الفصل 50
«يبدو أنّني حقًّا بعيدة عن الرقص.»
جلستُ أستريح قليلًا وأشرب الماء بعد أن تعثّرت خطواتي مرّات في الرقص.
حقّقتُ تقدّمًا جيّدًا في المواد الأخرى، لكنّ الرقص وحده لا يتبعني كما أريد.
تحيّة المجتمع، آداب الطعام وغيرها كلّها تبدو لائقة، لكنّ الرقص أخطئ فيه علنًا كثيرًا!
كثيرون رأوني خادمة في قصر دوق ستيا، فلا مفرّ من شائعة أنّني كنتُ خادمة. لذا أردتُ أن أتفوّق أكثر كي لا يعيبوني…
«هل أساعدك؟»
«آه! فواق!»
«بدوتِ متعبة يا ليز، فجئتُ لأساعدك.»
ظهوره في الوقت المناسب جدًّا جعله يبدو كمن كان يراقب قريبًا، لكنّ الفواق منعني من الاحتجاج.
«يا إلهي، حتّى ليز وهي تفوّق لطيفة.»
بدل الوقوف، اسكب لي ماء على الأقل!
عندما أشرتُ إلى الإبريق، لوّح أشيريل بيده. فانحنى الإبريق تلقائيًّا وسكب الماء في الكأس.
شربتُ الماء ممسكة أنفي، ونظرتُ إلى الساحر المتطفّل، فالتقت عينانا.
«تمرين الرقص، هل أساعدك؟»
كان تأثير كلامه كبيرًا جدًّا لأوبّخه على دخوله غرفتي دون إذن.
«هل تعرف الرقص يا دوق؟ حقًّا؟»
«نعم.»
لم أصدّق أنّ أشيريل تعلّم الرقص، فبقيتُ ساكنة، فنقر خدّي برفق.
«لماذا؟ رغم مظهري، أعرف الأساسيّات كلّها. أعرف استخدام الأواني جيّدًا، وأعدّ الشاي أيضًا؟»
همم، يعرف كيف يبدو للآخرين إذن.
«إن لم تصدّقي، هل نجرب؟»
رفع أشيريل أكمامه المتدلّية، مدّ يده اليمنى نحوي، ووضع ذراعه اليسرى خلفه.
كان يجب أن أطرده، لكنّ طلبه الرقص بهدوء تامّ جعل جسدي يتحرّك لوحده.
هذه الأيّام، يمدّ أحدهم يده فقط فيعني رقصًا، فمددتُ يدي دون تفكير!
أمسك أشيريل يدي، رسم عينيه هلالًا مبتسمًا، ثمّ بدأ يتحرّك.
«أنتِ متوترة جدًّا. أرخي قواك.»
همس لحنًا، وأخبرني كلّ حين عندما أكون متصلبة جدًّا.
«ليز، الرقص متعة. اتركي جسدك للتدفّق.»
رغم أنّني دُستُ قدمه بقوّة، استمرّ دون إظهار ألم.
لم يكن أشيريل يرقص فقط، بل يرقص ببراعة، وقيادته ممتازة، فاسترخى جسدي المتيبّس.
«ارفعي رأسك، وانظري في عيون الشريك.»
عيناه الصفراوان الداكنتان بشكل خاصّ اليوم تحدّقان بي.
كان في عيون توباز فقط أنا.
كيوم الألعاب الناريّة، تمامًا.
شعرتُ بنفسه.
هل يصل نفسي إليه؟ هل يسمع دقّات قلبي السريعة؟
كلّما تمايل شعره الأبيض الفضيّ، ظهر جبينه الأبيض الناعم. شعرتُ برغبة في لمسه بكفّي.
«ليز، ليزي الحبيبة.»
صوته الخافت بدا كاعتراف، فغامت روحي. أضواء الغرفة العاديّة بدت كثريات قاعة كبيرة فاخرة.
لم أعد أهتمّ بالخطوات، لكن قدميّ لم تتعثّرا، وجسدي تحرّك بسلاسة كمن يسير طريقًا مألوفًا.
مرّة، مرّتان، ثلاث…
بعد خمس مرّات تقريبًا، توقّفتُ عن دُس قدمي أشيريل.
عندما نجحنا في رقصة كاملة، قفزتُ دون إرادة.
«يبدو أنّك أفضل في تدريس الرقص من السحر يا دوق.»
«يسعدني أنّني ساعدتك يا ليز.»
رغم كلامي المزاح، رسم أشيريل عينيه هلالًا، وقبّل أطراف أصابعي برفق. احترّت أطراف أصابعي، لكنّني سحبتُها رويدًا متظاهرة باللامبالاة.
«آه صحيح، سألتُ والدي سابقًا عن زيارة الساحر الأعظم، فقال حسنًا. نذهب نهاية هذا الأسبوع لرؤية الساحر الأعظم.»
«نعم، سألتُ العجوز بعد الدرس، وقال إنّ وقته مناسب.»
ظننتُ أنّ اللقاء هذا الأسبوع صعب، لكنّه ممكن!
«إذن سأأتي غدًا لأصطحبك. حسنًا؟»
«انتظر، لم أُعدّ هديّة. هل يمكن بعد غد؟»
«هاهاها!»
سددتُ فم أشيريل الذي ضحك بصوت عالٍ بسرعة.
«سيأتي أحد إن سمعه.»
دحرج أشيريل عينيه، ثمّ أومأ موافقًا على الصمت. عندما أزلتُ يدي، ابتسم ابتسامة عريضة.
«لا بأس بالذهاب فارغة اليدين، لكن إن كنتِ تهتمّين، أحضري حلوى. العجوز يحبّ الحلو.»
«وااه، بالمناسبة، مهارة طبّاخنا في الكعك ممتازة.»
