«شكرًا. لكن بعد بضعة أشهر سيكون حفل خطبتي، لذا أخشى ألّا أستطيع الاعتناء بك كثيرًا، آسفة لذلك.»
رسمتُ الخطّ الأحمر أوّلاً: أنا مشغولة، فلا تأتِ لزيارتي.
«بالطبع، ستكونين مشغولة إذا بقيت الخطبة قائمة حتى ذلك الحين. لا ضمان أنّ الخطبة لن تُفسخ، أليس كذلك؟»
هل تدعو عليّ الآن أن أُفسخ خطبتي؟
بالطبع، أنا لا أكترث إطلاقًا إن ساءت سمعتي بسبب فسخ الخطبة!
«سار، أنت فعلاً شخصية سيّئة…»
«ماذا؟»
ارتجف سار الذي كان واثقًا من نفسه.
«أن تتمنّى فسخ الخطبة يعني أن تتمنّى أن أفترق عن الشخص الذي أحبّه. تتمنّى لي التعاسة، هل أنت حقًّا سار الذي عرفته؟ أم أنّك كنت تخفي هذه الشخصيّة طوال الوقت؟»
«ليـ… ليز. أقصد ريليز. ليس هذا ما قصدته…»
يبدو أنّني أصبحتُ جادّة جدًّا تجاه الخطبة التي وافقتُ عليها لأهدّئ أشيريل المتمسّك بي.
حسنًا، أنا أحبّ أشيريل أكثر يومًا بعد يوم، فكيف يمكن أن يكون فسخ الخطبة أمرًا جيّدًا؟
شعرتُ بنظرة حارّة، فنظرتُ جانبًا فرأيتُ عيني أشيريل تلمعان. ليس مبالغة، كانتا فعلاً تلمعان كأنّهما تحتويان على أشعّة الشمس.
«في أراهين، زيارة امرأة على وشك الزواج بشكل متكرّر يُعتبر إهانة لها، أليس كذلك؟ الأمر مشابه في الإمبراطوريّة، لذا أرجو أن تمتنع عن زيارتي.»
تجاهلتُ أشيريل بصعوبة وقلتُ لسار كلمة حاسمة.
بما أنّ أشيريل يتحمّل حتى أن أنادي سار باسمه، يجب أن أرسم الخطّ بوضوح.
أشيريل عادةً لا يهتمّ بمن أكون صديقة له.
لكنّه يكره حتى أن أتبادل النظرات مع شخص يبدو أنّه يحبّني.
عندما سمعتُ أنّه فجّر باب وبوّابة قصر دوقيّة ستيا، شعرتُ حقًّا…
كيف أتعامل مع هذا المصيبة الذي لا يُضبط؟
عندما وبّخته بصرامة «لماذا فعلتَ ذلك؟»، قال وهو يعض شفتيه: «لأنّ ذلك الوغد هاروت يتبعكِ دائمًا، هذا مزعج»، فكان لطيفًا جدًّا حتى تنهّدتُ.
«بالطبع، إن وقعتَ في مشكلة فسأحاول مساعدتك. لكن دعنا نحترم اللياقة.»
«…حسنًا.»
«شكرًا لتفهّمك.»
«لو علمتُ أنّ ريليز ستصبح امرأة رجل آخر، لجئتُ أسرع. لرميتُ كلّ المظاهر وتبعتكِ فورًا.»
سار الذي ظننتُ أنّه سيتراجع بهدوء ألقى قنبلة!
أنت لم تكن تحبّني أصلاً! لماذا تتظاهر بأنّنا عاشقان؟
أردتُ أن أمسك بتلابيبه وأهزّه، لكنّ أبي موجود، وهذه جلسة رسميّة نسبيًّا بحضور ضيف من دولة أخرى.
رغم أنّني نبيلة الآن، إلّا أنّ رأسي ما زال يؤلمني.
إذن الحلّ هو أن أصبح زوجة دوق ديلات؟ يقال إنّ الدوق يساوي الأمراء!
بينما كان قلبي يميل بقوّة نحو منصب الدوقة، تكلّم تينس بلهجة مستمتعة.
