الفصل 55

 

بعد اول ظهور مليء بالتّعقيدات والمنعطفات، صرتُ أستطيع دخول القصر الإمبراطوريّ.

 

 

لم أتوقّع أبدًا أن تكون أوّل زيارة لي للقصر من أجل مشاهدة مبارزة هاروت.

 

“الأمور صارت مسليّة.”

 

قبل موعد المبارزة، زار أشيريل قصر كايدن الكونتيّة وهو يبتسم بفم معوجّ. كان يرتدي رداءه ذا الأكمام الواسعة المعتادة، يمسك يدي ويسحبني، ومزاجه سيّئ جدًّا.

 

“اليوم أنا شريكك أيضًا، صحيح؟”

 

 

“كما تشاء.”

 

كنتُ أرتدي قفّازات دانتيل، أمّا هو فكان عاري اليدين، يداعب معصمي بأصابعه بلطف.

 

 

انخفضت زاوية عينيه المرفوعة قليلًا. ثمّ أبلغ والديّ بإشعار لا يقبل الرّد. 

 

“سأقود ليز بنفسي، فتفضّلا بالرّاحة.”

 

قبل أن يردّا، جرّني من يدي فركبتُ عربة عائلة ديلات.

 

 

جلس أشيريل بجانبي، يمسك معصمي بيد ويحتضن خصري بالأخرى.

 

“ليز ، هل قرّرتِ أخيرًا ألّا ترفضي لمستي؟”

 

 

“ليس الأمر كذلك.”

 

عندما دفعتُ يده، رسم تعبيرًا حزينًا.

 

“ألا يمكنكِ السماح لي بمسك يدك؟ الأسبوع الماضي لم نلتقِ ولو مرّة.”

 

في أسبوع حفلة اول ظهور، لم نُجرِ درسًا واحدًا بالفعل. وفي يوم الحفل كلّنا ارتدينا قفّازات، فلم يحدث تلامس جلد.

 

تنهّدتُ وخلعتُ قفّازي الأيمن، فاحتضن يدي بكلتا يديه كمن كان ينتظر، حتّى أشفقتُ عليه.

 

بعد انتهاء الحفل، زرتُ قصر الساحر الاعظم مرّة.

 

 

استمعتُ إلى شرح عامّ عن كيفيّة استخدام السّحر، وكم كان مفهومًا!

 

 

أكّد لي مجدّدًا أنّ أشيريل عديم الموهبة التّعليميّة تمامًا، وأنّ عقدي معه احتيال لا أقلّ.

 

 

لكن بسبب الآثار الجانبيّة الخطيرة لاستخراج القوّة السّحريّة بالقوّة التي سمعتُ عنها من الساحر الاعظم ، لا أستطيع طلب إنهاء العقد. ما زلتُ بحاجة إلى القوّة، وهذا صحيح.

 

 

“يد ليز صغيرة جدًّا.”

 

أخفى أشيريل يدي داخل يده وهو يهمس بدهشة.

 

 

“كيف كنتِ تنظّفين بهذه اليد الصّغيرة؟”

 

كان يشبك أصابعه بأصابعي تارة، ويقارن حجم راحتيه براحتي تارة أخرى، كطفل بريء.

 

 

شعره الفضيّ المتدفّق، شفتاه الورديّتان المفتوحتان نصف فتحة، عيناه المُرخاة قليلًا… جمال مفرط جعل قلبي يخفق “نـــبـــض نـــبـــض نـــبـــض”.

 

“امسك يدي فقط ليختفي الصّداع.”

 

عندما وبّخته وهو يفرك خدّه في راحة يدي، أغلق عينيه ناعمًا وهو لا يزال يضع خدّه على يدي.

 

“تهتمّين بي؟ أنا مسرور، ليز .”

 

 

“يجب أن تكون سيد الدّوق بصحّة جيّدة حتّى تستمرّ في منحي القوّة السّحريّة. لذا عليك أن تكون بصحّة.”

 

“صحيح.”

 

السّحر يستخدم القوّة عبر وسيط يُدعى “التّعويذة”، لذا حتّى لو تمّ طرد القوّة خارج الجسد فلا تكاد تكون هناك آثار جانبيّة.

