جلسَت إليانور قرب السرير، تُطعم سيليا قطعًا صغيرة من الحساء الدافئ. الطفلة تتناول الطعام ببطء شديد، لكن عينيها بقيتا عالقتين بوجهها وكأنها تخشى أن تختفي فجأة.
– “هل يعجبك الطعم؟” سألتها إليانور برفق.
أومأت سيليا بخجل، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة ارتجفت معها شفتاها: – “أشهى من كل ما أكلته من قبل…”
ضحكت إليانور بخفة: – “أهذا لأنني أطعمكِ بنفسي؟”
أجابت الطفلة بصوتٍ خافت: – “ربما… أشعر كأنني لست وحيدة.”
تجمد قلب إليانور للحظة. كيف لفتاة بهذا العمر أن تعرف معنى الوحدة؟ ضمّتها إليها، فارتخت سيليا بين ذراعيها، وكأنها استسلمت لدفء لم تذقه من قبل.
في تلك اللحظة، طُرق الباب بقوة. فُتح، وظهر رجل في منتصف عمره، يحمل حقيبة طبّية. انحنى قليلًا وقال: – “سيدتي… أنا طبيب السيّدة الصغيرة.”
تقدّم إلى سرير سيليا، وبدأ بفحصها. لاحظت إليانور كيف تجمدت ملامح الطفلة فور رؤيته، عيناها امتلأتا بالذعر، قبضتاها تشنجتا فوق الغطاء.
أمسكت إليانور يدها وقالت بحزم: – “لا تخافي، أنا هنا.”
أنهى الطبيب فحصه بعد دقائق، ثم التفت إلى إليانور قائلاً بصوتٍ منخفض: – “الحالة لم تتحسن… المرض يتقدّم.”
كلماته سقطت مثل حجر ثقيل في صدرها. لكنها أخفت صدمتها أمام سيليا، وأجابت بثبات: – “شكرًا، سأهتم بها.”
غادر الطبيب، تاركًا وراءه صمتًا مثقلاً. نظرت سيليا إلى إليانور بعيون دامعة وهمست: – “هل… سأموت قريبًا؟”
شهقت إليانور، ثم أمسكت وجهها الصغير بين كفيها قائلة بحزم: – “لا تقولي ذلك أبدًا! أنتِ ستعيشين، وسأفعل كل شيء لأجل ذلك. لا تستسلمي… هل تسمعين؟”
للمرة الأولى، ظهرت ابتسامة حقيقية على شفتي سيليا، ابتسامة نقية كأشعة شمس اخترقت الغيوم: – “أمي… أعدك أنني سأحاول.”
وفي تلك اللحظة، عرفت إليانور أن حياتها لم تعد ملكًا لها، بل لهذه الطفلة.
التعليقات لهذا الفصل " 4"