«كنتُ أعرف أنّ علاقات الآنسة ريليز واسعة، لكن لم أعرف أنّها تعرف حتى أمير أراهين.»
«تعرّفتُ عليه صدفة.»
لم أرد شرح التفاصيل فتلعثمتُ، فرفع تينس حاجبه. تعبير «تجرؤين على إخفاء شيء عنّي؟».
رجل كان يبتسم بلطف وأصبح يصنع مثل هذا التعبير، شخصيّته أصبحت حقًّا سيّئة.
كدتُ أتعرّق من التوتر، لكن لحسن الحظّ قام سار قائلاً إنّ لديه أمرًا آخر.
«إذن نلتقي في فرصة قادمة يا ريليز.»
دون أن ينسى أن يحدّق بي بعينيه الخضراوين العميقتين.
ولحسن الحظّ قام تينس معه.
بقينا في الصالة أنا و أشيريل وأبي فقط، عندما دخلت أمّي بعد طرق الباب. ربّما بسبب زيارة أمير أجنبيّ، كانت عيناها تلمعان.
«متى تعرّفتِ على أمير أراهين، هل يمكنني السؤال يا ليز؟»
«في الحقيقة، هربتُ من دوق ستيا إلى أراهين. عندما تورّطتُ في مشكلة في العاصمة، ساعدني صاحب السموّ.»
«يا إلهي، رومانسيّ جدًّا!»
صفقّت أمّي معجبة، فنظر إليها أشيريل بحذر، ثمّ شدّ يدي التي يمسكها برفق.
هل يتوتر لأنّ أمّي قد تؤيّد سار؟
«مهما كان، سار وأنا مجرّد أصدقاء.»
«حسنًا، بل إنّ الأمير الذي ينظر من بعيد أكثر رومانسيّة. بنظرات حزينة.»
بالتأكيد قرأت أمّي روايات رومانسيّة كثيرة في شبابها. وإلّا لما قالت مثل هذا.
«مهما جاء أمير أجنبيّ، فهذا شأن الكبار، أمّا نحن فسنكون مشغولين بتحضير الخطبة. لم يبقَ سوى بضعة أشهر يا ليز.»
«نعم. حوالي أربعة أشهر ونصف؟»
موسم الحفلات يبدأ من نهاية فبراير عندما يزول البرد، ويستمرّ شهرين، وأنا سأخطب تقريبًا عند انتهائه.
الفستان يُصنع من حرير من مملكة تشينا ودانتيل وجواهر مستوردة من دوقيّة إميرالدا. مع إضافة مجوهرات من خزانة كنوز عائلة ديلات.
«صحيح. سنقيم الخطبة في قصر ديلات، فإن دفأ الجوّ قليلاً يمكنكِ الانتقال إلى قصر ديلات.»
«سيدتي!»
«لكن عزيزي، دوق ديلات لا يريد أن يفارق ليز ولو لحظة، أليس كذلك؟ ولا يمكننا إقامة الحفل هنا في القصر الذي أعدّه دوق ستيا.»
«هذا صحيح لكن…»
تنهّد أبي بخفّة.
«لذلك أليس من الأفضل أن ننتقل نحن إلى قصر ديلات؟ أليس كذلك يا صاحب السعادة؟»
«نعم يا سيدة الكونتيسة. وأنا أصلّح قصرًا اشتريته في العاصمة، فبمجرّد انتهاء التصليح سننتقل إليه.»
بناءً على طلبي أن يعامل والديّ باحترام أكثر، يبذل أشيريل جهدًا. بفضل ذلك يتلقّى والداي معاملة أفخم من الإمبراطور نفسه.
«يا إلهي، شكرًا على الاهتمام.»
«لو كان الأمر بيدي لانتقلنا فورًا إلى قصر ديلات، لكن قيل إنّ ذلك قد يؤثّر على سمعة ليز، لذا سنتحمّل قليلاً.»
أن يخرج كلمة «سمعة» من فم أشيريل!
