الفصل 68
في اللحظة التي أراد فيها سار أن يمسك يدي اليمنى برفق…
«ابتعد.»
دفع أشيريل المتشنّج كالصخر ذراعه بعيدًا.
«أيّ مكان هذا حتى تتجرّأ على التسلّل إليه، أيّها الوغد!»
دوق ديلات الذي نادرًا ما يرفع صوته، وأمير مملكة أجنبيّة، وبينهما فتاة نشأت خادمة.
مزيج مثاليّ لجذب اهتمام المجتمع الراقي.
كنتُ أحاول تهدئة أشيريل كي لا نلفت الأنظار، لكنّ ضيفًا غير مدعوّ ظهر.
«ما هذا يا أشيريل ديلات؟ تثير المشاكل في اليوم الأوّل من السنة الجديدة، قبيح جدًّا. وتوجّه الإساءة إلى أمير مملكة أجنبيّة أيضًا.»
هاروت ستيا بالذات! الذي كان يرسل لي رسائل حبّ أو يقتحم قصر كونت كايدن فجأة!
«طال غيابك يا ليز. اشتقتُ إليكِ كلّ هذه المدّة.»
عندما نظر إليّ بنظرات حزينة إلى أقصى درجة، كأنّه دفعني داخل حفرة نار.
حسنًا، عند هذه النقطة يبدو أنّني أنا المخطئة لأنّني لا أستمتع بالاهتمام.
حسنًا، ابتداءً من اليوم سأصبح أقوى بكثير!
«ذلك الوغد هو الذي كان يتحرّش بليز بوقاحة.»
«ماذا قلتَ؟»
وضع هاروت، قائد فرسان القصر الذي يُسمح له بحمل السلاح داخل القاعة، يده على مقبض سيفه.
كاد أن يسحب سيفه ويقطع سار في أيّ لحظة، فشعرتُ أنّ قراري بأن أصبح أقوى كان مجرّد وهم سخيف.
ما فائدة أن اكون أقوى؟
«يبدو أنّ شعب الإمبراطوريّة وقح جدًّا. هل من آدابكم أن تهاجموا الأجانب فجأة؟»
«وأنت ترى نفسك طبيعيًّا وأنت ترسل غمزات إلى حبيبة رجل آخر؟»
ارتفعت لهبا من كفّ أشيريل.
يقال إنّ القصر الإمبراطوريّ محاط بحاجز يمنع استخدام السحر عشوائيًّا، لكن يبدو أنّه لا يؤثّر على أشيريل أبدًا.
وضع على وشك الانفجار.
«شمس الإمبراطوريّة المشرقة، صاحب الجلالة الإمبراطور يدخل!»
مع دخول العائلة الإمبراطوريّة، تبدّد التوتّر.
فسح الناس الطريق لمرور الإمبراطور والإمبراطورة ووليّ العهد والأمير الثاني والثالث، فانقسمتُ أنا و أشيريل وهاروت إلى اليسار، وسار إلى اليمين.
تنفّستُ الصعداء للحظة وهما يُخفيان سحره وسيفه، ثمّ غمز لي سار بإحدى عينيه.
«ذلك الوغد.»
غطّى أشيريل عينيّ بيده الكبيرة وسبّ بصوت منخفض.
كنتُ أكثر انشغالاً باستيعاب الحقيقة المتعلّقة بصديقي المفاجئ من التعليق على دفء يده الناعمة.
إذن، سار لم يكن وريث قافلة تجاريّة ثرية، بل وريث مملكة الصحراء أراهين؟
ظننتُ أنّني هربتُ لتجنّب الحرب داخل الإمبراطوريّة، لكن تبيّن أنّني حفرتُ قبرًا جديدًا.
بالطبع، لم يكن لسار أيّ مشاعر تجاهي.
«خلال العام الماضي، نشكر الشمس الدافئة التي أشرقت على الإمبراطوريّة، ونصلّي كي يستمرّ مجد الإمبراطوريّة في العام الجديد أيضًا.»
بقيادة الإمبراطور، رفع الجميع صلاة شكر للإمبراطور المؤسّس و حاكم الحياة ميكايل حامي الإمبراطوريّة.
«أرجو أن يحلّ الحظّ السعيد على كلّ من حضر هنا ببركة العام الجديد.»
