سمعت صوتًا فوق رأسي فرفعت رأسي بسرعة.
كان رجلًا يملك عينين تذكرانني ببحيرةٍ فسيحة وشعرًا ورديًّا ناعمًا كغزل البنات. و بطرفي عينين مائلتين وابتسامة مشرقة…..
“سموك..…؟”
ماذا يفعل هنا؟
تفاجأت متأخرةً وتحدثت إليه بسرعة.
“مـ-ماذا تفعل هنا؟ لا، كيف دخلتَ؟ لا، هل يُسمح لك بالبقاء هنا أصلًا؟ لم أُعرف بقدومكَ!”
كان كاين ينظر إليّ مبتسمًا بينما أنا أرتبك وأثرثر. ثم انحنى قليلًا وهمس بصوت خافت.
“جئت سرًّا.”
“…..عفوًا؟”
لم أجد ما أقوله. لقد تحدث بثقةٍ بالغة فلم أستطع سوى التحديق فيه بذهول.
استمر كاين في الحديث بوجهٍ مبتسم كأن الأمر عادي تمامًا.
“أرسلت رسالةً لأتحدث معكِ بشأن الدواء، لكن قيل لي أن حالتكِ الصحية لا تسمح بلقائي. لذا، جئتُ سرًّا.”
تسلل إلى قصر الدوق هايفن المليء بالفرسان فقط من أجل مقابلتي؟ وهو ولي العهد؟
الوضع لا يُعقل…..لكن، كم مرة فعل أموراً كهذه؟
فكرت أن أبدأ بحل الأسئلة التي يمكن حلّها أولًا.
“أنا لستُ على ما يرام؟ من قال ذلك؟”
“السيد هايفن.”
شعرت وكأن أحدهم ضربني على رأسي، فتجمُدت في مكاني.
لماذا كذب إيدن وقال أنني مريضة؟ بل وكذب على ولي العهد؟
حتى تصرفه في المطعم قبل قليل كان غريبًا، ومع تراكم الأمور المعقدة بات رأسي في فوضى.
لكن أكثر ما آلم رأسي هو كاين، الذي كان يقف أمامي بوجهٍ مشرق وكأن شيئًا لم يحدث.
لحسن الحظ أننا كنا في ممر قليل الحركة، وإلا لو رآنا أحد، لأبلغ فورًا الدوق هايفن أو إيدن بوجود ولي العهد في القصر. وكانت المشكلة ستتضخم فورًا.
بينما كنت أفكر في كيفية بدء الحديث، بادر كاين بالكلام.
“لكن يبدو أن حديثه لم يكن صادقًا. أرى أنكِ تبدين أفضل صحةً مما كنتِ عليه في المرة السابقة.”
“…..السيد هايفن لم يكذب على سموك عمدًا.”
“إذًا؟”
“أنا أصلًا ضعيفة البنية، والسيد هايفن يقلق كثيرًا، ولا يحب أن أخرج من القصر كثيرًا.”
ضيّق كاين عينيه وأطلق صوتًا خافتًا “هممم…” وكأنه يفكر.
كانت نبرته تحمل طيفًا من الدلال، فقاطعته قبل أن يتكلم.
“قلتَ أن لديك ما تقوله لي، أليس كذلك؟ إذا كانت محادثتنا ستطول، فمن الأفضل أن نذهب إلى غرفتي. وإن مرّ أحد..…”
“أينما ذهبنا، سيبقى قلبكِ غير مطمئنٍ على أي حال. ما رأيكِ أن نلتقي مجددًا في برج السحر، حين تتقاطع ساعة القمر مع برج الساعة، كما في المرة الماضية؟”
ما الذي يسعده إلى هذا الحد؟
تنهدت بعمقٍ وأنا أنظر إلى كاين الذي كان يبتسم ببراءة تامة.
بما أن اقتراحه كان الأفضل، أومأت برأسي وأجبت.
“حسنًا، أظن أن هذا سيكون الخيار الأكثر أمانًا.”
“إذًا، سأنتظر لقاءكِ الليلة.”
“نعم. لكن، كيف ستخرج من هنا؟”
كنت أتساءل في داخلي منذ قليل كيف دخل من الأساس.
ابتسم كاين ابتسامةً خفيفة ثم خطا باتجاه النافذة. و أمسك بإطارها وقفز عليه بخفة.
“سـ-سموك؟”
ارتبكت، فظهر التوتر في صوتي. بينمن لوّح لي كاين وهو يبتسم ويردُّ على سؤالي متأخراً،
“هكذا؟”
وفجأة، تدفقت أشعة شمس الربيع الدافئة من خلفه.
رفعت يدي لا إراديًا لأحجب الشمس عن عيني. و عقدت حاجبيّ ونظرت مجددًا نحو النافذة، لكن لم يكن هناك أحد.
كما لو أنه لم يكن موجودًا من البداية، لم يبقَ سوى الستائر تتمايل في مهب الريح.
