“كح، كح…..!”
اندهش كايدن، الذي كان يحدق نحوي بعينين حادتين، وأخذ يسعل بشدة.
حقًا، حتى أنا تفاجأت، فكيف هو، وهو ساحرٌ فعلي!
نظرت سريعًا نحو منضدة الأبحاث لأراقب رد فعل دانتي، لكنه كان يتصفح الكتب وكأن شيئًا لم يحدث.
‘كيف خطرت لن فكرة القدوم إلى هنا بنفسه؟ وفوق ذلك، الشخص الذي التقيته من قبل كان كاين؟’
كان ينبغي أن ألاحظ منذ أن رأيتُ لون شعره وعينيه اللتين تشبهان لون البحيرة. إنها نفس أوصاف ولي العهد في الرواية الأصلية!
ابتسم كاين ابتسامةً مشرقة وجلس مجددًا في مكانه.
“إذًا، هل نتابع حديثنا من جديد؟”
كيف لي أن أصف هذا الوضع الآن؟
كأنها مقابلةُ عمل مهمة على وشك أن أتأخر عنها، وفي طريقي أصادف عجوزًا منهارًا على الطريق، لكنه يتضح لاحقًا أنه رئيس الشركة نفسه!
لكنني بدلًا من مساعدته، نهرته وطلبت منه أن يبتعد عن طريقي!
“هل تنوين البقاء واقفةً هكذا؟”
بينما أنظر إلى كاين الذي لم يتوقف عن الابتسام، شعرت بدوار.
تنهدت تنهيدةً خفيفة بالكاد تُسمع، وجلست في المقعد المقابل له.
بعد أن انكشفت هويته، أصبح من المستحيل إخفاء تلك الهالة الطبيعية من الثراء والغرور التي تفوح منه.
نظرت إلى كاين الذي كان مستندًا إلى الأريكة يحدق بي،
“هل يمكنني أن أطرح عليكَ سؤالًا واحدًا فقط؟”
“تفضلي.”
“لم يكن من الضروري أن تكشف عن هويتكَ، فلماذا فعلت ذلك يا صاحب السمو؟”
ارتجف طرف شفتي كاين الذي كان يظهر ابتسامةً هادئة ومسترخية، لكنه سرعان ما عاد ليبتسم وكأن شيئًا لم يحدث و ردّ بنبرةٍ مرحة،
“فقط أردت أن أتحقق من شيء.”
“نعم؟ التحقق من ماذا؟”
“ثم إن ذاك الشخص لا بد أنه قد أدرك الأمر بالفعل منذ البداية.”
أجاب وهو يشير إلى دانتي.
أليس هذا تهربًا واضحًا من سؤالي؟ وهل كانا يعرفان بعضهما من قبل؟
حتى كايدن، الذي كان يتبع دانتي بإخلاص، بدا أنه لم يكن يعلم شيئًا، إذ أسقط الكتاب من يده على الأرض.
“هل تعرفان بعضكما، يا صاحب السمو والسيد الساحر؟”
“أم…..ليس معرفةً مباشرة به، بل لدي بعض المعرفة بشخص مهمٍ بالنسبة له..…”
طاااخ-!
فجأة، طار أحد أدوات التجارب نحو رأس كاين أثناء حديثنا، لكنه التقطه بسرعة قبل أن يصيبه، ولو تأخر للحظة، لحدثت كارثة.
بل ربما هي كارثة فعلًا؟ أليس هذا محاولة اغتيال لولي العهد؟ أليست هذه خيانة؟
بدأت أشعر بتيبس في مؤخرة عنقي.
“إنه شخصٌ خجول للغاية، على ما يبدو.”
لكن كاين لم يبدُ عليه أي تأثر، بل بدا مستمتعًا بما يحدث.
صحيح. طالما أن المعني بالأمر لا يمانع، فماذا يمكنني أن أفعل؟ لن أشغل بالي.
وضع أداة التجربة التي تلقاها على الطاولة، ثم مال بجسده إلى الأمام وفتح فمه متحدثًا،
“لنعد إلى صلب الموضوع، سبب مجيئي إلى هنا.”
توجهت نظرات كاين نحوي، وعيناه الزرقاوان كانتا عميقتين وهادئتين، لكن حادتين كما لو كان يختبرني.
لم أتراجع، بل وكأنني كنت بانتظاره، ناولتُه الصندوق الموضوع بجانبي. ثم فتحت الغطاء باتجاهه ببطء. و كان هناك سائلٌ أخضر يهتز داخل القارورة.
“هل هذا هو؟ شكله مختلف قليلًا عن الأنواع التي رأيتها من قبل.”