 

 

لكنها ليست معدومة تمامًا؛ فالسّحرة أضعف جسديًّا من العاديّين، وقد تتراجع الرّؤية، إلخ.

 

 

لكنها لا تعيق الحياة كثيرًا، أمّا استخراج القوّة اصطناعيًّا فشأن آخر.

 

 

قيل إنّه كقطع الأعضاء الدّاخليّة قطعة قطعة؟

 

إنّه الموت!

 

يمنحني القوّة ليزيل الألم وليلمسني، لكنّه يخلق ألمًا جديدًا… أشيريل مجنون حقًّا.

 

“آه، لحظة.”

 

لامست شفتاه راحة يدي بلطف.

 

 

شعور قويّ جدًّا جعل الصّندوق المدفون في أعماق قلبي يهتزّ بشدّة.

 

“لا تقبّل الشّفاه!”

 

“هكذا يدوم التّأثير أطول.”

 

توقّفتُ عن سحب يدي بالقوّة.

 

“بالضّبط، إذا لامست الشّفاه الشّفاه يكون التّأثير أقوى. اليوم الذي لامستُ فيه شفتي ليز كنتُ منتعشًا طول اليوم.”

 

 

“…”

 

“لم نلتقِ كثيرًا منذ فترة، ولن نلتقي لفترة أخرى…”

 

 

اقترب وجهه الوسيم تدريجيًّا.

 

“هل يجوز؟”

 

***

 

كان مزاج غريتون وهو ذاهب إلى القصر معقّدًا.

 

 

كان في طريقه ليكون حكمًا في مبارزة يخوضها دوق ستيا من أجل شرف تلميذته الجديدة ريليز.

 

 

ريليز من بين كلّ النّاس، ريليز بالذّات!

والخصم لا يقلّ عن هاروت ستيا، ثاني أقوى شخص في الإمبراطوريّة!

 

“أشيريل هذا الوغد، ماذا يفعل بالضّبط؟”

 

مسح لحيته البيضاء الطّويلة وتنهّد.

 

 

عندما قال إنّه يمنح ريليز قوّته السّحريّة، ضربته بعصاي وأمرته بإيقاف هذا الجنون. 

 

هدّدته بأنّه إن لم يتوقّف فلن يحضر الحفل الذي ستستضيفه الفتاة، وسيجعل وضعها مضحكًا.

 

 

فقال تلميذه كمن لا خيار له، وكشف سبب لطفه مع الفتاة:

 

 

<عندما ألمسها يزول الصّداع.>

 

فرح غريتون للحظات لأنّ تلميذه الذي عانى من الصّداع والألم الطّاعن منذ الطّفولة وجد دواءً، لكنّه استغرب لماذا يمنحها قوّته أيضًا ليتقرّب منها.

 

 

لكن الغموض انحلّ سريعًا.

 

 

دوق ستيا والأمير الإمبراطوريّ يطمعان في ريليز.

 

 

ظنّها مزحة أوّلًا؛ دوق ستيا الذي هو تجسيد اللامبالاة في أمور الجنس الآخر مهتمّ بفتاة؟

 

 

لكنّ نظرات دوق ستيا لتلميذته في الحفل كانت تحمل نية قتل، لم تكن هيّنة. والأمير أقلّ حدّة، لكنّه مهتمّ بها بلا شكّ.

 

 

الثّلاثة يترصّدون بعضهم ويحاولون امتلاك ريليز.

 

“والمضحك أنّ ريليز نفسها لا تبدو مهتمّة بأحد.”

 

بما أنّها تتعلّم السّحر منه، فلا بدّ أنّها تقضي وقتًا طويلًا مع تلميذه.

 

“…لحظة، لماذا يتصرّف هذا الوغد كالطّيّب ويلبّي كلّ ما تطلبه الفتاة بطيب خاطر؟”

 

لو كان حقيرًا كالعادة، لاستغلّ الوقت معها في تلامس جريء يدمّر سمعتها، فيسهل أخذها.

 

 

لو حاول دوق ستيا منعه لكان الأمر مزعجًا، لكن تلميذه عديم الأخلاق، قادر على أكثر من ذلك.

 

 

لكنّه يلبّي رغباتها كما هي. بل يتحلّى بصبر لا يشبهه!