تنتهي الطقوسة بغمس أطراف الأصابع في الماء الموضوعة في حوض كبير أمام الإمبراطور ثمّ مسح الخدود.
ذلك الماء يُجلب من بئر مقدّسة في أعماق القصر، وقال أبي إنّ الماء رمز حاكم الحياة ميكايل، لذا يُؤدّى هذا الفعل.
اصطفّ الناس طابورًا طويلاً، سلّموا على الإمبراطور ثمّ غمسوا أطراف أصابعهم.
أخيرًا جاء دوري، فتقدّمتُ.
سلّمتُ على الإمبراطور المبتسم بلطف، ثمّ خلعتُ قفّاز الدانتيل.
القاعة دافئة بالتأكيد، لكنّ الماء كان ينبعث منه برودة غريبة.
عجيب.
ما إن غمستُ أطراف أصابعي حتى ابيضّت الرؤية فجأة. مرّت مشاهد غريبة بسرعة أمام عينيّ، ثمّ دار رأسي وتمايل جسدي.
«ليز؟ ما بكِ؟»
همس أشيريل الواقف خلفي وهو يمسكني.
«ربّما… ربّما للتوتّر. هذه أوّل مرّة أحضر فيها حدثًا بهذا الضخامة وبهذا العدد من الناس.»
«كنتِ هادئة سابقًا، هل توتّرتِ اليوم يا سيّدة كايدن؟»
ضحك الإمبراطور كأنّه مستمتع.
«أتمنّى أن تستمتعي بمهرجان التأسيس.»
«شكرًا، جلالتك.»
انحنتُ باناقة ثمّ ابتعدتُ، فسمعته ينادي خلفي.
«دوق ديلات، هل ستذهب دون أداء الطقس؟»
«لا حاجة لي بالطقوس. ماذا لو سقطت خطيبتي بينما أغمس يدي للحظة؟»
«خطيبتك؟»
بدت على الإمبراطور الدهشة، والنبلاء حوله لم يكونوا مختلفين.
«في أواخر هذا الربيع، أنا والسيّدة كايدن سنخطب.»
ابتسم أشيريل ابتسامته الساحرة المعتادة.
صوته لم يختلف عن العادة، لكنّه ربّما استخدم سحرًا ليصل بعيدًا.
«آه، صحيح. لكن الخطبة لم تتم بعد، أليس كذلك؟ إذن هي ليست خطيبتك بعد.»
«بما أنّنا سنخطب فهي خطيبتي. لا أقبل الاعتراض.»
«يا لك من متسلّط دائمًا يا دوق. بالمناسبة، بما أنّ لديك خطيبة الآن، ماذا لو قبلت منصبًا رسميًّا؟»
«وقتي مع خطيبتي غير كافٍ، فلماذا أقبل منصبًا؟ أرفض.»
رغم تكلّمه بأدب مع الإمبراطور، كان أشيريل كعادته وقحًا ومتعجرفًا.
هذا الرجل يكن اللطف لي وحدي.
وأنانيًّا، يدقّ قلبي بسرعة لهذا السبب بالذات.
«إن لم يكن هناك المزيد للنقاش، سننصرف.»
أومأ أشيريل برأسه للإمبراطور ثمّ لحق بي بخطوة واحدة. وضع ذراعه اليسرى حول كتفيّ وأمسك يدي اليمنى بيده اليمنى.
«هيّا، يا خطيبتي.»
كان «خطيبتي» تعجبه جدًّا، فقالها بصوت عالٍ كي يسمع الجميع وتقدّم.
كان يرتدي رداءً ضيّقًا يلتصق بالجسد بدل ردائه المعتاد ذي الأكمام المتدلّية، فيبدو بجوّ مختلف.
رداء على شكل معطف مزيّن بالذهب عند الأكمام والياقة، جعل جمال أشيريل الأصليّ يزداد تألّقًا.
«لماذا تنظرين هكذا؟»
«لأنّ أشيريل وسيم جدًّا.»
كان همسي خافتًا، لكنّه سمعه فشكّل عينيه هلالين وضحك.
انبعثت صرخات «كيّا» من حولنا، ليست صرخات خوف بالضبط.
همف، هذا الرجل خطيبي؟ صحيح أنّ الخطبة ستتم بعد أشهر، لكن لا تعلّقن عيونكنّ عليه؟
ربّما يجب أن نعجّل الخطبة…
مع بداية موسم الحفلات، نخطب رسميًّا ونعلن «هذا الرجل ملكي، لا تلمسوه!»
