الفصل 45
في البداية، كان والدي قلقًا من أنّ معلّمي هو أشيريل ديلات، الشابّ الذي يطارد ابنته، لكنّه تذكّر صعوبة أن يصبح المرء ساحرًا، فسمح بثلاث دروس أسبوعيًّا.
«وعلاوة على ذلك، أليس الدوق لا يقدّم أيّ مساعدة خاصّة لليز؟»
«لذا السيف…!»
«إن كان بإمكان ليز أن تتعلّم السيف وتصبح فارسًا، فسأفكّر جديًّا في الأمر، لكن هل هذا ممكن؟»
أغلق هاروت فمه.
صحيح، لماذا دائمًا يقول كلامًا سخيفًا فيُردّ عليه؟ من الأفضل لو أمسك لسانه.
على أيّ حال، معرفة متى يصمت مهارة أيضًا.
«همم همم، ليز. هل هناك شيء غير مريح؟ ألا يزعجك سموه العهد أو ذلك الوغد أشيريل؟»
أعجبتُ بجلد هاروت السميك الذي يستمرّ في مخاطبتي رغم إحراجه.
«نعم يزعجانني. تمامًا مثلك يا سموّ الدوق.»
شحب وجه هاروت الذي كان قد ابتهج عند سماع «يزعجانني». ما هو سرّ إصرار هاروت الذي يتبعني رغم تلميحاتي؟
«ليز، إن انتهيتِ من الطعام، هل نتمشّى في الحديقة الخلفيّة معًا؟»
«حسنًا.»
كان لديّ سؤال أريد طرحه منذ زمن، فوافقتُ بسعادة.
مدّ هاروت يده مبتسمًا بسعادة واضحة. اعتاد والدي على زيارات الرجال الثلاثة الملحّة، فلم يعد يهتمّ بتمشية في الحديقة.
كانت الحديقة الخلفيّة التي تجاوزت منتصف الصيف الطويل مليئة بالعشب الأخضر.
كان النهار حارًّا، لكنّ الريح الباردة نسبيًّا تهبّ الآن في المساء.
تمايل شعر هاروت الأسود. كان وسيمًا بشكل مفرط في زيّ فرقة الفرسان.
«لماذا تنظرين هكذا؟ هل علق شيء على وجهي؟»
«كلّا، لديّ فضول.»
«تكلّمي براحة.»
«لماذا تُظهر لي كلّ هذا الإعجاب؟ مهما فكّرتُ، لا أفهم.»
توقّف هاروت عن المشي ونظر إليّ بعينين جادّتين.
تردّد قلبي لحظة، لكنّ هذا الرجل هو من أرسلني إلى مغسلة الملابس لأنّه غضب.
الذي لم يسأل حتّى لماذا كنتُ في قصر ديلات، بل اعتقد أنّه خطأي وغضب.
حتّى الآن، هو نفسه بطريقة ما. أليس يفرض مشاعره عليّ باستمرار؟
«ألم أقل لكِ إنّني أحبّك؟»
«لذا أتساءل لماذا تشعر بالإعجاب تجاهي. لا أعتقد أنّك أحببتني فجأة يومًا ما.»
«همم، سؤال منطقي.»
مسح هاروت ذقنه الناعمة.
«بدأتُ ألاحظك أوّل مرّة عندما وبّختُ خادمة، وكشفتِ كلّ شيء بصراحة رغم توبيخ رئيسة الخادمات.»
أنا؟
آه، إنّه يتحدّث عن ريليز قبل دخولي.
عندما تذكّرتُ بعد سماع القصّة، تذكّرتُ.
ميري خرّبت المكتبة سرًّا، فوبّخت خادمة المكتبة، و ريليز التي كانت تعرف الحقيقة كشفتْها.
«ثم راقبتك، وكنتِ دائمًا ثابتة. رفضتِ المكاسب غير العادلة، وقلتِ الكلام الصحيح حتّى أمام الأقوياء، فلم أستطع إلّا الوقوع في غرامك.»
أنا لا أرفض المكاسب غير العادلة، وأنا ضعيفة نموذجيّة أمام الأقوياء.
كانت ريليز وأنا متناقصتين تمامًا.
لم أعد شجاعة، لكن قول ذلك سيجعله يظنّ أنّه عذر للتخلّص منه، فصمتّ.
انتظروا، هل لهذا السبب لم يعترض عندما وبّخته أحيانًا؟ ربّما كان الحبّ جزءًا من سبب عدم غضبه.
بمعنى ما، فهمتُ أنّ قلب هاروت صادق، لكنّ تأكيد أنّه وقع في غرام ريليز السابقة جعلني أشعر بالارتياح.
الصدق صعب التحمّل.
«سيدي الدوق، إن تغيّرت مشاعرك تجاهي يومًا…»
«لن تتغيّر.»
«فقط لو افترضنا. أنت لم تتوقّع أبدًا أن تحبّني، أليس كذلك؟»
«هذا صحيح، لكن…»
جيّد، تردّد!
«إن توقّفتَ عن حبّي أو كرهتني، لن تسلبني مكانتي، أليس كذلك؟»
«بالطبع لا. مكانة آنسة الكونت كايدن ملكك، وليس لديّ هواية سلب ما أعطيته.»
«حقًّا؟»
عبس هاروت قائلًا هل لا تثقين بي.
«لكن سيدي الدوق، رغم رفضي لك، جعلتني خادمة لك بالقوّة، وأفسدت سمعتي داخل قصر الدوق، ثم طردتني من مسؤوليّة المكتبة لأنّني لم أعجبك.»
تفاجأ هاروت وفتح فمه للحظة.
«لم تنسَ أنّك أنت من دمّر سمعة «ريليز الجادّة» الذي بنيته بجهد، أليس كذلك؟»
حفّزتُ ضميره بجدّ، و…
«إذن سأكتب تعهدًا بألّا أفعل ذلك أبدًا مجدّدًا.»
نجح!
أضفتُ شرطًا آخر.
«ولن تكره والديّ أيضًا، أليس كذلك؟ يمكنك تركي ومحاصرة والديّ.»
أرسل هاروت نظرة تقول ما الذي تظنّينني إيّاه، لكنّه ارتجف عندما تظاهرتُ بالخوف.
«أنت من أقوى السلطة في الإمبراطوريّة، وأنا نملة تتكسّر إن داستني.»
«حسنًا. مهما حدث، لن أهدّدك أو الكونت كايدن. وعلاوة على ذلك، الكونت كايدن…»
سكت هاروت قليلًا، ثم أقسم أنّه لن يؤذي أنا أو عائلتي أو المحيطين بي مهما حدث.
«سأصدّق كلامك يا سموّ الدوق.»
في اليوم التالي، وصل تعهد موقع بختم دوق ستيا وختم قائد فرقة الفرسان الإمبراطوريّة إلى قصر الكونت كايدن.
هاروت مزاجيّ، لكنّه لا يخلف كلامه، لذا حتّى لو ابتعد عنّي لاحقًا، لن تكون هناك مشكلة.
شعرتُ بالراحة بعد صنع جهاز أمان لحياة مستقلّة.
***
خلتْ ادعائي لهاروت بأنّ «زيارات أشيريل المتكرّرة دروس!» من معنى، إذ لم يكن هناك تقدّم يُذكر في امتصاص المانا ودروس السحر.
قال أشيريل إنّ ماناي شبه معدومة لديّ. لذا ركّزنا حتّى الشهر الثاني على امتصاص المانا وجعلها ملكي.
فقط في الشهر الثالث بدأتُ أتعلم سحرًا حقيقيًّا. لا يزال نظريًّا فقط، دون تطبيق عمليّ.
«مرحبًا، ليز.»
حيّاني أشيريل الذي جاء في الموعد بعينين ناعستين.
رغم أنّ والديّ كرّرا عليه مرّات أن يناديني «الآنسة ريليز»، إلّا أنّ أشيريل يناديني ليز دائمًا كمن نسي. حتّى وليّ العهد لم يعد يناديني ليز.
التحسّن الوحيد هو أنّ أشيريل الذي كان يظهر فجأة في غرفتي بنقل فوريّ، أصبح يدخل من الباب الأماميّ بعد أمر المنع.
ليس استسلامًا لأمر والدي، بل تهديدي بأنّني سأذهب إلى قصر دوق ستيا إن لم يسمع كان فعالًا.
مدّ أشيريل يديه من خلف ظهره.
«تاداه.»
كان في يده باقة نرجس لا تتفتّح في هذا الموسم.
رفضتُ مرّات عديدة، لكنّ أشيريل يحضر زهورًا كلّ درس.
«وااه… زهرة تشبهك تمامًا يا دوق.»
«ماذا؟»
«كلّا، تفضّل بالدخول.»
سلّمتُ الباقة للخادمة وتوجّهنا إلى المكتبة مكان الدرس. جلستُ مواجهة على الطاولة وبدأ الدرس.
«ليز، إلى أين وصلتِ في الكتاب الذي أعطيتك إيّاه المرّة الماضية؟»
«انتهيتُ منه.»
طرقتُ غلاف الكتاب الأرجوانيّ.
كان عنوانه الطويل «أسهل وأبسط نظريّة في دوران المانا في العالم»، وعكس العنوان، كان سمكه بقدر إصبع صغير.
«ليز تلميذة مثاليّة.»
ضحك أشيريل كمن يجد الأمر مضحكًا وعيناه هلاليّتان.
«إذن، نفّذي أحد السحر المذكور فيه.»
«ماذا؟»
«ألم يكن في الكتاب عدة سحر أساسيّة؟ أتذكّر صنع ضوء، حفر حفرة، قلب صفحات الكتاب؟ على أيّ حال، خمسة أو ستة.»
«أعرف ذلك أيضًا…»
يطلب منّي فجأة استخدام سحر؟
«لكن لماذا؟»
رفع أشيريل حاجبيه الفضيّين كمن لا يرى مشكلة، فتنهّدتُ طويلًا.
«أنا لا أشعر بالمانا بعد بشكل صحيح.»
«أه؟ أليس المانا شيئًا يُشعر به طبيعيًّا؟ هل نحتاج تمرينًا على الشعور بها؟»
نعم، يقول الكتاب إنّ المبتدئين لا يشعرون بالمانا جيّدًا، لذا يجب تدريب إخراجها خارج الجسم لاستخدام السحر.
«التحكّم بالمانا سهل كالتنفّس يا ليز.»
أخرج أشيريل دخانًا فضيًّا من أطراف أصابعه ليُري، لكنّني لم أستطع حتّى العثور على المانا المفترضة في جسدي، فما بالك بالدخان.
أدركتُ متأخّرة مشكلة هذا الدرس.
أشيريل عبقريّ منذ الولادة، لذا ليس لديه موهبة في تدريس الآخرين على الإطلاق.
التعليقات لهذا الفصل " 45"