كنتُ أتحمل بصبر شديد لمسات الحارس غير اللائقة وهو يضغط على خدي بيده.
“ههه، أهلي من تلك المنطقة.”
أطرقتُ عينيّ وتحدثتُ بلين، متظاهرة بالخضوع. لم أكن أعرف الكثير عن حياة الفقراء، لكنني شاهدتُ ذلك في المسلسلات في حياتي السابقة. كان من المفترض أن يبدو المرء لطيفًا مع موظفي الحكومة، حتى لو كانوا من نفس الطبقة الفقيرة، لأن عليك دائمًا كسب ودهم.
بالطبع، هذا الحارس لم يكن من الحرس المركزي، بل من المنطقة المحلية، لكنه مع ذلك موظف رسمي.
ردًا على تصرفي المهذب، اقترب الحارس بوجهه مني فجأة وقال:
“همم، وجهك رقيق جدًا لتكوني فقيرة.”
مرر أصابعه الغليظة تحت خدي، وقرب وجهه أكثر.
“امرأة تسافر وحدها قد تكون في خطر. أم أنكِ تقبلين كل المخاطر وتتجولين؟”
ابتسمتُ بلطف. في مثل هذه المواقف، الابتسام والتجاهل هما أفضل حل. على أي حال، لو تدخل جين فلن يفيد ذلك بشيء. كما قال الحارس، وجه جين معروف للغاية، ولو ظهر قد يُقبض عليه بتهمة قانونية، مما سيوقعنا في ورطة كبيرة.
“يا إلهي، من سيطمع في امرأة متزوجة ولديها طفل؟ على أي حال، شكرًا على المديح. آه… لو لم أكن متزوجة…”
نظرتُ إليه بأسى مصطنع، كأنني أتطلع بحسرة إلى حارس عابر لا أعرف حتى اسمه. لاحظتُ زاوية فمه ترتجف.
“كح، حسنًا، لدي زوجة أيضًا.”
أردتُ أن أقول “وماذا في ذلك؟”، لكنني تظاهرت بالأسف ورددتُ:
“يا للأسف.”
شعرتُ بأنظار الناس تتجه نحوي.
“مع ذلك، إذا أتيتِ إلى الإقليم، قد أرفه عنكِ من حين لآخر.”
يا للمفاجأة! كنتُ مذهولة، لكنني قررتُ مواكبته بجدية:
“يا إلهي، حسنًا. سأعود خلال أسبوع، فإذا كان هناك نصيب، سيلتقي طريقانا.”
“مهلاً، توقف عن الهراء وابحث عما أُمرنا به!”
صرخ حارس آخر من الخلف بينما كنتُ أتكلم بمرح، فرد الحارس أمامي:
” إنهما ليسا هنا! امرأة نبيلة وجين بليك ذلك المجنون، لكن مهما كان مجنونًا، هل سيجرؤ على جلب نبيلة إلى هذا الحي الفقير؟”
نعم، تلك النبيلة ارتدت ملابس من الحي الفقير. لحسن الحظ، لم يبدُ أنه اشتبه بي. أطلقني الحارس بتذمر وانتقل لتفتيش العربة التالية.
“الراتب زهيد والعمل شاق للغاية.”
“توقف عن التذمر وافعل ما أُمرنا به. قال اللورد إنه سيكافئنا بسخاء إن قبضنا عليهما، فمن يدري؟ ربما تكون أنت من يمسك بهما.”
ابتعدا تدريجيًا. رفعتُ إصبعي الوسطى في تحية لا يعرفها أحد هنا، ثم جلستُ في مكاني بسلاسة.
آه، رائع! بهذا وفرتُ المال وأبديتُ مرونة ممتازة! شعرتُ بالفخر وأنا أستقر في مقعدي، لكن ذلك الذي يدعي الشهرة ويُلقب بالمجنون ظل مختبئًا تحت قبعته، محدقًا بي بدهشة.
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟”
“ماذا؟ لا، لا شيء. هههه. قد يحدث ذلك. فقط قررتُ في صمت ألا أندهش من جمالكِ المتعدد الأوجه وحكمتكِ. لا تهتمي.”
ما الذي يعنيه؟
* * *
كنتُ مخطئة، لم أكن مستعدة بما فيه الكفاية. التخييم برنامج بائس حقًا. آخر مرة خيمتُ فيها كانت في الابتدائية، عندما أقامت المدرسة فعالية في ساحة المدرسة.
“هل ستبقى مرتديًا ذلك الرداء السخيف دون خلعه؟”
أومأ جين برأسه وهمس لي:
“لا، يا سيدتي. أنا مشهور حقًا، لكنكِ لا تصدقينني.”
“أسأل لأنك تبدو غير مرتاح.”
كان ذلك منطقيًا. رداؤه الرث كان يتسخ على الأرض، وقبعته ممزقة على وشك الانهيار.
رفعتُ قطعة من ردائه بأصابعي وقلت:
“هذا يجعلك أكثر لفتًا للانتباه.”
