أجابته مبتسمة وهو يكرر كلماتها مثل فرخ صغير يقلد. ثم وضعت العقد حول عنقه بإحكام وقالت:
“احرص على ارتدائه دائمًا، حتى لا تفقده.”
“… شكرًا لكم.”
“أحسنت.”
مدت يدها لتربت على شعره الطويل، لكن الطفل فجأة ارتعد وسقط جالسًا، ينظر إليها بوجه مرتعب وكأنه سيبكي في أي لحظة.
تفاجأت غريس وسألته بارتباك:
“ماذا… ماذا هناك؟ هل أزعجك أنني حاولت مد يدي إلى رأسك؟”
أومأ الطفل بالنفي بسرعة.
اقتربت غريس أكثر وحاولت النظر في عينيه قائلة:
“إذن لماذا؟ هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟ سأعتذر إذا أردت، فقط لا تبكِ، حسنًا؟”
تمتم الطفل بصوت خافت بالكاد يُسمع:
“… قد يكون… ملعونًا.”
“هاه؟ ماذا قلت؟”
رفع يديه الصغيرتين أمامها كما لو أنه يحاول منعها من الاقتراب، وكرر بصوت يرتجف ممزوج بالدموع:
“قالوا إنني… قد أكون ملعونًا. لذا، لا يجب…”
“… ماذا؟”
كانت كلمات الطفل شيئًا لم تتوقعه غريس أبدًا.
ترددت غريس للحظة، غير متأكدة إن كانت قد سمعت جيدًا، فأعادت السؤال. عندها، عضّ الطفل شفته السفلية وكاد ينفجر بالبكاء، ثم قال بصوت خافت متهدج:
“……أنا آسف. من فضلك، لا تكرهيني.”
“ماذا؟ لماذا؟ على ماذا تعتذر؟ ولماذا أظن أنني سأكرهك؟”
“لأني… من قبل… الليدي بيانكا قالت لي… لا يحق لي أن ألمس أي شخص من دون إذن، ولا يجب أن أتجرأ وأطلب من أحد أن يربّت على رأسي. ولكن… قبل قليل…”
“……ولماذا قالت لك الليدي بيانكا أنك لا يجب أن تُلمَس؟”
“أنا… منذ ولادتي… تسببت في موت أمي… قالوا إنني طفل ملعون… وإذا لمسني أحد، فستنتقل اللعنة إليه. والآخرون أيضًا… كلهم يقولون لي… لا تقترب، لا تقترب… وإلا ستنقل لي لعنتك…”
انفجرت الدموع المتجمعة في عيني الطفل أخيرًا، فانهمرت على خديه.
تألم قلب غريس لرؤية الطفل يمسح دموعه بيديه الصغيرتين، محاولًا إخفاء عينيه خلف شعره الطويل، وهو يبكي بحرقة.
(كيف يمكن لأحد أن يُلقي كلمات قاسية كهذه على طفل لا يتجاوز الخامسة؟)
شعرت غريس بانقباض مؤلم في صدرها، ثم مدت يدها لتضعها على رأس الطفل، تداعب برفق خصلات شعره الطويل وتزيح الغرّة عن عينيه وهي تقول بصوت دافئ:
“لا تصغِ لتلك الكلمات. لا، بل انسها تمامًا.”
“……هاه؟”
“الله رحيم وعادل. لا يمكن أن يُلقي بلعنة مرعبة على طفل بريء مثلك. هذا مستحيل.”
كانت غريس تمسح بيدٍ دموع الطفل، وبالأخرى تربّت على رأسه بحنان، بينما عضّت على شفتيها بقوة لكبح الغضب المتصاعد في داخلها.
الشفقة التي شعرت بها تجاه الطفل تحولت سريعًا إلى غضب عارم على من وجّهوا له تلك الكلمات المؤذية.
(كيف يمكنهم أن يقولوا مثل هذه القسوة؟)
لو لم يرغبوا في الاقتراب منه أو لم يرغبوا في منحه الحنان، لكان يكفي أن يرفضوا بلطف. لكن أن يجرحوه بكلمات كهذه؟ هذا ما لا يُغتفر.
أخذت أنفاس غريس تتسارع، تعكس الغليان الذي اجتاحها.
> “حتى تعويذة سحر بسيطة من الدائرة الأولى لم أستطع تنفيذها… ومع ذلك، كانوا يتوقعون مني أن أجلب لهم الفخر؟”
“أنتِ عار على عائلتنا، يا غريس.”
“فكّري فقط في الزواج. على أي حال، لن تجدي سوى رجل من الدرجة الثانية، أبدًا لن تحصلي على شخص بمستوى ولي العهد المستقبلي الذي سأكون زوجته أنا!”
“……آه، هكذا كان.”
السبب في أن كلمات الطفل هزّتها بهذا الشكل، أنها رأت نفسها فيه.
الجراح التي كشفها الطفل وهو يبكي كانت متطابقة تقريبًا مع الجراح التي ما زالت محفورة في قلبها منذ الماضي.
وبينما تتذكر بوضوح الشتائم والإهانات التي تعرضت لها من قبل، نظرت إلى الطفل أمامها وقالت—
“يا صغيري.”
“… نعم؟”
“من الآن فصاعداً، إذا قال لك أحدهم مثل هذا الكلام، فاسمعه من أذن وأخرجه من الأخرى. فهمت؟”
“… أن أتجاهله تقصدين؟”
“بالضبط. انسَه تماماً. هؤلاء الناس فقط يبحثون عن شماعة يفرغون غضبهم عليها. لذلك يتفوهون بما يخطر في بالهم… أعني، يتكلمون وحسب.”
“… لكن…”
“اللعنة ليست إلا على أولئك الذين ارتكبوا جرائم شنيعة لا يغفرها حتى الإله نفسه. كيف يمكن أن تُلقى لعنة على طفل طيب، لطيف، وبريء مثلك؟ من قال ذلك؟ من اليوم وصاعداً، أي شخص يقول مثل هذا الكلام، أحضره إليّ مباشرة. سأوبخه بنفسي.”
“… حقاً؟”
“طبعاً! وسأكون أنا أيضاً من يربت على رأسك. سأفعل ذلك كل يوم.”
أجابت غريس بثقة الطفل الذي سألها بعينين لا تزالان متلألئتين بالدموع.
عندها، ابتسم الطفل، الذي كان يبدو مرتبكاً قبل قليل، بخجل. ابتسمت غريس هي الأخرى لرؤية ابتسامته المشرقة التي كادت أن تُكسر القناع الأسود على وجهها، وقالت:
“يا إلهي، ابتسامتك تجعلك أكثر لطفاً. أنت وسيم فعلاً!”
“… وأنتِ أيضاً جميلة يا سيدتي. أشبه بالملاك.”
“أوه، حقاً؟ شكراً لك. هذا شرف لي.”
رؤية ابتسامة غريس جعلت الطفل يتخلى تماماً عن حذره، فتقرب أكثر منها.
لم تستطع غريس مقاومة لطفه وعفويته، فمدت ذراعيها واحتضنته بشدة. الطفل، الذي ارتجف فجأة للحظة، أطلق بعدها ضحكة صغيرة وهو يبادلها العناق بذراعيه النحيلتين.
ربّتت غريس على ظهره وجلسا معاً على مقعد قريب، ثم أجلسته على ركبتيها، وأخذت تمسح بيدها على شعره الطويل قائلة:
“لكن، لماذا تخفي وجهك الجميل تحت هذه الغرّة الطويلة؟ ثم إنني أتساءل منذ قليل… لماذا تضع هذا القناع؟”
هل يمكن أن يكون ارتداء الأقنعة موضة رائجة في قصر فيليكس؟
منذ القدم، أي عادة غريبة يتبعها النبلاء كانت تتحول فجأة إلى موضة، لذلك فكرت غريس أن الأمر كذلك مع هذا الطفل أيضاً، بينما كانت تُزيح بيدها الشعر الذي يغطي نصف وجهه.
“… آه!”
في تلك اللحظة، شهقت غريس لا إرادياً حين رأت عين الطفل اليمنى الزرقاء الفاتحة.
