جلست على الكرسي غارقةً في التفكير. كنتُ قد وجدت المخرج أخيرًا، وتخلّصت من تلك اللوحة الملعونة ذات الشكل الغريب.
“…….”
ثم أخذت أتأمل الغرفة بعناية. بدت كأنها مستودع لحفظ الآثار القديمة. وكما توقعت، فاللوحة التي رأيتها قبل قليل، وكذلك الفرسان الموتى الأحياء، كانوا على ما يبدو حراسًا يمنعون الغرباء من الدخول.
“لماذا هاجموك أنت وحدك؟”
سألت وأنا أحدّق أمامي بشرود. عندها أجاب جين، الذي كانت عيناه محمرّتين وهو يجمع كل ما يمكن حمله من الأشياء الصغيرة، بإحراجٍ واضح:
“هاها، هذا… حتى أنا لا أعرف السبب.”
شعرتُ بعدم الارتياح. وقفت من مكاني وبدأت أتفحّص بعض الكتب المرتصّة على الرفوف. كانت مكتوبة بلغةٍ غريبةٍ ملتوية الحروف، لا أفقه منها شيئًا.
“لا أعلم لماذا اكتشفنا هذا الكمّ الهائل من الآثار في وقتٍ لا حاجة فيه لذلك…”
قال جين مبتسمًا حتى وصل فمه إلى أذنيه.
“لكن يبدو أن السماء تساعد من يريد فعل الخير! هاهاهاها!”
ثم عانق كومة من الجواهر التي تبدو وكأنها من الذهب الخالص، وقال لي وهو يتمتم بسعادة:
“بهذا القدر من الكنوز يمكننا تأمين التمويل الكافي، وإذا أنقذنا ابن أختك بسلام فالوضع المالي سيتحسّن كثيرًا. صحيح أن بيعها قد يكون معقدًا بعض الشيء، لكن لا بأس! فهذه مهنتي أساسًا، أكسب رزقي من مثل هذه الأمور—”
قاطعته متجاهلةً ثرثرته التي لا تنتهي، والتقطت أحد الكتب من الرف وفتحته عشوائيًا ثم سألته:
“هل يمكنك قراءته؟”
نظر إليّ جين وكأنّ الحماس الذي كان فيه قد انطفأ فجأة.
“سيدتي، أيمكنك فعلًا التركيز على كتاب الآن؟ أم أن العائلة النبيلة مثلكم غنية لدرجة أن هذه الكنوز لا تثير اهتمامكم أصلًا؟ انظري إلى هذا!”
رفع أمامي حفنة من الذهب والجواهر بعينين متألقتين وقال بانفعال:
“هذه الكمية تكفي لشراء مقاطعة صغيرة في العاصمة على الأقل!”
نظرتُ إليه بحدة وربّتُّ على يده بقوة قائلة:
“وماذا لو كانت هذه الأشياء ملعونة؟ كيف تلمسها بهذه البساطة؟ أأنت خبير حقًا؟”
رمقني بنظرة فارغة، وكأنه يقول في نفسه: ما الذي تهذي به الآن؟
فشعرت بالحرج قليلاً.
“أعني… في القصص دائمًا ما يقولون إن لمس آثار الآخرين دون إذن يجلب المصائب، لذا ضَعها جانبًا بهدوء.”
نفخ جين وجعل شفتيه بارزتين استياءً، ثم أنزل الآثار التي كان يحملها بحذرٍ، وسعل بخفة قبل أن ينتزع الكتاب من يدي. وبدأ يتفحصه بجدية كما طلبتُ منه.
“همم، لا أدري كيف ترينني يا سيدتي. هل أشكرك على ثقتك بي، أم أعتبرها سخرية خفية؟ هاهاها!”
ضحك مبالغًا فيه للحظة، ثم اعتدل في جلسته وقلّب صفحات الكتاب بتركيز.
“بما أن هذه المنطقة ضاعت أخبارها منذ خمسمئة عام، فمن الطبيعي أن تكون اللغة قد اندثرت أيضًا. لكن من الغريب أن هذا الموقع لم يتعرض لتخريب من الإمبراطورية طوال تلك القرون، لذا بقيت بعض المعلومات محفوظة. يُرى مثل هذا في بعض القطع الأثرية السحرية أيضًا.”
