ابنة زوجي الكونت كايدن، سيلفيا، توفّيت في سنّ مبكرة جدًّا، حتّى إنّه لم يكن هناك من يعرف اسمها جيّدًا.
بل إنّ القليلين جدًّا هم من كانوا يعلمون أنّ لزوجي الكونت في المناطق الحدوديّة طفلاً أصلًا.
بفضل ذلك، تمكّنتُ من الاستمرار في استخدام اسم «ريليز».
مضى ثلاثة أشهر منذ أصبحتُ ريليز كايدن، وخلالها تلقّيتُ دروسًا في الآداب والإتيكيت الاجتماعيّ والرقص والتاريخ.
بالنسبة إلى السيدة، كان من المفترض أن يكون التطريز وترتيب الزهور وعزف الآلات الموسيقيّة أهمّ، لكنّ الكونت كايدن، بشكل مذهل، وضع المعرفة الأكاديميّة في المقدّمة.
كان والدي يظنّ أنّني سأجد التاريخ أصعب مادّة، لكنّ العكس حدث عندما بدأتُ الدروس فعلًا.
أنا أعرف القراءة والكتابة، وقد قرأتُ بعض كتب التاريخ عن الإمبراطوريّة والدول المجاورة في مكتبة هاروت، لذا كان التاريخ أسهل مادّة بالنسبة إليّ.
رغم أنّ التاريخ كان سهلًا، إلّا أنّ المواد الأخرى كانت جديدة تمامًا، فكانت صعبة.
«شكرًا على جهودك.»
«شكرًا لكِ، أستاذة بولايت.»
بعد انتهاء درس الآداب، توجهتُ إلى الحديقة الخلفيّة بصحبة الخادمة. كانت أمّي جالسة أمام طاولة في جانب الحديقة المليئة بالأشجار الكثيفة.
كانت أمّي تُقيم وقت شاي معي مرّة واحدة يوميًّا دون تخلّف.
كان والدي يريد الانضمام، لكنّ أمّي رفضتْ بحزم قائلة إنّ هناك حديثًا يخصّ النساء فقط. بنفس التعبير والنبرة التي كانت تنتقد بها هاروت وهي تبتسم.
عندما اقتربتُ، أشارت أمّي إلى المقعد لأجلس فورًا.
«ليز، هل أنتِ متعبة جدًّا؟»
«قليلًا. لكنّني اعتدتُ عليه الآن، فأنا بخير يا أمّي.»
«من المعروف أنّ عائلة فيكونت بولايت صارمة ومتشدّدة منذ أجيال.»
جاءت الخادمة بأدوات الشاي، فأعددتُ الشاي بنفسي.
في البداية كنتُ أخلط الترتيب، أضع أوراق الشاي في الكأس ثم أسكب الماء، بينما يجب سكب الماء أوّلًا ثم الشاي، لكنّني أصبحتُ ماهرة الآن.
وما يثير الدهشة أنّ هاروت نادرًا ما يشرب الشاي، فلم تكن هناك فرصة كثيرة لأتعلم منه حتى كمرجع.
«شكرًا لتكيّفك السريع.»
«أنا من يشكركما دائمًا. لقد راعيتموني وجعلتم الجدول مرنًا.»
«كلّ شيء إن تمّ بسرعة مفرطة يصيب بالضرر. وعلاوة على ذلك، ي ليز، حلمك ليس أن تصبحي سيدة عاديّة، أليس كذلك؟»
مدحت أمّي الشاي قائلة إنّه ناجح.
«لو أردتِ أن تكوني سيدة عاديّة، لكنتِ طلبتِ من دوق ستيا منذ زمن أن يثير موضوع الزواج، لكنّك بدوتِ غير مهتمّة. هل خطئي في ظنّي؟»
«كلامكِ صحيح يا أمّي. أنا لستُ مهتمّة بالزواج بعد، ولا أريد الارتباط بدوق ستيا على الإطلاق.»
ابتسمتُ بخجل.