“نعم. هذا الدواء مصنوع من السحر القديم ونادرة. سيكون أكثر فاعلية بكثير من الأدوية التي تناولها سموّك سابقًا.”
“هوه. هذا غريبٌ فعلًا. لم أسمع من قبل عن جرعةٍ سحرية مصنوعة بالسحر القديم قديمة.”
أخذ كاين المهدئ من يدي ونظر داخله بتمعن، معبرًا عن إعجابه.
وبعد لحظات، وضع القارورة على الطاولة بصوت خافت وسألني،
“إذًا، ما الذي تريدينه مني مقابل نشر تلك الشائعات حول المهدئ؟”
كما هو متوقع من ولي عهد اعتاد منذ صغره التعامل مع العديد من النبلاء، كان حدسه قويًا.
لذلك لم يسعفني لساني بالكلام. لو كان أحد مساعديه المقرّبين موجودًا هنا، لكان الأمر أسهل بكثير.
لكن لا بأس، ما دام الوضع وصل إلى هذه المرحلة، سأتصرف بطريقتي.
“ما أريده من سموّك هو.…”
كان كاين يحدق بي دون أن يرمش، وكأنه نسي كيف يفعل ذلك.
“فلتذهب إلى القصر أولًا وتجرب المهدئ بنفسكَ. وإن وجدته جيدًا، عد إليّ مجددًا! سأخبركَ وقتها بما أريده.”
ابتسمتُ في وجه كاين بأقصى قدر من اللطافة كي أبدو غير مؤذية.
حتى بعد أن أنهيت كلامي، بقي يحدق بي دون أن يتحرك، ثم فجأة بدأ طرف شفتيه بالارتعاش قبل أن ينفجر ضاحكًا بصوت عالٍ.
كان تمامًا كما كان في المرة السابقة داخل العربة.
لا أدري ما الذي وجده مضحكًا إلى هذا الحد، لكنه كان ينحني ويضرب الأريكة بيده ضاحكًا بشكلٍ مبالغ فيه.
وبعد وقت طويلٍ من الضحك، بدأ يتنفس بصعوبة وابتسم وهو يضحك بخفة،
“جيّد. يبدو أنكِ واثقةٌ من نفسكِ
؟”
“بالطبع. وإلا، هل كنت لأجعل سموّك يتكبد عناء المجيء إلى هنا؟”
“إذًا هذا الشيء مدهشٌ إلى هذه الدرجة؟”
“أعتقد أن سموّك ستشعر بذلك بنفسكَ. هذا شيء مختلف تمامًا!”
رغم أنني لم أتناوله شخصيًا، فلا أعلم حقًا.
رفع كاين زجاجة المهدئ من جديد وتأملها باهتمام. ومع كل حركة من يده، كانت محتويات الزجاجة تتمايل وتلمع تحت ضوء المصباح.
“لكن، ما هو بالتحديد هذه السحر القديم؟”
سأل وهو يميل برأسه باستغراب.
“أنا لا أجيد سوى استخدام السيف، لم أكن أبدًا جيدًا في السحر.”
حتى في الرواية الأصلية، كان يُعرف بأنه عبقريٌ في فنون السيف.
لقد وصل إلى مستوى سيد السيف في سن صغيرة، وحتى الدوق هايفن، المعروف ببرودة أحكامه تجاه ابنه، لم يتردد في مديحه كموهبةٍ نادرة.
بشخصية كهذه، كنت أتوقع منه أن يتفاخر بقدراته، لكن تواضعه كان غريبًا فعلًا.
أمير ويتّسم بالتواضع أيضًا، يا للعجب.
“السحر القديم، ببساطة…..يمكن تشبيهه بالقوة البدائية الأولى. الطاقة السحرية التي نعرفها اليوم ما هي إلا تفرعٌ أو نسخة متدهورة منها. مع مرور الزمن وانتقالها من شخصٍ لآخر، تغيرت وتحرفت شيئًا فشيئًا..…”
هذا ما قرأته في الكتاب الذي أعطاني إياه دانتي.
نظرت نحوه من طرف عيني، فرأيته يتحرك قليلاً وكأن الحديث عن السحر جعله يشعر بالحكة في كامل جسده.
آه، يا إلهي…..يبدو أنه يود التدخل في الحديث.
“هممم…..أعتقد أنني فهمت الفكرة بشكلٍ عام.”
قال كاين ذلك وهو يومئ برأسه، بينما كانت ملامحه توحي بالحيرة، فلا أعلم إن كان قد فهم حقًا أم أنه يتظاهر بذلك فقط.
