الفصل 51

 

فرصة أن أصبح تلميذة الساحر الاعظم، لا يمكنني تفويتها أبدًا.

 

 

“بالطّبع أريد أن أتعلّم السّحر من الساحر الاعظم . هل حقًّا يمكنني ذلك؟”

 

“بالتّأكيد.”

 

 

“أيّها العجوز! لماذا تحاول سرقة ليز منّي!”

 

 

كشف أشيريل عن غضبه، لكن الساحر الاعظم تظاهر بأنّه يسمع بطًّا يصرخ في مكان بعيد وتجاهله تمامًا.

 

“يا صغيرتي، أليس ما يعلّمه هذا الفتى صعب الفهم؟”

 

“كيف عرفت؟”

 

توقّف أشيريل فجأة عن محاولة الإمساك بياقة الساحر الاعظم .

 

 

“كيف لمن ولد يعرف السّحر منذ المهد أن يعلّم الآخرين السّحر؟ بالنّسبة إليه، استخدام السّحر أمر طبيعيّ مثل التنفّس. من المستحيل أن يشرح للآخرين.”

 

 

“ليس الأمر كذلك! أنا أستطيع الشّرح!”

 

 

“إذن، علّم هذه الفتاة الآن، في هذا المكان، كيفيّة استخدام تعويذة عزل الصّوت.”

 

 

مع طلب الساحر الاعظم ، احمرّ وجه أشيريل تدريجيًّا ثمّ بدا وكأنّه على وشك الانفجار. حتّى شعره الفضيّ اللامع ارتفع في الهواء ووقف متوتّرًا.

 

 

تعويذة عزل الصّوت كانت واحدة من التعاويذ التي كنت أتوق لتعلّمها!

 

 

نظرت إلى أشيريل وأنا أخفي خيبة أملي، فالتقت عينانا.

 

ظننتُ أنّ هذا الوقح سيغضب لأنّني أرسلت له نظرة استهزاء، لكنّه اكتفى بتعبير كئيب ولم يقل شيئًا.

 

 

“أرأيت؟ لا تستطيع تعليم تعويذة عزل الصّوت ويتظاهر بأنّه أستاذ.”

 

 

نفخ الساحر الاعظم بازدراء.

 

 

“أشيريل ، أيّها الأحمق. لا يمكنني أن أدع العالم يعرف أنّ تلميذي أحمق، لذا سأقوم أنا، معلّمك، بتنظيف فوضى تلميذي. لذلك يا صغيرتي، تعلّمي السّحر منّي من الآن فصاعدًا.”

 

 

“لكنّني يجب أن أستمرّ في إعطاء ليز قوّتي السّحريّة.”

 

 

“ماذا؟ أنت تعطي قوّتك السّحريّة لهذه الفتاة؟”

 

 

اتّسعت عينا الساحر الاعظم كأنّهما على وشك الخروج من محجريهما.

 

“أنت؟ أعطيت قوّتك السّحريّة لشخص آخر؟ حتّى لو كانت قوّتك تفيض، لا يجوز لك فعل ذلك بلا مبالاة!”

 

 

كان أشيريل يتحدّث عن الأمر ببساطة فظننتُ أنّه ليس بالأمر الجلل، لكن ردّ فعل الساحر الاعظم لم يكن عاديًّا.

 

 

“أنا… قال إنّه سيمنحني ما يكفي لأصبح ساحرة متوسّطة المستوى، هل هذا بخير؟”

 

 

“مجنون، هذا الفتى!”

 

 

ضرب الساحر الاعظم رأس أشيريل بيده المجعّدة.

 

 

“حتّى لو كانت قوّتك السّحريّة وفيرة، ألا تعلم أنّ استخراج هذا الكمّ من القوّة يرهق الجسد؟”

 

 

“إذن ماذا أفعل؟ ليز تحتاج إليها.”

 

دلك أشيريل رأسي بلطف.

 

“أنا بخير تمامًا. هذا القدر من القوّة لا يعدو كونه غبارًا بالنّسبة إليّ.”

 

“ماذا؟ حتّى لو كان كذلك، فإنّ القوّة السّحريّة تُستمدّ من حياتك! إنّها كاستخراج كميّة قاتلة من الدّم!”

 

 

بسبب ردّ الفعل العنيف للساحر الاعظم، لم أستطع التخلّص من يد أشيريل . شعرتُ مجدّدًا بمدى يأسه للحصول على قدرة شفائي.

