الفصل 87
“ليز!”
سمعتُ صوت أشيريل يناديني بعد أن فهم أخيرًا ما قلته، لكنني تظاهرتُ بالصمم ودخلتُ الغرفة التي أستخدمها.
لم أستعد عقلي إلا بعد أن أغلقتُ الباب وأدرتُ المفتاح.
“آه، قلته.”
أنني أحبه!
حاولتُ أن أبدو هادئة، لكن لا سبيل للسيطرة على أنفاسي المتسارعة وخدّيّ المحترقين.
اتكأتُ بظهري على الباب ونظّمت تنفسي.
وقوفي وحدي في غرفة مظلمة ساعدني على الهدوء تدريجيًا.
الشخص الوحيد الذي يفعل أي شيء من أجلي، أنا التي لا أملك شيئًا، هو أشيريل فقط.
والوحيد الذي يتمنى سعادتي هو هو أيضًا.
بالطبع، لأنني مسكّن ألمه المهم، لكن لا أحد غيره يعتني بهذا المسكّن بهذا الإخلاص.
حتى لو لم يكن الأمر أخلاقيًا، حتى لو بدا للآخرين طفوليًا أو عبثيًا، حتى لو تطلب التضحية بنفسه، الوحيد الذي يستجيب لكل طلباتي هو أشيريل.
وعلى العكس، الوحيد الذي لا يتوجّب عليّ تلبية توقعاته هو أشيريل أيضًا.
لا، حتى لو بقيتُ مجرد مسكّن له، لم يعد ذلك يهمني.
“أنا حقًا أحبه.”
ربما وقعتُ في حبه عندما كان يبتسم ويقبّل أطراف أصابعي، أو ربما في اللحظة التي التقت فيها شفتانا.
كنتُ أحاول كبت مشاعري لأنني لا أليق به، لأنني مجرد خادمة إضافية لا أكثر.
لكنني الآن أستطيع مسك يده. حتى لو كان هناك سبب، بل إنني ممتنة لوجود سبب يسمح لي بمسك يده.
فجأة تذكّرتُ وجه أشيريل وكأنه تلقّى ضربة قوية في مؤخّرة رأسه عندما همستُ له «أحبك».
أنا الوحيدة القادرة على جعل هذا المجنون الغامض يبدو مذهولًا هكذا.
“ليز! ليز، افتحي الباب!”
تظاهرتُ بأنني لم أسمع طرقه المذعور على الباب وأغمضتُ عينيّ.
“ليز، هل ستفعلين هذا حقًا؟”
“سأنام!”
حقًا، حتى لو لم أندم، الخجل خجل! دعني أتظاهر باللامبالاة في يوم الاعتراف على الأقل، أيها الساحر عديم الإحساس!
ما إن ابتعدتُ خطوة عن الباب حتى ظهر أشيريل أمامي بملابسه الفخمة تمامًا.
“هذا غش! من يفعل هكذا؟”
“لكن لا خيار لدي.”
أمسك يدي وهو يغلق عينيه بلطف.
“قالت ليز كلامًا مهمًا جدًا، كيف أبقى ساكنًا؟”
سحبني أشيريل كأننا نرقص. خطى خطوات خفيفة ودار بي دورات عديدة.
رأيتُ شعره الأبيض الفضي يرفرف قليلًا في الهواء ثم يهبط تحت ضوء القمر المتسلّل من النافذة.
كم دار بنا داخل الغرفة الواسعة؟
طاخ، سقطنا على السرير بصوت خفيف.
عينا أشيريل الذهبيتان المتموّجتان وهو ينظر إليّ من الأعلى كانتا مملوءتين بالحرارة والرغبة.
نسيتُ التنفس وأنا أحدّق في رغبة واضحة جدًا.
فرك إبهامه شفتيّ بلطف، ففتحتُ فمي ببطء.
لمستُ طرف إصبعه المتسلّل بحذر بلساني، فابتسم أشيريل وانهار جسده ببطء فوقي.
***
أشيريل دافئ جدًا.
رغم أن أشعة الشمس ملأت الغرفة، إلا أنني شعرتُ بدفئه وغرقتُ في حضنه أكثر.
بعد قليل، شعرتُ بيد تُداعب شعري بلطف.
“شكرًا.”
“على ماذا؟”
“ساعدتني في الانتقام.”
“هذا أمر طبيعي بالطبع.”
“كنت أعلم أنه طبيعي لأنني مسكّنك الثمين جدًا. ومع ذلك، شكرًا.”
“لا.”
حاولتُ أن أقولها بلا مبالاة، لكنه قطعني بصوت ثقيل وحازم.
“ليس لأنك تخففين صداعي وألمي.”
عبّس أشيريل جبينه كأنه يعاني صداعًا شديدًا.
“أنا أيضًا…”
بحث عن كلمة مناسبة، ثم ابتسم ابتسامة عريضة فجأة.
“أنا أيضًا أحب ريليز.”
“أعلم.”
“ليس بهذا المعنى، بل بمعنى أكثر عادية… أحبك وأعشقك دون أي رغبة أخرى.”
نظرتُ إلى وجهه المشرق ونسيتُ أن أغمض عينيّ من الذهول.
“إن لم تصدّقي قلبي، فلن ألمسكِ من اليوم فصاعدًا.”
كأنه يريد إثبات كلامه، أزال يده من خصري وابتعد بجسده.
ما إن اختفى الدفء الذي يحيط بي حتى اجتاحني البرد مفاجئ.
