كنت أعلم جيدًا أن طبع هذا الرجل فاسد، لكن لم أتوقع أن يكون بهذا السوء.
لا، ربما كان علي أن أكتشف الأمر منذ أن تخلّى عن إيرفين التي فقدت والديها وهي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها.
“إذاً، إيرفين. اختاري واحدًا بسرعة.”
شعرت بالغثيان وأنا أنظر إلى وجه عمي وهو يبتسم بمكر ويدفع نحوي صورًا.
بسبب ما استهلكته من طاقة للوصول إلى هنا، بدأ رأسي يؤلمني مجددًا بعدما كان ينبض بوجعٍ خفيف.
تحدث جوزيف، دون أن يكون لديه أدنى فكرة عن حالتي،
“أن تتزوجي من عائلةٍ غنية وتعيشي بسعادة، أليس هذا ما كان يتمناه والداكِ الراحلان؟ إن استمعتِ لي، فهذا هو البر الحقيقي.”
“يا لهذا الجنون..…!”
لم أتمالك نفسي من شدة الغضب، ونهضت فجأة دون وعي.
أردت أن أصرخ في وجهه بكلمةٍ تريحني، لكن ما إن تحركت حتى اسودت الدنيا في عينيّ واهتز جسدي.
بالكاد ثبتّ قدمي وتجنبت السقوط. و فركت حاجبيّ وتنهدت بعمق.
“هاه..…”
انتظرت أن أستعيد توازني وسط دقات قلبي المتسارعة، لكن هذا العم اللعين لا يعرف معنى الانتظار.
“ماذا قلتِ الآن؟ جنون؟ هل فقدتِ عقلك تمامًا؟ هل نسيتي من أكون؟”
رأسـي كان يطن من صراخ جوزيف العالي، ولم يكن هناك أي تحسّن في حالتي الجسدية.
ماذا لو سقطت مغشيًا عليّ أمامه؟ لن أحتمل، حتى لو مت.
كان عليّ أن أغادر المكان فورًا وأجد مكانًا أستريح فيه.
“أنا…..لست بخير، سأرتاح قليلًا.”
“جسدكِ ما زال كما هو؟ ألا يقدم لك دوق هايفن أي دعم؟ أولئك المتظاهرون بالثراء واللطف لا يستطيعون حتى علاج مرض طفلة؟ لقد أرسلتكِ إليهم بكل كذبة ممكنة، ومع ذلك لم ينفع شيء. تافهون.”
تركت جوزيف يتذمر خلفي وغادرت غرفة الاستقبال مسرعة.
عندما خرجت، رأيت فارس القصر الجديد الذي عيّنه جوزيف. كان ينظر إليّ بنظرات فضول، وما إن تلاقى نظرانا حتى أومأ برأسه بتكلف.
‘مزعج..…’
بمجرد أن غادرت إيرفين القصر، أقال جوزيف كل من خدموا القصر منذ عهد والدها. ثم تولى بنفسه تعيين كل من في القصر، من الحراس إلى الخدم.
كان هدفه الواضح هو ملء القصر بأتباعه والسيطرة الكاملة على السلطة.
لكن لم يكن بإمكانه طرد جميع من نالوا ثقة العائلة، لذا أبقى على بعض الضعفاء الذين لا يمكن أن يعارضوه، مجرد واجهة.
حتى من الطريقة التي يعاملني بها الحراس الجدد، يمكنني أن أستشف كل شيء.
هؤلاء، في سبيل البقاء داخل القصر، لم يظهروا أي ود لابنة الكونت الراحل. لأن العم، الرجل القوي في منزل الكونت، هو من يريد ذلك.
‘لا أقول أنني لا أفهمهم….لكن لا يمكنني إلا أن أشعر بالضيق.’
شعرت بالاختناق من الضيق فتوقفت في مكاني وأخذت أنظر حولي.
كان القصر، الذي قضت فيه إيرفين طفولتها السعيدة، مألوفًا في كل زاوية تطأها قدماي. حتى هذا الممر العميق الأزرق، كان مألوفًا أيضًا.
صحيح أن نظرتي الآن أعلى بكثير من تلك الخاصة بإيرفين الصغيرة التي أرى ذكرياتها، لكنها لا تزال مألوفة.
وأثناء سيري نحو الغرفة، وقفت أمام باب مألوف.
“هذه الغرفة..…”
فتحت الباب المزخرف بالذهب اللامع كأنني منومة أو مسحورة بشيءٍ ما.
نظرت إلى الداخل بحذر، فكانت غرفة عمل وأبحاث الكونت كينيارديل.
‘يا لها من مفاجأة!’
كدت أصرخ من الفرحة لولا أنني سارعت بوضع يدي على فمي.
نظرت حولي لأتأكد من خلو المكان، ثم دخلت مباشرة.
‘هم يهتمون بالنظافة…..للا غبار هنا إطلاقًا.’
