على عكس توتّري الذي بلغ ذروته، بدا جين غيرَ مبالٍ تقريبًا.
“كل ما علينا هو الخروج من هنا بسلام. فهذه الوحوش ليست هجومية على أي حال—”
لكن قبل أن يُكمل كلماته، دوّى صوت *سَرنغ!* حادّ حين رفع أحد الفرسان الميتين سيفه الضخم عاليًا نحو السماء.
وفي اللحظة نفسها، تبعته عشرون درعًا معدنية تقريبًا، جميعها ترفع سيوفًا بطول ساقي، تلمع بوهجٍ غريب تحت الأضواء الخافتة.
تجمّدتُ مكاني من شدّة الذهول، بينما ابتسم جين ابتسامةً متكلفة وقال بصوتٍ متوتر:
“هممم… في مثل هذه المواقف، عندما يكون الخصم من نوع الوحوش الذكية، من الأفضل أولًا تحليل نيّته—”
*قعع!*
هوى أحد الفرسان بسيفه نحو الأرض، فتهشّمت الحجارة تحته كأنها زجاج هشّ.
‘جميل… الحديد أقوى من الصخر، طبعًا، لماذا لا…’
نظرتُ إلى جين بحدّة، فابتسم ابتسامةً جافة وأمسك بيدي قبل أن يقول:
“اهربي!”
صرختُ صرخةً مكتومة وركضت بكل ما أوتيت من قوة. في تلك اللحظة، اندفع جين بجسده الضخم نحو فارسٍ يناهز المتر وثمانين طولًا، فاصطدم به بقوةٍ جعلت الدرع المعدني يتهاوى إلى الوراء.
ثم أمسك جين بخوذة الفارس بيديه العريضتين، وصرّها بقوةٍ حتى تحطّمت وطار جزءها المعدني إلى الخلف.
وبينما كان سيفٌ ضخم يهبط نحوه، قفز جين بخفةٍ لا تليق بحجمه، واختبأ خلف درعٍ آخر.
*كواادَدَك!*
ارتطم أحد الفرسان بالآخر، وتحطّم أحدهما تمامًا تحت وطأة ضربةٍ خاطئة من رفيقه.
كان جين يقفز بينهم كالسنجاب الطائر، سيفه اللامع يتوهّج مع كل حركة.
“يا سيدتي، إلى هنا!” صرخ جين.
ركضت نحوه، لكن فجأة شعرت بشيءٍ غريب.
‘هل أنا أتوهم؟ لماذا كل تلك الدروع تركز أنظارها نحوه فقط؟’
‘هل… هل يدركون أنني ضعيفة؟ ألهذا السبب لا يعتبرونني حتى خصمًا؟’
قبل أن أتمكن من التفكير أكثر، جذبني جين بسرعةٍ إلى جانبه. لم يتحدث كثيرًا هذه المرة.
كانت ملامحه مركزة، جادّة.
بدأتُ أفهم أسلوبه في القتال:
مع البشر، كان يستفزّهم بالكلام حتى يفقدوا أعصابهم، ثم يهجم عندما يضعف تركيزهم.
أما مع الوحوش، فالأمر أبسط: لا جدوى من الكلام… فقط اضرب أولًا.
“واااك!” صرخ جين وهو يدفعني جانبًا، وفي اللحظة نفسها سقط سيفٌ ضخم في المكان الذي كنت أقف فيه.
تجمّدتُ من الخوف، غير قادرةٍ على الحركة أو التفكير، لكنّ الفارس الذي توقعت أن يهاجمني التفّ فجأة نحو جين بدلًا مني.
ارتسمت على وجه جين علامة إدراكٍ مزعج. نعم، هو أيضًا لاحظ ذلك.
صرخت وسط الفوضى:
“يبدو أنهم لا يعتبرونني هدفًا للهجوم!”
فردّ عليّ بنبرةٍ مرتابة:
“هل تسخرين مني الآن؟”
‘يا إلهي، حتى وأنا أساعده يُغضبني!’
لكن كلماتي ثبتت صحتها، إذ انطلقت أكثر من عشرين درعًا متحركة نحو جين وحده.
لم أستطع سوى التململ في مكاني بقلق، بينما كان جسدي يصرخ بالرغبة في المساعدة.
لكن صوته الحازم دوّى في أذني:
“لا تفعلي شيئًا! ابقي مكانك! إن هاجمتِهم وجعلتِ نفسك هدفًا، ستصعب الأمور أكثر!”
‘هل يقرأ أفكاري أم ماذا؟!’
ثم بصق جين شتيمةً خافتة، ومدّ يده نحو الفرسان، مبسوط الكف، فأطلق موجةً من الطاقة السحرية.