اقترب مني وفتح صفحة محددة وأشار بإصبعه قائلاً:
“يبدو أن الكتاب ليس مؤلفًا رسميًا، بل أقرب إلى يوميات شخصٍ ما، فأسلوب الكتابة فوضوي ومتفاوت.”
ثم ضحك بخفة وقال:
“بالطبع، لا أعرف معناه الدقيق. فأنا مجرد مرتزقٍ بسيط، ومن الطبيعي ألا أفقه لغاتٍ منقرضة كهذه، أليس كذلك؟”
وأشار بإصبعه إلى بعض الكلمات على الصفحة وهو يقول بابتسامةٍ غبية:
“لكنّي رأيتُ بعض هذه الكلمات في السوق السوداء من قبل. فالأدوات السحرية المستخرجة من هذه الآثار تُباع بأسعار خيالية، لأنها متقنة الصنع بشكلٍ لا يُصدَّق بالنسبة لأشياء مضى عليها أكثر من خمسمئة عام.”
فتحتُ عينيّ على اتساعهما أحدّق في جين.
وكأنه قرأ ما يدور في رأسي من دون كلام، ابتسم بخبثٍ وبدأ يتفاخر بنفسه كعادته.
“إيهي~، بالطبع~! اللغة في النهاية ليست إلا مسألة فطنة، أليس كذلك؟ عندما تنظرين جيدًا، تجدين نفس الرموز متكرّرة على عدد من القطع الأثرية.”
قال ذلك وهو ينقر بإصبعه على زاوية الصفحة.
“العبارة الأكثر تكرارًا في الآثار المباعة بالسوق السوداء هي هذه: هدية ملكية.”
ثم أشار بإصبعه إلى موضع محدد في الكتاب قائلاً:
“ها هي، انظري… كلمة الأسرة المالكة.”
قال جين بهدوء وهو يعقد ذراعيه ويجلس على الطاولة:
“يبدو أننا عثرنا على مذكّرات أحد أفراد العائلة الملكية، أو ربما كانت رسالةً رُفعت إلى الإمبراطور نفسه.”
رفع كتفيه بخفة، ثم أخذ يتفحص الغرفة بعينٍ أكثر جدّية هذه المرة.
“ما رأي سيدتي في هذه الآثار؟ أنا، بصراحة، أودّ أخذها كلها… لكنّ ذلك مستحيل، أليس كذلك؟”
ثم عضّ شفته بخيبةٍ واضحة، وغطّى وجهه براحة يده الكبيرة متنهّدًا بنبرةٍ يائسة:
“لو حاولنا حمل كل هذا، فسننتهي بأن نصبح نحن أنفسنا آثارًا متحجّرة في هذا المكان الملعون.”
ثم قلد صوتي بطريقةٍ ساخرة:
“كما ترين يا سيدتي، لم يبقَ لنا أي وسيلة نقل، أليس كذلك؟”
وضعتُ يدي على جبيني وأنا أتنفس بعمق.
“خُذ ما له قيمة فقط. وحين نصل إلى العاصمة، هل يوجد هناك من يفهم هذه اللغة؟”
أجاب جين مترددًا وملامحه تدل على الحرج:
“ربما نجد أحدًا، فالإمبراطورية واسعة جدًا. وإن حالفنا الحظ، قد نصادف لاجئًا من مملكة الآثار القديمة احتفظ بلغته طوال الخمسمئة عام الماضية.”
وضعت الكتاب بهدوء. بدا لي وكأنه يحاول بطريقةٍ ملتوية أن يقول: لا تشغلي بالك بما لا فائدة منه.
شعرتُ بأنني ساذجة لطرح السؤال أصلًا.
“هاها.”
ضحك جين راضيًا عن نفسه، ثم بدأ يحشو جيوبه بالكنوز حتى امتلأت.
“هل تعرف على الأقل ما الذي تضعه في جيبك؟”
“لا يهمّ، المكسب مكسب يا سيدتي. لماذا لا تأخذين بعضًا منها أنتِ أيضًا؟”
كلماته جعلتني أشعر ببعض الذنب تجاه صاحب هذه الآثار، لكني سرعان ما فكّرت:
‘لقد مات منذ خمسمئة عام، فهل يهمّه الأمر الآن؟’
ومع ذلك، كان في صدري شعورٌ غريب بالانقباض، وكأن شيئًا ما ليس في مكانه.
