لحسن الحظ، وعلى الرغم من بُنيته الكبيرة، إلا أن خطوته لم تكن واسعة جدًا، مما سمح لغريس أن تلحق به بسهولة.
كانت تتبعه على مسافة خطوتين تقريبًا، فيما أخذت تلتفت بعينيها لتتفقد قصر فيليكس.
القلعة، المبنية بجدران حجرية صلبة لتناسب مناخ الشمال البارد، بدت فخمة بما يليق بكونها الأكبر في الإمبراطورية. لكنها مع ذلك كانت كئيبة إلى درجة لا يوجد فيها ما يلفت النظر.
لعل السبب في ذلك هو وفاة دوقة فيليكس، أخت الإمبراطور السابق وصاحبة القصر الأصلية، وتركه مهجورًا لوقت طويل. فبدا أن الحديقة المركزية، وقد غطى الثلج الأبيض نباتاتها الذابلة، مزينة بقطع مكسورة عفا عليها الزمن، فأضحت بالية وبائسة.
يبدو أن دوق الوحش، آرثر فيليكس، لم يكن بارعًا في تجميل القصور. ذلك ما فكرت به غريس وهي تحدق في ظهره، بينما هو يواصل السير دون أن يلتفت.
“…هنا بالضبط سيكون غرفة نومك، سيدتي.”
بعد أن اجتازا الحديقة المركزية، ثم بابًا آخر، وصعدا سُلّمًا رخامياً حلزونياً، توقف آرثر عند أحد الأبواب.
مدّ يده أولًا نحو مقبض الباب وفتحه، ثم أشار بيده إلى الداخل نحو غريس. وبدا أن تلك الإشارة تعني الدخول. بتردد، تجاوزته غريس ودخلت الغرفة.
“…يا إلهي.”
المنظر الذي قابل عينيها كان على خلاف تام مع ما تخيلته.
سرير ضخم يكفي لثلاثة أشخاص مع مظلة بيضاء أنيقة، جدران مغطاة بورق حائط وردي دافئ، طاولة زينة من الفضة، خزانة واسعة، ونوافذ كبيرة تطل على شرفة. كل ذلك على الطراز العصري الرائج في العاصمة.
أصابها الذهول وهي تقارن بين جو القصر القاتم الذي رأته قبل قليل وهذه الغرفة المشرقة.
“هل أعجبكِ المكان؟”
“…آه، نعم.”
سألها آرثر بصوت بارد وهي تتأمل الغرفة بدهشة. فأجابت وهي تهز رأسها على عجل، ورأت من خلف قناعه أن عينيه قد تضيقان قليلًا. ثم سرعان ما سعل سعالًا قصيرًا وتأكد من دخولها الغرفة تمامًا، قبل أن يتراجع خطوة إلى الوراء ويقول:
“إذن، استريحي الآن. هناك باب صغير يؤدي إلى الحمام، يمكنك الاستحمام هناك.”
“…نعم؟ آه، نعم.”
“أما أمتعتكِ، فقد أمرت بترتيبها غدًا، فلا تقلقي من أن تقتحم الخادمات راحتك.”
“…آه، فهمت.”
حتى قبل أن تسأله، كان يجيب عن أكثر ما قد يشغل بالها. لكن كلماته بدت وكأنه يقول: “أخبرتكِ بكل شيء فلا تسأليني أكثر.” فما كان منها إلا أن أومأت برأسها بخجل.
شدّ آرثر شفتاه قليلًا ثم أطلق تنهيدة قصيرة وقال:
“أعرف ما يقلقكِ. لكن صدقيني، ما تتخيلينه لن يحدث أبدًا.”
“…ماذا؟ ما الذي أتصوره؟”
“لا الليلة، ولا الغد، ولا إلى الأبد. ما يُسمى ليلة الدخلة المروعة مع وحش… لن يكون لها وجود أبدًا.”
“…هاه؟”
“بمعنى آخر، اللعنة الملتصقة بي لن تطالكِ أبدًا.”
اتسعت عينا غريس مندهشة وهي تحدق فيه بعينيه المختلفتي اللونين، الأزرق والأحمر، وهما تحدقان بها بصرامة.
لقد كان كلامه وكأنه قرأ بوضوح أعماق خوفها المخفي. الخوف الذي ظنت أنها أخفته بإحكام، لكنه التقطه بسهولة.
نظر إليها لبرهة ثم أدار رأسه ببرود وقال:
“ما عدا التدخل في شؤون إقليم فيليكس الداخلية، أو الإساءة لأخي ليون، يمكنكِ فعل أي شيء ترغبين به داخل هذا القصر.”
“…أي شيء؟”
“زواجنا هو زواج سياسي بلا حب. لذا لا أنوي فرض أي واجبات زوجية. عشيق، ترف… لكِ مطلق الحرية.”
“…!”
“لقد قلت كل ما أردت. الآن استريحي.”
أنهى كلماته وغادر وهو يغلق الباب وراءه.
بقيت غريس وحدها في الغرفة، تحدق في المكان الذي كان يقف فيه قبل قليل، بعينين فارغتين.
منذ حفل الزواج وحتى وصولهما إلى الإقليم، لم يتحدث بكلمة واحدة، ويبدو أنه كان ينتظر هذه اللحظة فقط ليتحدث. لعلّه كان يراقبها طوال الوقت ليستشف ما في داخلها، مما جعل جسدها يقشعر.
«اللعنة الملتصقة بي لن تطالكِ».