 

 

“هاااه، كنت أعلم أنّك أحمق، لكن حقًّا…”

 

 

تنهّد الساحر الاعظم وهو يمسح لحيته البيضاء، ثمّ استدار فجأة ونظر إليّ.

 

 

“يا صغيرتي، بما أنّ هذا الفتى يريد منحك قوّته ليجعلك ساحرة، فعليكِ أن تتعلّمي السّحر بجدّ أكبر. أنا غالبًا في القصر الإمبراطوريّ، لذا سيكون من الأفضل أن تأتي إلى القصر.”

 

 

“في الشّهر القادم لديّ حفلة تقديمي الأولى. بعد التحيّة في المجتمع الرّاقي، سأتمكّن من دخول القصر، فهل يمكنني البدء بالتّعلّم من ذلك الحين؟”

 

 

“بالطّبع، بالطّبع. يمكنكِ الحضور إلى منزلي قبل ذلك، لكنّ سيّدة على وشك التقديم تكون مشغولة، أليس كذلك؟”

 

 

“نعم، أنا مشغولة جدًّا بعض الشّيء.”

 

في الحقيقة، كنت مشغولة لدرجة أنّني اضطررت لتقليص عدد دروسي مع أشيريل .

 

 

اقترح والدي تقليص الدّروس مؤقّتًا، ولم أستطع رفضه، وكان أشيريل بالطّبع يعارض. بالنّسبة إليه، الدّروس جزء من عمليّة العلاج، فلا خيار لديه.

 

 

في النّهاية، قرّرنا تقليص العدد. وبدلًا من ذلك، زِدنا وقت إمساك اليدين من 10 دقائق إلى 20 دقيقة خلال درسَي الأسبوع.

 

 

كنت أشتكي بأنّني الخاسرة، لكنّني أدركت اليوم أنّ أشيريل هو الخاسر الحقيقيّ.

 

 

“الساحر الاعظم سيكون معلّمي قريبًا، بل هو معلّمي بالفعل، فهل يمكنني إرسال دعوة؟”

 

 

“هههه، بالطّبع. إذا أرسلت فتاة لطيفة مثلكِ دعوة، فسيكون ذلك شرفًا لي.”

 

 

عندما سلّمته الدّعوة، فرح الساحر الاعظم كثيرًا.

 

 

تقرّر أن أبدأ بتعلّم السّحر جدّيًّا من الساحر الاعظم بعد انتهاء حفلة التّقديم.

 

 

سيكون الساحر الاعظم مشغولًا، ويجب أن يلتقي بأشيريل دوريًّا، لذا سيكون التّعلّم مرّة واحدة في الأسبوع تقريبًا.

 

 

“حسنًا يا ليز ، إلى اللّقاء.”

 

 

تركنا الساحر الاعظم يلوّح بلحيته البيضاء بلطف، وركبتُ أنا وأشيريل العربة.

 

 

كان داخل العربة الفاخرة الخالية من الاهتزاز هادئًا تمامًا.

 

 

كان الهدف الأصليّ هو طلب من الساحر الاعظم أن يكون شريكي في حفلة التّقديم.

 

 

كان من الأفضل لو كان شابًّا في عمري، لكن الساحر الاعظم يتمتّع بمنصب ثابت، وهو معلّمي، فلا نقص فيه كشريك.

 

 

والأهمّ من ذلك، إنّه خيار يُبعدُني عن هاروت و ولي العهد وأشيريل .

 

 

“سيد الدّوق، هل يمكنني طلب خدمة واحدة؟”

 

 

لكن معرفة أنّ منح القوّة السّحريّة يستهلك الحياة، جعل قلبي يتزعزع رغم علمي بأنّ لأشيريل غرضًا.

 

“إذا كان طلب ليز ، فكلّ شيء جيّد. ما الأمر؟”

 

 

“في حفلة تقديمي، هل تكون شريكي؟”

 

 

“حقًّا؟”

 

“نعم، إذا أراد سيد الدّوق ذلك.”

 

 

“أنا بالطّبع أريد.”

 

 

ابتسم أشيريل بعينين منحنيتين وهو يحتضن خصري بخفّة، فدفعتُ يده بعيدًا.

 

 

“سأظلّ ألتقي بسيد الدّوق حتّى لو لم تكن شريكي، أليس كذلك؟ حتّى لو تزوّجت من شخص آخر، لن أتوقّف عن علاجك. فهل لا يزال منصب الشّريك مهمًّا؟”

 

 

“نعم، كنت أتمنّى لو أصبحتِ زوجتي.”

 

“ابحث عن زوجة أفضل منّي. أنت دوق ديلات.”

