ساد الصمت في المكان إثر كلمات دانتي الجادة.
و فيما لم يجرؤ أحد على فتح فمه، كان أول من تحدث هو كاين.
نظر إلى الساعة التي أخرجها من جيبه وابتسم بخفة.
“لقد مضى الوقت سريعاً على ما يبدو. ربما بدأ أحدهم يلاحظ غيابي الآن.”
“أفي هذا الوقت المتأخر خرجت من دون أي حارس؟”
أمال كاين رأسه قليلاً مبتسماً، وكأنه يقول: “أهذا ما تودين قوله لي؟”
أحسست بوخز داخلي وأجبت متلعثمةً كمن تحدث نفسها.
“همم….ربما…..قد يكون كذلك.…”
ضحك كاين وهو يبتسم ابتسامةً واسعة كشفت عن أسنانه الناصعة.
“وكيف تنوين العودة، ليدي كوينياردل؟ المسافة إلى قصر الدوق هايفن ليست قصيرة.”
“لدي طريقتي الخاصة. وماذا عنك، سموّك؟”
“أنا أيضاً لدي طريقتي.”
ظل كاين يبتسم باستمرار.
كنت أظنه أكثر جديةً عندما قرأت عنه في الرواية. و بالفعل، لا يُعرف الإنسان إلا بالتجربة.
تحدثت وأنا أُبعد عن ذهني تلك الأفكار غير المجدية.
“إذاً من الأفضل أن نودع بعضنا هنا.”
“صحيح. لقد استمتعت هذا اليوم. فلتعودي بسلام، وآمل أن نلتقي قريباً.”
انحنى كاين مؤدباً مودعاً، ثم بدأ يسير مبتعداً.
حتى لحظة خروجه من الباب بنفسه، كنت الوحيدة التي تحركت لتحيته أو توديعه.
وما إن سُمِع صوت الباب وهو يُغلق بقوة، حتى زمجر دانتي وهو ينقر بلسانه بضيق، وفتح كايدن فمه متحدثاً.
“الملكيون دائماً مزعجون! (آمل أن نلتقي مجدداً~)، يالها من نكتةٍ سخيفة!”
نفخ كايدن أنفه بسخرية مراراً، مقلداً تصرفات كاين بطريقةٍ هزلية.
لم تكن هناك مشكلة حقيقية في كلام أو تصرفات كاين، لكن مشاعر كايدن الشخصية كانت واضحةً تماماً في تصرفه.
تركت كايدن خلفي، واتجهت نحو دانتي.
كان يقف مجدداً أمام طاولة التجارب، فاقتربت منه وحدثته.
“سيد ساحر، شكراً لكَ.”
نظر إليّ وكأنه لا يفهم السبب.
شعرت بالحرج فحككت وجهي وأكملت الحديث.
“أقصد، عندما سأل ولي العهد عن مصدر السحر القديم، وقلتَ أنكَ من قام به…..في الحقيقة، كنت في موقفٍ محرج وقتها.”
لم أكن أرغب في أن يعرف أحد أنني أملك قوى سحرية، على الأقل ليس الآن، قبل أن أبتعد تماماً عن إيدن هايفن.
كما أن شفقة الآخرين عليّ من تلقاء أنفسهم لم تكن تعجبني كثيراً.
لكن بما أنه ولي العهد، لم أستطع الكذب عليه، وكنت في ورطة…..لولا تدخل دانتي، لما كنت أعلم كيف أتصرف.
“أنا حقاً ممتنةٌ لكَ.”
لذا، كانت هذه الكلمات نابعةً من صميم قلبي.
“لكن، كيف عرفت أنني كنت في ورطة؟ ولماذا قلت أنكَ من استخدم السحر؟”
كان دانتي يعبث بأدوات التجارب وكأنه لا يصغي تماماً، ثم فتح فمه أخيراً.
“لأنني..…”
وضع القارورة التي كان يمسك بها على طاولة التجارب، ثم التفت نحوي.
“لأنني لم أحب فكرة أنه مهتمٌ بكِ.”
ارتجف جسدي لا إرادياً تحت نظراته الجادة التي صوبها نحوي من أعلى.
و ترك في نفسي أثراً يدعو لسوء الفهم، ثم مشى بهدوء نحو رفوف الكتب وكأن شيئاً لم يكن.
أما أنا، فاكتفيت بالتحديق بشرود في ظهره وهو يبتعد، زافرةً أنفاسي بخفة.
‘ما هذا؟ ما الذي يُفترض أن تعنيه تلك الكلمات؟!’
***
مرّت بعد ذلك ثلاثة أيام. ولم يصلني أي خبرٍ من كاين حتى الآن.
في تلك الأثناء، تعلمت السحر من دانتي. والآن صرت قادرةً على التحكم بالطاقة السحرية بنفسي إلى حدّ ما.
و ربما لأني استخدمت القليل من طاقتي، فقد تحسّن جسدي بشكلٍ ملحوظ. رغم أن صداعاً خفيفاً كان لا يزال موجوداً، إلا أن ذلك لم يكن مهماً.
لقد كان تطوراً هائلاً.
لكن رغم ذلك، لم أستطع كبح زفرات التنهد التي كانت تخرج مني بلا وعي.
“هاه..…”
عندها مال إيدن، الذي كان يجلس معي في قاعة الطعام، برأسه مستفسراً.
“هل هناك ما يشغل بالكِ؟”
“هم؟ لا، لا شيء إطلاقاً.”
“لكن من الواضح أنكِ تتنهدين منذ قليل.”
“حقاً؟ فعلتُ ذلك؟”
“منذ جلوسكِ هنا، تنهدتِ خمس مرات. هل هناك ما يشغل بالكِ؟ أم أنك مريضةٌ مجدداً؟”
كانت عينا إيدن مليئتين بالقلق، وحاجباه ينعقدان بانزعاج.
لا عجب، فهو بطل الرواية النبيل الطيب كما هو دائماً.
“أنا بخيرٍ حقاً. لا أفكر في شيء، والغريب أنني لم أعد أشعر بأي ألم في الأيام الأخيرة.”
“حقاً؟ إذاً هذا يبعث على الارتياح..…”
ابتسمت له بتكلف كي لا يقلق أكثر، ثم التقطت قطعةً من السلطة ووضعتها في فمي.
كان قوام الخضار المقرمش يملأ فمي بإحساس منعش. و في تلك اللحظة، سمعت صوت إيدن يتمتم بصوت خافت وهو يعبث بطبق طعامه بالشوكة.
“….هذا مستحيل…..”
لكن صوته كان خافتاً جداً وكأنه يكلم نفسه، فلم أسمع ما قاله بوضوح.
عادةً كنت لأتجاهله، لكن ملامح وجهه الجامدة على غير عادته منعتني من ذلك. لا، شعرت أنه لا ينبغي أن أتجاهل الأمر.
أخفيت قلبي الذي بدأ ينبض دون سبب واضح، وخاطبته بنبرة هادئة.
“عذراً…..لم أسمع جيداً، ماذا قلتَ للتو؟”
أنزل إيدن الشوكة من يده. ثم ابتسم تلك الابتسامة المنعشة التي تريح الناظر إليها،
“لا، لا شيء. فقط تذكرت فجأةً أن لدي شيئاً عليّ إنجازه. آسفٌ لأنني جعلتكِ تقلقين يا إيرفين.”
ربما كان ذهنه مشغولاً بسبب كثرة المهام الملقاة على عاتقه كوريثٍ لدوقية كبيرة.
وبينما شعرت تجاهه بشيء من الشفقة، سألني،
“إيرفين، بخصوص ما قلتِه قبل قليل…..عن أنكِ لم تعودي تشعرين بالمرض هذه الأيام. هل هذا صحيح؟”
“نعم! باستثناء بعض نوبات الصداع من حينٍ لآخر، أشعر أنني بخير تماماً هذه الأيام. ربما لن أفقد وعيي مجدداً!”
