الفصل 80
كان السّائل المتلألئ داخل الكأس الزّجاجيّة يجب أن يسقط على فستاني الكريميّ ويصبغه أحمر دم،
ويحوّل فستاني الحريريّ إلى خرقة بالية.
لكن…
“كيييييييييياه!”
ماذا حدث للتو؟!
شعر تلك انسة المتفاخرة بتسريحتها الرّائعة، والتي كانت إحدى أتباع الأميرة،
اختفى فجأة!
“ما، ما هذا؟! شعر انسة بلودي!”
الفتاة التي كانت ستسكب النّبيذ عليّ أصبحت صلعاء تمامًا!
“ما هذا؟!”
اقتربت صاحبة الشّعر البرتقاليّ (الجزرية) وعبست، ثمّ هزّت كأس النّبيذ الذي في يدها نحوي.
طار النّبيذ نحوي بالطّبع،
لكنّه ارتدّ فجأة في منتصف الطّريق كأنّه اصطدم بحاجز غير مرئيّ.
ثمّ اختفى النّبيذ،
وامتلأ وجه الجزرية بالتّجاعيد حتّى صارت كجدّة في المئة من عمرها.
لم تدرك الجزرية ما حلّ بوجهها بعد، لكنّ الأميرة والفتاة الصلعاء شهقتا مصدومتين.
مهما نظرتُ، هذا سحر، لكنّني لا أعرف هذا السّحر، وفي القصر الداخليّ يوجد حاجز يمنع استخدام السّحر من الأساس.
من خلف الأميرة، رأيتُ أشيريل ما زال بجانب معلم.
لا يوجد في العالم كلّه سوى شخص واحد يمكنه فعل هذا.
لقد أُعطيتُ فرصة ذهبيّة لمعاقبة من أرادوا إيذائي، فلأستغلّها إلى أقصى حدّ!
“صاحبة السّموّ الأميرة، تبدون مصدومة جدًّا، هل أنتن بخير؟”
تجاوزتُ الجزرية التي تمسح وجهها وتبكي، والصلعاء التي تحاول إخفاء رأسها اللاّمع، ووقفتُ أمام الأميرة مباشرة، بمظهر القلق الشّديد.
“لا تقتربي!”
دفعت الأميرة المذعورة يدها لتبعدَني، لكنّها بدلًا من ذلك رشت النّبيذ المتبقّي في كأسها.
شوووك!
مع صوت خفيف مرح، اختفى شعر الأميرة كلّه.
لم تبقَ ولو شعرة واحدة، فبدت بائسة إلى حدّ الشّفقة.
“كيييييييييياه!”
لمست الأميرة رأسها الأصلع وصارت تقفز كالمجنونة.
من الطّبيعيّ أن تلتفت إليها كلّ الأنظار.
امرأتان صلعاوان، وامرأة واحدة متجعّدة كعجوز، لم يستطع الحاضرون إخفاء دهشتهم وتسليتهم.
“هااه.”
سقط فكّ ماثيو الذي كان يشاهد كلّ شيء من الجانب.
“قلتُ في نفسي لماذا أشيريل هادئ جدًّا اليوم…”
“ما علاقة أشيريل؟”
ابتعدنا أنا وماثيو قليلًا لننجو من الضّجة.
“في الحقيقة، عندما جاء أشيريل إلى القصر سابقًا، سألني:
«هل حدث شيء يمكن أن يزعج خطيبتي؟»
فأخبرته بالطّبع عن الأميرة التي حاولت جرّكِ بالقوّة.”
“ورأيتُ أشيريل يحدّق في قصر الأميرة بنظرة قاتلة، فظننتُ أنّه سيفعل شيئًا فورًا، لكنّه بقي هادئًا فاستغربت.”
أومأ ماثيو لنفسه قائلًا: “بالطّبع لن يسكت أشيريل.”
كان يلحّ على مرافقتي إلى القصر فقط لحمايتي.
كنتُ أظنّه يتسلّى بي لأنّه فارغ…
شعرتُ بالدّفء في قلبي لحظة، لكنّ الأميرة فجأة لمعت عيناها وركضت نحوي.
“أيتها السّاحرة! أعيدي شعري!”
أمسكت كتفيّ بقوّة حتّى كدتُ أشعر أنّ عظامي ستتكسّر…
لكن قبل أن أشعر بالألم، طارت الأميرة في الهواء.
“كييييييييييياه!”
عبرت القاعة كلّها وهبطت في منتصف منصّة الرّقص.
من لم ينتبه لها واصل الرّقص فوقها فسقط.
تحوّل المكان إلى فوضى، وتوقّف العازفون عن العزف.
حتّى الإمبراطور والإمبراطورة اللذان كانا يتحدّثان بجدّية التفتا إلى المنصّة.
نزلت الإمبراطورة الجديدة ممسكة يد الإمبراطور، ورأت ابنتها ملقاة على الأرض بأطرافها الأربعة ممدودة، وضعيّة لو رأتها معلمة بولايت لقالت إنّها فجوريّة جدًّا.
“ديانا!”
صرخت الإمبراطورة الجديدة باسم ابنتها عندما أدركت من هي.
“ارفعوا ديانا فورًا!”
رفعها أحد النّبلاء نصف رفعة، وأمرت الإمبراطورة بإيقاظها.
“ما الذي يحدث؟ لماذا ديانا بهذا الشّكل؟”
“جلالة الإمبراطورة!”
اكتشفت الإمبراطورة الجديدة انسة الصلعاء و انسة كالعجوز فوضعت يدها على جبهتها.
