الفصل 96
كان الحفل الذي أقامه الأمير القادم من أراهين ذات الثقافة المختلفة تمامًا عن الإمبراطورية مليئًا بالضيوف كما هو متوقّع.
لم يكن الحضور من النبلاء الراقين فقط، بل كان التجّار يشكّلون نسبة كبيرة أيضًا.
فجأة، عاد حلمي القديم الذي كنت قد طويته يغلي في صدري من جديد.
منذ زمن بعيد وأنا أريد أن أمتلك متجرًا خاصًّا بي. كنت أحلم بفتح متجر حلويات على الطراز الإمبراطوري في أراهين ، فماذا لو فتحتُ متجرًا على الطراز الأراهين في الإمبراطورية بدلاً من ذلك؟
بما أن سار من المؤكّد أنه سيطلق موضة الصحراء، أليس هذا خطّة جيّدة؟
الآن لديّ رأس مال أيضًا!
بالطبع ليس مالي أنا، بل مال أشيريل، لكن مال أشيريل هو مالي في النهاية، أليس كذلك؟
«وااه، هل كان في العاصمة قصر كهذا؟»
كان الهيكل الأساسي للقصر الذي اختاره سار للسكن خارج القصر الإمبراطوري على الطراز الإمبراطوري، لكن ورق الجدران والزخارف كانت أراهين خالصة.
كأنهم قلّدوا قصر الذهب الذي كان يتلألأ ببريق أخّاذ فوق رمال الصحراء، فاللون الذهبي هو الأساس، مع ستائر جداريّة بنقوش هندسيّة تجمع بين الأحمر والأخضر تغطّي الجدران.
في أرجاء قاعة الحفل، كانت مصابيح مزيّنة بقطع زجاجيّة لامعة تنشر ضوءًا خافتًا ساحرًا.
كانت ملابسنا تتناغم مع القاعة بتناغم مذهل، فجذبت أنظار الجميع.
«اختيار أشيريل كان صائبًا حقًّا. يبدو الثوب وكأنه يتوهّج.»
«أليس كذلك؟ لكن في الحقيقة، من يتوهّج هو ليز.»
ما الذي لا يستطيع أشيريل فعله؟
نظرتُ إلى (خطيبي المستقبلي) بعينين مملوئتين بالفخر، فاقترب منّا خادم يضع عمامة.
«سأرشدكما إلى سيدي.»
كان مظهره ولهجته تحملان نبرة أراهين القويّة المميّزة.
والمدهش أن لغة وكتابة إمبراطورية روتن وأراهين متطابقتان. قيل إن ذلك لأن يد حاكم مكايل امتدّت إلى كلا البلدين، وإن كانت قوّتها أضعف في أراهين .
الآن وبعد أن تأمّلتُ، جميع الخدم في القاعة من أراهين .
لابدّ أن توظيف أشخاص من أراهين داخل الإمبراطورية أو إحضارهم جميعًا من هناك كان أمرًا صعبًا، لكن الأمير يبقى أميرًا في النهاية.
«أهلًا وسهلًا، ريليز. ودوق ديلات أيضًا.»
رحّب بنا سار وهو يتحدّث مع آخرين.
«ملابس رائعة جدًّا. تحمل أجواء أراهين تمامًا.»
«هِهِه، شكرًا على الإطراء. إنها فكرة خطيبي.»
تشبّثتُ بذراع أشيريل بخفّة وتباهيتُ به، فأطلق المحيطون صيحات إعجاب.
«فكرة دوق ديلات؟ اختيار ممتاز. تتناغم مع القاعة وتبدو مثاليّة عليكما.»
«أودّ أن أُعرَّف على المصمّم الذي صنع هذه الملابس.»
كان اهتمام الأراهينيّن أكبر بكثير من اهتمام الإمبراطوريّين، وأظنّ أن السبب يشبه سبب رغبة سار في التقرّب مني.
من أجل كسب مزايا داخل الإمبراطورية.
لكن أشيريل لم يكن يهتمّ بهم أبدًا، بل مدّ يده بالهدية التي كان يحملها طوال الوقت.
«بما أنها أول حفلة يدعا إليه ’صديق‘ خطيبتي، فقد أحضرتُ هدية.»