وجهه لامع، لكن ملابسه كالمتسولين، تناقض صارخ. رد جين بهدوء وهو ينظر إلى فراشي غير المريح:
“على أية حال، المرتزقة هنا إما صيادو وحوش أو يأتون بمهام، فلا يهتمون برجل مثلي. انظري، الجميع يحدق بكِ أنتِ فقط، أليس كذلك؟”
همس جين بهدوء. عبستُ وأومأتُ برأسي بلامبالاة. هذا ما جعلني أشعر بالضيق. كنتُ المرأة الوحيدة في العربة، وبسبب عجلتي، لم أرد التوقف في قرية لأقضي الليل هناك.
لكنني نادمة الآن. لم أتوقع أن تكون الأمور سيئة لهذه الدرجة. النظافة فظيعة، وكأن الجميع ينظر إليّ فقط.
“لا تقلقي. أنا هنا، فهل سيحدث شيء؟”
قال جين بثقة. كنتُ أتساءل عما يعتمد عليه بكل هذا الاطمئنان. هل يثق بنقابته أم بمهاراته؟
“لا بأس. لن تفقدي حياتك بسبب هجوم أو تهديد جسدي طالما أنا موجود. لا أستطيع إثبات ذلك الآن لظروف معينة، لكن…”
ابتسم جين لي وربت على قطعة الخرق التي أعدّها لي:
“ها قد أعددتُ مكانكِ. يمكنكِ النوم لخمس ساعات دون قلق. بالطبع، قد لا يأتيكِ النوم.”
شعرتُ ببعض الضيق. كأنه يعرف ما بداخلي تمامًا. جلستُ على الخرقة التي فرشها جين، على ركبتيّ.
“يبدو أنكِ تتحملين أكثر مما كنتُ أعتقد، وهذا مطمئن.”
جلس جين بجانبي بارتياح وقال:
“ابن أختكِ سيسعد كثيرًا لو عرف هذا. عندما يسقط المرء ويجد فجأة وسادة تنتظره، ينجذب إليها أيًا كان، سواء أعطته تلك الوسادة الحب أم لا.”
نظر إليّ جين وابتسم بخفة. ثم اتكأ على شجرة ونظر إلى السماء كأنه غارق في التفكير. هدفه من مرافقتي بسيط: معلمه، أقرب أشخاصه، متورط مع الإمبراطورية ومات. بما أنه متشابك مع الإمبراطورية دون مفر، قرر التمسك بخيطي.
قرار صادق وذكي بالتأكيد. فبطل هذا العالم هو داميان في النهاية. لطالما اعتقدتُ أنني سأكون بطلة حياتي، فما هذا السخرية؟
* * *
“أيها الليتون، نشكرك على هباتك، ونركع أمام عظمتك وجلالك متضرعين. اغسل الشرور من أجسادنا، واهدنا إلى الطريق المقدس.”
نظرتُ بلا مبالاة إلى الناس وهم يرددون صلاة الطعام. سألني جين بهدوء وهو ينظر إليّ:
“ألن تقومي بالدعاء ؟”
“وأنت لا تدعي أيضًا.”
أومأ جين بتردد وابتسم، ثم تظاهر بالصلاة وقال:
“هناك كاهن هناك. تظاهري على الأقل.”
أشار جين بذقنه إلى كاهن يرتدي رداءً مقنعًا. نظرتُ إليه بنظرة خاطفة. كان هادئًا لدرجة أنني لم ألاحظ وجوده. الكهنة الذين رأيتهم من ليتون كانوا يتباهون بأرديتهم البيضاء المطرزة بالذهب، لكن هذا كان مختلفًا.
لاحظ جين فضولي وهمس:
“الكهنة المستأجرون من فرق المغامرين أو المرتزقة غالبًا يرتدون ملابس بسيطة لعدم لفت الانتباه. والمفارقة أن الذين لا يرتدون رموز ليتون هم الأكثر صدقًا غالبًا.”
نظرتُ إلى الكاهن بعناية وأنا أستمع إلى جين. صحيح، لتصبح كاهنًا في ليتون، يجب أن تولد بـ”القوة المقدسة”، وهو أمر نادر جدًا. لذا يتباهى معظم الكهنة بكونهم من ليتون. اختيار ثوب أبيض صعب العناية كزي رسمي يثبت تميزهم.
“يبدو أنه لا توجد قواعد صارمة بشأن الزي داخل ليتون؟”
“لا يوجد قانون يفرض ارتداء زي الكاهن. يكفي أن يحملوا خاتم الرمز.”
أشار جين بعينيه إلى يد الكاهن. رأيتُ خاتمًا بجوهرة بيضاء غير شفافة وأومأتُ. كنتُ أتساءل في السابق عن القوة المقدسة وليتون عندما كنتُ نبيلة واضطررتُ لحضور القداسات.
لكنني لم أفهم الفرق بين القوة المقدسة والمانا. أليست طاقة يمتلكها سكان هذا العالم؟ هل تُعتبر مقدسة لأنها أندر من المانا، أم أنها الهية حقًا؟
لا أعرف الكثير، لكن صوت الكاهن كان جميلاً. الاستماع إليه جعلني أشعر كأنني مسحورة قليلاً. كان الدعاء عذبًا كأغنية.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"