نزل جين بي بسرعة إلى أسفل الدرج الحجري، وكان واضحًا أنه يخشى أن يلحق بنا الوحش إلى تحت الأرض فيتحوّل الأمر إلى كارثة.
“وماذا لو كان هناك وحش آخر في الأسفل؟”
قطّب جين أنفه بتعبيرٍ محرج وقال مبتسمًا بسخرية:
“حسنًا، عندها لن يكون أمامي سوى تقبّل قدري برحابة صدر، أليس كذلك؟ هاهاها!”
لم أستطع إلا أن أحدّق فيه بحيرة.
‘هل أسمي هذا تفاؤلًا؟ أم غباء؟ أم نوعًا متطرفًا من البراغماتية؟’
{البراغماتية يعني قدرة تكيف عالية }
صحيح أن القلق وحده لا يحلّ شيئًا، لكن قليلًا من التوتر في مثل هذا الموقف ليس أمرًا سيئًا أيضًا…
“لا تقلقي يا سيدتي. في أسوأ الأحوال، لن نموت أكثر من مرة، أليس كذلك؟”
“ماذا؟! أنا لا أريد أن أموت أصلاً!”
ضحك جين بصوت عالٍ ووضع ذراعه على كتفي بخفّة قائلاً:
“إذن فلنحرص على البقاء حيّين، ونرى ابن أختك سويًّا. فهناك فقط تبدأ القصة الحقيقية، أليس كذلك؟”
لم أجد ما أقول. كلامه منطقي فعلًا…
واصلنا نزولنا في الممر الحجري الرطب. كان من الواضح أن هذا المكان قد بُني منذ قرون طويلة، ربما منذ ستمئة أو حتى ألف عام، في زمنٍ يسبق تأسيس الإمبراطورية نفسها بخمسمئة عام.
كانت رائحة العفن والماء الراكد تملأ المكان، وصوت خرير خافت يوحي بوجود قناة مائية تحت الأرض.
‘يا للعجب، حتى في مثل هذا الوضع، ما زلتُ أفكر في مدى تطور حضارة المملكة التي دمّرتها الإمبراطورية منذ قرون… هل هذا وقت التفكير في التاريخ؟’
ورغم كل شيء، بدا هذا المكان أوفر حظًا من غيره؛ فبسبب عزلة المنطقة بعد الغزو، لم تُستغل بالكامل، مما جعل بعض بقايا الثقافة القديمة تُحافظ على وجودها، ولو جزئيًا.
لكن بالطبع، حتى تلك البقايا لم تسلم من لصوص القبور والمغامرين الباحثين عن الكنوز.
‘آه، لا فرق بين هذا العالم وذاك الذي تركته خلفي… نفس الجشع، نفس الغباء.’
قال جين وهو يمدّ يده نحوي:
“يا سيدتي، أمسكي بيدي جيدًا، قد تكون الأرض زلقة.”
“حسنًا.”
أمسكت يده بحذر، فكانت كبيرة ودافئة وصلبة — لا بد أنه أمضى عمره ممسكًا بالسيف.
لكن في الوقت نفسه لم أستطع إلا أن أتساءل:
‘منذ متى يستطيع مثلُه استخدام السحر؟’
‘ربما في دمه شيء من دماء النبلاء؟’
لم أولِ الأمر اهتمامًا كبيرًا. فحتى في الأرض، كنت أعلم أن الجينات يمكن أن تظهر من الأجداد البعيدين فجأة. وربما هنا أيضًا، تسري قوانين مشابهة.
لكن بصراحة، منذ أن علمت بوجود “السحر”، بدأت أشك أنني لم أتجسّد في رواية، بل في عالمٍ غريب يشبه الأرض في المظهر فقط.
‘ربما كنت محقة في التفكير بطريقة علمية، فالعقل البشري في القرن الحادي والعشرين لا يستطيع التعامل مع هذه الأمور إلا بمنطقٍ علميٍّ ما… وإن كان سخيفًا.’
‘وربما لهذا السبب لم أُصَب بالصدمة الكبرى عندما اكتشفت أنني “شخصية في رواية”.’
عندما أفكر في السنوات التسع عشرة الماضية، لا يسعني إلا أن أضحك بسخرية.
أولاً: الصدمة بأن حضارة أخرى عظيمة وُجدت خارج الأرض.
ثانيًا: أنني أصبحت أحد أفرادها!
وثالثًا، أنني قضيت سبع سنوات أحدّق في السماء مقتنعةً بأن الأطباق الطائرة قد تكون في الحقيقة “أحفاد البشر من المستقبل”!
‘يا إلهي، كم كنتُ مجنونة…’
الآن أفضّل كثيرًا فكرة “التجسّد في رواية” على نظرية “الكائن الفضائي”. نعم، هذا أهون.
