الفصل 52
حفلة من أجل اول ظهور.
ليس حضور حفل راقص إمبراطوريّ في موسم السّهرات، بل إقامة حفلة خاصّة. هذه هي الشّروط لتصبحي عضوًا في المجتمع الرّاقي.
– أن تكون حفلة راقصة.
– أن يحضر أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
– أن يحضر أكثر من ثلاثين عائلة من النّبلاء ذوي الرّتبة الكونت فأعلى.
شروط يصعب تحقيقها إلّا لعائلة ذات سمعة عالية أو سلطة كبيرة.
لكن من أكون أنا؟ أنا ريليز التي يقف خلفها ولي العهد ودوقان!
وبما أنّ الموسم الاجتماعيّ لم يبدأ بعد وكثيرون في أراضيهم الإقطاعيّة، فقد أرسلتُ الدّعوات مبكّرًا جدًّا.
غير أنّ النّبلاء الكبار والعليا يقيمون دائمًا في العاصمة لأنّهم يعملون في القصر حتّى خارج الموسم، فاستغلّ تنس وهاروت و أشيريل هذه النّقطة وأعلنوا علنًا أنّهم سيحضرون حفلة الكونتيّة قصر كايدن ، فتدفّقت الرّدود الإيجابيّة.
“هل انتهى كلّ شيء، ليز ؟”
“نعم، أمّي.”
قبل أن يتدفّق النّاس، دخلت أمّي غرفتي للمرّة الأخيرة.
بسبب اقتراب الشّتاء، ارتديت فستانًا كريميًّا فاتحًا بأكمام طويلة، وزيّنته بعقد ياقوت. شعري الذي يتجاوز كتفيّ قليلًا مشّطته جيّدًا وثبّته بدبّوس مزيّن بالياقوت.
“ابنتي، لكنّكِ جميلة حقًّا.”
“شكرًا على المديح، أمّي.”
قد يكون السبب أنّ شرف عائلة كايدن معلّق بهذا الحفل، لكن أمّي بذلت جهدًا كبيرًا من أجلي. عيناها البنّيّتان كانتا تلمعان وكأنّ الدّموع على وشك التّساقط.
(الفستان والمجوهرات كان أشيريل من أعدّهما بالمناسبة).
“ليز ، جئتُ.”
أطلّ الرّجل الذي أطلّ برأسه من بين الباب المفتوح هو شريكي لهذا اليوم، أشيريل .
لم أكشف لهاروت وتنس من هو الشّريك حتّى اللحظة الأخيرة. أرجو ألا يتشاجرا عندما يعرفان أنّه أشيريل .
“مـ-ما هذا؟”
“ماذا؟”
“زيّ سيد الدّوق!”
لم يكن رداءه المعتاد ذا الأكمام المتدلّية المتكلّفة، بل رداء رسميّ على شكل زيّ عسكريّ. حتّى القميص الدّاخليّ لم يكن خفيفًا، بل بياقة مشدودة.
ارتدى قفّازات بيضاء، وشعره مرتب بهدوء…
منظر أشيريل ضربني في صدري.
هل يجوز أن يكون بهذا الوسامة؟
“يبدو أنّه أعجب ليز كثيرًا؟ لو علمتُ أنّكِ ستحبّينه لهذه الدّرجة لكنتُ أرتديه منذ زمن.”
“سيد الدّوق، أمام النّاس يجب أن تناديني «سيّدة»، لا تنسَ ذلك، اتّفقنا؟”
“حسنًا، كونتيسة كايدن. لا يمكنني أن أنتقص من شرف انسة كايدن.”
رسم أشيريل هلالًا بعينيه.
“وإذا حدث أيّ مشكلة فسأتحمّلها كاملة، فلا داعي للقلق.”
كلمة «مسؤوليّة» التي يقولها أشيريل تحمل نبرة مريبة، فأنا لا أريد أن يخلق سببًا ليتحمّل مسؤوليّته.
“سيبدأ النّاس بالقدوم قريبًا، أليس كذلك ، لننزل يا ليز ؟”
“نعم.”
لا يزال أمام بدء الحفل ساعة تقريبًا، لكنّنا توجّهنا إلى القاعة.
