انهار جوزيف على الأرض وهو يتمتم لنفسه.
“هذا مستحيل….هذا غير معقول..…”
أن يُحكم عليه بقضاء ثمانية وأربعين عاماً في سجن غروتون، ذلك السجن المعروف بوحشيته، وفوق ذلك، أن يُعدم بعدها دون أن يرى النور مجدداً!
تلاقت أعيننا بينما كان يُسحب من قبل الحراس وهو فاقد للروح. فحرّكت شفتي ببطءٍ له،
‘تستحقُّ هذا.’
“إيرفين، أيتها اللعينة! أتظنين أنكِ ستفلتين بفعلتكِ؟ سأعود يوماً، وأدفنكِ في الجحيم كما فعلتُ بأخي! لم أكن أفهم لماذا صرتِ مشرقةَ الوجه رغم أنكِ على وشك الموت، والآن فهمت. ظننتكِ غبية، لكنكِ، تبّاً لكِ، مجرد ثعلبةٍ ماكرة!”
كان جوزيف دائماً هكذا. لا يكفّ عن الحديث عن النساء بألفاظٍ وضيعة.
كانت عيناه حمراوان، وصوته مليءٌ باللعنات والسفالة، مما أشعل غضبي.
كنت على وشك تجاهله كعادتي، لكن كلمته التالية فجّرت شيئاً داخلي.
“هل بعتِ جسدكِ للأمير؟! ألم تكن أمكِ أيضاً مجرد فلاحة رمت بنفسها على والدكِ لتصبح نبيلة؟ يا لوقاحتكن، ما أشبهكن ببعض!”
في تلك اللحظة، انقطع آخر خيط من رباطة جأشي.
بينما رنّ صوت بارد بجانبي عندما أخرج كاين سيفه من غمده. و سرعان ما لمع نصله الحاد في الضوء وهدد جوزيف، لكنني كنت أسرع منه.
مددت يدي نحو جوزيف، وكأنني على وشك أن أقبض على عنقه رغم المسافة بيننا. فانبثق ضوءٌ أبيض نقي من أطراف أصابعي واتجه مباشرةً إليه.
لأول مرة، شعرتُ أن القوة السحرية التي لطالما بدت غريبةً تسري في عروقي بشكلٍ طبيعي.
“أيتها القذرة…..كخ! كاهاه..…!”
شدّدت قبضتي وجمعت طاقتي في راحتي، فشعرتُ وكأنني أمسكت بشيءٍ فعلاً.
كنت على وشك أن أضغط بقوةٍ أكبر دون وعي، لكن كاين ربّت على كتفي بلطف.
“يكفي هذا الآن.”
عندها فقط، عدتُ إلى وعيي ونظرت حولي. و كانت عيون الجميع متسعةً من الذهول.
لقد استخدمت السحر أمام هذا العدد الكبير من الناس…..لا شك أن الخبر سيصل إلى إيدن.
‘لم أكن أريد كشف أمري في ما يخص السحر بعد، فماذا أفعل الآن؟’
لم أجد عذراً فورياً، فارتجفت شفتاي فقط دون أن أنطق.
و رغم ذلك، شعرت بخفةٍ في جسدي وصفاءٍ في عقلي، ربما بسبب إطلاق العنان لتلك الطاقة دفعةً واحدة.
لم أشعر من قبل بهذا القدر من الحيوية، وكان الأمر مذهلاً.
“كهاه…..إير….فين. أنـ….تِ..…!”
وفي تلك اللحظة، انغرس سيف كاين في الأرض بجانب وجه جوزيف تماماً.
رمى كاين سيفه بقوةٍ نحو الأرض بجانب جوزيف، ثم زمجر بصوتٍ منخفض وهو يحدّق فيه.
“إن لم تكن ترغب بأن يُفصل رأسكَ دون أن يدري بك أحد، فاحذر لسانكَ اللعين. لم أرحمك شفقةً، بل اشكر الآنسة كوينيارديل وأنتَ تموت ببطء في غروتون.”
نهض كاين من مكانه وأعاد سيفه إلى غمده. ثم التفت إلى الحاضرين الذين ما زالوا متجمدين من الصدمة وتحدث بنبرةٍ رسمية،
“أعتذر من الجميع على أنني لم أتمكن من كبح غضبي تجاه الكلمات السوقية التي قيلت، كما أعتذر عن إظهاري المفاجئ للمانا، وعن كل ما بدر مني.”
رغم دهشتهم، لم يملك الحضور إلا تقبّل اعتذاره بما أنه ولي العهد، وبدأوا بمغادرة المكان.
بفضل كاين، انتهى الأمر كحادثة بسيطة، وإلا لكان قد وصل إلى آذان إيدن بالتأكيد.
ولم يكن ذلك ليُسمح بحدوثه، فبعد، فلم يحن الوقت.
وبينما كان الحراس يحملون جوزيف الفاقد للوعي ويخرجون به، بقينا أنا وكاين وحدنا في القاعة.
“شكراً لمساعدتكَ، سموّك.”
“كما توقعت، أنتِ ساحرةٌ يا آنسة.”
“آسفة لأني أخفيت الأمر…..في الواقع، كنت أنوي إخفاءه.”
فابتسم كاين ابتسامةً واسعة وضحكَ بحرارة، ثم قال كلماتٍ خفيفة بأسلوبه المعتاد.
“على كل حال، هذه أول مرة أسمع أن الآنسة كوينيارديل تستطيع استخدام السحر. هل أخفيتِ الأمر عن قصد؟ لأنه سحرٌ قديم؟”
“لا، الأمر ليس كذلك.”
“إذاً لماذا لم تتكلمي عن ذلك؟”
“ليس أنني لم أتكلم، بل..…”
“بل؟”
رغم عدم وجود أحد، غطيت فمي بيدي وتحدثت بصوتٍ خافت.
“في الواقع، عرفت أن لدي قوى سحرية منذ وقتٍ قريب فقط.”
“ماذا؟ هل هذا ممكن؟”
“يبدو أنه ممكن.”
أنا فقط أعلم ذلك لأني شخصٌ متقمّص. بينما في القصة الأصلية، لم تكن إيرفين تعرف شيئاً عن قواها السحرية، مما أدى في النهاية إلى فقدانها السيطرة.
“لا عجب أنني شعرت بقدرة لا يمكن وصفها تنبع منكِ. و بما أن دانتي كان بجانبكِ، افترضتُ أنها قوته فقط.”
“هل يمكن أن تشعر بذلك فعلاً؟ هذا مذهلٌ حقاً.”
ابتسم كاين بخجل وأجاب على المديح الصادق.
“لا، لا أبداً. فمن يستخدم الهالة كثيراً، بصبح حساساً تجاه قوى الآخرين الخارقة. ليس أنا فقط، بل من المؤكد أن الآخرين يمكنهم الشعور بها أيضاً.”
لكن لماذا لا يقول إيدن هايفن أي شيء؟ إيدن وصل إلى مرتبة سيّد السيف قبل كاين حتى.
“إن كنتِ تفكرين في السيد هايفن، فربما السبب أن هناك من يبعث بهالةٍ أقوى منه بالقرب منه. فالدوق هايفن قويٌ للغاية، أليس كذلك؟”
قال كاين ذلك وهو يرفع كتفيه بابتسامةٍ خفيفة.
صحيح، فالدوق هايفن قويٌ لدرجة أن إيدن وكاين بالكاد يستطيعان إسقاطه إن هاجماه معاً.
حين فكرت في هيبة الدوق الدائمة، فهمت ما كان يقصده.
ثم تحدث كاين إليّ بينما كنت أومئ برأسي وحدي.
“ربما يتم استدعاؤكِ إلى القصر الملكي خلال الأيام القليلة القادمة بسبب منصب الكونت الذي أصبح شاغراً.”
“آه…..نعم، يجب أن أكون مستعدة.”
حاول كاين كتم ضحكته وتحدث متابعاً.
“سأحاول إنهاء الأمر بنفسي. فجلالة الملك…..حديثه طويييلٌ جداً.”
“حقاً؟ سأكون ممتنةً لو فعلت! في الحقيقة، لم أقابله من قبل، لذا كنتُ أشعر بتوتر بسيط.”
“ستقابلينه بالتأكيد في مراسم منح اللقب.”
“حينها يجب أن أكون مستعدة، مستعدةً بشكلٍ إيجابي.”
ضحك بصوتٍ خافت كمن يزفر الهواء، ثم خفض رأسه واهتزت كتفاه.
‘يا له من شخص يضحك كثيراً حقاً.’
بينما كنت أنظر إلى وجهه، خطر ببالي فجأةً شيء كنت أتساءل عنه.
“آه صحيح. كنت أريد أن أسأل منذ قليل، متى حضّرت الأدلة والشهود بالضبط؟”
نظرت إليه بعينين متألقتين، فحدّق بي كاين بصمتٍ للحظة ثم ابتسم ابتسامةً خفيفة.
“هذه سر يأُخبركِ به أنتِ فقط..…”
ثم اقترب مني وانحنى قليلاً وهمس بصوتٍ منخفض.
“في الحقيقة، كل شيءٍ مزيف. مساعدي كتب إفادةً مزورة، والشاهد ممثلٌ غير معروف.”
“ماذااا؟!”
“هشش. ماذا لو سمعكِ أحد؟”
“وماذا لو كشف أحدٌ الأمر؟!”
عندما صرخت، ابتعد كاين واضعاً يديه على أذنيه.
“لهذا السبب قلتُ أنه سر.”
“يأُجنّ لأن سموّك يفعل مثل هذه الأمور!”
“أنا أحب الأمر، لأن الأسرار بيننا تزداد.”
عندما رأيت كاين يبتسم ببراءة دون أن يدرك ما أشعر به، لم أتمالك نفسي من إطلاق ضحكةٍ باهتة.
بينما هو أمال رأسه ببطء قليلاً ثم تراجع خطوةً إلى الوراء.
“يجب أن أذهب الآن.”
“…..حسناً. على كل حال، شكراً جزيلاً لكَ على كل شيءٍ اليوم. لن أنسى هذا الفضل أبداً.”
كنتُ صادقةً تماماً في امتناني له. رغم أنني سأظل قلقةً لبعض الوقت خوفاً من انكشاف الأمر.
آخر ما رأيته كان شفتيه ترتسمان بابتسامةٍ جميلة على شكل قوس، وفي اللحظة التي رمشت فيها، اختفى كاين تماماً دون أثر.
“حقاً، شخصٌ يستحق أن تطمع فيه قوى الظلام.”
تمتمت بتعليقٍ تافه وسرعان ما أسرعت بخطاي.
***
بعد مغادرتي لقصر كوينيارديل، توجهت مباشرةً إلى برج السحر.
رغبت بشدةٍ في الذهاب إلى قصر الدوق وجمع أغراضي فوراً، لكن ما إن صعدت إلى العربة، خطر دانتي ببالي.
وحين فتحت باب القبو بعنف، كان دانتي هناك.
“أيها الساحر!”
عندما ناديته، التفت دانتي نحوي بهدوء.
كنت متحمسةً للغاية لأخبره، و كنت أشتعل رغبةً في التفاخر.
“اسمعني جيداً!”
أصبح بإمكاني التحكم في السحر الآن.
“لقد حصل لي تحولٌ في السحر! انظر! أستطيع استخدام السحر كما أشاء!”
أخيراً، أصبحت قادرةً على عيش حياتي الخاصة الكاملة.
“لقد حققت أكثر من نصف ما كنت أخطط له! ربما لن أضطر بعد الآن للعيش في قلقٍ دائم من الموت في أي لحظة!”
وكل هذا كان ممكناً لأنكَ ساعدتني.
“حقاً، شكراً لكَ!”
كنت متأكدةً أن دانتي سيجيبني ببرود وكأن الأمر لا يعنيه.
و بصوته المنخفض القريب من أذني، سيقول شيئاً مثل: “نعم، هكذا يبدو.” أو “حقاً؟”.
وكنت سأضحك على ردّه الجاف كعادته.
كنت واثقةً من ذلك. لكن دانتي خالف توقّعاتي تماماً.
أغلق الكتاب الذي كان يقرأه، وتقدّم نحوي، ثم خرج صوته الهادئ المتكاسل.
“أحسنتِ عملاً.”
ثم ابتسم.
دانتي…..ابتسم.
لم تكن مجرد ابتسامةٍ خفيفة ترتسم على شفتيه. فعيناه، التي كانت دائماً تبدو حادة، انحنت برقة.
ورغم أنه عاد إلى ملامحه الهادئة فوراً، إلا أن وجهه المبتسم بقي عالقاً في ذهني كأثرٍ لا يُمحى.
‘كان يبدو شرساً جداً في العادة، لكن حين يبتسم يصبح رقيقاً بلا حدود…..’
بينما كنت أسرح في أفكاري وحدي، شعرت بالحرج فجأةً وبدأت أحك مؤخرة رقبتي.
اقتربت من طاولة التجارب التي كان يقف عندها دانتي وفتحت معه الحديث بلا سببٍ واضح.
“الآن، لا بد أن أبحاثكَ عن السحر القديم ستصبح أسهل، أليس كذلك؟”
“نعم، بالتأكيد. سأتمكن من تجربة أشياء لم أكن قادراً على القيام بها سابقاً.”
حين قال ذلك، لمعت عيناه.
وكلما لمعت عيناه، شعرت بالقلق. لأنه ببساطة لا تلمع عيناه إلا عندما يغوص في أبحاثه بجنون.
“قلتِ أن هناك لحظةً حاسمة. ما الذي حدث؟ لماذا ظننت أن الأمر كذلك؟ هل شعرتِ أن تدفق السحر كان مختلفاً عن المعتاد؟ لا، هل كنت تشعرين بتدفق السحر أصلاً من قبل؟ ما الذي تغير، وكيف، وإلى أي درجة، حتى استطعتِ أن تلاحظي الفرق بنفسكِ؟ كيف كان شعوركِ حينها؟”
“مـ-مهلاً لحظة فقط!”
نعم، لقد انهمرت أسئلة دانتي كالسيل دون توقف.
_____________________
دانتي ابتسم عشان السحر ولا ايرفين؟😭
المهم وش ذاه كل البطلين يجننون تكفى ياكاين خلك اخوها اااااااا
كاين يقول الي يستعمل العاله يقد يحس بالقوه؟ يعني ايدن والدوق يدرون ان ايرفين عندها سحر؟🥰
بديت اشك في الدوق بعد
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 22"