كنتُ فخورة بنموّه للحظة…
«لكن بما أنّ ذلك الوغد ظهر، هيّا ننتقل يا ليز.»
همم، هو كعادته يفعل ما يحلو له.
«ماذا لو عاد ذلك الوغد؟ إن استغلّ لقب أمير وجاء، سيكون من الصعب عليكِ رفضه، أليس كذلك؟ لذا سأرفضه أنا بدلاً منكِ.»
رفض أشيريل لا يعني أن يفجّره، أليس كذلك؟
لأنّ مواجهة بين سار الذي معه روح و أشيريل في عاصمة الإمبراطوريّة لن تكون منظرًا جميلاً، فأقنعتُ أشيريل بصعوبة أن ننتقل إلى قصر ديلات إن جاء سار مرّة أخرى.
لكن قلق أشيريل جاء من جهة أخرى.
لأنّني أخيرًا أصبحتُ قادرة على دخول القصر الإمبراطوريّ، وبدأتُ أذهب لتعلّم السحر في القصر.
***
قرّرتُ أن أذهب مرّة أسبوعيًّا إلى القصر الإمبراطوريّ، ومرّة إلى منزل معلمي لتعلّم السحر.
أصبح ذلك ممكنًا لأنّ التواصل الجسديّ مع أشيريل زاد كثيرًا، فلم أعد بحاجة لتخصيص وقت لمسك يده.
بما أنّ موسم الحفلات لم يبقَ عليه الكثير، فالكثير من النبلاء الذين لم يغادروا إلى أراضيهم ما زالوا في العاصمة، ووفود الدول الأخرى التي جاءت لمهرجان رأس السنة ما زالت موجودة، فالقصر الإمبراطوريّ مزدحم أكثر.
لحسن الحظّ، معمل الأبحاث السحريّة الذي يوجد فيه معلمي في أهدأ زاوية في القصر، وكنتُ أختار الطرق الأقلّ ازدحامًا قدر الإمكان.
«مرحبًا، آنسة رويلي. صباح الخير يا سيّد ماثيو!»
«أنتِ مشرقة كالعادة يا آنسة ريليز.»
«صباح الخير.»
سلّمتُ على السحرة التابعين للقصر وأنا أتوجّه إلى مكتب معلمي. كنتُ قلقة من أن يحسدوني لأنّني أتلقّى تدريبًا من الكبير رغم أنّني لست ساحرة قصر، لكن لحسن الحظّ لم يحدث ذلك.
«مرحبًا معلمي.»
«لقد جئتِ يا ليز. تفضّلي بالجلوس.»
ظهر معلمي كعادته بلحيته البيضاء الكثيفة، وابتسم ابتسامة عريضة عندما رأى المونبلان الذي أحضرته.
معلم يحبّ الحلويات تمامًا مثلي.
اليوم أوّل درس بعد انتهاء مهرجان رأس السنة.
«لقد فزّعتك عندما اختفيتُ أنا و أشيريل فجأة، أليس كذلك؟ آسفة لأنّني قلقتك.»
«هاا، هل تعتقدين أنّ هذه أوّل مرّة يفعل ذلك الوغد فيها شيئًا كهذا؟ لو كنتُ أتفاجأ بهذا لما استطعتُ أن أكون معلّم أشيريال.»
ضحكتُ رغمًا عنّي عندما صفّر معلم «تش».
مع الجوّ المرح، سألتُ بهدوء ما كنتُ أتساءل عنه منذ أيّام.
«هل للماء المقدّس الذي لمسته في حفل رأس السنة قدرة خاصّة؟ سمعتُ أنّه ماء مبارك من حاكم الحياة ميكايل.»
«همم؟ لماذا، هل شعرتِ بقوّة مقدسة؟ هو هو، إن كان كذلك فقد عادت القدّيسة إلى الإمبراطوريّة وسيفرح الجميع.»
«كلّا، ليس ذلك.»
رفع معلم المونبلان بكلتا يديه بحذر وقال إنّ عليه أن يأكله دفعة واحدة.
التعليقات لهذا الفصل " 70"