الفصل 69
لماذا رأيتُ بالذات ذلك المشهد؟
يقال إنّه ماء مقدّس، فهل له تأثير خاصّ؟ أم أنّني رأيتُ هلوسة؟
أم أنّ مشاعري اللاواعية هي التي انبثقت فجأة؟ لكنّني لم أتمنّ موت أشيريل يومًا.
عندما أغمضتُ عينيّ، فرك أشيريل خدّي بظهر يده.
«ما بكِ ليز؟ ما زلتِ تشعرين بالدوار؟»
فتحتُ عينيّ ببطء، فرأيتُ أشيريل ينظر إليّ قلقًا.
«ليز، أنتِ بخير حقًّا؟ لا يوجد خلل في قوّتك السحريّة.»
نظرتُ في عينيه الصافيتين، ثمّ شددتُ خدّه الأحمر من البرد.
«آآآآخ.»
رغم أنّ خدّه خالٍ تقريبًا من اللحم ولم أمسكه جيّدًا، تظاهر أشيريل بألم شديد.
«البرد قارس. قارس جدًّا. لذلك رأسي يدور.»
أصبح قرص خدّ أشيريل أمرًا عاديًّا الآن.
لم يطلب منّي ذلك، لكنّني بدأتُ أداعب شعره وألمس خدّه تلقائيًّا، وكم اندهشتُ عندما اكتشفتُ نفسي أفعل ذلك لأوّل مرّة.
«إذن هيّا نذهب إلى مكان دافئ بسرعة.»
أصبح وضع ذراعي حول عنقه أمرًا مألوفًا الآن. قلبي ما زال يدقّ بسرعة، لكنّني اعتدتُ.
«لا يمكن أن تمرض ليز بنزلة برد، لا خيار إذن.»
عانقني أشيريل بقوّة وفرك أنفه البارد بخدّي.
شعرتُ فجأة وكأنّ جسدي يهبط «هوب»، ثمّ رأيتُ سقف غرفتي.
آه.
وصلنا أنا و أشيريل إلى سريري في غرفتي.
لوّح أشيريل بأصابعه بخفّة فاشتعلت النار في المدفأة التي تحتوي على الحطب.
قلقي على والديّ في القصر الإمبراطوريّ موجود، لكنّهما رأيا اختفائي مع أشيريل، فلن يقلقا كثيرًا.
أشيريل الذي لا تهزّه أيّ تهديدات هو في النهاية أفضل حامٍ، ووالداي استسلما نصف استسلام لتصرّفاته الغريبة.
أن يجعل والديّ يتخلّيان عن طرد هاروت أيضًا، لأشيريل يا له من رجل مذهل بطريقته.
«عندما نخطب، سنتمكّن من النوم في نفس السرير كلّ يوم.»
«هذا ممكن بعد الزواج فقط.»
«تش.»
أصدر أشيريل صوت استياء واضحًا وعانق خصري بقوّة. كأنّه لا يريد أن يفلتَني.
رجل أكبر منّي بكثير يتشبّث بي كأنّه لا يستطيع العيش بدوني، يجعل قلبي لا يتحمّل.
هل يجب فعلاً أن نعجّل موعد الخطبة؟
بدأتُ أفكّر بجدّية وأنا أستمتع بشعور شعره الفضيّ الناعم كالحرير يمرّ بين أصابعي.
***
كنتُ أتساءل كيف سينتهي حفل رأس السنة في القصر الإمبراطوريّ، لكنّ الحدث الحقيقيّ وقع في اليوم التالي.
«طال غيابك يا ليز.»
في صباح اليوم التالي، زار تينس وسار قصر كايدن.
أشيريل الذي جعل القصر بيته بالطبع رآهما، والتصق بي كالعلكة.
«ابتعد.»
«بعد أن رحلتِ هكذا، كنتُ دائمًا أفكّر في زيارتك، ألم تشتاقي إليّ يا ليز؟»
«لا تتحرّش بخطيبتي.»
«لم نتمكّن حتى من وداع صحيح وقتها. بسبب شخص اختطفكِ.»
كان سار يتجاهل نية القتل التي يبعثها أشيريل ويتحدّث إليّ فقط، وهو بالتأكيد ليس سهلاً.
ربتُّ على رأس أشيريل الذي وضع خدّه على وجهي وهو يحدّق في سار، فخفّ التوتّر قليلاً.
«طال غيابك يا سار. لا، ربّما يجب أن أناديك صاحب السموّ الآن؟»
«كلّا، ناديني سار. نحن ما زلنا على علاقة خاصّة.»
«لا تناديه سار.»
كان أشيريل يهمس في أذني باستمرار حتى دغدغ أذني. دفعته، فأمسكتُ يده التي رفع طرف عينيه.
«اجلس بهدوء بجانبي. موافق؟»
إن خفّفتُ صداعه سيصبح أهدأ قليلاً.
لحسن الحظّ هدأ أشيريل، فتركّزتُ على سار.
«يسعدني أنّك ما زلت تتذكّرني كـ ’صديقة‘، صاحب السموّ. لكن ما الذي جعلكما تزورانني فجأة دون إشعار؟ أمر طارئ؟»
«لم تسمعي شيئًا؟ قلتُ بالأمس للكونت بوضوح إنّني سأزور الآنسة ريليز.»
«يبدو أنّني أنا من يجب أن يشرح.»
تكلّم أبي الذي أدخل تينس وسار إلى غرفة الضيوف.
«ليز، نسيتُ أن أخبرك مسبقًا.»
وضع أبي يده على جبهته كأنّ رأسه يؤلمه.
