لقد مرّ يومان بالفعل منذ أن صُنِعَتِ المهدئات.
بسبب تأثير سحب القوة السحرية بالقوة، قال كايدن أنه يجب أن أرتاح جيدًا لأن جسدي سيتأذى، ولهذا لم أذهب إلى برج السحر، بل بقيت مترهلةً في غرفتي فقط.
وخلال ذلك، ظللتُ الاحق ليج عدة مرات في اليوم مطالبةً بنشر إشاعة أن المهدئات الجديدة المطورة في برج السحر فعالة.
ولكن، لم يأتِ أي رد منها حتى الآن.
“أشعر بالملل.”
تمدّدت على السرير ومددت ذراعي. و كانت زجاجة الدواء، التي كنت أتلاعب بها براحتي قبل قليل، تتلألأ تحت ضوء القمر.
لم أستطع أن أزيح نظري عنها، واكتفيت بالتحديق فيها بهدوء.
‘هل كان تصرفًا طائشًا؟ هل عليّ أن أبحث عن طريقةٍ أخرى الآن؟’
السائل الذي لا يعرف ما يدور في داخلي لم يكن إلا يضطرب بصمت.
“آه..…”
هل هو بسبب التفكير السيئ؟ شعرت بصداعٍ مفاجئ.
غطيت عيني بذراعي الممدودة وأخذت أتنفس بعمق عدة مرات لتهدئة قلقي. لكنني لم أستطع أن أهدأ بسهولة.
ماذا لو لم تسر الأمور كما خططت لها؟
ماذا لو أن ما ظننته خلاصًا لم يكن إلا حبلاً فاسدًا؟
ماذا لو أن ما ينتظرني ليس حياةً جديدة بل سقوطٌ آخر؟ حينها، كم يجب أن أبذل أكثر؟
بدأ نفسي يضطرب. وبالكاد، أطلقت زفيرًا متقطعًا وأنا أقبض على زجاجة الدواء بإحكام.
كم حياةً أخرى يجب أن أعيش حتى أتمكن من أن أعيش حقًا؟
طَق. طَق-
طَق. طَق. طَق-
بينما كنت أغرق في فهوةٍ لا نهاية لها، سُمِع صوت ما يطرق النافذة.
تجهمت من الإحساس المزعج و الطنين في رأسي، ثم اعتدلت جالسة.
‘ما هذا، بحق؟’
طَق. طَق-
عندما توجهت نحو الشرفة، وجدت طائرًا أسود ينقر النافذة بمنقاره من الأسفل.
“لا يمكن..…”
فتحت الباب على عجل، فرفرف الغراب الأسود بجناحيه وارتفع في الهواء. وبعد أن حلق قليلًا في السماء، هبط بهدوء على حافة الشرفة.
نظرت إليه بتأنٍ.
ريشٌ أسود بالكامل، وعينان صفراوان زاهيتان، وملاحظة مربوطة بساقه.
“…..دانتي، أليس كذلك؟”
أسرعت نحوه وسحبت الورقة بحذر.
وبعد أن أنهى مهمته، رفرف الغراب بجناحيه بقوة وحلّق عاليًا نحو السماء. بينما راقبته بصمتٍ حتى غاب عن الأنظار، ثم فتحت الورقة.
[يُقال أن الأرنب سيأتي غدًا ليلًا، حين يعلق القمر على برج الساعة.]
ابتسمت لا إراديًا وأنا أرى الرسالة التي لا شك أن دانتي هو من أرسلها.
كان الأرنب المقصود هنا هو كاين.
كنت أعلم أن العلاقة بين برج السحر والعائلة الملكية ليست جيدة، لكن يبدو أن دانتي أيضًا لا يحب كاين، لدرجة أنه دائمًا ما يناديه بالأرنب.
و قد قال يومًا أن طريقة هروبه تشبه الأرنب تمامًا.
تذكرت دانتي وهو يعبس بوجهه فور أن شرحت له خطتي العظيمة، ولم أتمالك نفسي من الضحك الخافت.
‘وما المشكلة إن كان الحبل فاسد؟’
انقشعت الغيوم الداكنة التي كانت تملأ رأسي كما لو كانت كذبة، وانفتح ذهني بصفاءٍ مفاجئ.
لم أعد أشعر بأي ألم، ولم تعد تهاجمني تلك الأفكار السلبية التي كانت تجرّني نحو القاع.
اقتربت من حافة الشرفة، وأسندت ذراعي عليها، ثم رفعت الورقة نحو ضوء القمر وقرأتها مرة أخرى.
‘حتى لو كان ما ينتظرني هو الهاوية، فسأسقط حتى القاع، ثم أعود وأصعد من جديد.’
***
“إيرفين، لا داعي لأن تتكلفي العناء، يمكنني تدبر كل شيء بنفسي! الآن هو وقت الراحة بالنسبة لكِ! ماذا ستفعلين إن أغمي عليكِ؟”
“أقدر قلقكَ، لكنني بخير حقًا. أنا أعرف حالتي الصحية أكثر من أي أحد.”