وفي اللحظة التالية، غرز سيفه في رأس أحدهم بقوةٍ ساحقة، ودار السيف في مكانه حتى سُمِع صوت تمزّقٍ معدني مريع.
تلاشى الضوء من عيونهم واحدًا تلو الآخر، وسقطت الدروع الفارغة على الأرض كدمى بلا حياة.
‘يا إلهي…’
لم أستطع سوى التحديق، مذهولةً من المشهد.
‘هذا أشبه بعرضٍ قتالي من فرقة سيرك… فقط أنني أجلس في الصف الأول بلا تذكرة.’
كان جين أشبه بمن يطير في الهواء.
كل الوحوش التي اندفعت نحوه تجاهلَتني تمامًا، كأنني لم أكن موجودة أصلًا.
حسنًا، من ناحيةٍ ما هذا مطمئن… لكن، *لماذا؟*
لا أنكر أن من حسن الحظ أن تلك الوحوش لم تكن ملوّثة بالشيطان بعد، وأن جين كان قادرًا على استخدام سحر هجوميّ بمهارة غير متوقعة.
أما أنا —التي لا أختلف كثيرًا عن أيّ سيدة رقيقة من سيدات القصور— فلم يسبق لي أن شاهدت سحرًا قتاليًا عن قرب، ناهيك عن استعماله بنفسي.
لكنّ ما أذهلني هو أن أسلوب جين في استخدام السحر لم يكن مبهرجًا ولا متكلفًا كما يفعل النبلاء السحرة عادةً.
بل كان بسيطًا، مباشرًا، وكأن الغرض الوحيد منه هو الفعالية لا العرض.
كان يُشكّل المانا في هيئةٍ شبه ماديةٍ تجعل من الصعب التمييز بين ما إن كان ما رأيته سحرًا بالفعل أم مجرّد وهم بصري.
‘لا أدري ما هو بالضبط، لكنّ هذا الرجل ليس عاديًا على الإطلاق.’
—
أزاح جين بقايا الوحوش المتناثرة من أمامه وهو يتمتم بتذمّر:
“لا أفهم حقًا لماذا يوجد كل هذا العدد من الموتى الأحياء هنا، لكن أليست هذه أيضًا إحدى متع استكشاف الآثار القديمة؟”
كلامه كان هراءً صريحًا. بدا كأنه يحاول صرف انتباهي حتى لا أسأله كيف تمكّن من استخدام السحر بهذه البراعة.
صحيح أن الفضول كان ينهشني لمعرفة نسبه الحقيقي أو نوع الدم الذي يجري في عروقه، لكنني لم أرَ ضرورةً لمعرفة ذلك الآن، فاكتفيتُ بهزّ رأسي مجاملةً له.
ما كان يهمّني فعلًا هو *لماذا لم تهاجمني الوحوش أصلًا؟*
تابعت السير بصمت خلف جين بينما كان يثرثر بلا توقف، وعيناي تتأملان جدران الممر الحجري العتيق الذي بدا وكأنه بُني قبل أكثر من خمسمئة عام.
وفجأة تسلّل إليّ خوفٌ جديد.
‘لو انهار هذا المكان الآن، فسنُسحق قبل أن نصرخ حتى.’
‘يا إلهي، هذا أخطر من الوحوش نفسها.’
قال جين محاولًا استئناف حديثه:
“كما كنت أقول، عادةً ما تكون الوحوش من فئة الموتى الأحياء—”
فقاطعته قائلةً:
“هل هذا المكان أصلًا متين كفاية؟ أليس من المفترض أن ينهار في أي لحظة بعد كل هذا الزمن؟”
توقف جين عن الكلام، ثم مال برأسه قليلًا وقال بثقةٍ غريبة:
“صحيح أن معظم السجلات التي تتحدث عن المملكة التي كانت هنا قبل تأسيس الإمبراطورية قد احترقت بالكامل، لكن بما أن هذه الآثار هي الوحيدة الباقية من تلك الحقبة، فقد كُشف القليل عنها بفضل بعض الباحثين… أو بالأحرى بعض المجانين الذين لا يستطيعون كبح فضولهم العلمي، وخصوصًا السحرة.”
ربّت جين على الجدار الحجري بظهر يده وقال مبتسمًا:
“هذا المكان يُعدّ أشبه بكنز للسحر. أحيانًا يُعثر هنا على تحفٍ سحريةٍ قديمةٍ ذات قيمةٍ خيالية.
وبما أن المملكة القديمة كانت مركزًا مقدّسًا للسحر قبل أن تسيطر عليها الإمبراطورية، فمن الطبيعي أن تحتفظ آثارها بجزءٍ من قوتها الأصلية.