على ما يبدو، فإن الخدم القلائل المتبقين كانوا بالفعل ممن خدموا الكونت الراحل بإخلاص، ولهذا حافظوا على ترتيب الغرفة.
نظرت حولي بسرعة ثم توجهت مباشرةً نحو رفوف الكتب الكبيرة.
“حقًا، من أمضى عمره في دراسة وصفات الأدوية لا بد أن يكون مختلفًا.”
كما في مختبر دانتي، كانت رفوف الكتب الكبيرة تغطي جانبًا كاملًا من الجدار، ومليئةً بالكتب حتى آخرها.
وكان أكثر من نصف هذه الكتب يحتوي على ملاحظات وأبحاث دوّنها الكونت كينيارديل بنفسه.
وبينما كنت أتصفح أقدم كتاب وجدته بعناية، شعرت فجأةً بشيء غير مريح.
بعض الكتب في الرفوف كانت بارزةً بطريقة غير طبيعية، والستائر كانت معلقةٌ بشكل غير مرتب، وكأن أحدهم توقف في منتصف سحبها.
بل وحتى على الأرض، كانت هناك آثارٌ واضحة حديثة نسبيًا لسحب كرسي، ما يشير إلى أن أحدهم كان يزور الغرفة مؤخرًا وبشكلٍ متكرر.
‘من يكون؟ من المفترض أن العم يستخدم مكتبًا جديدًا الآن، إن لم يكن هو، فمن؟ لا…..لا، لا أحد غيره يُسمح له باستخدام هذا المكان.’
فور انتهاء هذه الفكرة، بدأت أفتش الغرفة بعجلة.
أول ما أثار شكوكي كان الأرض. كانت هناك علامات قديمة مستقيمة على الأرض، وإلى جانبها آثارٌ أحدث مائلة بعض الشيء. و اتجاه هذه العلامات يوحي بأن الكرسي كان يُسحب كثيرًا نحو الدرج الأيسر.
‘ما الذي كان يفعله وهو جالسٌ هنا؟’
سحبت درج المكتب. لكنه لم يُفتح، بل أصدر صوتًا حادًا وضل مغلقًا.
‘المفتاح بالتأكيد مع جوزيف.’
حتى الحبر الجاف على رأس القلم فوق المكتب لم يمر عليه وقتٌ طويل، ما يعني أن أحدهم كان هنا مؤخرًا بالفعل.
ثم توجهتُ إلى رف الكتب الذي أثار شكوكي منذ البداية، وبدأت أتفقد واحدًا تلو الآخر من تلك الكتب البارزة.
كانت الكتب بلا شك من تأليف الكونت نفسه. لكن لم يكن هذا كل شيء.
بدأت أسحب الكتب المجاورة أيضًا، واحدةً تلو الأخرى.
فحصتها بدقة، لكنها كانت إما كتبًا لوالدي أو مراجع في علم الأعشاب.
‘هل كنتُ أتوهم فقط؟’
أخيرًا، تناولت كتابًا بدا جديدًا أكثر من غيره. و كان واضحًا أن وسطه أكثر انتفاخًا مقارنةً بالكتب الأخرى.
‘كما توقعت، لا يمكن خداع حدسي.’
ابتسمت بخفةٍ وأنا أفتح الكتاب على سطح المكتب. و بداخله، كانت هناك عدة وثائق.
“ما كل هذا؟”
بدأت أقرأ الأوراق واحدةً تلو الأخرى. وما إن قرأت محتواها ورأيت توقيع الكونت كينيارديل حتى فتحت فمي من الصدمة.
‘ما هذه الحماقة..…؟!’
كان محتوى الوثائق صادمًا بالفعل.
إحداها كانت تتضمن موافقة على بناء موقع قمار غير قانوني في جزء من أراضي الكونت. أما الأخرى، فكانت بيانًا يناقش كفاءة ولي العهد الحالي.
الأولى قد تُعد جنونًا فقط، لكن الثانية…..خيانة واضحة.
‘هذا الرجل ليس مجرد مجنون، إنه مختلٌ بالكامل.’
لو بقيتُ ساكنة، فسأنتهي إما ميتةً بسبب انفجار طاقتي السحرية، أو متهمةً بالخيانة نتيجة أفعال عمي.
‘حقًا، هذا الرجل لا يجلب لإيرفين سوى المصائب.’
نقرت لساني بانزعاج، وطويت البيان الرسمي بعناية وخبأته داخل ملابسي. ثم مزّقت صفحة من أحد كتب علم الأعشاب، وطويتها بحيث تُعادل حجم الوثائق الأصلية، ثم أعدتها إلى مكانها لتعويض الفراغ.
بهذا الشكل، يمكن إخفاؤها لفترة. فهو على الأرجح لا يأتي إلى هنا يوميًا.
‘من حسن حظي أنني زرت القصر اليوم. من كان يظن أنه يُدبّر أمرًا كهذا؟’
يبدو أنه اختار غرفة الكونت الراحل عمدًا…..حتى لو اكتُشفت خطته، سيتمكن من خداع حرس القصر.
نذلٌ حقير.
ربما لهذا السبب أخفى الوثائق في هذه الغرفة. ماكرٌ وخبيث كعادته.
تنهدت بخفة، وغادرت المكتب بحذر.
ثم بدأت أسير استعدادًا للعودة إلى قصر الدوق هايفن، بينما غُصت في التفكير.
‘بهذا الدليل، كاين لن يتردد في تقديمه للمحاكمة.’
وبذلك سيتم طرد جوزيف من منصب وكيل الكونت. وسيكون أفضل ما يمكن أن يحدث له هو ألا يُزج به في سجن غروتون سيء السمعة.
وبعدها، حين أبلغ سن الرشد، وأحصل على دعم كاين لتُمنح لي رتبة الكونت، ستسير الأمور تمامًا كما خططت لها.
تبقّى فقط ما لا يزيد عن ثلاثة أشهر قبل أن تظهر بطلة الرواية ويبدأ سير الأحداث الأصلية.
إذا تخلّصت من إيدن وبدأت أتعلّم السحر بشكل جدي على يد دانتي، فسأتمكن أخيرًا من القضاء على سبب موتي.
‘الآن، حقًا…..يمكنني أن أعيش. لم أعد محكومةً بوقتٍ محدود.’
لأول مرة في حياتي الرابعة، شعرت بالأمل يملأ قلبي بطريقة لا يمكن كبحها.
كان من الصعب عليّ كبح الابتسامة التي تتسلل من بين شفتيّ.
الوثائق التي أخفيتها كانت أشبه بدرعٍ ضخم يحمي ظهري، لشعرت بالقوة والثبات.
“إيرفين.”
لكن ما إن سمعت صوت جوزيف من خلفي، حتى تجمد وجهي في الحال.
يبدو أن هذا العجوز لا يحتمل أن يراني سعيدة، وإلا لما كان يظهر في كل مرة أكون فيها في مزاجٍ جيد.
استدرت نحوه بابتسامةٍ مصطنعة.
“هل هناك ما يشغلكَ، عمي؟”
“هل تحسّنت حالكِ قليلاً؟ لماذا تحاولين مغادرة القصر دون أن تُخبري أحدًا؟ من يدري متى أراكِ مرة أخرى؟”
كان هناك الكثير من الخدم يمرّون من حولنا، ولهذا مثّل جوزيف دور العم القلق بحنكة.
رغم أن الخدم القدامى الذين يعرفون الحقيقة لا بد أنهم كانوا يضغطون ألسنتهم من الغيظ، فإن أولئك الجدد الذين وظفهم مؤخرًا لا يرون فيه إلا سيداً طيبَ القلب.
لم أكن أنوي مجاراة تمثيليته، لكن في الوقت نفسه لم أشأ أن أبدو وقحةً أو عديمة الأدب.
“بما أن عمي مشغولٌ دائمًا، كنت فقط أود إلقاء التحية قبل المغادرة…..يبدو أنني لم أُحسن التصرف. في المرة القادمة سأبقى لفترة أطول. لقد مررت اليوم مرورًا سريعًا فقط. الدوقة كانت قلقةً عليّ، وطلبت مني ألا أتأخر في العودة.”
في هذا التوقيت، كان من الجيد أن ألمّح لعلاقتي الوثيقة بالدوقة، ولو لمرة. ويبدو أن الأمر أصاب جوزيف في مقتل، فقد تيبّس فمه للحظة—نجاحٌ باهر.
“كما هو متوقّع من الدوقة، صاحبة القلب الرحيم. حين تعودين إلى قصر الدوق، بلّغيها سلامي. وأخبريها أيضًا أنني آمل زيارتها قريبًا، لأعبر عن امتناني لما قدمته لكِ من رعاية.”
“سأفعل، وستسعد جدًا بذلك، بلا شك.”
“لكن قولي لي، إلى متى تنوين البقاء في قصر الدوق؟ الآن وقد أصبحتِ بالغة، يجب أن تفكّري في الاستقلال، أليس كذلك؟ فكّري جيدًا فيما قلتُه لكِ اليوم، وآمل أن أسمع منكِ ردًا حكيمًا.”
“…..حسنًا، سأفكر بالأمر.”
ثم استدرت عنه بسرعة، وابتعدت بخطواتٍ سريعة.
عاد إلى ذهني مشهد وجهه المبتسم وهو يعرض عليّ صور رجالٍ مختلفين في غرفة الاستقبال. فشعرت و كأن الحشرات تزحف تحت جلدي، وكل ما أردته هو الهروب من هذا المكان فورًا.
‘قذرٌ منحط.’
__________________
زين طلعت من بيتهم بدري ماطولت
يوم قال اتخلص من ايدن ضحكتني😭 بس واضح انه غبي مهووس
المهم دانتي كم له فصل ماطلع ليه يامؤلفه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 11"