 

“ما الذي يحدث، هل العلاج مجرّد ذريعة وهو في الحقيقة… يحبّها؟”

 

قال التلميذ إنّها تزيل ألمه فقط، لكن غريتون شعر أنّ تصرّفات تلميذه مختلفة عن المعتاد.

 

 

يبدو أنّه هو نفسه لم يدرك بعد…

 

“آه، لا شيء أقسى من الحبّ من طرف واحد.”

 

لو لم يدرك مشاعره أبدًا لكان ذلك أفضل.

 

 

تنهّد غريتون، صاحب خبرة 30 سنة في الحبّ من طرف واحد، تنهّدات عميقة.

 

****

 

مكان مبارزة هاروت وناديا كان ساحة فارغة بعد البوّابة الرّئيسيّة للقصر.

 

 

أرادوا اختيار ساحة تدريب فرسان لتبدو جميلة، لكن خيفة أن يُقال إنّها ميّزة لقائد الفرسان هاروت، فاختيرت السّاحة الفارغة.

 

 

نزلنا عند البوّابة وتوجّهنا إلى السّاحة، وأنا لم أمسك يد أشيريل .

 

“تعالي معي، ليز .”

 

 

“وصلنا القصر، فنادِني سيّدة كايدن من فضلك.”

 

“لكن هاروت ناداكِ ليز سابقًا. ألم تسمعي الشّائعات الغريبة التي انتشرت بسبب ذلك؟”

 

 

“أيّ شائعات؟”

 

 

“النّاس يقولون إنّ بينكِ وبين هاروت شيئًا منذ عملتِ في قصر ستيا؟”

 

كنتُ أعلم أنّ هذا سيحدث، اللّعنة!

 

“لتحقيق التّوازن، أليس من الأفضل أن تنتشر شائعات عنّي وعنكِ أيضًا؟”

 

 

لا أعتقد ذلك. سيضاف عار آخر فقط.

 

“منعتني حتّى من التّقبيل، فدعيني على الأقلّ أناديكِ باسمك. ليز ، ليزي!”

 

عبستُ، لكنّه هذه المرّة بدا مصمّمًا على عدم الرّجوع، فاستمرّ في مناداتي باللّقب الحميم، فغيّرتُ الموضوع تمامًا.

 

“وااه، كم هذا العدد كبير من النّاس.”

 

“بالطّبع، لم يحدث شيء مسليّ كهذا منذ زمن.”

 

على أطراف السّاحة كراسي موضوعة كأنّ الوسط مسرح، محاطة بدائرة.

 

 

لكن مكان الكراسي محدود بوضوح.

 

 

باستثناء كرسيّ الإمبراطور والإمبراطورة الفخمين الكبيرين، كانت بقيّة المقاعد شاغرة جزئيًّا، والباقون واقفون.

 

“من هنا.”

 

قادني أشيريل أنا ووالديّ إلى الجهة المقابلة مباشرة لكرسي الإمبراطور، موقع يُرى فيه كلّ شيء بوضوح تام.

 

“هل يجوز لي الجلوس هنا؟”

 

 

“بالطّبع.”

 

نبلاء أعظم منّي بكثير واقفون؟

 

نعم، المبارزة بسببي، لكن هل يجوز حقًّا؟

 

“لماذا؟ من قال لـ ليز لا تجلسي؟ هل أقلع عيون كلّ من ينظر إليكِ بنظرات وقحة حتّى لا تقلقي؟”

 

“لا، سأجلس.”

 

لا أريد رؤية أحد يُقلع عيناه لأنّه نظر إليّ باستياء، فجلستُ مسرعة.

 

“سيد الدّوق، في مكان رسميّ، احذر من مناداة ليز .”

 

 

“عذرًا يا كونت، لكن هذا صعب. أنا منزعج جدًّا من أن تكون هذه المناسبة بسبب هاروت ستيا، ومن أن تُذكر ليز مع ذلك الوغد.”

 

أشيريل الذي عادة يوافق على طلبات والدي بسهولة، أجاب وهو يصرّ على أسنانه.

 

“لكن سيد الدّوق…”

 

 

“لا تأمرني، أيّها الكونت.”

 

أمسكتُ يد أشيريل الذي بدا على وشك الانفجار بحذر.