عينه اليسرى حمراء، واليمنى زرقاء. عينان مختلفتان، ساحرتان، أسرتا القلوب. غريس كانت تعرف تلك العينين جيداً.
“… دوق فيليكس.”
ذلك الرجل الذي عقدت معه بالأمس زواجاً سياسياً خالياً من أي مشاعر. عينا هذا الطفل تشبهان عينيه تماماً.
“إذن، هذا الطفل هو بالضبط… ‘ليون فيليكس’، الأخ الملعون لـ’الدوق الوحش’.”
لماذا لم تلاحظ ذلك مباشرة؟ عينه اليسرى الحمراء كانت مطابقة تماماً لعينه.
وبينما كانت تلوم نفسها على غبائها، نظرت شاردة إلى الطفل، ليون.
عيناه كانتا تملكان قوة سحرية تُفتن الناظر، وكأنها ليست عيون إنسان. تماماً مثل عيني آرثر. غريس لم تستطع أن تُبعد نظرها عن ذلك الـ”أود آي” (العينان المختلفتان).
عندها، نظر ليون إليها بخجل ليرى ردة فعلها، لكنه ما لبث أن استحضر في ذهنه نظرات مألوفة، فبدأ صوته يرتجف بالبكاء. غطى عينيه الصغيرتين بيديه المرتجفتين وقال:
“… أ… أرجوكِ، لا تكرهيني.”
“… ماذا؟ لا، مستحيل. كيف لي أن أكرهك؟ هم؟ لا تبكِ.”
بينما كانت غريس مرتبكة أمام بكاء ليون، جاء صوت يناديه بقوة:
“ليون!”
من الجهة المقابلة للحديقة، كان آرثر يركض مع فرسانه، ينادي اسم ليون بلهفة. كان يبحث في كل اتجاه، يدور برأسه بحثاً عن صوته وملامحه، حتى التقت عيناه فجأة بعيني غريس الجالسة على المقعد.
تفاجأ قليلاً برؤيتها، لكنه ما إن رأى ليون يبكي وهو جالس في حجرها حتى تغيرت نظراته فجأة إلى حادة ومرعبة.
سريعاً، اقترب منها، وانتزع ليون من بين ذراعيها قائلاً بصرامة:
“… ماذا تظنين نفسك تفعلين؟”
“هاه؟”
“هل نسيتِ الشروط التي وضعتها؟ لقد قلتُ لك بوضوح، باستثناء أمرين-عدم التدخل في شؤون قصر فيليكس الداخلية، وعدم إيذاء ليون-يمكنكِ أن تفعلي ما تشائين.”
“… ها.”
“هل هذا بسبب عقد ليون؟”
نظر إليها آرثر بعينين شرستين، وكلماته خرجت كزمجرة، جعلت غريس تضحك بمرارة من شدة دهشتها.
وقفت من على المقعد، ونظرت في عينيه مباشرة قائلة:
“ولماذا تأتي بسيرة العقد الآن؟ ثم إن كلماتك توحي وكأنني كنت أضايق ليون.”
“إذن، أليست الحقيقة كذلك؟”
“لا، ليست كذلك!”
أجابت غريس بحدة، فنظر إليها آرثر بريبة أكبر وقال:
“إذن، لماذا كان ليون يبكي؟”
“لا أعرف. حقاً لا أعرف. كل ما فعلته أنني داعبت شعره لأنه كان جميلاً ولطيفاً، وفجأة غطى عينيه وبدأ بالبكاء وهو يردد: ‘أرجوكِ لا تكرهيني’.”
“… هل رأيتِ عينيه؟”
ازدادت نظرات آرثر قسوة، كأنه وجد تفسيراً لكل شيء. سخر بابتسامة باردة وقال:
“الآن فهمت. لماذا غطى عينيه وبدأ بالبكاء.”
“… ماذا تعني؟”
“حين رأيتِ عينيه، هل فقدتِ القدرة على الكلام وظللتِ تحدقين فيه؟ ثم، مثل من يواجه وحشاً، هل أظهرتِ خوفاً، وتجنبتِ النظر إليه؟”
“…!”
“تماماً كما حدث في حفل زفافنا، حين التقت عيناك بعيني.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات