الفصل 57
«كياآآآه!»
«هـ ، هالة سيف ! الأرض انشقّت!»
في الحقيقة، أنا و أشيريل، ووالديّ اللذين يجلسان خلفنا بهدوء تامّ، بينما الناس حولنا هم من أصيبوا بالهياج الأكبر.
«أشيريل ديلات، تخلّي عن ليز .»
لم يتحرّك هاروت قيد أنملة وهو يوجّه سيفه المغلّف بهالة سوداء نحو أشيريل .
«أنت من يجب أن يتخلّى، هاروت ستيا.»
احتضن أشيريل كتفي بجرأة وابتسم ابتسامة عميقة.
«هذا الوغد!»
ما إن شدّ هاروت قبضته على سيفه غاضبًا حتى اندفعت ناديا نحوه، دون اكتراث بأنها تدوس على المرتزق المُغمى عليه.
«سيدي دوق ستيا!»
تحوّل اهتمام الذين كانوا يصرخون «إنها هالة سيف حقيقية!» كله نحو هاروت وناديا.
لو لم تكن القضية تتعلق بي، لوجدتُ هذا المشهد مثيرًا للاهتمام إلى أبعد حدّ.
«سيدي الدوق، لماذا تتجاهلني؟ ما الذي تملكه تلك الخادمة الوضيعة أصلًا!»
قبل أن تكمل ناديا كلامها، انقطع شعرها الطويل فجأة بصوت «ساك».
«ما زلتِ لم تتعلمي درس الحذر في الكلام؟»
وقفت ناديا مذهولة تحدّق في هاروت وكأنها لا تدرك ما حدث لها، فاقترب الماركيز ديبير من ابنته مذعورًا.
حاول المحيطون بي فهم ما يجري وهم يراقبونني أنا وأشيريل .
كان هناك الكثير ممن لا يعرفون السبب الدقيق لمواجهة هاروت وناديا، وطالما أن دراستي للسحر مع أشيريل سرّ، فمن الطبيعي أن يتساءلوا.
حاول والدي إزاحة يد أشيريل عن كتفي، لكن أشيريل لم يتحرك، بل ملأ الفراغ الذي صنعه هاروت بسحرٍ ما ثم ألصق كرسيه بكرسيّ تمامًا.
«سيد دوق ديلات.»
عبستُ في وجهه فأنزل يده، ثم رفع كلتا يديه كمن يعلن براءته.
«ماركيز ديبير، اطرد ابنتك من العائلة. وإلّا سأعلن حرب الأراضي.»
«سـ، سيدي الدوق! هذا…»
ناديا هي الابنة الوحيدة لعائلة ديبير، والماركيز يدلّلها كثيرًا. لن يتمكّن من التخلّي عنها بسهولة.
«أجب الآن. لقد أهانت ابنة الماركيز المرأة التي أحبّها، وأستاذي القديم!»
أستاذ قديم؟
التفتّ خلسة إلى الخلف فرأيت والدي يبتسم ابتسامة عريضة.
«لقد درّستُ هاروت التاريخ.»
«حقًا؟»
«نعم. تعلّم مني التاريخ والفلسفة والسياسة عندما كان لا يزال فتى.»
لا عجب أنه يُبدي احترامًا لوالدي، إذًا هو تلميذه فعلًا.
بينما دفء خفيف يعمّني أنا ووالديّ للحظات، ظلّت ساحة المبارزة مشحونة بالتوتر.
«أجب الآن، يا ماركيز!»
«جلالة الإمبراطور! هذا لا يتماشى مع الإجراءات. اليوم كان مخصصًا للمبارزة فقط، وليس للحكم على طرد ابنتي!»
انقلبت السهام نحو الإمبراطور الذي كان يستمتع بالمسرحية.
