“مر وقتٌ طويل، إيرفين.”
“نعم، سيدي الدوق. هل استمتعتم برحلتكم؟”
“بالتأكيد. رؤية البحر بعد فترةٍ طويلة كانت تجربةً رائعة.”
عاد دوق والدوقة إلى القصر بعد رحلة طويلة.
كان هذا أول لقاءٍ بين إيرفين وبينهما منذ أن تجسدت في هذا الجسد، وقد بديا أكثر إشراقًا حتى من ذكريات إيرفين السابقة عنهما.
و يبدو أن والدي البطل مختلفان فعلًا، فعلى الرغم من تقدمهما في السن، ما زالا يحتفظان بجمال ملامحهما.
“إيرفين، عندما تجدين وقتًا، اذهبي مع إيدن إلى جزيرة مارسيد. هناك الكثير من الطعام الشهي، والناس لطفاء للغاية، والمناظر الليلية مذهلةٌ بحق.”
“أنا أستمتع فقط من سماعكم تتحدثون عنها. أود حقًا زيارتها إن سنحت لي الفرصة.”
وكما هو متوقع من والدَي إيدن ذوي الطباع الودودة، فقد كانا يتحليان بأخلاق مثالية أيضًا.
فبعد أن أصبحت إيرفين يتيمة، لم يهتما لنظرة المجتمع، بل أخذاها معهما إلى القصر وربياها وكأنها ابنة أخ عزيزةٍ عليهما.
وفي القصة الأصلية، كانا الأكثر حزنًا عند موت إيرفين.
وبينما كان الثلاثة يتبادلون الحديث في أجواء دافئة، دوّى صوتٌ مفعم بالحيوية.
“أعتذر على التأخر، أمي، أبي.”
ظهر إيدن في غرفة الطعام بمظهرٍ أنيق، بعد أن أنهى تدريباته في ساحة القتال منذ الصباح الباكر.
و مع دخوله، ازدادت غرفة الطعام حيوية.
جلس إيدن في المقعد المجاور لي وكأنه معتادٌ على ذلك، وانضم إلى الحديث بسلاسة كما لو كان تيار ماء يتدفق.
“حقًا، لنذهب معًا في أقرب فرصة يا إيرفين. لقد مر وقتٌ طويل منذ ذهبتُ أنا أيضًا، وأنتِ لم تذهبي إلى الجنوب من قبل، أليس كذلك؟”
“سأكون ممتنةً لو ذهبتَ معي.”
بينما كنا نتحدث، نظرت إلينا الدوقة بنظرة دافئة وتحدثت بابتسامة لطيفة،
“أنتما دائمًا على وفاق، كما لو أنكما ما زلتما طفلين صغيرين.”
ابتسمت بخجل لكلماتها العطوفة، ونظرتُ إلى إيدن.
كان يرسم ابتسامةً مائلة بشفتيه تمامًا كما تفعل والدته، وكأن الأمر لا يعنيه.
‘لا بد أن الحديث التالي سيُفتح قريبًا.’
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت الدوق هايفن الذي كان يستمع لكل ما قيل بهدوء، بنبرة منخفضة،
“إيرفين.”
“نعم، سيدي الدوق.”
“هاها، لطالما كنتِ رسمية جدًا في مخاطبتي منذ أن كنتِ صغيرة.”
ابتسم الدوق هايفن ابتسامةً تبدو ودودة، لكنه سرعان ما أخفى ملامحه.
وفجأة تحوّل وجهه إلى وجهٍ بارد وحاد، لا يكاد يُصدق أنه نفس الشخص قبل لحظات.
“سمعت من كبير الخدم…..أنكِ أرسلتِ رسالةً إلى قصر كوينياردل؟”
“نعم. إنها مجرد رسالةٍ أبلغت فيها أنني سأزور القصر قريبًا، لا أكثر.”