«أمس، طلب سموّ وليّ العهد زيارة قصر كايدن، فوافقتُ.»
لا عجب، تينس دائمًا يحدّد موعدًا مسبقًا، فتعجّبتُ من مجيئه فجأة هذه المرّة.
«رأيتُ ليز نائمة أمس فنسيتُ إخبارها، سموّكم. أعتذر.»
«لا بأس يا كونت. الآنسة ريليز اختُطفت، فمن الطبيعي أن تكون متعبة وخائفة.»
وجّه تينس اللوم إلى أشيريل بشكل غير مباشر، فنظر إليه أشيريل بنظرات باردة. كأنّه سيقطع عنقه في أيّ لحظة.
عندما قرّرتُ خطبة أشيريل، لم يكن هاروت الوحيد الذي اندهش. تينس الذي عرض عليّ منصب السكرتيرة كان مستاء أيضًا.
بالتأكيد جلب سار انتقامًا منهما.
«أمير أراهين الذي يتبادل مع إمبراطوريّتنا العلاقات أراد لقاء الآنسة ريليز.»
حتى لو كان تينس يُكبح من هاروت و أشيريل، فالأمر يحدث داخل الإمبراطوريّة، وداخل قصر كايدن تحديدًا.
ما دامت عائلتنا وهاروت و أشيريل لا نتحدّث، فلن تتضرّر هيبة وليّ العهد.
لكن سار ضيف أجنبيّ من دولة أخرى، لذا الوضع مختلف.
هل يهتمّ أشيريل بهذا؟ مستحيل.
لكنّني أهتمّ؟
لأنّه لو ثار سار قائلاً إنّ أميرًا تمّ تجاهله، فقد تندلع حرب! ذلك الرجل معه روح أيضًا.
منعتُ حربًا أهليّة داخل الإمبراطوريّة باختيار شخص واحد وإغلاق الباب أمام الآخرين، فلا يمكنني السماح بحرب لسبب آخر.
«إذن هكذا. يشرفنا أن يزور قصر كايدن كلّ من أمير أراهين وسموّ وليّ العهد.»
«ليس، ناديني سار. حسنًا؟»
«كيف أجرؤ؟ صاحب السموّ ضيف عزيز على إمبراطوريّتنا.»
تظاهرتُ بمراقبة ردّ فعل تينس. كنتُ أخطّط لرفع هيبته وإجباره على مداينتي.
«كلام الآنسة ريليز صحيح. الأمير ضيف عزيز، فمن غير اللائق أن يتحدّث مع ابنة كونت بغير رسميّة.»
«لكنّني وليز أصدقاء. أصدقاء مميّزون جدًّا.»
شدّد سار على كلمة «مميّزون». لا تستفزّ أشيريل، يا سار الوغد!
«همم، بما أنّهما كانا أصدقاء، ففي الجلسات الخاصّة يمكن التساهل قليلاً. يا آنسة ليز، افعلي ما يريده صاحب السموّ.»
نظرتُ إلى أشيريل الذي يبدو أكثر رعبًا عندما يكون بلا تعبير، ثمّ تكلّمتُ.
«يسعدني أنّك ما زلت تحمل لي مشاعر طيّبة، يا سار.»
ابتسم سار، بينما أصبح وجه أشيريل أكثر شراسة تدريجيًّا. كان تينس يراقب باهتمام.
«لكن لديّ حبيب، وسنخطب قريبًا. في الإمبراطوريّة من غير اللائق أن ينادي أحد امرأة لها حبيب باسمها المختصر، لذا ناديني ريليز أو آنسة ريليز، حسنًا؟»
«لكن يا ليز، نحن في جلسة خاصّة.»
«لا أحبّ ذلك. أنا أغضب إن نادى أحد حبيبي أشيريل أو آيل.»
آيل!
خدّاي يحترقان من لقب أشيريل الذي نطقتُ به لأوّل مرّة في حياتي. يمكن استخدامهما كمدفأة يدين.
«وعندما التقينا أوّل مرّة، كلّانا كان يكذب بشأن هويّته. أنا وأنت.»
ارتجفت حواجب سار السميكة عند كلمة «وأنت».
كان يقول إنّه ابن قافلة ثريّة ويخدعني بعناية. عرفتُ لاحقًا أنّ تلك القافلة تابعة لعائلة أراهين الملكيّة.
«الآن الوضع مختلف، لذا أرجو أن تحترم اللياقة.»
«ليز…»
«آنسة ريليز.»
«ريليز. سأناديك ريليز.»
«حسنًا.»
انخفضت زاوية فم سار، بينما وضع أشيريل رأسه على كتفي وضحك بصوت خافت.
«يجب على أشيريل أيضًا أن يحترم اللياقة. لدينا ضيوف.»
«حسنًا.»
عدّل جلسته، ثمّ وضع ماكارون في فمي مبتسمًا.
فيو، لقد أشرقت جهودي لمنع الحرب.
تنفّستُ الصعداء سرًّا في الجوّ المخفّف، وارتشفتُ شايي.
«سار، جئتَ هذه المرّة لمشاهدة مهرجان رأس السنة؟»
«نعم. لكنّني سأبقى في الإمبراطوريّة فترة طويلة. جئتُ للدراسة.»
«للدراسة؟»
«أجل. كلّه بسبب ليز… أقصد ريليز. رينيس جعلتني أصبحتُ فضوليًّا تجاه الإمبراطوريّة. فألححتُ على والدي كي أجرب العيش هنا بنفسي.»
ظننتُ أنّه سيعود قريبًا، لكن تبيّن أنّه ليس كذلك، يا للارتباك الجديد!
التعليقات لهذا الفصل " 69"