“لكن، هل أنتِ من صنع هذا الدواء يا آنسة؟ لم أسمع من قبل أن ابنة الكونت كوينيارديل ساحرة. وبالأخص، ساحرة تستخدم السحر القديم!”
يا للهول…..ما العمل الآن؟ لم أكن أرغب في الكشف عن أنني أمتلك سحراً قديماً. ثم كيف عرف عن هويتي أصلًا؟
حين هممت بفتح فمي لتغيير الموضوع، جاء صوتٌ خافت خالٍ من أي نبرةٍ واضحة،
“أنا من فعل ذلك.”
توجهت الأنظار إلى مصدر الصوت. و كان دانتي واقفًا وقد استدار ليعطينا ظهره للمنضدة.
اقترب ببطء، ونظر إلى كاين من الأعلا، ثم تحدث مجددًا،
“أنا. أنا الساحر الذي يستخدم سحراً قديماً.”
ثم جلس إلى جانبي دون تردد.
كاين أمال رأسه أكثر من ذي قبل، وردّ بصوت مليء بالشكوك،
“لكن ليو لم يقل شيئًا من هذا.”
“لا تتوقع أن ينقل لكَ كل شيء، ولا تصدق كل ما يقوله أيضًا.”
ليو؟ من يكون ليو؟
هل هناك شخصٌ يمكن لدانتي أن يخاطبه بهذه الألفة؟
نظرت إلى كايدن بخفة. و كان مغمض العينين ويهز رأسه موافقًا وكأنه يعرف من هو ليو.
هل أنا الوحيدة التي تجهل الأمر الآن؟
“أفهم. إذًا ليو يقدّركَ كثيرًا لأنكَ تمتلك سحراً قديماً؟”
ليو كان يقدّر دانتي؟
فلماذا كان دانتي دائمًا وحيدًا كلما جئت إلى برج السحر، ولم أرَ هذا الشخص ولو لمرة واحدة؟
انقطعت المحادثة عند هذا الحد، لأن دانتي لم يجب. وكان من كاين أن كسر الصمت الذي خيّم علينا.
“لكن، هل السحر القديم عظيمٌ إلى هذا الحد فعلًا؟”
استدرت فورًا نحو دانتي.
آه، كما توقعت. شفتاه بدأت ترتجفان، وكأنه لم يعد يستطيع كبح نفسه.
ثم، وكأن السد قد انهار، اندفعت الكلمات من فمه متتالية،
“هذه أول مرة يُطرح عليّ فيها سؤالٌ كهذا! بالطبع، بالطبع هو سحرٌ عظيم! إنه أنقى وأقوى سحرٍ وجدَ منذ بداية الوجود. يمكن به تنفيذ أي تعويذة دون الحاجة لأي دائرة سحرية، فقط بالتفكير بها. وفي يومنا هذا، من بين ملايين السحرة، قد لا يرى أحدهم طوال حياته شخصًا واحدًا يمتلك هذا السحر النادر!”
واو. كدت أصفّق دون أن أشعر. فهذه أول مرة أرى فيها دانتي يتحدث بهذه السرعة وبهذا الكم.
حتى عندما كان يشرح لي الأمور، لم يكن متحمسًا بهذا الشكل، فقط كان يظهر بعض الحماس الخفيف.
كاين، بعد أن سمع شرحه، أومأ برأسه بحيرة وارتباك.
“آه…..فهمت.”
“إنه قوةٌ نادرة للغاية، ربما لم تكن لتصادفه حتى موتكَ، بل وربما حتى أحفادكَ لم يكونوا ليشهدوها. أنت الآن أمام هذه القوة بنفسكَ، لذا عليك أن تعتبر ذلك مدعاةً للفخر.”
“همم، حسنًا. إذًا، ما تقوله هو أنكَ ساحر يستخدم سحراً قديماً، وهذا السحر عظيمٌ جدًّا، أليس كذلك؟”
كادت ضحكتي تنفلت دون إرادتي.
على ما يبدو، كل ذلك الشرح المشتعل من دانتي عن السحر القديم لم يكن سوى استعراض ذاتي في نظر كاين.
وضعت يدي على فمي وأنا أراقب كلاهما.
كاين رفع إبهامه مادحًا دانتي، بينما دانتي نظر إليه بشفقة ثم نقر لسانه،
“أنت مثيرٌ للشفقة لأنكَ لا تفهم عظمة السحر القديم.”
___________________
هل دانتي نبيل اصلاً؟ مستحيل كيف هو وولي العهد كأنهم اخوان متربين مع نفس المعلم😭
وشكل ليو ذاه هو المعلم
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 15"