وبينما كان انتباه سالي منصبًا على شعرها، أخرجت غريس العقد المخفي تحت اتساع فستانها وأدخلته خلسة في الصندوق. ثم سألتها.
فأجابتها سالي بصوت قلق:
“لكن الجو أبرد من البارحة، هل ستكونين بخير؟”
“نعم، لا بأس.”
“حسنًا إذن. لكن علي أن ألبسك معطفًا أثخن.”
“شكرًا لك يا سالي.”
“إذن، مثل الأمس، ستخرجين بعد تناول وجبة خفيفة، صحيح؟ في هذه الحالة سأجهز العربة أثناء تناولك الطعام.”
وبعد أن صففت شعر غريس الطويل إلى أعلى بمهارة، أحضرت سالي معطفًا أثخن بدلًا من المعطف المعلّق بجانب طاولة الزينة.
ارتدت غريس المعطف، ثم ألقت نظرة على ساعة الحائط الضخمة المعلقة على الجدار، وارتسمت على وجهها ابتسامة سعيدة.
بعد أن أنهت غريس إفطارها البسيط وخرجت إلى الحديقة، انكمش جسدها بسبب الرياح الباردة التي هبت عليها.
وكما قالت سالي، كان الطقس اليوم أبرد من الأمس. نفخت غريس على يديها المغطيتين بالقفازات، ثم رفعتهما إلى وجهها المتجمد في لحظة، وسارت بحذر داخل الحديقة محاولة استرجاع الطريق من ذاكرتها.
على عكس الأمس، التفتت سالي هنا وهناك بفضول، ثم وجهت سؤالها إلى غريس التي كانت تبدو وكأنها تبحث عن شيء ما.
“هل تبحثين عن شخص أو مكان بعينه يا سيدتي؟”
“آه، نعم. يعني… شيء من هذا القبيل.”
أجابت غريس باقتضاب وهي تواصل النظر حولها.
وبعد دقائق من التجوال، وصلت أخيرًا إلى المكان الذي التقت فيه ليون بالأمس، وبدأت تفتش بعينيها بين الشجيرات الصغيرة التي يمكنه الاختباء فيها.
“يا إلهي، سموّ الصغير! ماذا تفعل هنا؟”
صرخت سالي بصوت مرتفع مليء بالدهشة، فالتفتت غريس بسرعة واتجهت نحوها.
وهناك، خلف شجيرة صغيرة حيث تقف سالي، كان ليون جالسًا القرفصاء وهو يرتدي نفس المعطف الأسود الذي ارتداه بالأمس.
اقتربت غريس بسرعة وجلست لتكون في مستوى نظره، ثم قالت بابتسامة:
“مرحبًا يا ليون، صباح الخير.”
“… صباح الخير، يا ليدي.”
تردد ليون قليلاً قبل أن يرد، ثم أومأ برأسه تحيةً لها.
‘كم من الوقت كان ينتظرني هنا؟’
نظرت غريس بقلق إلى يديه المتجمدتين وأصابعه الحمراء، وقبل أن تتكلم، سألتها سالي بدهشة:
“سيدتي! كيف تعرفين السيد ليون؟”
“التقينا صدفة البارحة. صحيح يا ليون؟”
“… نعم.”
ابتسمت غريس وسألت ليون ثانية وكأنها تؤكد كلامها، فأجاب بصوت منخفض.
ثم اقتربت أكثر من الصبي الذي ما زال يخفي عينيه خلف قناع كما فعل بالأمس.
“هل انتظرتني طويلًا؟”
“… لا.”
“كيف لا؟! انظر إلى يديك المتجمدة. لو علمت لخرجت أبكر قليلًا.”
قطبت غريس حاجبيها وأمسكت بيديه المتجمّدتين، وغطتهما بيديها ثم نفخت فيهما أنفاسها الدافئة. اتسعت عينا ليون من الدهشة خلف القناع.
‘يا ترى، هل أزعجته؟’
ارتبكت غريس حين رأت ملامحه المصدومة، فأفلتت يديه على الفور وقالت:
“ماذا؟ هل ضايقك الأمر؟ أنا آسفة، لم أقصد لمس يديك هكذا.”
“… لا، ليس هكذا….”
“إذن؟”
“قد… قد تصابين بلعنة.”