“حقاً..…؟”
مال إيدن برأسه قليلاً، وقطب حاجبيه بتفكير.
ثم ظل صامتاً لبرهة وكأنه غارق في أفكاره، و نظر إليّ مباشرة.
“منذ متى تحديداً بدأ شعوركِ بالتحسن؟”
“آه؟ حسناً، أعتقد…..منذ ثلاثة أيام تقريباً؟”
“ثلاثة أيام، إذاً. ليس وقتاً طويلاً. هل يمكن أن تتحسن حالتكِ فجأةً هكذا؟”
لم يتوقف إيدن عن طرح الأسئلة.
“ومتى تصيبكِ نوبات الصداع؟ هل تشعرين بها فجأة؟”
“نعم…..تقريباً هكذا.”
“كنتِ سابقاً تجدين صعوبةً حتى في الجلوس أو التنفس براحة. هل طرأ أي تغيير منذ ذلك الحين؟ لم أسمع أن الطبيب غيّر دواءك.”
“لا أعلم، في الحقيقة…..حتى أنا لا أفهم تماماً.”
“هكذا إذاً..…على أي حال، هذا مطمئن. لقد كنت قلقاً جداً عليكِ. أنا سعيدٌ جداً من أجلكِ، إيرفين.”
لكن…..لا أعلم لماذا، راودني شعور غريب، غير مريح.
كان من الواضح أنه قلق عليّ، ومع ذلك…..شعرت وكأنه يجد تحسّني في الصحة أمراً غريباً.
‘ما هذا الذي أفكر فيه؟ إيدن هايفن ليس من هذا النوع. لا بد أنه فقط يقلق عليّ كثيراً، لا أكثر.’
خرجت مني ضحكةٌ خفيفة كنسمة هادئة تسللت بين شفتي. و هززت رأسي برفق، ثم شربت رشفةً من الماء في كأس الكريستال أمامي.
“كل الفضل يعود لك، ولسيادة الدوق، ولسيدتي الدوقة أيضاً. إن تحسنت حالتي أكثر، قد أتمكن أخيراً من الخروج من القصر.”
طخ-!
وضع إيدن الشوكة بقوة على الطاولة، فارتجفتُ بشدة من المفاجأة.
“أوه…..أفزعتني.”
“آسف…..هل أخفتكِ؟ لقد انزلقت من يدي.”
كان واضحاً أنه مرتبك، فمرر يده في شعره وتنهد بعمق.
ثم أمسك بكأس الكريستال مجدداً وشرب الماء بسرعة كما لو كان يحاول تهدئة غضبه.
“إيرفين.”
“نعم؟”
كان صوته بارداً ومنخفضاً. فلم أستطع الحراك، وكأنني أصبت بعطل مفاجئ من شدة غرابة الموقف.
وضع الكأس على الطاولة بصوت خافت، ثم تحدث إليّ،
“لقد أنهينا الحديث عن هذا الأمر في المرة السابقة، أليس كذلك؟”
“نعم…..فعلنا.”
“أنا فقط قلِقٌ عليكِ. حتى لو خرجتِ للعيش في الخارج، كيف لفتاةٍ عاشت طوال حياتها بين قصر الكونت كوينياردل وقصر الدوق هايفن أن تعيش لوحدها؟”
لكنني لم أكن قلقة، فقد عشت حيواتٍ أقسى من هذه في حياتي السابقة. بل إنني وجدت العيش بمفردي أكثر راحة.
ومع ذلك، بدا أن إيدن يقلق على راحتي أكثر بكثير مما كنت أظن.
شعرت بالامتنان لتلك المشاعر، لكن في نفس الوقت، شعرت بنوعٍ من الضيق. فأنا سأغادر هذا المكان عاجلاً أم آجلاً، وربما حان وقت البدء في الاستعداد لذلك.
