رفع جين طرف الستارة بإصبعيه، وألقى نظرة إلى الخارج قبل أن يقول لي:
“حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أننا تحت المراقبة.”
ثم جلس بهدوء أمام الطاولة وتابع كلامه بنبرةٍ مطمئنة:
“بما أن جماعة العقرب الأحمر لا تعرف هدفي بعد، فلن يتوقعوا أننا توجهنا إلى هذه المنطقة.”
وأشار إليّ بذقنه مضيفًا بابتسامةٍ جانبية:
“أو بالأحرى، لا يعرفون ما الذي تفكر به موكلتي السيدة بالضبط.”
جلس مرتاحًا، واضعًا ساقًا على ساق، وأخذ يدحرج بين أصابعه خواتم الآثار التي يضعها وكأنها ألعاب صغيرة.
“أما من جهة بيسيل، فمن المؤكد أنهم لا يعرفون هوية السيدة الحقيقية أيضًا.”
لم أدرِ إن كان ذلك يُعدّ أمرًا جيدًا أم لا، لكنّ شعورًا غريبًا راودني وكأن زمام الأمور بدأ يميل نحوه أكثر فأكثر… إلى الاتجاه الخاطئ تحديدًا.
“حسنًا، ربما من الأفضل هكذا. من الأفضل أن تبقى هوية السيدة طيّ الكتمان.”
قلت وأنا أنظر من حولي:
“يبدو أن الأمن هنا أيضًا ليس على ما يُرام.”
فأجاب جين بسرعةٍ دون تردد:
“المنطقة بعيدة جدًا عن العاصمة، ومعظم من يعيشون هنا فقراء أو منبوذون. لذا، مقارنةً بأراضي الكونت أو بالعاصمة، فالأمن هنا أسوأ بكثير.”
“إذن، ألا يُحتمل أن تمتد سلطة العقرب الأحمر إلى هذا المكان أيضًا؟”
سألت، فابتسم بخفة وهو يلوّح بإصبعه نافيًا:
“الشرق يسيطر عليه تنظيمات أخرى قديمة جدًا، لذا لا يمكن لجماعة العقرب الأحمر أن تتصرف هنا كما تشاء. التنظيمات القديمة تعتبرهم نمورًا منزوعي الأنياب. وبالطبع، ما دام زعيم العقرب الأحمر ليس أحمقًا، فلن يخاطر بإثارة الفوضى في حديقة الآخرين.”
ثم أطلق بإبهامه إصبعًا في الهواء وأردف مبتسمًا:
“بكلمةٍ واحدة، ما علينا سوى الحذر من بيسيل هنا. لا داعي للخوف الزائد يا سيدتي. فكلتا الجماعتين لا تعرفان شيئًا عن هويتك، ولن يسهل عليهما اكتشافها.”
وأشار إلى نفسه ثم إليّ بالتناوب وهو يتابع:
“في النهاية، نحن شخصان لا صلة بيننا على الإطلاق، أليس كذلك؟ ثم إنك لم تقدّمي طلبك رسميًا عبر نقابة المرتزقة، مما يجعل تتبّعنا شبه مستحيل.”
ضحك بخفة ضحكةً مملوءة بالثقة وقال وهو يطرق برأسه:
“لقد استهانوا بي كثيرًا~. لكن في الحقيقة، هم من قلّلوا من شأن الموقف لأنهم أرادوا التغطية على الخطأ الذي كشف ذيلهم. على الأقل، لم يصل الخبر بعد إلى الأمير إنداميون، وإلا لما كنا هنا الآن نستمتع بالهدوء ونأكل الفاكهة.”
ثم أخرج من حقيبته بعض الزخارف التي جلبها من الآثار ولوّح بها بفخر:
“آه، وبالطبع، علينا شكر هذا الصديق العزيز أيضًا.”
جلستُ على حافة السرير أحدّق في ساقيّ المنتفختين وأنا أعبس.
‘في حياتي السابقة ولا الحالية، لم أضطر للسير كل هذا القدر قط… أشعر وكأني مشيت خمسة أيام متواصلة. ساقاي تؤلماني لدرجة الموت.’
لكنني لم أُظهر شيئًا من ذلك، فالحقيقة أن جين كان يراعي راحتي طوال الطريق.
رغم رفضي المتكرر، كان يحملني على ظهره بين الحين والآخر، وتنازل عن معظم الطعام والماء ليتركني أتعافى.
لم أستطع الجزم إن كان ذلك بدافع المهنية، أم أنه طبعٌ أصيل فيه. صحيح أنه يحب المال، لكن لا يبدو بخيلًا أو قاسيًا كما توقعت.
إنه شخصٌ معقّد فعلًا.
“هل تودّين أن ترتاحي قليلًا؟ أعلم أن اقتراحي هذا غير لائق، لكن لأسبابٍ أمنية لا يمكنني مغادرة الغرفة.”
قالها جين بجدّية، فأجبته ببساطة:
“لا بأس.”
ابتسم ابتسامةً مشرقة وقال بحماس:
“كما توقعت، السيدة سريعة الحسم!”
“متى تظن أن تصلنا الأخبار من العاصمة؟”
سألت، فرفع جين حاجبيه قليلًا، وكأنه يفكر في شيء، ثم أجاب:
“علينا أن نحاول التواصل بشكل دوري أولًا. والآن بعد أن أصبح لدينا قدر كافٍ من المال، يجب أن نشتري بعض اللفائف السحرية التي تتيح تلقي الرسائل فورًا.”
ابتسم جين ابتسامة واسعة، وقال بنبرة متعالية بعض الشيء:
“تعلمتُ أن التوفير في مثل هذه الأمور ليس تصرفًا حكيمًا.”
“لكن… ألا يُثير الأمر شكوكًا إن حاولت بيع تلك الآثار فجأة؟”
نظرتُ إلى التحف التي تشبه الآثار الثقافية بوضوح وسألته. في الحقيقة، شعرتُ بعدم ارتياح. فحتى لو كان ذلك مملكةً بائدة، أليس بيع ممتلكات الآخرين بتلك الطريقة أمرًا خاطئًا؟
لكن في الوقت نفسه، لم أستطع أن أستوعب المسألة تمامًا. خمسمئة عام مضت منذ أن اندثرت تلك المملكة… لعل الأمر لم يعد ذا شأنٍ الآن. فالزمن كفيل بمحو الكثير.
“آه، لا تقلقي. هناك طرق لذلك. أفعلها كثيرًا، لذا لا داعي للقلق!”
“أقصد أن تجارة المسروقات تحتاج إلى مهارة، وأنا أمتلك تلك المهارة الكاملة، فهمتِ؟ على أي حال، ما لم يكن المزاد الذي يقيمه النبلاء الكرام، فمن الصعب بيع البضائع بسعرها الكامل.”
ثم نقر بلسانه بأسى وأردف:
“صحيح أن سماسرة المسروقات يعيشون على مثل هذه الفوارق، لكن بفضل خبرتي الطويلة، أستطيع أن أرفع السعر إلى ما يقارب سعر المزاد الرسمي تقريبًا، إن لم يكن أكثر قليلاً.”
—
جلستُ إلى جانب جين أمام طاولة مهترئة في النزل البائس، أحدّق في اللفيفة السحرية التي تكلّف ثروة.
حقًا، هكذا لا عجب أن التنمية بطيئة… فالسحرة نادرون، وبالتالي الأدوات السحرية باهظة الثمن. تلك اللفيفة الصغيرة وحدها تساوي ما يعادل مئة ألف وون كوري.
أي أن شخصًا عاقلًا لن يشتري ورقة بحجم كفّ اليد لا تتيح أكثر من ثلاث دقائق من التواصل. كانت تلك من الكماليات التي لا يمتلكها إلا النبلاء أو قلة قليلة من عامة الناس الأثرياء.
وفوق ذلك، فإجراءات استخدامها معقدة للغاية. فكي يتلقى الطرف الآخر الرسالة، عليه أن يذهب إلى ساحرٍ ويطلب ربط اللفيفتين سحريًا.