‘صديق’… هل أعطى الكلمة نبرة خاصّة أم أنني أتوهّم؟
بدا على سار علامات التردّد للحظة، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقبل الهدية.
«شكرًا جزيلًا.»
«تفضّل، افتحها الآن.»
شعرتُ بقشعريرة وأنا أرى أشيريل يحثّ سار على فتح الهدية فورًا.
ألم يكن من الأدب فتح الهدايا بعد انتهاء الحفل إن لم تكن ثمينة جدًّا؟ هذا ما علّمتني إياه معلمة بولارايت.
هل أحضر أشيريل شيئًا ثمينًا جدًّا؟
رغم تحذيري الشديد له، لا أعتقد أنه سيعطي سار شيئًا رائعًا إلى هذا الحد.
هل ستخرج قنبلة أم ماذا؟ وبينما أنا قلقة، فتح سار الهدية.
في داخل العلبة كان هناك صندوق مزخرف بدقّة، وعندما فتح الصندوق ظهر رداءان على طراز الصحراء، مقاسان مختلفان، للرجل والمرأة على ما يبدو.
كان الرداء أبيض اللون بشكل أساسي، لكنه أكثر فخامة وزخرفة من الذي نرتديه أنا و أشيريل.
«هذا…»
«اخترتهما آملًا أن ترتديهما مع خطيبتك مستقبلًا عندما تكون لك واحدة، فأرجو أن تقبلهما بسعادة.»
ابتسم أشيريل ابتسامة مشرقة، بينما ارتعش حاجبا سار الغليظان.
«هل هذه النعومة من حرير مملكة تشينا؟ لقد تمكّنت من الحصول على أفخر حرير تشينا النادر… قدرات دوق ديلات مذهلة حقًّا.»
«انظروا إلى الزخارف. ذهب وألماس و زمرد منسوجة معًا، فتبدو لامعة وجميلة جدًّا.»
«ستبدو مثاليّة على صاحب السموّ الأمير.»
تحت وابل الإعجاب من المحيطين، لم يفعل سار سوى أن حدّق في أشيريل للحظة ثم عاد إلى ابتسامته.
«هدية غير متوقّعة تمامًا. أتساءل ما المعنى الذي تحمله.»
سأل رجل أراهيني في منتصف العمر ذو هيئة مهيبة بسؤال حادّ.
بدت عليه ملامح الحذر، كأنه يخشى أن يكون أشيريل يحاول فرض عروس إمبراطوريّة على سار.
«كنت أظنّ أنني سأعيش وحدي طوال حياتي، لكن منذ أن حصلتُ على خطيبة تغيّرت نظرتي إلى العالم.»
ابتسم أشيريل ببراءة تامّة وضمّ كتفيّ إليه.
«أردتُ فقط أن أتمنّى لصاحب السموّ الأمير الأعزب من أراهين أن ينال هذه السعادة قريبًا.»
كان يمكنه أن يتجاهل الأمر بضحكة، لكن سار قبض قبضتيه بقوّة وحدّق في أشيريل.
هل إخباره بأن يجد خطيبة أمر يُغضب إلى هذا الحد؟ هل هناك صراع داخلي في أراهين لا أعرفه؟
«…لم أكن أتوقّع أن أسمع مثل هذا الكلام من دوق ديلات الذي لم يُقم حفل الخطوبة الرسمي بعد.»
ابتسم سار أخيرًا ابتسامة واسعة بعد أن استرخى.
«الطلاق في الإمبراطورية أمر معقّد، لكن فسخ الخطوبة في مرحلتها سهل، أليس كذلك؟ لستما متزوّجين بعد، أفلا يبدو الحديث عن السعادة مبكرًا بعض الشيء؟»
«كـ، كيف تقول هذا!»
صرختُ قبل أن يفتح أشيريل فمه الذي رفع حاجبيه غضبًا.
«هل تريد الآن أن أفترق أنا و أشيريل؟»
«أنا فقط أقول إن ذلك احتمال وارد…»
جُرحت.
لم يستطع سار إكمال جملته.
«ليز.»
مسح أشيريل دموعي بطرف ردائه وهو مذهول.