وبعد قليل من التردد، فكرت أنه من الأفضل أن أناقش الأمر مع إيدن.
“إيدن، أريد أن أقول لكَ شيئاً..…”
‘لا أظن أنني سأبقى هنا إلى الأبد. أريد أن أشتري بيتاً صغيراً في الريف بما ادخرته من المال، وأعيش حياةً بسيطة. شكراً لأنكَ تقلق من أجلي…..’
كنت أتمتم بالكلمات في ذهني استعداداً لنطقها، لكن في اللحظة التي هممت فيها بالكلام، التقت عيني بعينيه.
كان إيدن يبتسم بلطف، بانحناءة خفيفة في زاوية عينيه، فاختنقت الكلمات في حلقي.
‘هناك شيء…..غريب. هذا ليس إيدن الذي أعرفه تماماً…..’
وبينما بقي فمي مفتوحاً دون أن أنطق بشيء، بادرني إيدن،
“ما الأمر، إيرفين؟”
ثم مدّ يده بهدوء، وبلطف بالغ أعاد خصلةً من شعري إلى مكانها، بنبرةٍ دافئة وحنونة تختلف عن صوته البارد قبل لحظات. و لم يكن مختلفاً عن إيدن المعتاد.
‘أنا أيضاً…..ما الذي أفكر فيه؟ إيدن هايفن هو ببساطة…..إيدن هايفن.’
ابتسمت لإيدن بهدوء وهززت رأسي.
نعم، ربما في المرة القادمة. ليس هناك ما يضر أن أنتظر حتى يأتي الاتصال من كاين وتتطور الأحداث.
“سأقوم الآن. أشعر ببعض التعب لأنني استيقظت مبكراً.”
“حقاً؟ من الأفضل أن تذهبي للراحة. هل أرافقكِ إلى غرفتكِ؟”
“لا، لا داعي، أستطيع الذهاب وحدي. سأذهب الآن.”
“حسناً. استريحي جيداً اليوم في القصر.”
ابتسمت لإيدن ابتسامةً خفيفة ثم خرجت من غرفة الطعام.
مشيتُ في الممرات الكبيرة والواسعة للقصر وأنا غارقةٌ في أفكاري.
‘ماذا كان ذلك الموقف مع إيدن قبل قليل؟ كان متوتراً جداً. هل هناك شيءٌ يقلقه؟ لا زالت الأحداث الأصلية للكتاب ستتطور بعد عدة أشهر، لذلك لا أعرف ماذا يحدث في هذا الوقت بالضبط…..’
البطل إيدن وبطلتنا سيجتمعان في مهرجان الصيف بعد ثلاثة أشهر.
ونظراً لأن الرواية كانت من وجهة نظر البطلة، وبما أن شخصية إيدن وصفت بأنه هادئ وجيد القلب لكنه كان يعاني من ثقل المسؤوليات كخليفة للدوق، فمن الصعب معرفة حالته النفسية الحالية.
“ليس حتى صديقاً حقيقياً..…”
حدقت إلى الأرض وأنا أتحدث مع نفسي بصوت منخفض، وأنا أمشي بلا هدف.
و فجأة، رأيت قدم شخصٍ يقف أمامي مباشرة. وقبل أن أرفع رأسي، سمعت صوتاً من فوقي.
“صباح الخير، يا آنسة كوينياردل.”
كان صوتاً مألوفاً وقوياً.
_____________________
من ذاه بعد
دانتي طلعت غيرته من الحين ! هاهاهاهاهااهاععاههاهاهاهاها
وايدن الزفت ذاه شقومه؟ كأنه يدري ليه ايرفين تعبانه او كأنه يدري انها المفروض تقعد تعبانه وتفطس
يقهر كأنه بعد يتعمد يسوي نفسه حبيب عندها عشان تحبه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 16"