هززت رأسي نفيًا، وأمسكت جين من مؤخرة عنقه بينما كان غارقًا في تأمل الكنوز.
“سيـ… سيدتي؟ ما هذا—”
“كفّ عن هذا، ولنغادر بسرعة.”
قطّب حاجبيه بانزعاج، ثم وضع قلادةً أخيرة في جيبه وقال على مضض:
“حسنًا، فلنرحل إذًا.”
—
كان شعوري بعدم الارتياح يزداد، لكني حاولت تجاهله.
‘لم يهاجمني حُرّاس الآثار… ربما كان ذلك مجرد حظ لا أكثر.’
كنت أملك ما يكفي من الهموم بالفعل، ولم أرغب في إضافة مزيد من القلق غير الضروري.
“آه، هذه الأشياء تستمر في الانزلاق عني. هاها.”
رمقته بنظرةٍ باردة.
حتى وأنا أنظر إليه الآن، لا يسعني إلا الاعتراف بأن وسامته الزائدة لا تتناسب إطلاقًا مع تلك الحليّ الفخمة العائدة لمملكةٍ منقرضة قبل خمسمئة عام.
كانت القطع الباذخة تترنّح عليه وكأنها لا تستطيع مجاراة مظهره.
على الرغم من أن جين كان يعلّق على جسده تلك الإكسسوارات بطريقةٍ مضحكة، فإن المشهد لم يبدُ غريبًا على الإطلاق.
لا أدري كيف أصفه، لكن بدا وكأنه يُجري جلسة تصويرٍ لمجلةٍ راقية… فقط أن تلك الجلسة كانت تُقام في أطلالٍ يخرج منها الوحوش بين حينٍ وآخر.
تنهدت بعمق وسحبت بعض الحلي التي كانت تتدلّى من عنقه وذراعيه.
“أيمكننا الخروج من هذا المكان الملعون بسرعة؟ إن صادفنا وحشًا واحدًا فقط فسننتهي.”
قطّب جين حاجبيه وكأنه أراد أن يقول شيئًا، لكنه تراجع عن الفكرة، وابتلع ريقه بصمت قبل أن يرسم على وجهه تلك الابتسامة اللامبالية المعتادة.
“حسنًا حسنًا، فهمتُ. فلنغادر حالًا. أياً يكن ما حدث هنا، المهم أننا خرجنا سالمين، أليس كذلك يا سيدتي~!”
ثم تجرّأ دون خوف ووضع ذراعه على كتفي، ضاحكًا بخفة وكأننا أصدقاء من عامة الناس.
“هاها، المكان خطر، فاعتبريها… حركة حماية لا أكثر.”
غمز بعينٍ ماكرة، فاكتفيت بالنظر إليه مبتسمةً بصمت.
‘هل يجب أن أمدحه لأنه تكيّف بسرعة مع طريقتي في التعامل، التي حتى كاثرين احتاجت أكثر من عشر سنوات لتفهمها؟ أم أغضب لأنه لم يعد يراني كسيدة نبيلة؟’
لم أجد إجابة.
“إذن، إلى أين الآن؟”
سألتُه، فأجاب بنغمةٍ خفيفة مليئة بالحيوية:
“كما قلتُ سابقًا، سنتّجه إلى المقاطعات التابعة لنبلاء الجبهة الشرقية. يبدو أن نفوذ العقرب الأحمر لم يمتد كثيرًا هناك، كما أن بيثيل نادرًا ما يطأ تلك المنطقة.”
“ولِمَ ذلك؟”
سألته، فابتسم ملوّحًا بإصبعيه في الهواء وهو يقول بمكر:
“لأنها لا تدرّ مالًا.”
كان الماء الراكد تحت أقدامنا يصدر صوت تشبّق تشبّق مع كل خطوة، وبدأت أشعر بالرطوبة تتسرب داخل حذائي.
“تُعرف أراضي الشرق بجدبها وصعوبة العيش فيها… وفوق ذلك فهي تحت نفوذ وليّ العهد، أليس كذلك؟ لذلك، من كل النواحي، تبدو مكانًا مناسبًا لنختبئ فيه قليلًا وننتظر الأخبار القادمة من العاصمة. هذا ما أقصده تمامًا، هاها!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "63"