منذ أن قمت بابتزاز كايدن قليلًا في المرة الماضية، بدأ يعاملني كما لو كان على وشك أن يقدم الولاء.
كان قلقه من آثار سحب القوة السحرية قسرًا يبدو مؤثرًا ومقدرًا، لكن لم أستطع أن أتجاهل الشعور بالانزعاج، خاصةً حين فكرت أنه يفعل كل هذا ليبقى إلى جانب دانتي.
“إيرفين، سأطرح سؤالًا فقط للاحتياط…..هل تعتقدين أنني أحاول سرقة مجهودكِ؟”
اكتفيت بالابتسام بصمت.
“لا تقولي…..لا تقولي فعلًا أنك فكرتِ بذلك؟! هل تظنين أنني سأسرق المهدئ الذي صنعتهِ وأدّعي أنه من صنعي؟!”
هل كان يقرأ أفكاري؟ كيف يعرفني بهذا الشكل الدقيق؟
بدأت ملامح كايدن تزداد تشوهًا وكأنه على وشك البكاء.
“حقًا، حقًا، أنا فقط كنت قلِقًا عليكِ يا إيرفين..…”
كنت على وشك أن أخبره أنني كنت أمزح فقط، حينها تكلم دانتي الذي كان جالسًا بصمتٍ ووجهه متجهم وهو مستند إلى طاولة المختبر.
“لقد وصل. ذلك الشخص.”
“هاه؟ بالفعل؟ الوقت مرّ بسرعة.”
أسرعت إلى تغطية رأسي بغطاء الرداء الذي كنت أرتديه.
وأشرت إلى كايدن ودانتي.
“هيا، أنتما أيضًا، غطيا نفسيكما بسرعة!”
“نـ-نعم!”
كايدن، وكأنه أصيب بالتوتر فجأة، ارتدى رداءه بصعوبة مثل دمية معطلة تصدر أصواتًا متقطعة.
أما دانتي، فعلى النقيض، ارتدى الغطاء على رأسه بوجهٍ ممتعض وهو يُحدث جلبة بالأدوات على الطاولة.
يبدو أنه منزعجٌ للغاية من اختيار مختبره كمكان للقاء، فمنذ قليل وهو يبدو غير مرتاح.
جلست على طاولة الضيافة داخل المختبر، وكنت أنظر إلى ظهر دانتي من زاوية رؤية محجوبةٍ جزئيًا.
وفي تلك اللحظة،
طَق طَق-
سُمِع صوت طرق على الباب.
“الضيف قد وصل.”
ثم سمعت صوتًا غريبًا، فردّ عليه كايدن،
“دَعْه يدخل.”
لم يكن هناك مجالٌ للتأخير، فقد فُتح الباب فورًا. ودخل إلى مختبر دانتي ساحرٌ كان قد رافق الضيف إلى هنا، ورجل آخر كان مثله مثلنا يرتدي رداءً مغطى بالرأس.
انحنى الساحر تجاه دانتي، الذي لم ينظر إليه ولو لمرة، ثم غادر الغرفة.
أما الرجل الذي تُرك واقفًا، فلم يبدو عليه أي ارتباك، بل أخذ يتلفّت حوله بشكلٍ طبيعي.
‘إنه يذكرني بذلك الرجل الغريب الذي رأيته قبل أيام..…’
ذلك الرجل أيضًا، لم يكن يقلّ وقاحةً عن أحد.
كنت أفكر إن كان من الأفضل أن أطلب منه الجلوس، أم أتركه واقفًا ليستمع، حينها بادر كايدن بالكلام،
“هذا هو الساحر العظيم الذي صنع الدواء الذي تبحث عنه. تقدّم واشكره على الأقل.”
قبضت على يدي بقوة وعضضت شفتَي السفلى. لو لم أفعل، لانفجرت بالضحك.
‘ما هذه النبرة؟ ولماذا يُخفض صوته بهذا الشكل؟ سأُجن فعلًا.’
تنفّست بعمق لأكبح ضحكتي. وعندما نظرت بخفة نحو الرجل الذي جاء ليشتري الدواء، بدا وكأنه لا يكترث بشيء.
‘من يكون يا ترى؟’
هل هو من فرقة الفرسان الملكيين؟ أم من المقرّبين جدًا من ولي العهد؟
ربما مستشار؟ وإن لم يكن كذلك…..هل يُعقل أن يكون كاين بنفسه؟
‘مستحيل.’
لا أحد من العائلة الملكية يدخل إلى برج السحر بإرادته السليمة. فمن يدري ما قد يُفعل بهم هنا.
بعد أن أنهى تفحّص المكان، مشى الرجل بخطوات ثابتة وجلس على الأريكة المقابلة لي، ثم ابتسم ابتسامةً ساخرة وفتح فمه،
“سمعت أن المهدئ الذي صنعتِه مؤخرًا فعّالٌ جدًا. إن لم يكن لديكِ مانع، أرغب في شراء واحد منه.”
