كانت الليالي تمضي بطيئةً فوق صدر إلينور، يثقلها الخوف من القادم والقلق على ذاك الجسد الصغير الذي يتلاشى أمام عينيها يومًا بعد يوم. لم تعد تدرك إن كان ما يسكنها هو شفقةٌ على طفلٍ لم يُعطَ فرصةً للحياة، أم خوفٌ من أن تفقده قبل أن تعتاد وجوده في قلبها.
وفي مساءٍ موحش، سكن القصر في صمتٍ عميق، غير أنّ سعالًا متقطّعًا انطلق من الغرفة الصغيرة، كخنجرٍ يمزّق سكون الليل. هرعت إلينور إلى الداخل، فإذا به جالسٌ على سريره، وجهه شاحب كالقمر في آخره، وعيناه تلمعان بدموعٍ معلّقة لم تجد الجرأة على الانهمار.
اقتربت وجلست إلى جواره، ومدّت يدها تتحسّس شعره المتناثر: – “ألم أوصِكَ أن تغفو مبكّرًا؟”
رفع رأسه بصوتٍ واهنٍ يقطّع نياط القلب: – “أخشى إن أغمضت عينيّ… ألا أستيقظ مجددًا.”
ارتجف قلبها كطائرٍ مذعور، وعجز لسانها لحظةً عن الرد. كيف لطفلٍ أن يحمل في صدره فكرة الموت بهذه البرودة؟ قبضت على يده المرتعشة، وأحاطتها بكل دفءٍ تملكه: – “ما دمتُ بجوارك فلن أدعك ترحل، أعدك… لن تكون وحدك أبدًا.”
وفي تلك اللحظة، انفتح باب الغرفة، فوقف الأب على العتبة، عيناه تحملان قسوةً تُخفي تحتها حزناً غائرًا. قال بلهجةٍ صارمة: – “إلينور… لماذا تسمحين له بملء رأسه بتلك الأفكار؟ يجب أن يكون أقوى.”
استدارت إليه بعينين دامعتين، وصوتٍ مشوبٍ بالغضب: – “هو لا يحتاج إلى القسوة، بل إلى قلبٍ يحتضنه. ألا ترى؟ إن روحه تذبل قبل جسده.”
ساد الصمت لحظةً، وتردّد في عينيه صراعٌ بين عنادٍ موروث وشفقةٍ يخشى الاعتراف بها. تقدّم بخطًى بطيئة، وجلس على الكرسي إلى جانب السرير، مدّ يده المرتجفة كأنما يتعلّم للمرة الأولى كيف يكون أبًا.
الطفل نظر إليهما معًا، وكأن خيطًا غير مرئيٍّ قد نسج بين الثلاثة، خيطٌ هشّ لكنه ينبض بالحياة. همس بصوتٍ خافتٍ كدعاء: – “أريدكما أن تبقيا معي… حتى لو رحلت.”
انفجرت الدموع من عيني إلينور، فاحتضنته بكل ما في قلبها من حنان، كأنها تحاول أن تحبس الزمن بين ذراعيها. ولأول مرة منذ دخولها هذا القصر، شعرت أنها لم تعد غريبة. لقد تكوّنت رابطة جديدة، مزيجٌ من خوفٍ وألمٍ وحبٍّ غامض، كقيدٍ أبديّ لا يُكسر.
التعليقات لهذا الفصل " 7"