وفجأة سألني جين بنبرة فضولية:
“لكن، مهما يكن، كيف لا تندهشين من أن شخصًا من العامة يستطيع استخدام السحر؟ ألا يستحق الأمر على الأقل تعليقًا واحدًا منك؟”
تجمدت للحظة.
‘ما الذي يقصده الآن؟’
قلت مرتبكة:
“لكنّك قلتَ بنفسك ألا أسألك عن ذلك.”
“صحيح، قلت ذلك… لكن ما زال الأمر غريبًا، أليس كذلك؟”
رمقني جين بنظرة جانبية، ثم أطلق تنهيدة طويلة وهزّ رأسه مستسلمًا وكأنه فقد الأمل تمامًا.
“لا، لا بأس. سأعتاد على الأمر بنفسي. المشكلة بي على ما يبدو.”
ثم بدأ يتمتم لنفسه:
“حتى عندما أحاول أن أكون مهذبًا، تصبح الأمور معقدة…”
فقلت وأنا أرفع حاجبيّ:
“أيعني ذلك أن اهتمامي بك يزعجك؟”
فردّ وهو يضع يده على جبينه متنهّدًا بعمق:
“إنها مجاملة… لكنها عقلانية أكثر من اللازم، ومباشرة أكثر من اللازم، وصحيحة بشكلٍ مربك، حتى إنني لا أستطيع التأقلم معها يا سيدتي. بصراحة، أنتِ من يجب أن تراعي مشاعري هنا.”
تقدّمت بخطى هادئة وأنا ما زلت ممسكة بيده، أفكّر في نفسي:
‘لماذا يتعامل معي كل من أحادثه وكأنني غريبة الأطوار؟’
ربما لهذا السبب لم أستطع تكوين صداقة حقيقية طوال حياتي.
الوحيدة التي كانت تفهمني قليلاً تعاملت معي دائمًا على أنني “رئيستها” فحسب…
كنت أريد أن أكون شيئًا آخر، لا أكثر. هل هذا كثير؟
ومع أن تسعة عشر عامًا قد مرّت، إلا أن وجوه أصدقائي القدامى بدأت تلوح في ذاكرتي كفقاعات طافية في الماء.
أسرعت بهزّ رأسي بعنف.
‘لا، لا يجوز… الذكريات التي لا يمكنني استعادتها ولا العودة إليها، سمّ قاتل. لن أجني منها سوى الألم.’
يجب أن أعيش للمستقبل، لا أن أعلق في الماضي.
حاولتُ أن أبدو أكثر نشاطًا بينما نواصل التوغّل في هذا المتاهة اللعينة تحت الأرض، خطوة بخطوة، إلى أن—
“ششش.”
فجأة وضع جين يده على فمي، ودفعني بلطف نحو الجدار الحجري، ملصقًا جسده بي وهو يهمس بحذر.
ثم دوّى صوت معدني متقطّع في عمق الممرّ المظلم، صدى حديدٍ يُجرّ على الأرض.
تجمّدت، عيني فقط تتحركان في الظلام وأنا أتساءل في رعب:
‘ما هذا الصوت المشؤوم؟’
ثم جاء صوت آخر — غليظ، أشبه بالزفير من حنجرةٍ مخدوشة — تبعه احتكاك ثقيل بشيء يُسحب على الأرض، يقترب شيئًا فشيئًا.
أخرج جين سيفه ببطءٍ من غمده، ورفع إصبعه إلى شفتيه مشيرًا لي أن أبقى صامتة.
وفي تلك اللحظة، بدأت أتوسّل في داخلي:
‘أرجوك… ليكن وحشًا عاديًا فقط. أي شيء إلا شيء غريب آخر. يا رب، ياالهي، لا يمكنني أن أموت مجددًا هكذا. فقط دعني أرى وجه البطل قبل أن أموت مرة ثانية، أرجوك!’
ولحسن الحظ، ربما استُجيبت دعواتي، لأن ما ظهر في نهاية الممر كان مخلوقًا يرتدي درعًا معدنيًا فاخر النقوش، تتلألأ عيناه بضوءٍ أزرق باهت وسط الظلام.
قال جين بصوت خافت مرتاح:
“إنه ميتٌ حيّ… على الأقل يبدو أنه من النوع غير الهجومي.”
وضعت يدي على صدري، أحاول تهدئة دقات قلبي العنيفة، وأنا أحدّق في ذلك الكائن الذي يجرّ سيفًا ضخمًا خلفه ويتهادى بخطواتٍ بطيئة داخل الظلال.
‘أسلوب الدرع لا يشبه دروع الإمبراطورية… أيمكن أن يكون فارسًا من المملكة القديمة؟’
الميتون الأحياء — أو “الأوند” — هم أرواح الموتى التي لم تجد الراحة.