مهلًا…..صوته…..كأنني سمعته من قبل؟
لكن، على الرغم من إحساسي القوي، لم أستطع تذكّر أين سمعته.
ربما بسبب انشغالي مؤخرًا في قصر الدوق هايفن وكثرة حديثي مع إيدن وفرسان من عائلات نبيلة أخرى، تشوّشت ذاكرتي.
“هيه. لماذا لا تردين؟ هل شردتِ بأفكاركِ أمام شخص جالسٍ قبالتكِ؟”
قال الرجل ذلك بصوت منخفض وهو ينظر إليّ باستغراب.
و لوهلة، لاحظت أن شفتيه قد تصلبتا. فسارعت إلى الرد قبل أن ينهض ويغادر،
“لا، لا شيء. حسنًا، سأبيعكَ الدواء. لكن أدويتي لا تُشترى بسهولة.”
“…..وهل هناك ما تريدينه؟”
“أنتَ رجلٌ يتحدث بذكاء، جيد. الشخص الذي أرسلك لتحصل على هذا الدواء، رئيسكَ. دعني أقابله. إن فعلت، قد أُعطيكَ هذا الدواء دون مقابل.”
كان يبدو معتادًا تمامًا على هذا النوع من المواقف، كما يُتوقّع من أحد المقربين من ولي العهد.
وقد تلاشت صرامة ملامحه، وعادت الابتسامة إلى شفتيه، فبلعت ريقي دون أن أشعر.
“رئيسي، هذا صعبٌ قليلًا..…”
ضحك بخفة، بصوت أشبه بهواء يتسرب من نافذة، ثم تابع حديثه مباشرة،
“آنسة كوينيارديل.”
في تلك اللحظة، تجمّد جسدي بالكامل ولم أعد قادرةً على الحركة. حتى عقلي، الذي كان يدور بسرعة، توقف تمامًا. و نسيت حتى كيف أتنفس.
الشيء الوحيد الذي ظلّ يتحرك في هذا السكون هو قلبي، الذي أخذ ينبض بجنون.
استعدت توازني أخيرًا بعد أن أطلقت أنفاسي التي كنت أحبسها.
ذلك الأسلوب في الحديث، وطريقة نطقه، والصوت، وحتى خطواته التي تحمل طابع الفرسان…..كل شيء أعاد لي ذكرى تلك اللحظة القصيرة لكنها المؤثرة، التي لا أعلم كيف نسيتها.
قفزت واقفةً ومددت يدي فجأة لأسحب غطاء رأسه إلى الخلف.
“من أنتَ؟ من هذا الذي تظن نفسكَ؟!”
شعره الناعم كالقطن، وعيناه بلون بحيرة عميقة لا يُرى قاعها…..
لقد كان ذلك الرجل الغامض الذي التقيت به في الجبل قبل أيام.
لكنه لم يجب، واكتفى بابتسامةٍ مشرقة ترتسم على وجهه.
“تكلم! من أنتَ بحق؟ ولماذا تظهر هنا؟ هل تعرف حتى أين أنتَ؟!”
ابتسم بلطف ومالت عيناه بانحناءة هادئة،
“وأين أنا بالضبط؟ أنا مجرد شخص جاء لشراء مهدئ، لا أكثر.”
أحسست بالفراغ في رأسي.
لماذا هذا الشخص هنا؟ ولماذا جاء ليطلب المهدئ؟
هل يُعقل أن يكون ما أفكر به صحيحًا؟ أم أنني أتخيل شيئًا مستحيلًا؟
لم أتحرك، ولم أنطق بكلمة. و كل ما فعلته هو أني ظللت واقفةً ممسكة بغطاء رأسه بإحكام.
“قبل قليل قلتِ أنكِ ترغبين بلقاء رئيسي، أليس كذلك؟ لكن هذا صعبٌ قليلًا.”
قال ذلك وهو يُبعد برفقٍ يدي التي كانت تمسك بردائه.
“فحتى لو كنتِ الآنسة كوينيارديل، فلا يمكنكِ مقابلة جلالة الملك بسهولةٍ هكذا.”
يا إلهي. إذًا، هل هذا الرجل هو فعلاً..…؟
“أعتذر على تأخري في التعريف بنفسي.”
أبعد يدي تمامًا، ثم وقف وأدى تحيةً رسمية بكل لباقة،
“سعدتُ بلقائكِ، آنسة كوينيارديل. أنا كاين هايس وينستالیا، ولي عهد مملكة وينستالیا.”
____________________
كنت متوقعه😭😭😭😭😭😭
يجنن تكفون مابيه طرف ثالث خل يصير زي اخوها ويطلعها من بيت ايدن ذاه
المهم دانتي معصب وهو عارف من الي بيشتري الجرعه؟ انفدا الي مايخاف
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 14"