سحب ليون يديه سريعًا وأخفاهما خلف ظهره، وعبس بشفتيه وكأنه على وشك البكاء.
نظرت إليه غريس بأسى.
‘طفل لا يتجاوز الخامسة… كم كانت هذه الكلمة (اللعنة) عبئًا ثقيلًا عليه؟’
هي أيضًا قد عانت في عائلتها آل ألبرتون لكونها بلا “قدرة سحرية”، ما جعلها موضع سخرية واحتقار.
لذلك أدركت جيدًا كم هو مؤلم أن يتحمل المرء نظرات باردة، وأن يلوم نفسه في صمت.
أومأت غريس برأسها مبتسمة بمرارة ثم قالت:
“ليون، هل تذكر ما قلته لك بالأمس؟”
“… أي جزء تقصدين؟”
“قلت لك، إن قالوا إنك ملعون، فدع الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى.”
“… آه.”
“وإن نسيت، فسأعيدها ثانية. يا ليون، لا يمكن لإله رحيم أن يلعن طفلًا لطيفًا مثلك. أليس كذلك يا سالي؟”
“بالطبع يا سيدتي! كلامك كله صحيح.”
ابتسمت سالي وأكدت كلام غريس، بينما التفت ليون بعينيه المختلفتي اللون (العينان الغريبتان) نحو غريس وسأل بتردد:
“… حقًا؟”
“طبعًا.”
“لكن الآخرين يقولون إني ملعون….”
رغم تأكيد غريس، لم يستطع ليون تصديق الأمر بسهولة.
كانت غريس تعلم أن مجرد كلمات قليلة لن تمحو جرحًا عميقًا كهذا. لكن في الوقت ذاته، لم ترغب أن ترى هذا الطفل يكرر أمامها أنه ملعون.
‘ماذا أفعل؟’
فكرت قليلًا، ثم خطرت ببالها فكرة فجائية جعلتها تبتسم بخفة.
‘صحيح… سأفعل ذلك.’
تظاهرت بالجدية، وأبعدت عينيها عن ليون متعمدة التنهد بعمق.
“حقًا؟ هذا محرج إذن.”
“… ماذا تقصدين؟”
“كنت قد حضرت هدية لأنني سمعت أن عيد ميلادك قريب… لكنك تصر على أنك ملعون.”
“…!”
“لا بأس، سأعطي هذه الهدية لطفل آخر إذن.”
أخرجت غريس صندوقًا مخمليًا من صدرها ولوّحت به أمامه.
ارتجفت عينا ليون خلف القناع وهو يحدق بالهدية بشدة. أرادها، لكن كان عليه أن يتخلى عن اعتقاده بأنه ملعون.
اقتربت غريس أكثر وقالت:
“إن تراجعت عن كلامك الآن، سأعطيك الهدية.”
“… حقًا؟”
“بالطبع!”
“… إذن سأتراجع. أنا، ليون، لست طفلًا ملعونًا.”
“أحسنت.”
وضعت غريس الصندوق المخملي في يديه الصغيرتين.
ضم ليون الهدية بكل حرص، وظل يحدق بها طويلًا.
“ألن تفتحها؟”
تردد قليلًا ثم فتح الصندوق.
وبين المخمل الداكن، تألّق عقد من التوباز الأزرق الفاتح بلون السماء.
سألت غريس، وهي تراقب وجهه المنبهر:
“… لا يعجبك؟”
هز ليون رأسه نافيًا بسرعة، ثم أخرج العقد من الصندوق وأمسكه بكلتا يديه بقوة.
“أنا… أنا أحبه كثيرًا.”
“حقًا؟”
“نعم! حتى لو طلبه أحد، لن أعطيه أبدًا!”
شد العقد إلى صدره بحرص شديد، فابتسمت غريس بفرح لرؤيته.
وانعكس فرح الطفل على قلبها أيضًا.
أما سالي، التي راقبت المشهد من بعيد، ابتسمت بدفء وقالت:
“سمو الصغير، هل أعجبتك الهدية إذن؟”
“نعم!”
“إذن هل شكرت سيدتي عليها؟”
“آه، صحيح… شكرًا جزيلاً، يا ليدي!”
“وأنا سعيدة لأنك فرحت بها.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"