“هي من فعلت! تلك الفتاة استخدمت سحرًا غريبًا!”
“سحر أسود بالتّأكيد!”
أشارت إليّ الفتاتان، فاقتربت الإمبراطورة منّي وعيناها مفتوحتان.
“أنتِ انسة كايدن، صحيح؟ اشرحي فورًا بطريقة أقتنع بها!”
“أنا من أريدي السّؤال أوّلًا.”
ظهر أشيريل فجأة من الخلف، ووضع يديه على كتفيّ برفق.
“ما الذي كنتنّ تحاولن فعله بخطيبتي بالضّبط؟”
كانت عيناه الصّفراوان أكثر ذهبيّة من المعتاد، وأكثر شراسة بنفس القدر.
“لا تحاول تحويل الموضوع، أيّها الدّوق. لو فعلت انسة كايدن شيئًا لابنتي، فهل تقول إنّ ابنتي هي من فعلت شيئًا للانسة كايدن؟”
رفع أشيريل الزّمرد المعلّق في العقد حول عنقي.
“هذا العقد يُسمّى «قلب الحكيم الطّيّب».”
“قلب الحكيم الطّيّب؟”
“آه، سمعتُ به. كنز نادر جدًّا.”
“يحمي مرتديه من النّوايا الخبيثة. بالضّبط، إذا حاول أحدهم إيذاء مرتديه بنيّة سيّئة، يرتدّ الشّرّ إلى صاحبه.”
“نيّة سيّئة؟”
عبس الإمبراطور.
“تقصد أنّ الأميرة حاولت إيذاء انسة كايدن؟”
“بالضّبط.”
“وهل هذا العقد ليس ملعونًا؟”
ابتسم أشيريل بطرف شفتيه فقط ردًّا على الإمبراطورة التي استردّت رباطة جأشها.
“لا يحدث شيء لمن يلمس خطيبتي بنيّة طيّبة. كما أفعل أنا الآن.”
“لكنّك ساحر عظيم، فربّما لديك طريقة أخرى.”
بدأ الحاضرون الذين كانوا يهمسون “عقد ثمين، يبدو أنّ الأميرة مخطئة” يتردّدون بعد كلام الإمبراطورة.
“إذًا دعوني أمسك انسة كايدن.”
مدّ سار يده فجأة كأنّه يقدّم مرافقة. خفتُ أن يختفي شعره الكثيف، لكنّني وضعتُ يدي في يده.
لم يحدث شيء.
“انسة كايدن، أعطيني أنا أيضًا فرصة لإثبات براءتكِ.”
مدّ تينس يده بهدوء، فأمسكتُها، ولم يحدث شيء أيضًا.
“حقًّا الأميرة…”
“مستحيل أن تفعل ديانا هذا! يا لها من فتاة طيّبة القلب…!”
تنهّد الإمبراطور وأشار بيده أن يأخذوا الأميرة.
اقترب الفرسان وحملوها.
تبعتهما الفتاة الصلعاء والعجوز المتجعّدة مسرعتين، وكذلك من بدا أنّهم والداهما.
“هااه، أيّها الدّوق. ما طريقة إعادة ابنتي إلى طبيعتها؟”
“لا أعلم.”
“كيف لا تعلم؟! أنت أعظم ساحر!”
“لأنّها عقوبة على نيّتها الخبيثة، وهذا ليس من اختصاصي.”
هزّ أشيريل كتفيه.
“ماذا عن دخولها دير راهبات وتعيش حياتها تكفّر عن ذنبها؟”
“د، دير؟!”
أمسك الإمبراطور بالإمبراطورة المتعثّرة.
“بدلًا من ذلك، اعتذري عمّا حاولتنّ فعله بخطيبتي.”
“صحيح. محاولة إيذاء خطيبة دوق أشيريل ديلات أمر لا يُغتفر حتّى لو كانت أميرة.”
تحدّث تينس بجدّية تامّة. بالتّأكيد يرقص فرحًا في قلبه لأنّ ابنة زوجة أبيه حفرت قبرها بنفسها.
“ماذا تريد معاقبتها أكثر وهي بهذا الشّكل، يا أمير الإمبراطورة.”
“فقدان الأميرة لشعرها الذّهبيّ رمز العائلة الإمبراطوريّة هو عقوبة كافية لفعلتها.”
كان تينس باردًا إلى أقصى درجة.
“لكنّ اختفاء الشّعر لا يُعدّ تعويضًا للدّوق ديلات و انسة كايدن.”
“همم، هذا صحيح.”
حدّقت الإمبراطورة في الإمبراطور الذي أيّدها.
قال أشيريل إنّ الإمبراطور غبيّ، لكن لا أعرف إن كان غبيًّا أم طيّب القلب.
“أقترح أن تذهب الأميرة إلى دير الرّاهبات لفترة لتكفّر عن خطئها، وتقدّم كنزًا من خزينة الإمبراطوريّة للانسة كايدن كاعتذار.”
“رأي جيّد.”
“جلالتك!”
نسيت الإمبراطورة كبرياءها وغضبت، لكنّ الإمبراطور كحّ بحرج ولم يتراجع عمّا قاله.
تدخّل تينس لتهدئة الجوّ.
“أيّها الدّوق، ما رأيك في مناقشة التّفاصيل لاحقًا؟”
بمعنى أنّ الأعين كثيرة جدًّا، فأومأ أشيريل برأسه برفق.
“بالمناسبة، سأحاسب العائلتين الأخريين شخصيًّا، فلا تقلقا.”
تسرّبت من ابتسامته نية قتل واضحة.
التعليقات لهذا الفصل " 80"