وفي تلك العملية، يجب أولًا إرسال لفيفة طلبٍ تشبه جهاز “البيجر” القديم، وتكلّف وحدها نحو أربع مئة ألف وون. أما المستلم، فعليه هو الآخر أن يدفع للساحر لقاء استقبال الرسالة، وهو مبلغ ليس بالبسيط أيضًا.
وبما أن بيت الكونت يمتلك ساحرًا خاصًا به، فتكاليف استئجاره لم تكن أقل من ثمن تلك اللفائف إلا قليلًا.
قال جين بجدية:
“لقد رتبتُ لتلتقي خادمتك بموظفي مسبقًا. يُفترض أنهم يتحركون معًا الآن.”
تنهدتُ وأنا أتصفح قائمة الأسئلة التي أعددتها مسبقًا لتوفير ثمن اللفائف الباهظة.
“كم لفيفة لدينا كاحتياط؟”
“اشتريت كل ما استطعتُ الحصول عليه، لكن بما أننا في الأقاليم الشرقية، فإن كل متجر يحتفظ بعدد محدود منها فقط.”
ناول جين إليّ اللفيفة وقال:
“تمكنتُ من جمع نحو عشر لفائف بعد أن تجولت هنا وهناك قدر الإمكان.”
“أي بما مجموعه ثلاثون دقيقة من الاتصال فقط، أليس كذلك؟”
“صحيح. كنت أود شراء المزيد، لكن يبدو أن أحوال المقاطعة ليست على ما يرام. أظنني قد اشتريتُ كل لفائف الاتصال الموجودة في هذه القرية أصلًا.”
مرّر جين إبهامه على شفته السفلى بملامح ضجرٍ واضحة، ثم قال:
“إن اكتشف أحد النبلاء لاحقًا أني جمعت كل اللفائف من السوق فقد يُغضبه ذلك، لذا من الأفضل أن نُجري الاتصال بسرعة وننتقل إلى مكان آخر.”
ثم مزّق جين اللفيفة بووووق!، فانبثق منها وميض من الضوء تلاشى شيئًا فشيئًا، وارتفع صوتٌ مألوف.
“آنستي!”
كانت كاثرين.
“ماذا تفعلين بحق السماء؟ أذلك المرتزق ما زال برفقتك؟ لدينا مشكلة خطيرة! منظمة العقرب الأحمر بدأت تتقصّى أثر المرتزق الذي يرافقك، والآن كاد أمري أنا يُكشف أيضًا! يظنون أني أتحرك مع أحد موظفيه!”
وضعتُ إصبعي على ما بين حاجبي وضغطتُ بقوة. اللعنة… طبعًا، تصرفاتهم لا تتغير أبدًا، حثالة كما هم دائمًا.
“ألا يمكن حلّ الأمر بالمال الذي يقدّمه الكونت؟”
سألتُ وأنا أرمق جين بنظرة جانبية. ورغم أن كاثرين قالت إن العقرب الأحمر بدأ يضغط على من حوله، إلا أن جين بدا هادئًا تمامًا، وكأنه كان يتوقع ذلك منذ البداية.
تابعت كاثرين على عجل:
“المشكلة ليست في الكونت الآن! على أي حال، لا وقت للشرح، سأدخل في صلب الموضوع. جمعتُ المعلومات التي طلبتِها. هناك شائعة تقول إن البارون درافيلت، أحد المقرّبين الجدد من سموّ الأمير، اشترى أرضًا قاحلة في أقصى الشمال الشرقي. ويبدو أنه استخدم أسماءً مستعارة أو وسطاء لتفادي ترك أي أثر، وقد كان من الصعب جدًا تتبع خيوطه!”
تمتم جين من جانبي بنبرة متبرّمة:
“هاه، ألم تكن هي من وجد ذلك؟ أظن أن موظفيني هم من تكبّدوا العناء الحقيقي.”
نظرتُ إليه بدهشة، بينما ردّت كاثرين بصوتٍ غاضبٍ حاد:
“وهل تعرف من الذي يدفع تكاليف تلك التحقيقات الآن؟ آنستي! لماذا تسمحين لذلك الأحمق بالثرثرة بهذا الغرور؟!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "64"