ما الذي يقصده بذلك؟ هل يعني أن لديه القدرة على اللعن لكنه اختار ألا يستخدمها؟ أم أنه لا يملك القدرة أساسًا؟
مهما يكن، لم يكن كلامه مريحًا لها. فهي كانت تعوّل على تلك “اللعنة” كوسيلة للانفصال عنه ونيل حريتها.
لو أنه تجاهلها كليًا أو عاملها بقسوة، لكان تظاهرها بالجنون لاحقًا أسهل. لكنها تنهدت وجلست على السرير المكسو بلحاف ناعم.
«كفى. مهما كان قصده، ما يهم هو أن أخرج من هنا حية وبسلام.»
نعم. هذا يكفي.
لم يكن هناك داعٍ لإعادة التفكير بكلام دوق الوحش.
رفعت جسدها مجددًا. فقد زال همّ الليلة الأولى، وكل ما أرادته الآن هو أن تنغمس في حمام ساخن وتخلد للنوم.
أخذت رداء الحمام المعلّق على الحامل، ودخلت الحمام. وخارج النافذة كان الثلج يتساقط بغزارة من جديد.
—
وهكذا مرّت ليلتها الأولى في إقليم فيليكس، وجاء الصباح.
غطت نفسها بلحاف سميك يكاد يساوي في سمكه جسدها، وغرقت في نوم عميق. لكن أشعة الشمس التي تسللت من النافذة نصف المفتوحة أيقظتها.
“…آه، برد.”
“سيدتي، هل سعلتِ؟”
بينما كانت ترتجف من البرد الذي لم تعهده في العاصمة وتتحرك داخل اللحاف، سمعت صوت خادمة من خلف الباب.
“نعم. لقد استيقظت.”
“هل يمكنني الدخول إذن؟ لقد جلبت ماءً للغسل.”
“آه… حسنًا.”
بعد تردد قصير، أجابت.
فُتح الباب، ودخلت خادمة تحمل صينية عليها إبريق فضي يخرج منه بخار الماء الساخن.
كانت امرأة في منتصف العمر ذات شعر أحمر ونمش، اقتربت منها وقالت:
“تأخرتُ بالتحية، سيدتي. أنا سالي، وسأكون خادمتك من الآن فصاعدًا.”
“تشرفتُ بكِ، سالي.”
“إنه لشرف أن أخدم سيدة جميلة مثلك. هيهي. الجو بارد اليوم، أليس كذلك؟ هل أساعدكِ بالاغتسال هنا؟”
“لا، أعتقد أن الذهاب إلى طاولة الزينة أفضل…”
“حسنًا، سيدتي. سأجلب لكِ معطف الفرو.”
وما إن نهضت غريس من السرير، حتى سارعت سالي لتضع معطفًا فرويًا على كتفيها.
شعرت غريس بالدفء يغمر جسدها البارد، وجلست لتغسل وجهها بالماء الساخن، فيما أخذت سالي تسرّح شعرها الطويل وتثبته بأناقة.
“سالي…”
“نعم؟”
“ماذا عليّ أن أفعل اليوم؟”
سألتها غريس بحذر عن واجباتها لهذا اليوم. أمالت سالي رأسها باستغراب وكأنها لم تفهم السؤال، ثم أجابت بعد لحظة تفكير:
“في الحقيقة… لا شيء، سيدتي.”
“ماذا؟ أقصد… الرد على الرسائل، الإشراف على شؤون القصر… أليست هناك مهام تخصّ دوقة القصر؟”
“لا، سيدتي. فالدوق دائمًا يقول: دعوا الدوقة تفعل ما تشاء. هكذا كان مع الليدي إلكترا من قبل، وحتى مع الآنسة بيانكا، خطيبته السابقة… أوه يا إلهي.”
“…آه.”
“أعتذر، سيدتي، لقد زل لساني…”
قالت سالي ذلك وهي تضع يديها على فمها بسرعة، تدرك خطأها. راحت عيناها الخضراوان الكبيرتان تراقبان رد فعل غريس بقلق. لكن غريس لم تفعل سوى أن ابتسمت ابتسامة خفيفة وأجابت…
“لا، لا بأس.”
“أنا حقًا آسفة، سيدتي. لقد ارتكبت ذنبًا عظيمًا.”
“قلت لكِ لا بأس حقًا. …إذن، لا يوجد ما يجب عليّ فعله، أليس كذلك؟”
“…نعم، سيدتي.”
“هذا جيد إذن. هلّا أخذتِني إلى مكان مناسب للتنزه قليلًا؟ أشعر بالملل، كما أن جسدي متصلب وأرغب بالحركة قليلًا.”
“بالطبع! سألبسكِ فورًا ثوبًا دافئًا! وبعدها نخرج سويًا في نزهة!”
حين طلبت غريس ذلك، وقد مزجت بين رغبتها في التخفيف عن سالي التي تواصل الاعتذار رغم قولها إن الأمر بخير، وبين نواياها الخفية المتعلقة بالهروب، أشرق وجه سالي فرحًا.
أجابت بحماس وسارعت إلى إنهاء تصفيف شعر غريس، ثم ركضت بخفة نحو الخزانة.
ابتسمت غريس ابتسامة صغيرة وهي تضحك بخفوت، ثم نظرت إلى انعكاس وجهها في المرآة. ربما بفضل لمسات سالي الماهرة، بدا وجهها في المرآة غاية في الجمال.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات