفي.
“لقد كان مشهدًا مؤثرًا للغاية. هيء هيء.”
“آه! أخفتني!”
استدرت بسرعة، فرأيت هيئةً مألوفة أمامي.
حدّقت فيه بنظراتٍ ممتلئة بالغضب، وقلبي لا يزال ينبض بسرعة.
من غيره يتسلل هكذا إلى غرفة غيره دون استئذان؟ بالطبع، كان كاين.
بل وكان يتصنع البكاء وهو يمسح دموعًا غير موجودة ويمثل الحزن بصوتٍ مبالغ فيه بطريقة ساخرة.
“سموك! ما الذي تفعله هنا؟!”
صرخت به بعينين غاضبتين، لكنه لم يُبدِ أي انزعاج وكأن الأمر لا يعنيه أبدًا.
أزاح كاين ذراعه التي كانت تغطي عينيه وابتسم ببساطة.
“هل أخفتكِ؟”
“طبعًا! كيف لا أُفزع؟”
“بما أنكِ فزعتِ، إذاً لقد نجحت خطتي.”
نظرت إليه بدهشة لا تصدق وهو يبتسم ببراءة.
فزفرت ضحكة ساخرة وأنا أحدّق به بحدة، لكنه فقط ابتسم بعمق أكثر وأدار جسده في المكان.
راح كاين يتلفت حوله، ثم وقعت عيناه على الحقيبة الموضوعة في أحد الأركان.
“ما تلك الأمتعة؟”
“آه، سأغادر قصر هايفن قريبًا.”
“حقًا؟ هذا خبرٌ رائع. لم أظن أن السيد هايفن سيسمح لكِ بالرحيل بهذه السهولة. كيف أقنعته؟”
“لا أعلم أنا أيضًا. لم أكن أدرك أنني أملك موهبةً في التمثيل.”
ضحكت بخفة وأنا أسترجع ما جرى بالأمس.
بينما ظل كاين يرمقني بصمتٍ وابتسامة خفيفة تعلو شفتيه.
“على كل حال، هل تسللتَ إلى غرفتي مجددًا؟”
“نعم. غرفة الآنسة كوييناردل أصعب بكثير من باقي الغرف في الدخول إليها.”
لماذا يُصر على التسلل بينما هناك طرقٌ عادية للدخول بكل بساطة؟
“لا توجد أشجارٌ كبيرة حول المكان، وهناك فقط شرفة معلقة، لذا من الصعب تجنب أنظار الآخرين.”
“إذاً، لماذا لا تدخل بطريقةٍ عادية؟ مثل أن ترسل رسالةً تخبرني فيها بنيتكَ للزيارة، أو حتى تدعوني بنفسكَ..…”
“هل تعتقدين أنني لجأت للتسلل أولًا دون أن أجرب الطرق الرسمية؟”
نعم. كنت أظن تمامًا أنكَ فعلت ذلك.
كاين الذي كان ينظر إليّ، بدا وكأنه قرأ ما دار في عيني، فضحك بيأس،
“لقد عبّرت عن رغبتي في زيارة عائلة هايفن عدة مرات. لكنهم كانوا يرفضون دائمًا بحجة انشغالهم الدائم. وحتى عندما طلبت خروجكِ، قالوا أن حالتكِ الصحية لا تسمح بذلك.”
بدا صوته جادًا وهو يعبس ويرفع نبرة صوته، كمن يشعر بظلمٍ كبير. و خفت أن يسمعه أحد من خارج الغرفة، فهززت رأسي وغيرت الموضوع.
“عمومًا، ما سبب مجيئكَ إلى هنا اليوم؟”
“آه، صحيح. كنت أود إبلاغكِ بشيء.”
جلس على المقعد الصغير أسفل السرير، ونظر إليّ مباشرة.
“ستتلقين رسالةً من القصر الملكي قريبًا، لكن حفل تنصيبكِ الرسمي بصفتكِ الكونت كوينياردل سيُقام بعد أسبوع من الآن.”
“حقًا؟ إنه أقرب مما توقعت..…”
كنت أظن أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول، لكنه سيحدث خلال أسبوعٍ فقط.
بما أن الموعد أقرب مما توقعت، اجتاحني توترٌ مفاجئ شمل جسدي كله.
“اعتبريها علامة شكر من جلالة الملك بدلًا من تحيته الشخصية.”
“لكنني لم أفعل سوى ما كان يجب علي فعله…..بل إنني كنت الأكثر طمعًا بينكم جميعًا.”
“طالما أن الأمور انتهت بنتائج جيدة، فهذا هو الأهم، أليس كذلك؟”
قال كاين ذلك وهو يبتسم ويرفع كتفيه بلا مبالاة.
بمجرد أن سمعت عبارة حفل تنصيب اللقب، شعرت بأن كل ما بدا حلمًا مجردًا عند توضيب الأمتعة قد تحول فجأةً إلى واقع حقيقي.
وحين بدأت أُهدئ نفسي من تلك المشاعر المتدفقة، أضاف كاين،
“وبالإضافة إلى ذلك، قرر جلالة الملك إقامة حفلةٍ كبرى تقديرًا لمساهمتكِ الكبيرة في القضاء على من هددوا أمن المملكة.”
“حفلة؟!”
“نعم، لا داعي للقلق. ستكون بالتزامن مع حفل تنصيبكِ، فلا حاجة للقيام بشيءٍ إضافي.”
“بل هذا ما يزيد الأمر إرهاقًا..…”
انفجر كاين ضاحكًا وهو يصفق على ركبتيه كأن الغرفة كلها تهتز من ضحكه.
لا أدري ما المضحك في الأمر. أنا أتكلم بكل جدية!
مجرد وجود الحفل الرسمي كان عبئًا كافيًا، فكيف بي الآن وهناك حفلة أيضًا؟ تخيُّل كل تلك الأنظار وهي تتركز علي وحدي جعل رأسي يؤلمني مسبقًا.
أطلقت تنهيدةً ثقيلة وأنا أحاول تصور الجدول القادم، حين وقف كاين فجأة من مكانه.
“في الحفلات السابقة، كانت الآنسة كوينياردل ترقص عادةً مع السيد هايفن، أليس كذلك؟”
“نعم…..كان الأمر كذلك. لم يكن لدي الكثير من الأصدقاء.”
“هل تنوين فعل ذلك مجددًا هذه المرة؟”
“ربما، على الأرجح.”
فلا تزال البطلة لم تظهر بعد، والحفل سيُقام بعد أسبوع.
“لكن هذا ليس أمرًا مؤكدًا بعد، صحيح؟”
“صحيح، أنا أصلاً لم أعرف عن الحفل إلا اليوم.”
ابتسم كاين ابتسامةً مشرقة، ومدّ يده إليّ بثبات.
“إذاً، ما رأيكِ أن تكوني شريكتي في هذه المرة؟”
_____________________
لا ولد هاه وش قلنا؟ اختك بس
بس يجنن جا يتسلل عشان يقولها ذاه؟😭
تسك ليه دانتي مب نبيل؟ والصدق مدري هو نبيل ولا لوء
المهم حتى ايرفين كانت شاكه في ايدن بس الذكيه تحسبه بلا تتخيل اصحييي
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 24"