كان والداي يمنعان اقتراب الرجال الثلاثة الذين يحاولون زيارتي يوميًّا.
أشيريل كان يأتي ثلاث مرّات أسبوعيًّا لتدريس السحر، فوافق بسهولة.
لكنّ هاروت ثار عندما قيل له ممنوع الدخول حتى اول ظهور ، وفجّر الباب الأماميّ، فاضطررنا إلى الاتفاق على زيارة واحدة أسبوعيًّا لهاروت ووليّ العهد.
عندما رأى والدي الباب المحطّم، قال كلمة واحدة فقط.
«هل تتباهى الآن لأنّك أنت من أهدى القصر؟»
اعتذر هاروت وأعاد الباب المحلّق بنفسه إلى مكانه، ثم أرسل عمّالًا لإصلاح التفاصيل.
بالتأكيد كان تفجير الباب وقاحة، وهاروت عادة يحترم الآداب، فكان ردّ الفعل طبيعيًّا.
لكنّه أمام والدي كان مختلفًا. يبدو كطفل مطيع، إن صحّ التعبير؟
«ليس من الإنسان بلا عيوب، لكن من وجهة نظري، دوق ستيا زوج محتمل ممتاز جدًّا. هل هناك شيء فيه لا يعجبك يا ليز؟»
«…》
«آه، لا أقصد أن أضغط عليكِ أو أدفع نحو الزواج.»
كنتُ أفكّر فقط، لكنّ أمّي ظنّت غير ذلك فطمأنتني.
هاروت ستيا غير حساس ومثابر بشكل مفرط، لكنّه لا ينظر إلى نساء أخريات، وسيم، جسده رائع، وهو دوق ستيا وقائد فرقة الفرسان الإمبراطوريّة.
…عندما أسردها هكذا، يبدو هاروت رجلًا رائعًا جدًّا؟
لو كبرتُ نبيلة، ولقيته نبيلًا بنبيل، لكنتُ شعرتُ بإعجاب حقيقيّ.
«بالتأكيد دوق ستيا شخص طيّب. لا يعامل الخادمات بتعسّف، ومعاييره في الثواب والعقاب واضحة.»
«أليس كذلك؟»
«لكن عندما يركّز على شيء واحد، لا ينظر حوله، ولا يستمع إلى آراء الآخرين إن اعتقد أنّه على حق.»
« ليز، أنتِ رفضتِ قلب دوق ستيا بالفعل، أليس كذلك؟ ومع ذلك يأتي بإصرار.»
«نعم.»
أومأت أمّي برأسها ورفعت كأس الشاي.
«بالتأكيد مثابر جدًّا. مثل هذا السلوك يُرهق الآخرين.»
مثل هذا العيب ليس كبيرًا في المجتمع النبيل، لكن بالنسبة إليّ كان قاتلًا.
«حسنًا ليز. حتّى لو كان شيئًا يشتهيه الجميع، إن لم يعجبك فلا حول ولا قوّة.»
بقي بعض الأسف في صوتها، لكنّ أمّي لم تُعد ذكر هاروت.
«إذن، هل تخطّطين لأن تصبحي ساحرة يا ليز؟ كنتُ أتساءل منذ زمن.»
أحد أسباب مرونة جدولي التعليميّ كان دروس السحر.
والدي الكونت كايدن ليس مهتمًّا كثيرًا بالسحر كعلم، لكنّه فرح بحماسي الدراسيّ وساعدني لأركّز على دراسته.
«نعم. سأبذل قصارى جهدي قدر استطاعتي لأصبح ساحرة.»
«همم، إذن هكذا.»
حدّقت أمّي في أوراق الأشجار التي تتمايل مع الريح لفترة.
في عاصمة الإمبراطوريّة فصول أربعة، لكن الصيف طويل بشكل خاصّ. الصيف الذي يغطّي نصف السنة بدأ ينتهي، وأصبحت الريح الباردة نسبيًّا منعشة.
فجأة التفتت أمّي وابتسمت ابتسامة عريضة.