من خلف رؤيتي الضبابيّة، رأيت سار في حالة ذهول تام.
«ليـ، ليز. أنا، أنا لم أقصد أن تفارقي الدوق ديلات.»
تدفّقت دموع أكثر.
تذكّرتُ فجأة صورة أشيريل التي رأيتها قبل يومين فقط في زنزانة تحت القصر الإمبراطوري، فارتفع صدري بانفعال.
«قلتُ لك أن تكفّ عن هذه المزحات. أنا أحبّ أشيريل، وأريد أن أعيش سعيدة معه.»
انتهى بي الأمر إلى مخاطبته كما كنتُ في السابق، بالفم الصريح ونبرة أكثر حدّة.
عضضتُ شفتيّ متأخّرة عندما رأيتُ نظرات المحيطين المذهولة، فجذبني أشيريل إلى صدره.
هدات عيناي تدريجيًّا بفضل يده الدافئة التي كانت تربّت على ظهري بلطف.
«آسف. أنا آسف حقًّا، ليز.»
سمعتُ اعتذار سار وحاولتُ بجهد أن أهدّئ انفعالي.
ما بكِ، ريليز. كبت المشاعر هو ميزتك دائمًا.
تنفّستُ بعمق مرّتين أو ثلاث ثم ابتعدتُ عن حضن أشيريل.
«لقد قلتُ كلامًا قاسيًا جدًّا، أليس كذلك؟ أنا آسفة.»
«كلّا، أنا من أفزع صاحب السموّ والحضور، فأعتذر.»
رفعتُ زاوية فمي وابتسمتُ بإشراق، فتنفّس الحضور الصعداء بعد أن كانوا يراقبوننا بوجوه متشنّجة.
«ربما لأنني منشغلة جدًّا بأمور الخطوبة هذه الأيّام، أصبحت متعبة ومتقلّبة المزاج. وعالم بدون أشيريل بالنسبة لي…»
كم تبدو تصرّفاتي السابقة التي قرّرتُ فيها ألّا أمنح قلبي لأحد مضحكة الآن، أنا التي أحببتُ شخصًا بهذا العمق.
«لا أستطيع حتى تخيّله.»
لن أكون قد نطقتُ بهذا الكلام في الأيّام العادية أبدًا، لكنني الآن لم أشعر بالخجل ولا بالحرج.
«…حسنًا.»
«نعم، لذا أرجوك حتى لو مزاحًا، امتنع عن مثل هذا الكلام. أشيريل مطلوب كثيرًا، وأنا دائمًا قلقة.»
«حسنًا، سأنتبه من الآن فصاعدًا.»
«هاها، وأنا أيضًا آسفة لأنني بالغتُ في ردّة فعلي. هل يمكنني أن أرتاح قليلًا؟»
أومأ سار برأسه بلطف وابتسم، فدفع الحضور ظهري و أشيريل بحرارة قائلين: ارتحا قليلًا.
لو كان هناك إمبراطوريّون بين الحضور لانتشرت الإشاعة بالتأكيد، لكن لحسن الحظّ كانوا جميعًا أراهينين، فسيهدّئ سار الأمور بنفسه.
أخفى أشيريل وجهي نصفه في حضنه وخرج بنا من قاعة الحفل إلى الحديقة.
لم يمرّ وقت طويل على بدء الحفل، فكانت الحديقة خالية تمامًا.
«لن أترك ليز أبدًا، فلماذا بكيتِ؟ هل أحزنتكِ دون أن أدري؟»
«كلّا.»
عانقته بقوّة.
«بكيتُ لأنني أحبّ أشيريل. أحبّك جدًّا جدًّا، فلا تتركني أبدًا.»
«أكره أن أراكِ تبكين، لكنني أحبّ جدًّا أن تسمعيني كلام الحبّ.»
أجابني أشيريل بلطف وهو يعانقني.
ربّت على ظهري طويلًا ثم نظّف وجهي تمامًا، ثم مدّ يده مبتسمًا تلك الابتسامة التي أحبّها.
«هيّا، هل نعود إلى الداخل؟ سيدتي.»
التعليقات لهذا الفصل " 96"