“هووو.”
“متوترة؟”
أومأتُ، فابتسم أشيريل وهو يلتقط نظري.
“لا تقلقي. إذا أخطأتِ ليز ، سألقي تعويذة نسيان الذّاكرة على كلّ من في هذه القاعة.”
“كلام في غاية المساعدة.”
لكن وجهك مضرّ جدًّا لقلبي!
ربّما لأنّني سمعتُ أنّ استخراج القوّة السّحريّة بالقوّة مضرّ جدًّا للجسد، بدا لون أشيريل اليوم شاحبًا بشكل خاص.
“هل جسدك بخير حقًّا؟”
“أنا مع ليز ، فكيف يمكن أن أكون سيّئًا؟”
“نحن نمسك الأيدي بقفّازات.”
تأثير الشّفاء يحدث فقط عندما يلامس الجلد الجلد.
“أنا شريك ليز اليوم. مجرّد التّفكير في وجه هاروت وهو يغلي غيرة يجعلني سعيدًا حتّى الصداع يختفي. سأحتكر ليز الجميلة هكذا.”
قبّل أشيريل صدغي بخفّة.
“هـ-هذا…!”
“أريد على الشّفاه لكنّني سأصبر. إذا رأتْ الكونتيسة ستطردني.”
في اللحظة التي أردتُ فيها توبيخه، سمعتُ أصوات الضّيوف خارج القاعة.
دخل النّاس تباعًا، فخبّأتُ توتّري وسلّمتُ عليهم.
“أهلًا وسهلًا، الكونت جوردن، الكونتيسة.”
“سعداء بلقائكِ، آنسة كيدن.”
“شكرًا لحضوركما لتهنئة شخص عزيز جدًّا عليّ في اول ظهور.”
“دوق ديلات! شرف عظيم أن أراك هنا!”
تأثير دوق أشيريل ديلات كان هائلًا!
جاء النّاس بعيون متسعة وكأنّهم يقولون:
«الأمير الإمبراطوريّ ودوقان سيحضران اول ظهور في عائلة كايدن الكونتيّة التي لم نسمع بها من قبل؟».
بسبب وقوفي بجانب أشيريل الجميل بشكل مفرط، بدوتُ كأنّني باهتة قليلًا رغم أنّني بطلة الحفل، وهذا أفضل لي.
لو أخطأتُ لن يلاحظ أحد، صحيح؟
توافد النّبلاء فرقًا فرقًا يتقدّمهم الكونت جوردن وزوجته. كان هاروت وتنس قد أخبرا أنّهما سيتأخّران قليلًا.
كانت ردود فعل النّاس على القاعة التي زيّنتها بمساعدة أمّي جيّدة، فتنفّستُ الصّعداء بهدوء.
“سمعتُ أنّ الكونت والكونتيسة كايدن تقاعدا ويعيشان في الرّيف منذ زمن، فما الذي أتى بهما إلى العاصمة؟”
اقترب أحد الكونتات وطرح السّؤال.
كثر من أرادوا الاقتراب بسبب وجود أشيريل ، لكنّ أشيريل كان يطردهم بنظرة قاتلة إذا طرحوا أسئلة غير ضروريّة.
ومع ذلك تجرّأ هذا الرّجل على الاقتراب، فلا بدّ أنّ لديه شجاعة كبيرة.
“استجاب والداي لطلبي بأن أريد القدوم إلى العاصمة.”
“همم، طبيعيّ أن يستجيب الوالدان لطلب أبنائهم. لكنّني عرفتُ لتوّي من الدّعوة أنّ في عائلة كايدن ابنة بالغة كهذه.”
توقّعتُ أن يُثار موضوع ولادتي، فلم أتفاجأ.
“عائلة كايدن في الأطراف، فمن الصّعب أن تصل أخبارنا إلى العاصمة. أليس الكونت نفسه لم يكن يعرف عائلتنا جيّدًا قبل هذا الحفل؟”
“همم همم.”
لو أخذنا الجزء الأوّل فقط لبدت كأنّني أحطّ من قدر عائلتي، لكنّني رددتُ بسؤال: «لماذا تسأل الآن بعد أن لم تهتمّ بنا من قبل؟»، فكحّ الكونت الأوسط العمر.