«همم؟»
«صحيح، جلالتك. وكيل الآنسة ديبير خسر أمام دوق ستيا، فعائلة الماركيز ديبير مدينة بالتعويض، لكن حرب أراضي؟ أليس ذلك يمسّ أمن الإمبراطورية؟»
همست الإمبراطورة الجديدة، فبدا على الإمبراطور علامات التردد.
عائلة الماركيز ديبير تابعة للإمبراطورة الجديدة والأمير الثالث، وتنس بالتأكيد يتمنى أن تُمحى العائلة على يد هاروت، لذا اقتراح الإمبراطورة لن يروقه.
كنت أراقب كيف سيتصرف الجميع، لكن هاروت بنفسه دفع عائلة ديبير إلى الزاوية.
«سنحل الأمر وفق كلام جلالة الإمبراطورة. يا ماركيز ديبير، أطلب كتعويض عن المبارزة طرد الآنسة ديبير من العائلة.»
بما أن تعويض المبارزة يحدده المنتصر عادة، فكلام هاروت لم يكن فيه خطأ.
شحب وجه الإمبراطورة الجديدة، وكان تعبير تنس باردًا، لكنه بالتأكيد يضحك في سرّه.
اصفرّ وجه الماركيز ديبير تدريجيًا وهو ينظر بالتناوب إلى هاروت وابنته، ثم فتح شفتيه اليابستين أخيرًا.
«أعطني، أعطني بعض الوقت. كيف لي أن أقرر التخلّي عن ابنتي فورًا؟»
«إذن المفاوضات انتهت.»
وجّه هاروت سيفه المغلّف بهاله السوداء نحو الماركيز مجددًا.
«أنا، هاروت ستيا، سید عائلة دوقية ستيا…»
«سـ، سأفعل!»
«أبي!»
«سأسحب لقب ديبير من ناديا ديبير وأطردها من عائلة الماركيز ديبير.»
«أبي، هل ستتخلّى عني حقًا؟ كيف تستطيع أن تفعل بي هذا؟»
أمسكت ناديا بذراع والدها وهزّته، لكنه تظاهر بأنه لا يراها.
«ألا تشعر بالخجل أمام أمي الراحلة؟ تسلبني لقب ديبير وتطردني، ستصرخ أمي في العالم الآخر غضبًا!»
«لو كنتِ قد التزمتِ بالأدب منذ البداية لما وصل الأمر إلى هذا!»
لم يتحمّل الماركيز أكثر فداس الأرض غاضبًا، فشدّت ناديا قبضتيها.
«هل أنت فعلًا أبي؟ كيف تلومني أنا!»
لم يكن منظر الأب وابنته وهما يصلان إلى هذا الانهيار النهائي جميلًا بالنسبة لي، لكن معظم الحاضرين بدا أنهم يشعرون بشيء مختلف.
«كنت أعلم أن الآنسة ديبير ستسبب مشكلة يومًا ما.»
«مقارنة بحرب أراضي مع عائلة دوقية ستيا، فابنة واحدة ثمن زهيد.»
لو لم یكن النبلاء العليا یكنّ لي مشاعر طيبة، لكنتُ أنا من يتناولونه بالألسنة الآن.
الآنسة كايدن التي عملت خادمة، الآنسة كايدن الوضيعة…
شعرت بقشعريرة في ظهري.
«أرسل وثيقة طرد ناديا ديبير الرسمية إلى عائلة دوقية ستيا قبل نهاية هذا الأسبوع. وإلّا سأعتبر أنكم لم تدفعوا ثمن هزيمة المبارزة وأعلن حرب الأراضي.»
«حسنًا.»
«أبي!»
تاااااك!
أمسك الماركيز ديبير بذراع ابنته التي لا تزال تتشبث به بقوة.
«لا تسببي المزيد من المشاكل، وكوني كالفأر الميت حتى تُطردي! إذا تسببتِ بفضيحة أخرى قبل الطرد، سأتحمل أنا المسؤولية!»
بعد أن قدّم التحية المتأخرة للإمبراطور، غادر الماركيز وناديا.