“ما هذا.…!”
كدت أصرخ، فغطيت فمي بسرعة. و أسرعت إلى النافذة لأتأكد، لكن لم يكن هناك أي أثر يدل على وجود شخص.
عندها، تذكرت أول مرة التقيت فيها بكاين.
ظلّت صورة ظهره وهو يختفي بهدوء من خلال النافذة الصغيرة لعربة الخيل، حتى سلاحه الذي أخذه معه، عالقةً في ذهني كأثر باقٍ.
“أليس من الأنسب له أن يكون قاتلًا مأجورًا بدلًا من ولي عهد؟”
ضحكت بمرارة وتوجهت إلى غرفتي.
لم يكن لدي وقت لأضيعه. إن كنت سأقابل كاين الليلة وأتحدث معه عن أشياء كثيرة، فعليّ أن أستعد.
وكان أول ما يجب علي فعله أمرًا واحدًا فقط.
أسرعت بالعودة إلى الغرفة وأخرجت صندوقًا صغيرًا كنت قد خبأته في درجٍ أسفل رف الكتب.
فتحت الصندوق بحذر، فظهرت لي رُزمٌ من الورق مربوطةٌ بشريط أنيق.
‘تلقيتها من دانتي، لكن لم أستخدمها من قبل.’
أخرجت ورقةً واحدة منها وأمسكت بها بحذر.
كانت هذه أداة سحرية لاستدعاء دانتي في حال حدث شيء أو إن لم أتمكن من التحكم في سحري.
بمجرد نفخ كميةٍ بسيطة من الطاقة السحرية فيها، تتحول إلى طائر وتتجه مباشرةً إلى دانتي.
‘إنها مجرد ورقة.….لماذا أرتجف هكذا؟’
ربما لأنها المرة الأولى التي أستخدم فيها سحرًا في غياب دانتي، لذا كانت يدي المرتجفة تمسك الورقة بخفة.
أغمضت عيني ببطء وأخذت نفسًا عميقًا لأهدّئ توتري.
كلما استنشقت من أنفي وزفرت من فمي، تسللت نسائم الربيع الباردة التي لم تفقد برودتها بعد إلى أعماق صدري.
“حسنًا…..هذا جيد.”
وما إن بدأت أتأقلم مع خفقان قلبي المتسارع، فتحت عيني المغمضتين، ورفعت الورقة بكلتا يديّ.
ثم كما علّمني دانتي، بدأت بتفعيل الطاقة السحرية. دون عجلة، بهدوء. وبحذرٍ شديد كي لا تنكسر.
حين جمعت طاقتي السحرية في راحة يدي، بدأ الضوء يتسرب من الأداة السحرية. وسرعان ما ارتفعت الورقة في الهواء، ثم بدأت تطوي نفسها مرارًا وتكرارًا حتى تحولت إلى طائرٍ صغير يطير في الفراغ.
“واو! نجحت!”
تبعت الطائر بعينيّ وهو يسبح في أرجاء الغرفة.
وبعد أن دار طويلًا في الهواء، بدأ يصطدم بزجاج الشرفة الكبير بجسده الصغير.
خشيت أن يُفسد السحر، فأسرعت إلى فتح النافذة له، فانطلق يرفرف بجِدّ في اتجاه برج السحر.
وحين تأكدت من اختفائه تمامًا، ألقيت بجسدي على السرير.
‘ما زال الوقت قبل الظهر، فلماذا أنا مرهقة إلى هذا الحد..…؟’
شعرت بالنسيم الناعم يتسلل من الشرفة المفتوحة ويداعب وجنتي، ومعه انسابت جفوني إلى نومٍ خفيف.
***
في ليلةٍ بدأ فيها القمر يعلو في السماء. كنت قد وصلت إلى برج السحر مسبقًا باستخدام تعويذة الاستدعاء التي أرسلها دانتي.
وفي المختبر، كنا أنا ودانتي وحدنا بعد زمنٍ طويل. فكايدن، الذي كان لا يفارقنا عادةً ويثرثر دائمًا، غادر البرج مؤقتًا لبعض الأشغال.
ولا يزال هناك متسعٌ من الوقت قبل موعد وصول كاين.
كان دانتي كالعادة منشغلًا بشيءٍ ما أمام طاولة الأبحاث. ولأنني لم أجد شيئًا أفعله، اتكأت على الأريكة وأغمضت عينيّ.
‘مع أنني نمت قليلًا في النهار…..إلا أنني أشعر بالنعاس مجددًا.’
وبينما كنت أقاوم النعاس الذي بدأ يخدر عقلي، سمعت صوتًا.
هل هو صوت الستائر تتمايل؟ أم صوت الورق يرفرف؟
فتحت عيني بحذر مدفوعةً بفضولٍ كان يكبر شيئًا فشيئًا. وما رأيته كان الطائر الورقي السحري الذي أرسلته صباحًا إلى دانتي.