أشبه بالزومبي أو الأشباح.
وإذا كانت المملكة قد أُبيدت على يد الإمبراطورية، فليس غريبًا أن يتحوّل أحد فرسانها إلى ميتٍ حيّ يطوف الأرض منذ خمسمئة عام، أسيرًا لحقده.
شعرتُ بشيءٍ من الشفقة عليه.
“لكن كيف عرفت أنه غير هجومي؟”
سألتُ جين بدافع الفضول الصادق، فأجاب بابتسامة مشرقة تمامًا كما لو أنه قال شيئًا عبقريًا:
“ببساطة، لأنه لا يهاجمنا!”
“…حقًا؟”
نظرت إليه ببطء، مائلة برأسي.
‘إذًا، استنتج أنه آمن فقط لأنه لم يهاجم بعد؟ هذا… أي نوع من المنطق هذا؟’
“إذا كان منطقك هكذا، فحتى اللصوص وقطاع الطرق لا يهاجمون أحيانًا إن دفعت لهم المال، أليسوا إذًا بشرًا غير هجوميّين؟”
ضحك جين وهو يلوّح بيده كأنه يدافع عن نفسه:
“إيه، أولئك يُعتبرون غير هجوميّين متقطّعين فقط، يا سيدتي. ثم، على الرغم من أن عقولهم فارغة كالصناديق مثل الوحوش، فهم ما زالوا بشرًا في النهاية! هاهاها!”
نظرتُ إليه بنظرة باردة جعلته يتلعثم قليلًا.
فقال وهو يحاول تغيير الموضوع بسرعة:
“على كل حال، دعينا من تلك الحثالة الصغيرة، ولنُسرع بالخروج من هنا. أرجو فقط ألا نصادف تلك الصراصير الملعونة عندما نخرج! هاهاها !”
تمتمتُ بيأس:
“أرجوك، كفى حديثًا عن الصراصير…”
واصلتُ السير بخطوات مترددة، ممسكة بيد جين، متجاهلةً أصوات احتكاك الحديد بالأرض التي يصدرها ذلك الفارس الميت الحيّ خلفنا.
لكن المشكلة الحقيقية لم تكن فيه وحده — بل في أن عددهم بدأ يتزايد شيئًا فشيئًا.
‘لا، لا بأس… كل هذا مجرد تدريبٍ نفسي قبل أن ألتقي بالبطل. هذا اختبارٌ صغير فقط. إذا كنت قد استطعت تحمّل مشاهد الأشباح المخيفة في أفلام الرعب عندما كنت طفلة، فكيف لا أتحمّل رؤية بعض الفرسان الأشباح في دروعٍ قديمة؟ هاهاها…’
هاها، ما أحمقني. من كنت أحاول إقناعها بالضبط؟
“جين… ألا تشعر أن عددهم… يزداد شيئًا فشيئًا؟”
سألتُ بصوتٍ مرتجف، فأطلق جين ضحكةً متكلفة وقال:
“هاهاها! يبدو كذلك فعلًا، لكن… أليس من حسن الحظ أنهم ليسوا من النوع الهجومي؟ هاهاها!”
نظرتُ إليه بجمود.
“هل… حقًا تجد وقتًا للضحك؟”
“حسنًا، البكاء لن ينفعنا، أليس كذلك؟”
لم أجد ما أقول. كان محقًا، للأسف. البكاء لن يُغيّر شيئًا الآن.
لكنني كنت أعلم — منذ أن انتهى الممر وبدأت المساحة الواسعة تظهر أمامنا — أن هناك خطبًا ما.
كان عليّ أن أدرك من البداية. بعد تسعة عشر عامًا هنا، كان يجب ألا تغيب عني هذه العلامة.
‘في العادة، لا يضعون ساحةً واسعةً كهذه في منتصف سراديب الموتى إلا لسببٍ واحد…’
تجمّدت في مكاني.
‘لا… لا تقل إن هذا مكان زعيم الوحوش؟! أرجوك، ليس الآن!’
لكن صوت ارتطام المعادن ببعضها أكّد أسوأ مخاوفي — *تَشْ، تَشْ.*
من كل الاتجاهات، بدأت دروع متشابهة تمامًا تقترب نحونا بخطواتٍ ثابتة، عيونها المضيئة تحدّق فينا ببرودٍ أبدي.
شعرتُ برغبةٍ حقيقية في البكاء.
‘هل هذا كثير؟! كل ما أريده هو العثور على ابن أختي، لا أكثر! هل كان من الضروري أن أمرّ بكل هذا الجحيم لمجرد رؤية وجهه؟!’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 58"