«رائع. سأأتي صباح غدٍ.»
نقر أشيريل خدّي، ثمّ فرك إصبعيه بصوت «طق».
«هل استخدمتَ سحرًا الآن؟ أم ألغيته؟»
«ألغيته. وضعتُ تعويذة عازلة للصوت عند دخولي غرفتك.»
بما أنّ أشيريل وضع تعويذة عازلة، لم يسمع أحد ضحكه العالي.
لكنّني من سددتُ فمه طالبة الصمت؟
نظر أشيريل إليّ وأنا أدرك الحقيقة متأخّرة، ضاحكًا كمن يجد الأمر مضحكًا، ثمّ لوّح بيده.
بعد لحظة، اختفى تمامًا.
شعرتُ بملمس الشفاه الناعمة في كفّي، لكنّني غريبة الأطوار لم أشعر بالضيق.
***
في صباح اليوم التالي، جاءت عربة عائلة ديلات الدوقيّة إلى قصر الكونت كايدن.
تفاجأتُ لرؤية أشيريل يركب عربة العائلة لأوّل مرّة، فنقر خدّي برفق.
«لماذا تتفاجئين بهذا؟»
لكنّه أزال إصبعه بسرعة تحت نظرة والدي الحادّة.
لم يبدُ خائفًا، لكنّه يتظاهر بمراعاة والدي لأنّني أوافق على قواعده.
شعرتُ أنّه يحترمني، لكنّه لو لم يكن هاروت ووليّ العهد رقباء، لعاملني بوقاحة، فشعرتُ بمرارة.
حملتُ كعكة الفراولة التي بذل الطبّاخ جهدًا فيها، وركبتُ العربة بحذر. جلس أشيريل مرافقي بجانبي.
«كيف هو الساحر الأعظم؟»
«العجوز؟ ساحر عاديّ.»
كونه الساحر الأعظم يجعله غير عاديّ بالفعل.
«غير طبيعيّ. تبنّاني رغم تجنّب الناس لي، وعلّمني السحر.»
«سمعتُ أنّ الخادم الذي يدير قصر دوق ديلات الآن كان في صفّك. بدا طبيعيًّا.»
«تتذكّرين جيّدًا ما قلته؟»
فتح أشيريل عينيه، مبتسمًا راضيًا، ولعب بأطراف شعري.
«بالمناسبة، لديّ هديّة لك يا ليز.»
«قلنا إنّ الهدايا انتهت.»
«أنا لم أعد بذلك؟»
أخرج أشيريل الوقح صندوقًا صغيرًا من كمّه. أردتُ الرفض، لكنّه فتحه بنفسه.
«آسفتِ لفقدان الدبّوس، أليس كذلك؟»
كان دبّوسًا مزيّنًا بتوپاز. حجمه مثاليّ لربط نصف الشعر.
مددتُ يدي مسحورة نحو الدبّوس اللامع بلمعان خافت وجميل.
أكبر وأفخم من السابق، لكن ليس مفرطًا، وأعجبني بشكل مذهل.
«كيف هو؟»
كان الدبّوس جميلًا جدًّا لأصرخ «لا أريده!» للساحر الذي يلمع عيناه انتظارًا.
«جميل.»
تنهّدتُ خفيفًا وتفحّصتُ الدبّوس، فابتسم أشيريل قائلًا إذن هو لك يا ليز.
«دوق، هل لديك حبيبة؟ تختار أغراض النساء بمهارة كبيرة.»
«بالطبع، لأنّني أفكّر بليز دائمًا.»
نظرتُ إليه متسائلة، فاحتضن أشيريل كتفيّ رويدًا. غمرت أنفي رائحته المنعشة.
«أيّ فستان يناسب ليز لتبدو جميلة، أيّ زينة تتناسب، أيّ عطر تحبّ… أعيش وليز في رأسي دائمًا، فلا بدّ أن أجد ما يعجبك.»
هذا جنون؟ آه صحيح، هو مجنون أصلًا.
«تخيّلتُ ما تحت فستان ليز، و…»
«كـ… كفّى!»
سددتُ فم الساحر بيدي التي لا يزال ملمس شفاهه الناعمة فيها. شعرتُ بضحكه خلف الكفّ.
شعرتُ أنّني خسرتُ فعبستُ، فاستمرّ أشيريل في الضحك.
«آه يا ليز. لطيفة جدًّا.»
ضحك طويلًا، ثمّ قرص أشيريل خدّي برفق.
«أريد حبسك في حضني، لكن لا يمكن، أليس كذلك؟»
«بالطبع.»
«آسف.»
بدوتُ حمقاء وأنا أدفعه، فاحتضن أشيريل خصري بطبيعيّة، وفرك أنفه في خدّي. كان الدلال مفرطًا ليكون مجرّد احتكاك لإزالة الألم، فنسيتُ دفعه.
خلال ذلك، وصلنا إلى قصر الساحر الأعظم غريتون في ضواحي العاصمة.
«العربة تمرّ مباشرة؟ قلتَ إنّ هناك أجهزة سحريّة حول قصر الساحر الأعظم.»
«نعم، يبدو أنّه أزالها لأنّ ضيوفًا قادمون.»
ظننتُ أنّ تعويذات هجوميّة ستظهر، يا للأسف.
«تفضّلا، سيدي ديلات. والسيّدة.»
تفاجأتُ بوجود خادم وخدم وخادمات في قصر الساحر الأعظم، وتوجّهنا إلى المكتبة حيث ينتظر الساحر الأعظم.
في المكتبة المهيبة الهائلة، سأل الساحر ذو اللحية البيضاء الطويلة فورًا.
«هوهوهو. يا فتاة، هل تريدين تعلّم السحر منّي؟»
التعليقات لهذا الفصل " 50"