“ما هذا؟”
“ستعرف حالما تقرأ المحتوى.”
صوت بلع ريقي تردّد في أذني. كنت أحاول التظاهر بالهدوء، لكن قلبي المرتجف لم يكن بالإمكان إخفاؤه.
فتح كاين الورقة التي ناولتها له. وكلما قرأ أكثر، ازدادت ملامحه تصلبًا.
“همم…..محتوى مثيرٌ للاهتمام للغاية.”
كان هذا أول ما قاله بعد مرور أكثر من عشر دقائق.
من المؤكد أن التمرد على ولي العهد لمجرد أن الكونت لا يرضى عنه، لم يكن في نظره أمرًا “مثيرًا للاهتمام”، ومع خلو وجهه من أي ابتسامة، بدا أنه غاضب.
يُقال أن من لا يغضب عادةً هو الأكثر رعبًا عندما يغضب…..وقد ثبت ذلك.
حتى الهواء في الغرفة تغيّر فجأة.
“هناك الكثير من الأمور التي أودّ الاستفسار عنها..…”
أنزل كاين البيان على الطاولة ببطء. ثم اتكأ على الأريكة وهو يعقد ذراعيه وتابع حديثه،
“من أين حصلتِ على هذا البيان؟”
“ذهبت مؤخرًا إلى قصر الكونت كوينيارديل، وهناك وجدته مصادفةً وأحضرته.”
“لا يمكن أن يكون سيد العائلة الحالي قد سلّمه لكِ بنفسه، فكيف حصلتِ عليه؟”
سألني كاين وهو يضيّق عينيه ناظرًا إليّ.
صوته البارد ونظرته الحادة لم تكن معتادةً منه. كان من الواضح أن قول الحقيقة سيكون أكثر أمانًا من اختراع الأعذار.
بالطبع مع إضافة بعض الأكاذيب.
“كنت أبحث عن متعلقات الكونت السابق في القصر، وصادفت هذا البيان بالصدفة، فأخذته سرًا..…”
“سرقتِه خفية؟ من قصر كوينيارديل؟”
“نعم، صحيح.”
“هل تطلبين مني أن أصدق هذا الآن؟”
تلألأت عينا كاين بضوءٍ حاد، وفي نفس اللحظة خفت الأجواء المحيطة وكأنها ثقلت.
صار من الصعب عليّ أن أتنفس بسهولة. فتمسكت بالأريكة وأخرجت أنفاسي المتوترة وأنا أحاول السيطرة على نفسي.
حينها، سُمع صوت دانتي المنخفض،
“كيف تجرؤ على بث هذه الطاقة القذرة في غرفتي؟ هل ترغب بالموت؟”
فجأة، كان دانتي واقفًا بالقرب مني ومن كاين، وفوق رأسه كانت تسبح أضواءٌ زرقاء بهدوء.
فرقع بأصابعه، فتبددت الأضواء بسرعة، وعاد الهواء النقي ليملأ الغرفة.
‘بما أنه وصفها بالطاقة القذرة، هل كان كاين ينبعث منه هالة؟ لهذا شعرت بصعوبةٍ في التنفس.’
نظرت خلسةً إلى كاين، فأغمض عينيه بلطف وأخرج نفسًا هادئًا.
ثم استقام وتحدث الى دانتي،
“أعتذر، لم أفكر جيدًا.”
نظر دانتي إلى كاين بحدة، ونقر بلسانه، ثم جلس بجانبي بهدوء. و كان يحمل كتابًا عن تعويذات السحر، فلا يبدو أنه ينوي المشاركة في الحديث.
كاين وأنا أزلنا نظرنا عن دانتي لنلتقي بأنظار بعضنا البعض.
همهم مرتين ثم تابع الحديث،
“…..حسنًا، هذا جانب، ولكن كيف تعرفين إن كان هذا ينتمي للسيد الحالي أم هو ما أعدّه والدكِ قبل وفاته؟ الختم الموجود هنا يعود للكونت كوينيارديل.”
عدم الثقة والشك. كانت هذه المشاعر تعكسها عينا كاين.
لم أشعر بالإهانة أو الانزعاج لأنه من الطبيعي أن يفكر أي شخص هكذا. وعلاوةً على ذلك، لم يكن هناك أي سبب للقلق بشأن أمر جوزيف لأنه واضح.
“الكونت كوينيارديل السابق كان حتى يوم وفاته مخلصًا لصاحب الجلالة الملك. أعتقد أن سموك تعرف هذا أفضل مني. لا يمكن لشخصٍ مثله أن يثور ضد العائلة الملكية.”
في الأصل، لقب الكونت كوينيارديل أُعطي من الملكة بفضل خدماتٍ كبيرة قدمها المؤسس الأول للقب.
الجميع، حتى الكلاب في الشوارع، يعرفون ولاء عائلة كوينيارديل للعائلة الملكية.
لكن، رغم ذلك، يمكن أن تقع ثورة، وكان من الطبيعي أن يشك كاين. لذا كان يجب أن أطمئنه.
“بعد أربعة أيام، سيظهر عمي في زقاق ريدن. سيلتقي هناك مع الثوار سراً، أرسل شخصًا للمراقبة، حينها ستعلم أن كلامي صحيح.”
بينما كنت أنتظر اتصال كاين، لم أكن أتسكع بلا عمل في منزل الدوق هيفن. فقد طلبت من ليزي إرسال أشخاص لمراقبة تحركات جوزيف.
كان جوزيف يلتقي بالثوار بشكلٍ دوري، وأقرب موعد كان بعد أربعة أيام. و المكان كان زقاق ريدن، حيث لا يمر الكثير من الناس، وهو مكان مناسب للتحدث سراً.
كان موقعاً مثالياً للإمساك به.
“بعد أربعة أيام في زقاق ريدن…..هل هذا يعني أنكِ تريدين أن تخبريني أن الآنسة كوينيارديل لا تؤيد تمرد عمها؟”
“حسنًا، نعم. في الأصل، لا أهتم بمن سيكون الملك..…”
توقفت فجأة وأنا أُغلق شفتيّ بسرعة.
ماذا كنت أقول؟ نظرت إلى كاين، فلاحظت أنه كان مرتبكاً قليلاً وعيناه ترفرفان.
‘بالطبع! من الطبيعي أن يشعر بالحرج عندما يسمعكِ من سيصبح الملك وأنت تقولين أنكِ لا تهتمين!’
حاولت أن أنظر إليه بحذر لئلا أجرح مشاعره، لكن…..
“هاهاها!”
انفجر كاين بالضحك دون أن يتمالك نفسه، وعندما التفت إليه، كان يضحك بصوتٍ عالٍ وكأنه لم يكن غاضباً أبداً.
راودتني فكرة أنني قد هلكت، ومع ذلك بدا مظهره كعادته دون اختلاف. وقد كان ذلك مطمئنًا للغاية.
“سـ…..سموّك.…؟”
لم تبدُ على كاين أيّ نيةٍ للتوقف عن الضحك.
ناديتُه بحذر، فظلّ يضحك كما لو كان يتقيأ ضحكًا حتى النهاية. ثم مسح دموع عينيه بأصابعه الطويلة النحيلة وبدأ بالكلام.
“آه، حقًا…..ردود أفعالكِ دومًا تفاجئني.”
“ها؟ نـ….نعم..…”
كيف يفترض بي أن أفهم كلامه هذا؟
هل يقصد به أمراً جيداً؟ لا يعقل أن يكون شتمًا وهو يتكلم بذلك الوجه البريء، أليس كذلك؟
قال كاين ذلك وهو لا يزال يحتفظ بابتسامةٍ مليئة على شفتيه كما هي عادته.
“في الحقيقة، حين قلتِ أنكِ تريدين شيئًا، شعرتُ بخيبة أمل من تلقاء نفسي.”
لأنني لم أفهم ما يقصده، اكتفيت بالنظر إليه، فهزّ كتفيه وتابع كلامه.
“غالبًا ما يكون لدى من يقتربون مني مطلبٌ ما. وأنا أعلم تلك الحقيقة أكثر من أيّ أحد. لكنني تمنيتُ لو كنتِ أنتِ استثناء.”
كان لا يزال يبتسم، لكنها كانت ابتسامةً يملؤها الحزن بشيءٍ من الخفاء. ولم أستطع الرد عليه بأيّ كلمة بسهولة.
“فكّرتُ أنكِ مثلهم، فأثار ذلك استيائي. لذا أطلقتُ الهالة دون وعي مني. وأعتذر عن ذلك. وأعتذر للساحر أيضًا.”
“آه…..لا بأس.”
هززت رأسي بعنف يمينًا ويسارًا ولوّحت بيدي نافية.
و توقفت حين سمعت ضحكةً خافتة كهواء يتسرّب، ونظرت إلى كاين، فكان يبتسم، لكن بخلاف عادته، بدت ابتسامته هذه المرة حزينةً قليلًا.
نظرت بطرف عيني إلى الجانب، فكان دانتي منشغلًا تمامًا في قراءة الكتب، وكأن الأمر لا يعنيه إطلاقًا.
“لكن الآن، لم يعد الأمر مهمًا. لأن كلماتكِ الأخيرة راقت لي كثيرًا.”
كادت جملة: “هل أنتَ مجنون؟” أن تندفع من حنجرتي. لكني كبحتها بكل قوتي، ورفعت زاويتي فمي بابتسامةٍ مصطنعة.
كاين أيضًا ابتسم ابتسامة مشرقة وسأل،
“لقد فهمت أنكِ ترغبين في الإطاحة برئيس عائلة كوينياردل الحالي. وهو أمر ليس بالصعب كثيرًا. فهل يعني ذلك أنني إن ساعدتكِ في هذا، يمكنني الحصول على المنوّم متى أردت؟”
“نعم! بالطبع! الأمر ممكنٌ تمامًا!”
“حسنًا. أولًا علينا التأكد من صدق كلامكِ.”
قال كاين ذلك بلهجةٍ ماكرة، ثم أخذ البيان الذي كان قد ألقاه فوق الطاولة.
“بعد أربعة أيام، في زقاق ريدين. وسأرسل بعد ذلك رسالةً سرية إلى دوقية هيفن.”
وبعد أن أنهى كلامه، نهض كاين من مكانه، فنهضتُ أنا أيضًا بتردد خلفه.
أخذ الرداء المعلّق على الأريكة ولوّح به قبل أن يرتديه. وبعد أن غطّى رأسه بالقبعة أيضًا، بدأ يتحرك.
وقف عند الباب، ثم حيّاني بأدب،
“إذاً، أرجو أن نلتقي مجددًا يا آنسة كوينياردل.”
“عُد إلى القصر سالمًا، سموّك.”
ما إن أُغلق الباب بصوت طَقطقة حتى انهارت قواي تمامًا وسقطت على الأرض.
جمعتُ ركبتيّ وأطلقت زفرةً طويلة.
كان رأسي ينبض بالألم. فالتحدث مع كاين استنزف طاقةً أكثر مما توقعت. و شعرتُ وكأن الزمن قد طال بلا نهاية وأنا أتكلم معه.
دانتي، الذي لم يُعر اهتمامًا حتى الآن، أغلق الكتاب الذي كان يقرأه ووجّه إليّ الحديث.
“ما بكِ؟”
اكتفيت بزفرةٍ أعمق بدلًا من الرد.
وحين لم أنطق بأيّ كلمة، نهض دانتي عن الأريكة ومشى نحوي بخطوات بطيئة. و اقترب مني ونظر إليّ بهدوء، ثم انحنى قليلًا.
“إيرفين.”
ارتجف جسدي حين ناداني بصوته ذاك، فرفعت رأسي. و تلاقت أعيننا.
دانتي كان ينظر إليّ بعينين غريبتين في رقّتهما.
شعرتُ وكأن الزمن قد توقّف. وسكنَ كلّ شيء من حولنا، حتى أنني استطعت سماع صوت احتراق الشموع.
لا أدري كم من الوقت بقينا متشابكي النظرات، حتى نطق دانتي أخيرًا.
“حان وقت العودة إلى المنزل.”
فوجئت بفواقٍ خرج من فمي عند سماعي دانتي يتحدث للمرة الأولى بصيغةٍ غير رسمية. فلطالما استخدم لغة الاحترام حتى في أسوأ حالاته.
هل لأنني صُدمت بشدة؟ قلبي أخذ ينبض بجنون.
نعم، لا بدّ أن السبب هو الصدمة.
أطلقت سبع فواقات متتالية بينما كنت أبحث بعناءٍ في رأسي عن رد مناسب، لكن لم يخطر ببالي أيّ شيء ملائم.
وبينما كنت أكتفي بتحريك عينيّ يميناً ويساراً بجهد، تكلّم دانتي مجددًا.
“طاقتكِ السحرية غير مستقرة، لذا عليكِ أن ترتاحي. سأوصلكِ بنفسي.”
انفجرتُ ضاحكةً من كلامه. هل كان عليه قول ذلك بتلك الجدية؟
وما جعل الموقف أكثر طرافة هو ملامحه التي لا تبدو عليها أيّ معرفة بسبب ضحكي.
بعد أن ضحكتُ ضحكةً طويلة، أحسستُ أن التوتر قد زال عني.
“نعم. أرجوكَ أوصلني.”
***
بعد أربعة أيام، وفي فجر باهت، وصلت رسالةٌ من كاين.
_____________________
وناسه دانتي اخلاقه زاينه 😂
شكله بيوقع ابدر من المتوقع طبيعي اصلا الروايه بس 90 فصل
المهم كاين يجنن تكفى لاتصير طرف ثالث 😘
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 18"