«لكنّك ستتزوّجين، أليس كذلك؟»
«ماذا؟»
«ليس فورًا بالطبع، لكن يومًا ما.»
كانت عيناها تلمعان بدرجة تسبّب الضغط.
لا أريد الزواج بنبيل مجنون بنسبة واحد بالمئة، وعلاوة على ذلك هذه العلاقة مؤقّتة قد تنهار في أيّ لحظة.
بالطبع الزواج ليس ضمن اعتباراتي الآن، لكن…
«إن التقيتُ بشريك القدر، سأتزوّج حينها.»
لكنّني لم أرد كسر توقّعات أمّي، فأجبتُ بتعمية.
«يا للفرح! كنتُ قلقة أنّكِ لن تتزوّجي أبدًا. ليس دوق ستيا فقط، بل بسموّ ولي العهد أو دوق ديلات أيضًا.»
أنتِ تعلمين جيّدًا بالفعل.
«إن لم يعجبكِ أكثر ثلاثة رجال شعبيّة في الإمبراطوريّة، فأيّ نوع من الرجال يجب أن أحضره لكِ؟ كنتُ أفكّر في ذلك.»
«هاها…»
«أريد بالتأكيد أن أُعدّ حفل زفاف ابنتي.»
بدأت أمّي تتحدّث عن طموحاتها كمن كانت تنتظر، وتظاهرتُ بالاستماع. كانت تفاصيلها دقيقة إلى درجة تصبّب مني العرق البارد.
***
المرشّح الأوّل للزواج الذي تهتمّ به أمّي، هاروت ستيا، كان يقيم وقت شاي أو يتناول الطعام معي مرّة أسبوعيًّا.
والداي ليس لديهما مناصب رسميّة وإقليمهما صغير، فلهما وقت فراغ كثير، بينما هاروت قائد فرقة الفرسان الإمبراطوريّة، فالوقت الذي يخصّصه لي محدود.
لذا عادة ما نتناول العشاء معًا، وغالبا مع والديّ.
«ليز، تبدين نحيفة. هل زوجا الكونت يجوعانك؟»
«والداي لا يجوعانني. إن بدوتُ نحيفة، فلأنّك يا سموّ الدوق تحدّق بي، فأنا لا أستطيع الأكل جيّدًا.»
عبستُ ممسكة بالسكّين، فأدار هاروت نظره.
همم، جيّد. يبدو أنّ السكّين مخيفة فعلًا.
«ذلك لأنّ هذا هو الوقت الوحيد الذي أستطيع رؤيتك فيه. بعد الأكل ستطردينني مجدّدًا، أليس كذلك؟»
نعم.
بعد العشاء، كان والدي يطرد هاروت قائلًا إنّ بقاء رجل غير متزوّج في قصر سيدة عزباء حتى ساعة متأخّرة مخالف للآداب.
كان مشهد هاروت يُطرد غاضبًا منظرًا نادرًا.
«ماذا لو كان في عطلة نهاية الأسبوع؟»
«في نهاية الأسبوع أحتاج إلى الراحة أيضًا يا سموّ الدوق.»
أجبتُ بهدوء بلغة نبيلة.
«وعلاوة على ذلك، إن أصررتَ على القدوم في نهاية الأسبوع، فدوق ديلات وسموّ العهد سيطلبان الحقّ نفسه.»
«أشيريل ديلات يأتي ثلاث مرّات بحجّة تدريس السحر!»
«ليس حجّة، بل درس يا سموّ الدوق.»
قطع والدي الذي يقدّر العلم بحزم.
«دوق ديلات يزور قصر كايدن كمعلّم، وإن أردنا الدقّة، فهو الأكثر تضرّرًا لأنّه لا يحصل على وقت خاصّ.»
«كونت، هذا ظلم! كيف يمكنك أن تكون في صف ذلك الوغد لا صفّي!»
«سموّ الدوق أنت، هل نسيتَ أنّ ابنتي رفضتك بالفعل، ومع ذلك تأتي بإصرار؟»
التعليقات لهذا الفصل " 44"