حسنًا، انتهى الأمر أخيرًا…
«ليز !»
…كنت أظن ذلك، لكن الهدف التالي كنتُ أنا؟
يا للأسف، كان يجب أن أهرب منذ زمن!
يبدو أن حياة النبلاء أكثر راحة وتساهلًا من حياة الخادمة، ففقدتُ غريزة الحذر كثيرًا.
«ليز ، ألم تكوني تقولين سابقًا إنني أجمل رجل في العالم! لماذا تقولين اليوم إن هذا الوغد أجمل؟»
«ذلك لأنها كانت مضطرة لمدحك حينها بسبب مركزها. ألا زلتَ لا تفهم؟»
«لم أسألك أنت.»
صرّ هاروت بأسنانه. اتسعت مساحة هالة السوداء المحيطة بسيفه.
نهض أشيريل من مقعده و صنع درعًا أبيض كثيفًا.
في لحظة، امتلأت القاعة الإمبراطورية بنيّة القتل، فنصح معلمي الإمبراطور والإمبراطورة بالابتعاد قليلًا.
لكن الأمير الثالث وحده نهض مترددًا يستعد للهرب، بينما بقي بقية أفراد العائلة الإمبراطورية جالسين دون أن يتحركوا.
«اختاري، ليز .»
أعلن هاروت.
«أنا، أم ذاك الوغد.»
هذا بالضبط ما يكرهني فيك، هاروت ستيا!
قلتُ لك مرارًا إنني أكرهك، ومع ذلك تتشبث بي بوقاحة!
صحيح أنه أبعد ناديا بفضل مركزه كدوق ستيا، لكن ذلك في النهاية من أجل رضاه الشخصي.
قد يساعد في إبعاد أشيريل قليلًا، لكن…
بينما كنت أغطي وجهي وأتنهد بعمق، وُضعت يد على كتفي. كانت يد والدي.
«سيد دوق ستيا، من غير اللائق مناداة السيدة بلقبها المستعار بعفوية، أو سؤالها
عن مشاعرها في مكان عام.»
«أستاذي.»
«إذا كان لديك ما تقوله، فأرسل دعوة إلى قصر كايدن لاحقًا، وحدّد موعدًا ثم زُرنا.»
«أستاذي، هذه المرة لن أتراجع. ليز ، تكلّمي.»
رغم نظرات هاروت القاتلة، واصل والدي كلامه بهدوء، لكن هاروت كان عنيدًا.
«هاروت ستيا، هل هكذا علّمتك؟ من أين تعلّمت هذا السلوك السيء!»
«لكن أستاذي! انظروا إلى وجه هذا الساحر المقيت وهو يبتسم!»
«وجهي هكذا من الأساس. ليس أول مرة تراه، فلماذا تغضب؟»
هزّ أشيريل كتفيه، فتنهد والدي وأومأ برأسه. أُصيب هاروت بالذهول وفتح فمه وأغلقه دون كلام.
«على أي حال، تخلّ عن ليز ، أشيريل ديلات!»
«لا أريد. أنت من يتخلّى. وجهك أقل وسامة من وجهي، فكيف تجرؤ على التقرّب من ؟»
بدأ شجار طفولي بين أقوى نبيلين وأعلى مكانة في الإمبراطورية.
نظر الحاضرون إلينا بفضول بالغ كمن يشاهد الفصل الثاني من مسرحية جديدة. وكان من بينهم تنس يقول بعينيه إنه يريد أن يجعلني مستشارته.
حاول والدي تهدئة الطرفين، لكن هاروت أطلق هالة سيفه واستخدم أشيريل سحره، فاستحال تهدئة الأمور مستحيلة.
«هااا…»
تنهد والداي وغطيا وجهيهما بكلتي يديهما، ثم ربتا على كتفي.
كنت أتمنى لو أُغمي عليّ، لكن أعصابي القوية لم تسمح بذلك.
التعليقات لهذا الفصل " 57"