رغم أن الأمر حدث فقط ليلة البارحة، إلا أن الدوق هايفن، الذي لم يصل إلى القصر إلا قبل ساعتين، كان على علم بذلك.
شعرت مجددًا برهبة حقيقية من مكانته ونفوذه.
“زيارة قصر كوينياردل؟ ما الذي تعنينه بذلك؟ لماذا تذهبين إلى هناك؟!”
قال إيدن ذلك غاضبًا، واضعًا أدوات المائدة بقوةٍ على الطاولة.
كلما تعلق الأمر بإيرفين وقصر كوينياردل، أو بالأحرى بجوزيف، كان إيدن يغضب أكثر من أي أحدٍ آخر.
لأن صديقته، التي طُردت من القصر وهي طفلة بعد أن فقدت عائلتها، كانت تثير في نفسه مشاعر الحزن والشفقة.
“أفزعتني، إيدن. ليس بالأمر الكبير. تذكرتُ فجأةً الليلة الماضية رسائل كنت أبادلها مع والدي عندما كنت صغيرة. قال لي عمي سابقًا أنه احتفظ بها جيدًا، وأني أستطيع استعادتها في أي وقت…..فقط نسيت الأمر تمامًا حتى الآن. أليس هذا غريبًا مني؟”
رفعت زاويتي شفتيّ بابتسامةٍ مصطنعة حتى شعرت بتشنج في وجهي، فقط لأخفف من غضبه، لكنه لم يبدُ عليه أنه سيتراجع عن انزعاجه.
ولحسن الحظ، تدخل الدوق هايفن لمساعدتي.
“صحيح. أذكر ذلك جيدًا. كنتِ في السادسة فقط من عمرك يا إيرفين. كنت تلطخين ملابسك الصغيرة كلها فقط لأنك أردتِ كتابة الكلمات التي تعلمتها للتو، وتزيين الرسالة برسوماتكِ.”
“صحيح، كنت أكتب الرسائل دائمًا من أجل والدي المنشغل، وكان إيدن يرسم بجانبي أيضًا. أتذكر ذلك جيدًا.”
دعمت الدوقة كلام زوجها وغرقت في ذكريات الماضي.
ارتسمت ملامح الحنين على وجهيهما وهما يسترجعان تلك الأيام القديمة.
“كان بإمكانكِ إرسال شخصٍ لاستلامها، لكن زيارة المنزل بعد وقت طويل ليست فكرةً سيئة أيضًا. اذهبي، يا إيرفين.”
كما توقعت، إقناع والدي إيدن كان أسهل بكثير من محاولة تهدئة إيدن نفسه.
وبفضل ذلك، سارت خطتي بسلاسة.
حينها، أخفيت حماسي المتزايد خلف ابتسامةٍ خفيفة.
“شكرًا لكم.”
كان فك إيدن ما زال مشدودًا، دلالةً على أن غضبه لم يهدأ تمامًا بعد، لكن لم يكن لدي وقتٌ لأهتم بكل انفعالاته—كان من المهم أن أعتني بشؤوني أولًا.
***
ما إن نزلت من العربة، حتى انكشفت أمامي مناظر مألوفة.
القصر العتيق ذو الطابع الكلاسيكي، والحديقة الواسعة المزينة بعناية وأناقة.
النافورة الواسعة والنظيفة التي كانت الطيور ترتوي منها. والبركة الصغيرة التي تُعد مثالية للتأمل وترتيب الأفكار أثناء التنزه.
كان هذا هو قصر الكونت كوينياردل، حيث وُلدت إيرفين وقضت طفولتها.
“كم مضى من الوقت..…”
أخذت نفسًا عميقًا، فملأني الهواء المنعش حتى أعماق رئتي.
إقليم الكونت، المحاط بالجبال والمياه، كان أنقى وأصفى من أي مكانٍ آخر في المملكة.
تمدّدت بجسدي قليلًا، ثم نظرت نحو مدخل القصر.
‘…..كان عليّ أن أطلب التوقف عند المدخل مباشرة.’
شعرت بالإرهاق فقط من رؤية الباب البعيد جدًا. و بعد رحلة طويلة في العربة، لم يتبقَّ لدي الكثير من الطاق —هل سأتمكن من الوصول قبل أن يخذلني جسدي؟
لكن العربة كانت قد غادرت بالفعل، ولم يكن أمامي خيارٌ آخر.
خطوت بحذر، و كانت قدميّ تثقلان أكثر مع كل خطوة.
‘يجب أن أُسرع قليلًا.’
رغم أنني انطلقت مع بزوغ الفجر، كانت الشمس الآن في كبد السماء.
ورغم أن المنطقة مجاورة، إلا أن مغادرة أراضي الدوقية استغرق وقتًا طويلًا كالعادة.
ومع ذلك، السبب الذي جعلني أزور قصر كوينياردل هو رغبتي في التحقيق بشأن فساد جوزيف، قبل أن ألجأ إلى كاين لطلب المساعدة.
على سبيل المثال، خطته في القصة الأصلية لإنشاء كازينو غير قانوني، والتي كُشف عنها بإيجازٍ في أحد الفصول الجانبية.
أنا لا أرغب في تلويث يدي بالدماء، لكن لا يمكنني ببساطة الذهاب إلى كاين والقول: “أرجوكَ، دمّر عمي!”
بما أن جوزيف شخصٌ معروف بملاحقته لمصالحه الشخصية وستر فضائحه، فلا بد أن زيارة القصر ستُسفر عن خيطٍ ما، مهما كان صغيرًا.
كنت مشتعلةً بالعزيمة عندما…
“آنسة إيرفين؟ هل أنتِ حقًا الآنسة إيرفين؟”
سمعت صوت رجلٍ مألوف من مكانٍ ما.
‘ما هذا؟ من هناك؟’
نظرت حولي، لكن لم يكن هناك أحدٌ في الأرجاء.
ثم فجأة، جاء صوت خشخشة من فوق شجرة خلفي، تلاه صوتٌ مألوف.
“يا إلهي! إنها آنستنا إيرفين حقًا!”
ثم سُمِع صوت ارتطام قوي بشيء ضخم سقط على الأرض.
كان مصدر الصوت هو البستاني في قصر كوينياردل، الذي اعتنى بالحديقة منذ أن كانت إيرفين صغيرة. يبدو أنه كان يقص الأغصان من فوق الشجرة.
“يا آنسة، ما الذي جاء بكِ فجأةً هكذا؟”
“كيف حالكَ؟ أردت فقط أن أزور القصر بعد غيابٍ طويل. الحديقة التي كانت تحبها أمي لا تزال جميلةً كما كانت.”
“بل كانت أجمل عندما كنتِ هنا، آنسة. لو علمتُ بقدومكِ، لزيّنت الأشجار كلها بشرائطَ ملوّنة!”
بصراحة، حتى لو كانت هذه هي إيرفين الحقيقية، لكانت كرهت ذلك، لكنني لم أستطع قول ذلك. فاكتفيت بابتسامةٍ لطيفة.
“سأحرص على إبلاغكَ في زيارتي القادمة. جئت اليوم فقط لأخذ بعض الأشياء.”
“على كل حال، من الجيد رؤيتكِ بخير. أرجوكِ، قبل أن ترحلي، ابحثي عني. أريد أن أريكِ الحديقة التي اعتنيتُ بها وأنا أتذكركِ.”
“حسنًا، سأفعل. شكرًا لك.”
وبينما كنت أبتعد عن البستاني متجهةً إلى مدخل القصر، وكأن هناك من رتّب الأمر، بدأ الخدم يظهرون واحدًا تلو الآخر أمامي.
بينما كنت أحيّي الخدم الذين استقبلوني بفرح واحدًا تلو الآخر، نسيت تعب الطريق ووصلت أخيرًا إلى المدخل.
