نظرًا لأن الوقت الذي قضيته في قصر كوينياردل كان أقصر مما توقعت، قررت التوجه إلى برج السحر بدلًا من الذهاب مباشرةً إلى دوقية هايفن.
مع أنني غبت ليومٍ واحد فقط، شعرت وكأنني عدت بعد غياب طويل.
طرقت الباب بألفة، وكما توقعت، استقبلني كايدن.
“ما الأمر؟ ألم تقولي أنكِ لن تأتي اليوم؟”
عبّر عن سعادته بلقائي بينما كان يقطب حاجبيه.
“قلتِ أنكِ لن تأتي، وقد بدأتُ لتوي العمل، ألم يكن بإمكانكِ تنبيهي؟ أنا مشغولٌ جدًا اليوم.”
أشرقَت عيناه الرماديتان الباهتتان وهو يرحب بي بسعادة.
“لا تقولي أنكِ ستقابلين السيد دانتي اليوم؟ أليس كذلك؟”
و رحب بي وهو ينقر بلسانه بقوة…..
لنكف عن هذا. أشعر وكأنني الوحيدة التي أصبحت بائسة.
من الواضح أنه يظن أنه لم يعد بحاجة لإرضائي الآن فبعدما التقى بدانتي، لم يصبح لديه عذر للتقرب منه من خلالي.
“لا أدري. كنت أفكر في تجربة تشغيل القوة السحرية وحدي اليوم، لكن غيرت رأيي للتو.”
“نعم؟ ما الذي تعنينه بذلك؟”
“يبدو أنني بحاجة لتعلم السحر من الساحر دانتي. فالمبتدئ وحده لا بد أن يواجه حدودًا. ألم تقل أنك مشغول اليوم، كايدن؟ لا تقلق، سأذهب لمقابلة السيد دانتي وحدي.”
“ماذااا؟! لا، أعني، هذا..…”
“لم أكن أعلم أنكَ مشغولٌ إلى هذا الحد، كايدن. لو كنت أعلم، لما ألححت على الساحر دانتي لجعلكَ مساعداً له. والآن بعد أن ذُكر الأمر، يجب أن أطلب إلغاء ذلك فورًا. فأنتَ حتى لا يمكنك تحمّل رؤيتي من شدة انشغالكَ، أليس كذلك؟”
ابتسمت له بلطفٍ وأنا أنظر إليه، فأخذ كايدن يُقطب وجهه وكأن البكاء على وشك أن يغلبه.
وفي النهاية، لم يستطع مقاومة تهديدي غير المباشر، فاعترف بخطئه والدموع تملأ عينيه طالبًا المغفرة.
“لا بد أنني فقدتُ صوابي حقًا. كل هذا خطئي! سامحيني هذه المرة فقط، أرجوكِ، حسناً؟”
“أوه، لا تقل أنكَ أخطأت. لا يجوز قول ذلك. لقد كنت مشغولًا فقط، أليس كذلك؟”
“لا، لا، الأمر ليس كذلك فقط…..حقًا، أوه..…”
“حسنًا! اذهب الآن واهتم بأعمالكَ. سأذهب أنا للأسفل.”
“سيدة إيرفيييين..…”
أمسك بطرف كمّي وكأنه على وشك البكاء، مما أثار فيّ شيئًا من الشفقة. فلم أكن أرغب برؤيته يبكي.
حسنًا، أظن أنه سيكون مطيعًا لبعض الوقت بعد هذا؟
أبعدت يده عن كمي وربّتّ على كتفه مطمئنة.
“كنت أمزح، فقط أمزح. فلنُفترق بابتسامة، أليس كذلك؟”
“سيدة إيرفين!”
وبدافع التأثر الشديد، فتح كايدن ذراعيه ليعانقني، لكنني سرعان ما تفاديت حركته. فلم يحتضن سوى الهواء الذي كنت واقفةً فيه قبل لحظات، ورغم ذلك بدا سعيدًا جدًا وهو يقفز في مكانه.
هل دانتي محبوبٌ إلى هذا الحد؟ هل كل السحرة في البرج يوقرونه ويتبعونه؟
ربما لأن سيد البرج غائب، فهم يعتمدون على خليفته المحتمل؟
كنت أفكر بهذه الأفكار التافهة إلى أن وصلت إلى غرفة دانتي. ثم طرقت الباب مرتين، وسرعان ما فُتح.
“مرحبًا!”
ارتعش جسد دانتي قليلًا وهو يومئ برأسه بخفة.
وما إن حرّك جسده جانبًا في إيماءة تدعو للدخول، حتى خطوتُ إلى الداخل بابتسامة مشرقة كأنني معتادة.
ولم تمض لحظات حتى تبعني كايدن أيضًا إلى الداخل.
“كنت قد قلتُ أنني لن آتي اليوم، لذا فوجئتَ بزيارتي، أليس كذلك؟”
“لا، فقط…..بعض الشيء..…”
أملت رأسي بتساؤل ونظرت إلى دانتي، الذي كان يحدق بي بوجه خالٍ من التعابير، قبل أن يتكلم أخيرًا.
“يبدو أنكِ تمرين بيومٍ سعيد.”
“أوه. كيف عرفتَ؟ هل يتغير تدفّق السحر لديّ عندما أكون بمزاجٍ جيد؟”
“….لا.”
بطء حديث دانتي جعلني أشعر بالتوتر، فابتلعت ريقي بقلق.
لا أعلم إن كان يدرك توتري أم لا، لكنه واصل حديثه بهدوء.
“ضحكتكِ اليوم مبالغٌ فيها.”
هل كنتُ كذلك؟ لا بد أنني كنت سعيدة جدًا حتى لاحظ دانتي ذلك.
صحيحٌ أنني في مزاج رائع اليوم، لكن من الغريب أن يتم التنويه عن ذلك بهذا الشكل.
أليس من الطبيعي أن يضحك الإنسان؟ هل هذه أول مرة يرى فيها أحدهم يضحك كثيرًا؟
على الأرجح، نعم.
كلما توالت الأفكار السخيفة في رأسي، ازداد ضحكي دون سببٍ واضح.
كان الاثنان ينظران إليّ بوجوه متحفظة، لكنني لم أستطع التوقف عن الضحك.
ربما لأنني لم أضحك هكذا منذ وقتٍ طويل، فشعرت بسعادة غامرة. حتى أن دموعي سالت قليلًا. و مسحتها ثم تحدثت إلى دانتي.
“آه، آسفة على الضحك المفاجئ.”
اكتفى دانتي بهز رأسه بصمت، وكدت أضحك مجددًا، لكنني بالكاد كتمت ضحكتي.
“صحيح، لقد حدث أمرٌ جيد اليوم. لم أكن أظن أنه سيكون واضحًا إلى هذه الدرجة.”
“سيدة إيرفين! أنا أيضًا فضولي! أخبريني ما الذي حدث!”
تدخل كايدن فجأة في الحديث. من المؤكد أنه أراد جذب انتباه دانتي ليحظى بكلمةٍ منه على الأقل.
تابعت الحديث وأنا ما زلت أبتسم.
“لقد وجدت اليوم دليلًا مهمًا يقربني خطوةً من خطتي.”
“دليل؟”
“نعم! ولهذا السبب، يا سيدي الساحر..…”
ارتجف جسد دانتي فجأةً وهو يتجول قرب طاولة الأبحاث وكأنه لم يكن مهتمًا بالحديث، لكنه سرعان ما استدار ونظر إليّ كأن شيئًا لم يكن.
“أريدكَ أن تساعدني في تحضير إكسيرٍ سحري.”
“ليس أمرًا صعبًا، ولكن..…”
“هل يمكنكَ مساعدتي في استحضار القوة السحرية كما فعلت في المرة السابقة؟ ليس لدي وقتٌ كافٍ حقًا.”
لو انتظرت حتى أتقن السحر تمامًا، فقد يلاحظ عمي اختفاء البيان الرسمي. وربما تنهار قواي الجسدية قبل ذلك حتى.
إذا تأخرت أكثر، فقد ينهار كل شيء ويتحول إلى سراب.
“إذا تدخلت في قوتكَ السحرية، فقد يسبب لك ذلك ضررًا بالغًا. مثل أن تنهار طاقتكِ الجسدية فجأة، أو أن تفقدين السيطرة على السحر لاحقًا.”
“لكنّكَ ساعدتني في المرة السابقة.”
“التحكم بتلك الكمية البسيطة من السحر لم يكن مشكلة. لكن الكمية اللازمة لصناعة إكسيرٍ سحري أمرٌ مختلف تمامًا.”
حين رأيت ملامحه الحازمة، شعرت ببعض التردد. لكن لم يكن لدي خيار آخر.
“لا بأس.”
“أعني أنكِ قد تتعرضين للخطر.”
“نعم، أعلم. لكنه مجرد الخطر، أليس كذلك؟ لن أموت.”
لا يوجد شيء أخافه أكثر من الموت.
كايدن، الذي بدا أنه لا يفهمني، رفع صوته قليلًا،
“سيدة إيرفين! هذا قد يؤدي إلى كارثةٍ حقيقية! بصراحة، تبدين متهورةً أحيانًا. من الجيد أن تكون لديكِ خطة، لكن عليكِ البقاء على قيد الحياة أولًا، أليس كذلك؟”
صحيح، يجب أن أعيش أولًا. فلا شيء أعزّ عندي من الحياة.
“هذا بالضبط ما أحاول فعله.”
“ماذا؟”
“أحاول أن أعيش. كل هذا لأنني أريد أن أعيش. حياتي ثمينةٌ بالنسبة لي أيضًا.”
كايدن عبس وجهه فجأة وكأنه لا يستطيع فهم ما أقول أبدًا.
حتى وإن لم يستطع فهمي، لا يهم. ففي النهاية، علي تنفيذ هذه الخطة لأتمكن من العيش.
ابتسمت بنعومة وأنا أنظر إلى دانتي، فتحدث بتعبيرٍ فاتر،
“فهمت. لكن حتى لو أردتِ إلقاء اللوم عليّ لاحقًا، سيكون الأوان قد فات.”
“أوه، بالطبع لا. أنا لا أُحمّل الآخرين المسؤولية لاحقًا.”
أشار إليّ دانتي بيده وكأنه يقول: “كفي عن الهراء وتعالي إلى هنا.”
اقتربت منه، لتتّضح لي طاولة الأبحاث المبعثرة تمامًا أمامه.
“انتظري لحظة.”
قال ذلك وهمّ بالذهاب إلى مكانٍ ما، لكن من وقف في طريقه لم يكن سوى كايدن.
“مـ، ما الذي تبحث عنه؟ سأحضره أنا!”
نظر دانتي إلى كايدن بنظرة تقول: “ولماذا أنتَ؟” لكن كايدن لم يتراجع وتحدث بثقة،
“أ، أنا مساعدكَ يا سيد دانتي! لذا دع الأمر لي!”
أغمض عينيه بإحكام، ورفع صوته بحماس كمجندٍ جديد متحمس.
رؤيته هكذا جعلتني أرغب حقًا في تشجيع كايدن، وكان ذلك أمرًا ممتعًا للغاية.
تنهّد دانتي وهو ينظر إلى كايدن الأقصر منه، ثم.
“من الرف هناك…..أريد منوّمًا..…”
“حاضر! فقط انتظر لحظة! سأجده بسرعة!”
ركض كايدن مبتعدًا بسرعة، بينما تحوّل نظر دانتي إليّ وهو يحدق بي.
كانت نظرته تقول بوضوح: “ذلك الشخص الذي جلبتِه مزعجٌ جدًا.”
لكن، وماذا يمكنني أن أفعل؟ هو قد أتى بالفعل، ومن قبِله دانتي نفسه وافق على وجوده.
رفعت كتفي بلا مبالاة باتجاه دانتي. وفي تلك اللحظة، عاد كايدن وهو يصدر صوت خطواتٍ متعجلة.
“ها هو…..سيد دانتي! هذا هو، صحيح؟”
مدّ يده نحو دانتي بزجاجةٍ صغيرة، وعيناه تلمعان ببراءة.
أومأ دانتي برأسه على مضض، وخطف الزجاجة من يد كايدن.
“شـ…..شكرًا.”
وبهذا الشكر المقتضب، استدار دانتي بسرعة وتوجه نحوي بخطواتٍ واسعة. ثم مدّ لي الزجاجة.
“أمسكي بها.”
هل كنت أتخيل، أم أن أطراف أذنيه كانت محمرةً قليلًا؟
‘ربما دانتي لا يكره الناس، بل فقط لا يعرف كيف يتعامل معهم؟’
أبعدت هذه الفكرة الطريفة مؤقتًا، وأخذتُ الزجاجة من يده.
“هكذا، أمسكيها جيدًا بين يديك.”
رفع دانتي يدي وجعلني أحيط الزجاجة الزجاجية براحتيّ بلطف.
تحرّك بخطى بطيئة، ثم احتضنني من الخلف كأنه يحيطني بذراعيه، وأمسك بكلتا يديّ بيد واحدة.
كانت نفس الوضعية التي كنا عليها في المرة السابقة، لكن هذه المرة، شعرتُ بقربه أكثر.
سمعت كايدن يلهث من الصدمة، لكن ما إن وصلني صوت أنفاس دانتي الدافئة عند أذني، حتى توقفت كل حواسي.
“إذا توترتِ هكذا، ستجعلين الأمر أكثر صعوبة عليّ. هذه ليست المرة الأولى، أليس كذلك؟”
يا له من كلام قد يسيء الآخرون فهمه بسهولة.
كيف يفترض بي أن أكون مرتاحةً في هذا الموقف، ونحن شخصان بالغان في هذا العناق الغريب؟
ربما، حتى إن مررتُ بهذا الموقف مراتٍ عديدة، فلن أستطيع التعود عليه أبدًا.
‘صحيح، سأغمض عيني فقط. طالما لا أراه، سيكون الأمر أسهل.’
أغمضت عيني ببطء بينما أزفر نفسًا مرتجفًا. ثم حلّ الظلام في بصري، وامتلأ أنفي برائحة المواد الكيميائية النفّاذة.
حرارته، التي كانت أعلى قليلًا من حرارة الآخرين، ودقات قلبي المتسارعة التي لم أستطع تهدئتها، جعلت حواسي تتأجج.
فقدان حاسة واحدة والاعتماد على غيرها…..كان ذلك أكثر خطورةً مما توقعت.
____________________
دانتي مايعرف يتعامل مع الناس بس ماسك ايرفين كذا؟ ياشيخ تزوجوا الحين موافقة
المهم ودي دانتي يوقع أول🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 12"