أوه، هذه فكرة جيّدة جدًّا.
استمرّت طقوس غمس الأصابع في الماء أمام الإمبراطور، وتجمّع النبلاء الذين انتهوا في أرجاء القاعة يتبادلون الحديث.
ما زال البعض في الطقس، فالصمت مطلوب.
كنتُ أراقب والديّ اللذين جاءا بعربة مختلفة وهما يؤدّيان الطقس، عندما همس أشيريل في أذني.
«في ماذا تفكّرين بعمق يا ليز؟»
«كنتُ أقول إنّ كلامك صحيح بأنّ هذا الثوب سيناسبني، وأنّ الفستان جميل.»
«حقًّا؟ أفرحني أنّكِ أحببتِ الثوب الذي اخترته لكِ.»
الفستان، المجوهرات، حتى لون و رائحة أحمر الشفاه والعطر، كلّها تحمل بصمة أشيريل.
والنتيجة أسعدتني جدًّا.
أشيريل الذي يفكّر بي دائمًا.
صحيح أنّني بالنسبة له مجرّد مسكّن، لكن أن أُعامل بهذا الاهتمام ليس سيّئًا.
والأهمّ أنّني أستطيع الوقوف بجانب هذا الرجل، هذا يسعدني.
«بالمناسبة، هل جسدك بخير؟ لقد تمايلتِ فجأة.»
«ربّما لأنّني توتّرت ولم أتنفّس جيّدًا، شعرتُ بدوار لحظيّ. انظر، أنا الآن بخير.»
ابتسمتُ ابتسامة عريضة، فاطمأن أشيريل ودلك خدّي برفق. رأى هاروت هذا المشهد فعبس بغضب، لكنّ أشيريل ابتسم بهدوء فقط.
شعرتُ أنّ يده على كتفي شدّت قليلاً.
وضعتُ يدي فوق يده ونظرتُ إليه، فاتّسعت عيناه. ثمّ رفع زاوية فمه وابتسم، وفرك أنفه برفق على شعري.
«أنـ… أنتما…!»
ارتجف هاروت، لكنّني لم أكترث.
عندما انتهت الطقوس الطويلة، فُتحت أبواب القاعة على مصراعيها، ودخل الخدم حاملين طاولات كبيرة وأطباقًا خفيفة وحلويات.
بدأت جلسة شاي خفيفة.
كان الإمبراطور يحاول مرارًا التحدّث إلى أشيريل، لكنّ الأخير كان يتفاداه ببراعة.
«ذلك الرجل كلّما رآني حاول أن يكلّفني بعمل.»
«أليس لأنّ أشيريل موهوب جدًّا؟ ساحر ومستدعي أرواح في نفس الوقت، لا يوجد مثله في القارّة كلّها.»
« دوق ديلات!»
عندما ناداه الإمبراطور علنًا، عبس أشيريل ثمّ حملني فجأة بين ذراعيه.
«لا يوجد دوق ديلات!»
صرخ بصوت عالٍ ثمّ استخدم النقل الفوريّ.
«كيّا!»
المكان الذي انتقل إليه أشيريل كان فرع شجرة في سهل ثلجيّ شاسع سبق أن زرناه.
لوّح بيده بخفّة فاستدعى عباءة فرو بيضاء ووضعها فوقي.
«صاحب الجلالة ناداك، هل يجوز أن نخرج هكذا؟»
«وما المانع؟ كم مرّة أصلحتُ أخطاء ذلك الإمبراطور الأحمق؟»
تذمّر أشيريل قائلاً إنّه سيفجّر القصر إن قال الإمبراطور شيئًا.
جلسني على فخذيه، عانقني من الخلف بقوّة، وفرك أنفه في مؤخّر عنقي.
كان البرد قارسًا لدرجة أنّ النفَس يتصاعد باستمرار، لكنّ المنظر الأبيض كان رائعًا. لكنّني لم أستطع التركيز على الجمال.
ما زال المشهد الذي رأيته عندما لامستُ الماء المقدّس واضحًا أمام عينيّ.
في سهل مغطّى بالثلج الأبيض كالذي أمامي، كان هو ينزف ويموت.
التعليقات لهذا الفصل " 68"