“ومع ذلك تقيم عائلة كونتيّة من الأطراف حفل اول ظهور خارج موسم السّهرات؟ وتملك قصرًا كهذا أيضًا، عجيب.”
نظرات الكونت الذي يتفحّصني من رأسي إلى قدميّ كانت مليئة بالامتعاض.
قال والداي إنّ نبلاء العاصمة العليا متكبّرون جدًّا ولا يقبلون الوافدين الجدد بسهولة.
حتّى لو كنتُ محطّ اهتمام الأمير الإمبراطوريّ ودوق ستيا ودوق ديلات، فسيحتقرونني أو يحذرونني، هذا ما كانت أمّي قلقة بشأنه خصوصًا.
كانت تخطّط لتقديمي بهدوء في الموسم، لكن بسبب الرّجال الثّلاثة أصبح الأمر ضخمًا.
“لماذا، ألا يجوز؟”
فجأة خرجت من فم أشيريل الذي كان يستعمل نصف التّعظيم كلمة فظّة.
“وهل تعلم أنّ موقفك الآن يحطّ من قدر سيّدة كايدن؟”
بصوته المنخفض انتفض الرّجل وهرب مسرعًا.
“وااه، كنتَ رائعًا للتو. هذه هي قوّة السّلطة؟”
“نعم. قوّة دوق ديلات. إذا أعجبتِ بي، ماذا لو أصبحتِ زوجتي، ليز ؟”
دون اكتراث لنظرات النّاس، قبّل أشيريل أطراف أصابعي بخفّة.
“!”
“إذا قلنا إنّ حتّى هذا ممنوع . أنا جادّ في إغواء ليز .”
ألا يشعر هذا الرّجل بالخجل؟ كيف يقول هذا بهدوء؟
يعني أنّ قدرة الشّفاء التي أملكها مطلوبة لهذه الدّرجة.
عندما حضر معظم المدعوّين، ظهر القلق الأوّل والثّاني جنبًا إلى جنب.
“تبدين رائعة اليوم حقًّا، سيّدة كايدن.”
ما إن رأى هاروتُ أشيريل يلوّح بيده بخفّة حتّى سحب سيفه نصفه وهو مبهور بي للحظة.
“أنت، أنت…!”
“إن لم تكن تنوي تشويه سمعة سيّدة كايدن فكن حذرًا، صاحب السّمو دوق ستيا؟”
“لماذا هذا الوغد ولستُ أنا…”
رغم أنّه يصرّ على أسنانه، أعاد هاروت سيفه إلى غمده.
الذي يحبّه هاروت هي ريليز قبل الموت، لذا يجب أن أزيل سوء الفهم هذا…
لكن إذا اختفى هاروت الذي يشكّل قوّة ردع، سيصبح أشيريل لا يُضبط. يؤلمني رأسي ماذا أفعل بهذين الاثنين.
“سعدتُ بلقائكِ، سيّدة كايدن.”
قبّل تنس ظهر يدي بخفّة وأبدى ردّ فعل طبيعيًّا.
يبدو أنّ الأمير الإمبراطوريّ يريد جعلي مستشارة، لكنّني لا أملك هذه القدرة، وإذا أخطأتُ قد تُقطع رقبتي، فـ سأرفض رفضًا قاطعًا.
عجيب أن أشيريل هو الأكثر أمانًا من بينهم بمعنى ما.
انتظرتُ قدوم ساحر الاعظم، لكنّه تأخّر، فتوجّهتُ إلى المنصّة المعدّة لإعلان بدء الحفل.
لكن باب القاعة المغلق فُتح ودخل أحد.
بما أنّه وصل متأخّرًا وحده، تجمّعت الأنظار عليه، لكن الشّخصية بدت وكأنّها تستمتع بأنّها بطلة الحفل ودخلت بثقة.
“أهلًا وسهلًا، أنا ريليز كايدن.”
“مرحبًا، أنا ناديا من ماركيزية دييير.”
الفتاة التي ظهرت كبطلة بشعر ورديّ كانت ناديا دييير، بطلة رواية «أريد الدخول إلى قلبك».
التعليقات لهذا الفصل " 52"