 

 

“لا توجد امرأة أفضل من ليز بالنّسبة إليّ. ليز ، كم مرّة يجب أن أقول حتّى تفهمي أنّكِ الأغلى عندي؟”

 

 

“قد يوجد شخص آخر يملك قدرة الشّفاء غيري.”

 

 

فجأة، خرج ما كنت أخفيه في قلبي منذ زمن.

 

 

“بل شخص يستطيع شفاء أشيريل تمامًا.”

 

 

“لم تنسي اسمي؟”

 

آه.

 

 

“في اليوم الذي استخدمتُ فيه القوّة السّحريّة لأوّل مرّة، نادتني ليز باسم أشيريل ، أتذكّرين؟”

 

لا، أبدًا.

 

“يبدو أنّ ليز تناديني باسمي عندما تشتدّ مشاعرها.”

 

لم أستطع النّفي لأنّه لم يكن خاطئًا تمامًا، فأغلقت فمي بإحكام.

 

 

“أنا سعيد لأنّني محفور في قلبكِ لهذه الدّرجة.”

 

 

لفّ أشيريل خصلة من شعري بأصابعه وابتسم كأنّه في نشوة. انحنى ببطء وهمس في أذني بهدوء.

 

 

“وإذا ظهر شخص يستطيع شفاء صداعي وآلامي تمامًا…”

 

دلكودوك.

 

توقّفت العربة فجأة قبل أن يكمل أشيريل كلامه. كنا أمام قصر كايدن.

 

“هل ننزل، يا سيّدتي؟”

 

 

نزل أشيريل أوّلًا ومدّ يده نحوي بسلاسة مألوفة، فنظرتُ بغيظ إلى يده الكبيرة النّاعمة التي عادةً ما تكون مخفيّة تحت ردائه.

 

في النّهاية، نزلتُ وحدي.

 

 

“آه، احذري.”

 

 

رفعني أشيريل بالسّحر بلطف عندما كدتُ أتعثّر، وقال لي أن أحذر، لكنّني لم أردّ.

 

لا، لم أكن قادرة على الرّد.

 

 

كان قلبي ينبض بسرعة جنونيّة حتّى أنّني كدتُ أختنق.

 

 

لم أعرف إن كان سبب احترار حلقي هو نفَس أشيريل الذي لامس أذني ورقبتي، أم همسه نفسه.

 

 

***

 

 

انتقلت العربة إلى قصر دوق ديلات، لكن أشيريل استخدم النّقل الفوريّ إلى مكان آخر من داخل العربة.

 

 

“أوي!”

 

 

قفز غريتون مذعورًا من مقعده عند ظهور تلميذه فجأة. كان على وشك تناول كعكة الكريمة والفراولة التي أحضرتها له ريليز كهديّة.

 

 

“ما الذي تفعله هنا يا هذا الفتى؟ ظننتُ أنّك عدت إلى المنزل.”

 

 

أخفى غريتون الكعكة بسرعة خوفًا من أن يطلبها أشيريل .

 

 

لم يبالِ أشيريل بالكعكة أصلًا، بل وضع ذقنه على الطّاولة وابتسم ابتسامة عريضة.

 

 

“أحسنتَ يا عجوز.”

 

“ماذا؟”

 

“لقد بالغتَ في التّصرف وكأنّ استخراج القوّة السّحريّة أمر خطير جدًّا.”

 

ابتسم أشيريل ابتسامة مشرقة.

 

 

“بفضلك، بدا أنّ ليز تشفق عليّ. لقد طلبت منّي أن أكون شريكها في حفلة التّقديم.”

 

 

“هذا أمر خطير فعلًا يا أحمق!”

 

 

ضرب غريتون جبهة أشيريل النّاعمة بقرصة خفيفة.

 

رنّ صوت “طق” بقوّة، لكن أشيريل ظلّ يبتسم كمن لا يشعر بالألم. فصداعه وآلام جسده كانت أقوى بكثير من قرصة.

 

 

“إذا لم تتزوّج من الشّخص الذي منحته قوّتك السّحريّة، فإنّ حياتك ستتسرّب كالرّمل بين أصابعك وتزول سريعًا.”

 

 

استمرّ التلميذ في الابتسام كأنّه يعلم ذلك، فعبس غريتون. لكن عيني الساحر الاعظم ، على عكس تعبيره، كانتا رطبتين بالدّموع.

 

 

“حتّى لو كانت الحياة مملّة، هل تنوي الموت بهذه الطّريقة؟”