كنت أحدّق فيه بشرود وهو يحلق بهدوء، حتى قاطعني دانتي بالكلام.
“بالنسبة للسحرة الآخرين، الطاقة السحر التي وضعوها داخل الطيور الورقية كانت لتنفد منذ زمن.”
رغم نبرته الفاترة، بدا صوته يحمل الكثير من الاهتمام.
استدار دانتي إليّ ونظر نحوي.
“لأنه سحرٌ قديم، صحيح؟”
“هذا أحد الأسباب، على الأرجح.”
“وهل هناك سببٌ آخر؟”
“لأنكِ غير متمرسة، ولعلك نفخت فيها طاقةً سحرية أكثر من اللازم.”
هل كان عليه أن يؤكد على أنني “غير متمرسة” بهذه الطريقة؟!
اجتاحتني لحظةٌ من الإحراج فبدأت أحكّ خدي.
ولم يمضِ وقت طويل حتى فقد الطائر الورقي طاقته وسقط على الأرض بخفة.
“يبدو أنه أنهى طاقته السحرية الآن فقط.”
رفع دانتي الأداة السحرية كما لو كان بانتظار ذلك، ووضعها في قنينةٍ زجاجية صغيرة.
لا أعلم لماذا، لكن بدا أن زاوية شفتيه ارتفعت بخفة.
في تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب، وتبع ذلك صوت رجل من الخارج.
“السيد دانتي، لديكَ زائر.”
كانت نفس الحالة التي حدثت في المرة السابقة.
في موقفٍ لا يحتاج حتى إلى السؤال عن هوية الزائر، قال دانتي دون أن يمنحه حتى نظرة،
“حسناً.”
وفُتح الباب، ودخل رجلٌ يرتدي قبعة بغطاء رأس ومعه ساحر. و ما إن دلّه الساحر إلى الداخل، حتى غادر الغرفة على الفور.
وبمجرد أن أُغلِق الباب خلفه، خلع الرجل عباءته. وانسدل شعره الوردي الكثيف الذي كان مخفيًا تحت الغطاء بخفةٍ كأن النسيم قد نثره.
طوى عباءته بشكل عشوائي وعلّقها على ظهر الأريكة، ثم تحدث بنبرةٍ مرحة،
“تأخرت قليلًا، أليس كذلك؟ يا إلهي، الحراسة اليوم كانت مشددةً جدًا. تعبت وأنا أُبعد الأنظار عني.”
وقبل أن يُكمل حديثه، أطلق دانتي صوتًا حادًا من الامتعاض وهو ينقر بلسانه.
كان من المؤكد أن كاين سمعه، لكنه لم يُظهر أي انزعاج، بل ظل يبتسم بهدوءٍ كما لو أن شيئًا لم يكن.
ولكي لا يتعكر الجو أكثر، سارعت بالحديث،
“لا بد أنكَ تعبت من الطريق! تفضل، اجلس هنا.”
“شكرًا لكِ، يا آنسة.”
جلس كاين على الأريكة وهو يُبدي الاحترام، ثم تحدثت إليع بنبرةٍ مفعمة بالحيوية،
“هل تودّ ببعض الشاي…..مثلًا؟”
“شكرًا، لكن سأعتذر. في الليل، أحاول ألا آكل أو أشرب شيئًا قدر الإمكان.”
“آه..…”
هل كان ذلك بسبب الأرق الذي كان يُعانيه منذ طفولته؟
ربما شعر أنني شعرت بالذنب، فابتسم كاين فجأةً وضحك بخفة.
“في المرة القادمة، سيكون من الأفضل أن نشرب الشاي معًا خلال النهار. فأنا أرغب بذلك أيضًا.”
أومأت له برأسي موافقة.
ومع ابتسامة رقيقة، تابع حديثه بسلاسة،
“المنوّم الذي حصلت عليه في ذلك اليوم…..كان فعّالًا بشكلٍ مذهل. لقد اختبرت بنفسي عظمة القوة السحرية القديمة.”
“يسعدني أنه كان فعّالًا.”
“لذلك…..هل سيكون بإمكاني الحصول على هذا الدواء بشكلٍ دوري؟ سأدفع أي مبلغٍ تطلبينه.”
“بالطبع. لكن..…”
“لكن؟”
مال كاين برأسه مستفسرًا عندما تركتُ جملتي معلّقة.
و ابتسمت له وأجبته،
“بدلًا من المال، أريدكَ أن تحقق لي شيئًا أريده.”
ثم أخرجت البيان الذي كنت قد أحضرته من قصر الكونت كوينيارديل وناولته إيّاه.
___________________
وقت الفضايح✨
شف ايدن الزفت كذب على ولي العهد عشان وش؟ مهووس مجنون احد يضربه في راسه تكفون
ابي اعرف وش العلاقه بين دانتي وكاين بسرعه 😂
يضحك دانتي مايجامل ابد
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 17"