لم تذق إلينور طعم الراحة منذ تلك المواجهة. كلما نظرت إلى الطفل، أحست أن عقارب الساعة تسحب روحه ببطء، وأنها إن بقيت مكتوفة اليدين فستُدان بخيانة الأمومة التي منحتها له.

ذات مساء، جلست قرب السرير، تمسّد شعره الناعم بينما يغطّ في نومٍ مضطرب. وفي عينيها وعدٌ صامت: “سأقاتل من أجلك حتى آخر نفس.”

في اليوم التالي، خرجت من القصر بحجةٍ واهية، يرافقها أحد الخدم. كانت وجهتها السوق القديمة، حيث تختلط رائحة الأعشاب بالعطور، وتتعانق أصوات التجار مع أنين المرضى. هناك، سمعت همسًا عن رجلٍ يعيش في أطراف المدينة، يُقال إنّه يعالج أمراضًا لا يقوى الأطباء على تسميتها. البعض يراه دجّالًا، والبعض يراه الأمل الأخير.

اقتربت من امرأة عجوز تبيع التمائم، وسألتها بصوتٍ خفيض:
– “هل حقًا هناك من يشفي العلل التي لا دواء لها؟”

ابتسمت العجوز ابتسامة غامضة، وأجابت:
– “هناك دائمًا دواء، يا ابنتي، لكن لكل دواء ثمن. ابحثي عن صاحب الكوخ الأسود عند حافة الغابة… ستجدين ما لم تجديه في القصور.”

ارتجف قلب إلينور، بين خوفٍ من الوقوع في وهمٍ قاتل ورغبةٍ في التشبث بأي خيطٍ من الأمل.

حين عادت إلى القصر، واجهها زوجها بنظرةٍ حادة:
– “إلى أين ذهبتِ؟”

ترددت لحظة، لكنها أجابت بثبات:
– “إلى حيث يجب أن أذهب. لن أبقى حبيسة جدرانك بينما ابنك يذبل أمامي.”

تغيّر وجهه، وصرّ على أسنانه، ثم قال بصوتٍ يقطر مرارة:
– “ذلك الطريق محفوفٌ بالمخاطر. من يعبث بالأبواب المحرّمة قد يخسر أكثر مما يظن.”

لكنها لم ترتجف، بل رفعت رأسها بعزم:
– “ليخسر قلبي، ليخسر جسدي، لكنني لن أسمح أن يخسر هو حياته.”

وفي تلك الليلة، وقفت عند نافذتها، تحدّق في الغابة البعيدة. كان القمر يغمرها بنوره الفضيّ، كأنه يرسم لها طريقًا إلى المجهول. لم تكن تعلم أن ما ينتظرها هناك لن يكون مجرد علاج… بل بداية لعاصفة ستحرّك مصير الجميع.