مددتُ يديّ تلقائيًا واحتضنته.
“سأصدّق، فلا تبتعد عني.”
ضحكتُ بهدوء عندما سمعتُ دقات قلبه الصاخبة: نـــبـــض نـــبـــض نـــبـــض.
إنه يحبني حقًا. لم أكن الوحيدة التي ترتجف وتتوتر.
كنتُ أفرح بهذا الاكتشاف الجديد عندما…
“ليز.”
“نعم؟”
“هذا خطأكِ.”
“مـ، ماذا بالضبط؟!”
دفعته بجسده الصلب تلقائيًا، لكنه لم يتحرك للأسف.
“لأنكِ تستمرين في فعل أشياء لطيفة، لا أستطيع التوقف.”
ضيّق أشيريل عينيه بلطف، ضمّني بقوة، وحاول تكرار ما فعله الليلة الماضية.
لحسن الحظ أو لسوء الحظ، لم يزعجنا أحد من سكان قصر ديلات.
💿 💿 💿
بعد أيام من الحب مع ليز بقدر ما يشتهي، كان وجه أشيريل مشرقًا جدًا.
بدت بشرة ليز شاحبة قليلًا، لكنه تظاهر بأنه لم يلاحظ، مبرّرًا لنفسه أنها متعبة بسبب كمية الطاقة السحرية الكبيرة التي نقلها إليها في الليالي الحارة.
“ليز، لديّ عمل، سأخرج وأعود.”
حدّقت فيه عينان بنيتان ناعستان.
ما إن داعب خدّها بظهر يده حتى اختفت العينان خلف جفنيها.
نظر أشيريل إلى حبيبته النائمة قليلًا، ثم اختفى بنقلة فورية.
وجهته كانت داخل القصر الإمبراطوري، قصر ولي العهد.
تفاجأ تينس الذي كان يعمل بالساحر-الروحاني الذي ظهر فجأة، لكنه ابتسم سريعًا.
“ما الذي يجلب دوق ديلات إلى قصري؟”
“فكّرت أن أقتل بعض الناس بطريقة قانونية.”
“قانونية؟ من؟”
عندما سرد أشيريل أسماء أربع عائلات، وضع تينس القلم وشبك يديه.
“آه، نصف هؤلاء من أنصار الإمبراطورة، أنا موافق جدًا. همم، الأفضل أن نتهمهم بالخيانة ونسحقهم تمامًا.”
“سأصنع الأدلة وأخفيها. والمقابل إقليم ماركيز غابا.”
“إقليم غابا هو مصدر الماس الأزرق، أليس كذلك؟ حتى لو كنت أنت من أبلغ عن الخيانة، فهو كبير جدًا لمنحه.”
“إن لم تعجبك الصفقة فلا بأس.”
نهض أشيريل كأنه لا يهتم، فنهض تينس أيضًا.
“لا امزح معك .”
حاول تينس إجلاسه مجددًا بصعوبة.
لأن أشيريل ديلات يملك القدرة على الحصول على أي شيء يريده بسهولة، فالتفاوض معه مستحيل تمامًا.
يكره تينس أن يكون في موقف يضطر فيه لقبول ما يُعطى له كصدقة، لكن لا حل آخر لديه.
حاول استغلال هاروت الذي انقطعت علاقتهما، لكنه كان عنيدًا جدًا.
“أفضّل أن يُعطى باسم ليز مباشرة.”
على الأقل نقطة ضعف هذا الساحر-الروحاني المتغطرس هي حبيبته.
“الأخذ ثم إعطاؤها لها عملية مزعجة ومعقدة. وأنا أكره هذه الأشياء.”
أراد تينس إبقاء ريليز بجانبه ليستخدمها في التحكم بأشيريل، لكن المرأة الذكية رفضت عرضه.
ولا يمكنه إجبارها طالما يحميها أشيريل.
“سأحاول. لكن عليك تلبية طلب آخر.”
“…”
ضحك أشيريل بسخرية.
“حتى التفاخر له حدود. حتى لو كنت تحت حماية العائلة الإمبراطورية، هل تعتقد أنك تستطيع هزيمتي؟”
ابتسم أشيريل باستخفاف، بينما رسمت ابتسامة مريرة على شفتي تينس.
“أليس كافيًا أنني شفيت الأمير الثالث؟ هل أكشف أصل خادم الإمبراطورة؟”
“…”
“أنت من أدخلته، أليس كذلك؟”
قتل التابع الذي جلب ذلك الرجل من الزقاق، فكيف عرف؟
قشعريرة مرّت في ظهر تينس.
ضحك أشيريل ساخرًا وأطلق تحذيرًا:
“لا تعبث بأعصابي. البدائل عنك كثيرة.”
“ماذا تريد بالضبط؟”
“كما قلت سابقًا، أريد فقط أن أعيش أنا و ليز بهدوء وسعادة. لا يهمني من يصبح إمبراطورًا.”
تابع أشيريل بهدوء رغم نظرة تينس المشككة.
“اخترتك فقط لأنك تقدّر قدرات ليز حق قدرها، ولأنك تفكر قليلًا. لكن إن أكثرت التفكير حتى أزعجتني، فسأضطر لاختيار أحمق بدلًا منك.”
“تقول إنك اخترتني لأنني أفكر؟”
“لأنك على الأقل لن تتسبب في حروب أهلية متكررة كأبيك الغبي.”
التعليقات لهذا الفصل " 87"