لذلك، لم تجرؤ الإمبراطورية حتى الآن على المساس بهذه الأنقاض مباشرةً.
طبعًا، كل هذا لا يزال في إطار التخمين، إذ لا توجد مصادر مؤكدة. بعض الناس يعتقدون أن المكان ملعون.”
سألته بفضولٍ حقيقي هذه المرة:
“إذن، هل من الممكن أن يكون السحر الواقي لا يزال فعّالًا على كامل الموقع؟ أم أن الأرض نفسها قوية البنية فحسب؟”
نظر إليّ جين نظرةً غريبة، كأنه أمام مخلوقٍ غريب الأطوار.
“هل هذا حقًا ما يثير فضولك الآن؟”
رفعت حاجبيّ وقلت بحدة:
“ولِمَ لا؟ أليس سؤالًا منطقيًا؟ من غير المعقول أن تبقى منشأةٌ تحت الأرض بهذه الحال لخمسمئة عام دون أي ترميمٍ أو عناية.
ثم إن الموتى الأحياء الذين رأيناهم آنفًا يبدون منظمين أكثر من اللازم، كأنّ أحدًا يتحكم بهم أو أن لهم غايةً محددة.”
تردّد صدى كلماتي في الممر، وبدا أن حتى جين نفسه لم يجد ما يردّ به فورًا.
أومأ جين برأسه بعد كلامي قائلًا:
“نعم، من المحتمل أن فرسان المملكة قبل خمسمئة عام قد تحوّلوا إلى موتى أحياء.”
قلت بضيق:
“أنا لا أسألك *مَن* هم، بل *لماذا* حدث ذلك؟ ولماذا بهذا الشكل الجماعي؟”
قطّب جين حاجبيه وأجاب بفتور:
“ولماذا يثير هذا اهتمامك أصلًا؟”
نظرت إليه بحدة وقلت:
“ما الذي تقوله؟ لو كنتَ مكاني، ووجدتَ أكثر من عشرين من الموتى الأحياء يتجاهلونك تمامًا ويهاجمونك أنت وحدك، أما كنتَ ستتساءل عن السبب؟”
عندها صمت جين ولم يجد ما يقول. بدا أنه هو الآخر لم يستطع تفسير سبب عدم مهاجمتي، وكان ذلك طبيعيًا تمامًا.
قال بعد لحظة من التفكير، بصوتٍ خافت:
“……أظن أن تجاهل الأمر سيكون أفضل لصحتك النفسية، يا سيدتي.”
ثم عبس قليلًا وكأنه غارق في تفكيرٍ عميق، وأمسك بيدي بينما تابعنا السير بخطواتٍ متثاقلة في الممر الطويل.
كنت أتبعه وأنا أضيء الطريق بضوءٍ خافت، أحاول أن أتجاهل الجماجم المتناثرة هنا وهناك كي لا أصرخ من الخوف.
قلت وأنا أحاول السيطرة على رعشة صوتي:
“أعلم أن هذا الفضول لا فائدة منه، لكن ما أريد فهمه هو: لماذا يوجد ممرٌّ تحت الأرض أصلًا في هذه الأطلال؟ ولماذا كان لا بدّ أن تكون تلك المخلوقات في الداخل لحراسة هذا المكان تحديدًا؟”
ردّ جين وهو يزفر وكأنه مرشدٌ ميداني يشرح درسًا مكررًا:
“هل تحاولين القول إنهم حراسٌ يحمون شيئًا ما؟
هل تعلمين أصلًا كيف يتكوّن الموتى الأحياء؟”
ثم بدأ يشرح بطريقةٍ منهجية:
“كل إنسانٍ يحمل داخله طاقته الخاصة، ما يُعرف بالمانا.
الفرق بين الساحر والإنسان العادي هو في قدرته على التحكم بهذه الطاقة.
وحين يموت المرء، تتلاشى المانا من جسده عادةً، لكن أحيانًا تمتزج بآثار وعيه أو مشاعره الأخيرة فتتلوّث وتبحث عن وعاءٍ جديدٍ لتستقر فيه.
عندها يتكوّن ما نُسميه بالموتى الأحياء، يا سيدتي.”
‘نعم نعم، يبدو أنك تحب سماع نفسك وأنت تشرح.’
ابتسمت له بسخريةٍ خفيفة وقلت ببرود:
“جميل، يبدو أنك تعرف الكثير.
لكن ما أعنيه هو أنني أريد معرفة *لماذا تحديدًا* تكثر هذه الكائنات في هذه المنطقة دون غيرها، لا أن تلقي عليّ درسًا في تعريف الموتى الأحياء.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 59"