ما إن فُتح الباب ودخلت، حتى وجدت جوزيف واقفًا في منتصف البهو وكأنه كان بانتظاري.
“إيرفين. مضى وقتٌ طويل. تغيرتِ كثيرًا منذ آخر مرةٍ رأيتكِ فيها.”
وجهه وهو يحييني بالكاد يشبه وجه عمّ يحدّث ابنة أخيه—كان متجهمًا وممتلئًا بالضيق.
“صحيح. لقد مرت أكثر من سنتين، أليس كذلك؟ ويبدو أنكَ، يا عمي، قد شختَ أكثر في هذا الوقت. يجب أن تعيش طويلًا إن أردت الحفاظ على مكانكَ هذا.”
“ما هذا الأسلوب في الحديث؟ هل تظنين أنكِ أصبحتِ من أفراد الدوقية لمجرد أنكِ تعيشين هناك؟”
“من يدري؟ أليست هذه طبيعتي دائمًا؟”
لكن الحقيقة أنها لم تكن كذلك أبدًا. إيرفين الحقيقية كانت دائمًا مؤدبة، حتى مع عمٍّ كهذا.
لكن لمَ عليّ أنا أن أكون كذلك؟
“أم أنكَ بدأت تهذي من كبر السن؟ هل فقدت ذاكرتكَ؟”
كنت أتمنى أن أتصرف مثل إيرفين، لكن…..كيف لي أن أتجاهل هذا الشعور بالقرف؟
ضحك جوزيف ضحكةً قصيرة متعجبة، ثم هز رأسه وتحدث بصوتٍ ناعم بطريقة مقززة.
“في الواقع، كنت أنوي الحديث معكِ على أي حال، ويبدو أنكِ وصلت في الوقت المناسب.”
***
تبعته دون اعتراضٍ حتى وصلنا إلى غرفة الضيوف.
كان يحتسي الشاي على مهل، غير مبالٍ، وأنا جالسةٌ أمامه، إلى أن فتح فمه أخيرًا بالكلام.
“أصبحتِ في الثالثة والعشرين من عمركِ الآن، أليس كذلك؟”
وضع جوزيف فنجان الشاي على الطاولة بصوتٍ مقصود، ثم نظر إليّ بعينين ضيقتين.
“ألا تظنين أنه قد حان الوقت لتفكري في الزواج؟ إلى متى ستبقين في بيت رجل، تبررين ذلك بكونه صديقًا؟ ألا يجدر بكِ أن تعقلي أخيرًا؟”
انتظرت بصمتٍ حتى أنهى كلامه.
وبمجرد أن أشار بيده، بسط الخادم الأوراق التي كان يحملها كما لو كان ينتظر الإشارة.
كانت تحتوي على صور رجالٍ ومعلوماتهم الشخصية.
“ما هذا؟”
“ألا ترين جيداً؟ هؤلاء هم المرشحون ليكونوا أزواجكِ. اختاري أكثر من يروق لكِ. لقد اخترت لك بعناية رجالًا يليقون بكِ.”
حديثو ثراء، مقامرون، أصحاب نوادٍ ليلية…..مجرد نظرة سريعة كانت كافية لأدرك أنهم الأسوأ.
كتمت غضبي وأنا أعض على شفتي، لكن جوزيف أضاف بجملةٍ أشعلت النار بداخلي.
“اعلمي أن الرجل الغني هو كل ما تحتاجه المرأة. تنفقين أمواله على الفساتين الفاخرة والمجوهرات اللامعة، وتدللينه في السرير بابتسامتكِ. هذا هو دوركِ.”
هذا العجوز المجنون…..هل يدرك حتى ما الذي يهذي به؟
__________________
ذاه كلام عم لبنت اخوه؟💀
ايدن زفت خيخة شغلته بس ينهوس ويغار لو انه خايف عليها صدق ليه ماراح معها؟ على الاقل نستفيد منه
المهم خدم عائلتها يجننون اشوا ماطردهم عمها🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 10"